هذا المشروع
شكّل موضوع الحوار بين التيارات الفكرية والسياسية السورية الرئيسة أحد اهتمامات مركز حرمون، وكان الدافع إلى هذا الاهتمام هو حالة التشتت والتشرذم الفكري والسياسي التي يعيشها السوريون، بما يهدر طاقات الفرد والمجتمع، وتجعل المجتمع السوري مشتت الفاعلية، وخاصة في سنوات الصراع الأخيرة منذ 2011، حيث تغيب التوافقات المشتركة التي تضمّ طيفًا واسعًا من السوريين، وتتجاوز حالة التشتت والتشرذم، بما يؤطر العمل الفردي في حيّز جمعي قادر على خلق الأثر.
في هذا السياق، أطلق مركز حرمون منذ 2016 منصة هنانو للحوار العربي الكردي، ومنصة الكواكبي للحوار الإسلامي الديمقراطي، وعقد العديد من الندوات والحوارات، وأنجز عددًا من الدراسات لقراءة مشهد التيارات السائدة في الساحة السورية، ونشر العديد من المقالات التحليلية حول موضوعات الحوار.
وبناءً على رغبة العديد من أصدقاء المركز، قام المركز، منذ عام ونصف، برعاية مشروع الحوار الحالي بين التيارات الفكرية والسياسية الرئيسة في سورية، حيث تزداد الحاجة اليوم إلى رؤية متقدمة، لقضايا الوطن السوري الراهنة والمستقبلية، التي تشكّل أسس الدولة السورية القادمة، والتي تصدر عن مجموعة كبيرة متنوعة من النخب السورية متعددة الانتماءات، تمثّل أوسع طيف ممكن من السوريين، وتجسر الهوة بين التيارات والاتجاهات الرئيسة السائدة بين السوريين.
نتيجة المناقشات الداخلية، تم تحديد 12 موضوعًا رئيسًا ذا علاقة بإعادة بناء الدولة السورية، من الموضوعات التي يوجد حولها تباينات كبيرة أو صغيرة، بين التيارات الرئيسة في سورية، وغاية الحوار إبراز نقاط الالتقاء والافتراق وممكنات جسر الهوية والوصول إلى توافقات في الرؤى، وقد تمت مناقشة الموضوعات التالية:
- القواعد الدستورية المحصنة التي تحتاجها سورية – 2. نظام الحكم المناسب لسورية– 3. شكل الدولة الأنسب لسورية– 4. علمانية الدولة في سورية– 5. المواطنة المتساوية في سورية– 6. العدالة الانتقالية لأجل سورية– 7. الحقوق والحريات في سورية– 8. معالجة الأزمة الطائفية – 9. معالجة الأزمة القومية – 10. التعليم والتربية في سورية– 11. النموذج الاقتصادي والاجتماعي في سورية– 12. منظمات المجتمع المدني في سورية.
ولمناقشة تلك الموضوعات، نظّم المركز 26 جلسة حوارية، على مدى 13 شهرًا، شارك في كلّ جلسة نحو 20 شخصية سورية من ذوي الاختصاص، من أكاديميين وباحثين ومثقفين وسياسيين، من مختلف الانتماءات. وقد تم إعداد تقرير عن مخرجات كل موضوع.
بلغ عدد المشاركين في تلك الجلسات 186 سوريًّا وسورية، من مختلف الاختصاصات والانتماءات، وكان الحرص كبيرًا لتحقيق أفضل مشاركة ممكنة للتنوّع السوري في كل جلسة من الجلسات، مع مراعاة خاصة لطبيعة كل موضوع.
وإضافة إلى الموضوعات المذكورة أعلاه ومخرجاتها، تمت مناقشة نصوص حول القضايا الأخرى التي لا يكتمل المشروع بدونها، وفي الوقت نفسه، لا يختلف السوريون حولها، مثل: المبادئ العامة – سيادة القانون – الفصل بين السلطات– استقلال القضاء.
خلال هذا المنهج، أتيح لكلّ مشارك المشاركة في مناقشة موضوع واحد أو موضوعين اثنين فقط. ولضمان إشراك الجميع في مناقشة كلّ الموضوعات، تم إعداد تقرير عام بمخرجات جميع جلسات الحوار، التي مثلت الرأي الغالب في جلستي النقاش الخاصتين بالموضوع الواحد. وأُرسل التقرير إلى جميع المشاركين في الجلسات المختلفة، لإطلاعهم على نتائج الجلسات، وإبداء الرأي فيها، وقد تلقّت اللجنة المنظمة للحوار ملاحظات كثيرة على التقرير، واستندت إليها في إصدار هذه الوثيقة التي تسمّى “مشروع توافقات وطنية”.
