الحلقة السابعة: قراءة في المسار العام للتيار الناصري في سوريا /5
نظرة ختامية
يتضح من التحليل العام الذي قمنا به للتيار الناصري، أننا أوليناه أهمية خاصة، وهذه حقيقة غير خافية، يدفعنا إليها بالإضافة إلى التزامنا الفكري والسياسي، اعتقادنا بأن أي ناظر موضوعي لمسار وتطور الحركة السياسية في سوريا لا بد أن يتوقف طويلا أمام الحركة الناصرية، ولا بد أن تثير لديه الكثير من التساؤلات، وقدر استطاعتنا حاولنا أن نجيب على هذه التساؤلات المفترضة دون زعم كاذب بالحيدة، لكن بجهد حقيقي كي تأتي هذه الإجابات أقرب إلى الموضوعية.
لقد تجاوزنا عمدا الحديث عن اتجاهين عايشا التيار الناصري فترة من الزمن:
** حركة القوميين العرب.
** حركة الوحدويين الاشتراكيين في الفترة التي تلت تشكيل الاتحاد الاشتراكي.
ذلك أن حركة القوميين العرب قد ودعت التيار الناصري، وأسقطت وجودها القومي، وانتقلت إلى خانة الفصائل الماركسية الجديدة، ووصل بها الأمر حد التبرؤ من تاريخها السابق، سواء تاريخ الفكر القومي البرجوازي الذي رافقها حتى التقائها بالناصرية، أو تاريخ الفكر القومي الثوري فترة لقائها بالناصرية.
وأما حركة الوحدويين الاشتراكيين فإنها عقب انقلاب 8 آذار قد خطت لنفسها طريقا ثابتا في التحالف المستمر مع سلطة البعث، أيا كانت هذه السلطة، ومهما تغيرت، وبالتالي افترقت بشكل مبكر عن الاتجاه العام للحركة الناصرية، ووصل الأمر بأحد أجنحتها إلى الاندماج بحزب البعث بعد استلام الفريق حافظ ألأسد السلطة في سوريا.
وفي المسار العام أيضا ركزنا الأضواء على الاتحاد الاشتراكي أولا، ثم على التنظيم الشعبي الناصري، ولم يكن غرضنا إجراء تفاضل بينهما، أو ترجيح واحد منهما، وإنما دفعنا إلى ذلك أنهما التنظيمان الوحيدان اللذان يرفعان شعار الالتزام بالناصرية، ويقودان نضالا في صفوف المعارضة، ويلتزمان بنفس الشعارات المرحلية” الوحدة الوطنية عبر العمل الجبهوي، والنضال الديموقراطي”، كما أنهما يعلنان التزامهما بقوانين البناء الحزبي وقواعده.
وبدا واضحا ان وقوفنا أمام الاتحاد الاشتراكي كان أيسر، وأعمق وأكثر شمولا ويقينية منه أمام التنظيم الشعبي الناصري، وذلك لوضوح تاريخ الاتحاد، وكثرة وثائقه، والقدرة المتاحة في متابعة تطور فكر قيادته، وهذه العناصر افتقدنا التعامل معها ونحن نتحدث عن التنظيم الشعبي الناصري، حيث تعاملنا مع وثائق فقط، وهي جزئية أيضا.
إننا نعتقد أن معالجة كثير من الإشكالات التي تعيشها ساحة هذا الإقليم تتوقف على طريقة تطور هذا التيار، وعلى قدرته على إنجاز المهمات التي يطرحها، والقضية كما تجلت لنا، وكما تظهر، لا تتوقف على مجرد الانتماء إلى الناصرية، وإنما على قدرة حمل تلك المهمات، وقدرة العمل من أجلها بفعالية، وتصاعد، وهو التحدي المطروح أمام هذين التنظيمين.
وسيكشف استعراضنا اللاحق لبقية التيارات أن الإمكانات المتوفرة في هذا الإقليم إمكانات لا يستهان بها، وأنها ـ رغم قتامة الوضع الحالي ـ أهل لتجعله قلب العروبة النابض.