وإضافة إلى الجهود التي يبذلها عدد من الأصدقاء في مناقشة هذه الوثيقة، وإلى مجموعات عدة تقوم بالأمر ذاته، يضع مركز حرمون الوثيقة على موقعه، من أجل توسيع الحوار حول ما ورد فيها، ويرحّب بكل مساهمة نقدية لهذه الوثيقة، وستنشر المناقشات في موقع المركز؛ فالنقد هو إغناء للوثيقة، وهو مشاركة فعلية في الحوار، وستُضاف أسماء المشاركين في الحوار حول الوثيقة، في حال موافقتهم.
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
المشاركات والمشاركون في الحوار [1]
(حسب التسلسل الأبجدي):
إبراهيم الحسين – إبراهيم ملكي – إدوار حشوة – إليس المفرج – إيمان شحود – إيهاب عبد ربه – أحمد الجباعي – أحمد الخالدي – أحمد الرمح – أ ع – أحمد مظهر سعدو – أسامة القاضي – أسامة عاشور – أمينة الخولاني – أيمن أبو هاشم – أيمن عبد النور – آلان حسن – باسم حتاحت – بدر الدين عرودكي – بسام الأحمد – بسام جوهر – بسام قوتلي – بسام يوسف – ب ق – بلند سينو – بهجت لاوند – ثريا حجازي – جبر الشوفي – جمال سليمان – جمال قارصلي – جمانة سيف – حذام زهور عدي – حذيفه عكاش – حسام الحافظ – حسام الدين درويش – حسان الأسود – حسان أيو – حسن النيفي – حسين حمادة – حمزة الرستناوي – حنين علي – خالد الحلو – خالد شهاب الدين – خضر السوطري – خضر زكريا – خلدون النبواني – خورشيد عليكا – خولة الدنيا – راتب شعبو – ربا حمود – ربيع نصر – رديف مصطفى – رضوان زيادة – رفعت عامر – رويدة كنعان – رياض علي – ريزان جابو – ريم خوجة – ريمون المعلولي – زهراء عمر – زيدون الزعبي – سامر الضيعي – س ح – سعاد خبية – سعد وفائي – سلام سعيد – سلام كواكبي – سلمى الدمشقي – سميحة نادر – سمير سعيفان – سميرة المسالمة – سهير أتاسي – سهيل الحمدان – س ز – سيما نصار – شلال كدو – صباح الحلاق – صبيحة خليل – صلاح الدين حنان – صلاح بدر الدين – طارق الكردي – طارق عزيزة – طرفة بغجاتي – طلال مصطفى – ع ش- عبد الباسط سيدا – عبد الحكيم بشار – عبد الحليم سليمان – عبد الرحمن الحاج – عبد العزيز التمو – عبد العزيز الخطيب – عبد العزيز الدغيم – عبد العزيز أيو – عبد الله الحلاق – عبد الله تركماني – عبد الله كدو – عصام خوري – علاء الدين الخطيب – ع د ج – علاء الدين زيات – علي حمادة – عماد الظواهرة – عماد برق – عمر إدلبي – عنان جاكيش – عيسى إبراهيم – غزوان قرنفل – غسان النبهان – غنوة الشومري – فاروق حجي مصطفى – فاروق مردم بك – فايز قنطار – ف ح – فدوى محمود – فراس حاج يحيى – فريال الحسين – فضل عبد الغني – فؤاد إيليا – فؤاد عليكو – كرم دولي – لالا مراد – لمى قنوت – لؤي صافي – لينا وفائي – ليندا النفوري – م س – مازن درويش – مازن عدي – ماسة المفتي – ماهر مسعود – مأمون السيد عيسى – محمد الأحمد – محمد حبش – محمد زهير الخطيب – محمد سرميني – محمد صبرا – محمد علي باشا – محمد مروان الخطيب – محمد ملّاك – محمد نور النمر – محمود الوهب – محمود عطور – مروان الأطرش – مزن مرشد – مسلم طالاس – مضر الدبس – معتصم السيوفي – ملاك سويد – ملك القاسم – مناف الحمد – منى أسعد – منى فريج – منير الخطيب – مهند الكاطع – مهند شراباتي – مهيب صالحة – موفق زريق – موفق نيربية – مية الرحبي – ميداس أزيزي – ميشيل سطوف – ميشيل شماس – نادر جبلي – ناهد بدوية – نائل جرجس – نبيل مرزوق – ندى الخش – نزار أيوب – نشوان أتاسي – نعمت داوود – نمرود سليمان – نواف الركاد – هنادي بطرس – هنادي زحلوط – هند عبود قبوات – هوشنك أوسي – هيثم خوري – وائل السواح – وجدان ناصيف – وسام جلاحج – وفاء سليمان – وفاء علوش – ياسر الفرحان – ياسمين مرعي – يحيى العريضي – يوسف سلامة.
مشروع وثيقة توافقات وطنية
المحتويات:
مقدمة
أولًا: وثيقة الأسس والمبادئ
ثانيًا: وثيقة التوافقات الموسَّعة
- القواعد الدستورية المحصّنة التي تحتاجها سورية
- سيادة القانون في سورية الجديدة
- الحقوق والحريات في سورية الجديدة
- الفصل بين السلطات في سورية الجديدة
- استقلال القضاء في سورية الجديدة
- نظام الحكم المناسب لسورية الجديدة
- شكل الدولة الأنسب لسورية الجديدة
- معالجة الأزمة الطائفية
- معالجة الأزمة القومية
- العدالة الانتقالية لأجل سورية الجديدة
- المواطنة المتساوية في سورية الجديدة
- علمانية الدولة في سورية الجديدة
- النموذج الاقتصادي والاجتماعي في سورية الجديدة
- منظمات المجتمع المدني في سورية الجديدة
- التربية والتعليم في سورية الجديدة
- خاتمة
مقدمة:
ألحق الاستبداد المديد دمارًا شاملًا في بنية المجتمع السوري ومؤسسات الدولة، إذ صادر الحياة السياسية، وصادر حريّات الناس وحقوقها، خاصة في التجمّع والتنظيم والتعبير عن الرأي، وحرص على تمزيق المجتمع وتعميق الشروخ بين الجماعات السورية، ليتمكن من السيطرة عليه. وقد ترافق هذا مع تعميم الفساد، والفشل في إدارة الدولة من مختلف النواحي، ما ألحق أكبر الأذى بالمجتمع السوري، وشلّ حيويته، ودمّر طاقاته، وأفقره، ومنعه من التقدّم، وحوّل سورية في نظر الخارج إلى دولة راعية للإرهاب والجريمة، ومزعزعة للاستقرار.
في 2011، خرج الشعب السوري مطالبًا بالكرامة والحرية والانتقال السياسي، فووجه بالحل الأمني وبالاستخدام المفرط للقوة، ما تسبّب بقتل مئات الآلاف، وتشريد أكثر من نصف الشعب السوري من بيوتهم، بين نازح ولاجئ، وخلّفَ بلادًا ممزّقة جغرافيًا، إلى أربع مناطق متنابذة متصارعة لا تني تتباعد، ومجتمع ممزق إلى طوائف وقوميات وهُويات متدافعة متنابذة، تقوم بين بعضها أسوار من الريبة وانعدام الثقة، وبين بعضها الآخر أسوار من العداء.
ساهم في هذا الدمار، أو ساعد النظامَ في إلحاقه، معارضاتٌ سياسية أو مسلّحة، فاقدة للرؤية والبوصلة، بعضها براياته السوداء وأجنداته فوق الوطنية، وبعضها بقصر نظره وارتهانه للخارج، وبعضها، مَن يعوّل عليه، بسبب عدم قدرته على العمل والتعاون مع الآخرين، والالتفاف حول مجموعة مبادئ وأهداف مشتركة، وبرنامج وطني للتغيير يحظى بالمصداقية وبقدر من الاحترام في الداخل والخارج، ويشكّل بديلًا ديمقراطيًا ممكنًا للنظام المستبد.
والآن، يوشك الصراع على دخول عامه الثالث عشر، والبلاد مقسّمة عمليًّا إلى أربع مناطق نفوذ، والنظام ما زال قائمًا، والعملية السياسية في حالة ركود واستنقاع لا تبدو لها نهاية، والعالم يدير ظهره مللًا أو يأسًا أو خبثًا أو قلّة حيلة وغيابًا للرؤية، ومن يملكون القدرة على تغيير الأمور مشغولون بصراعاتهم الكبرى، ويستخدمون سورية كساحة من ساحات صراعاتها. أما السوريون الراغبون في وضع بلادهم على سكة الحداثة والديمقراطية، فعاجزون عن الإتيان بأي مبادرة قادرة على الحياة.
أمام هذا الواقع المؤلم، تواضع مجموعة من السوريين المؤمنين بسورية حرة مستقلة ديمقراطية حديثة، من مختلف الانتماءات والأطياف، على إطلاق مشروع الحوار للوصول الى هذه الوثيقة/ التي تحتوي التوافقات بين المشاركين، كخطوة أولي، كي تفتح من ثم على الحوار الواسع، وأن تخضع للنقاش العام والدراسة والتمحيص من قبل جموع المعنيين بالهمّ السوري، كي تحظى بقبول أوسع.
القواعد الدستورية المحصنة التي تحتاجها سورية
أ-يحتاج السوريون إلـى رافعـة قوية لإعادتهم إلى بعضهم، بعد الأضرار الفادحة والجروح الغائرة التي ألحقها نظام الأسد بالاجتماع الوطني السوري. وليس ثمة ما هو أجدر بالمهمة من قواعد دستورية يتوافق عليها السوريون، ويعطونها حصانة استثنائية ضد التعديل أو التغيير، فتكون بمثابة صمام أمان، ومصدر للطمأنينة، ومنصة صلبة للخلاص والتجاوز.
ب-والقواعد الدستورية المحصنة، أو ما يعرف عالميًا بالمبادئ فوق الدستورية، هـي قواعـد دسـتورية ذات أهمية خاصة في دولة بعينها، تُعطى حصانة استثنائية ضد التعديل أو التغيير، تفوق الحصانة التي تُعطى لباقي قواعد الدستور. بحيـث يكـون تعديلهـا أو تغييرهـا أو إيقافهـا، نتيجـة تعديـل الدسـتور أو تغييـره أو تعطيلـه، أمرًا بالغ الصعوبة على السلطات.
ت-تكتسي القواعد الدستورية المحصّنة أهمية استثنائية في الحالة السورية، لدورها في تعافي البلاد من جانب، ولكونها صمام أمان للمستقبل من جانب آخر. فهي:
-تعالج المسائل الخلافية الكبرى بين الجماعات السورية، وتعالج مخاوفها وهواجسها المختلفة بشأن حقوقها وحرياتها ومستقبلها، بما يؤدي إلى تخليق قدر من الطمأنينة والثقة بين السوريين، يسمح لهم بالانتقال إلى مرحلة العمل المشترك والتفكير بالمستقبل.
-يمكن، في حال توسعتها، أن تشكل أساسًا متينًا لدستور عصري يضمن الحقوق والحريات، ويحصّن النظام السياسي من تسلل الاستبداد، ويشدّ البلاد نحو مسار الديمقراطية والحداثة، وبذلك تكون بمنزلة منصّة صلبة يقف عليها السوريون لبناء دولتهم ومستقبلهم.
ث-يمكن تلخيص أهم ما يناط بالقواعد الدستورية المحصَّنة من مهام بخصوص سورية بالآتي:
-خلـق منـاخ مـن الثقـة بيـن السـوريين يؤهلهـم للتعـاون والعمـل المشترك والتطلـع نحـو المستقبل.
-ضمان الحقوق والحريات.
-وضع أسس النظام السياسي وشكل الدولة المقبلة.
-تحصين النظام السياسي ضد الاستبداد
-تمكين السوريين من بناء نظامهم الديمقراطي ودولتهم الحديثة.
ج-يجب اختيار القواعد الدستورية المحصّنة وفق معايير دقيقة ومدروسة بعناية، منها:
-عدم مساسها بمبادئ الديمقراطية.
-قدرتها على تحقيق الأهداف المطلوبة.
-قابليتها للتجميد، بحيث لا تصطدم بحركة المجتمع وحاجته إلى التطور.
-عدم التوسّع بها إلا بالمقدار اللازم والكافي لتحقيق الغرض.
ح-يجدر بالسوريين العمل بدءًا من الآن على نشر ثقافة القواعد الدستورية المحصَّنة (أو) المبادئ فوق الدستورية بين السوريين، وفتح النقاشات العامة حولها، وتوضيح أبعادها وأهدافها ومبرراتها، وإبراز المصلحة الوطنية العامة والخاصة من وجودها. كما يجدر بهم إعداد الدراسات المعمقة حولها، خاصة حول ما يلزم السوريين منها، وطرق تبيِئتها في المجتمع السوري، وستكون للدراسات الخاصة بتجارب الدول الأخرى قيمة كبيرة.
سيادة القانون في سورية الجديدة
أ-سيكون مبدأ سيادة القانون هو حجر الأساس في بناء الدولة السورية الحديثة، دولة القانون والعدالة والحقوق والمواطنة والمؤسسات. بما يعنيه المبدأ من خضوع جميع الأفراد والمؤسسات والكيانات، سواء أكانت عامة أم خاصة (ومن ضمنها مؤسسات الدولة) على قدم المساواة، للقواعد الدستورية والقانونية النافذة، واحتكام الجميع إلى سلطة قضائية نزيهة ومحايدة ومستقلة، لما يعنيه كلّ ذلك من ضمانة للحقوق والحريات، ومن ضمانة لتطبيق العدالة، وبالتالي من طمأنينة لدى المواطنين، وتعزيز لروابط المواطنة ومكانة الهوية الوطنية لديهم.
ب-يجب الحرص في سورية القادمة على ضمان سيادة القانون بكلّ الطرق الممكنة، وعلى رأسها:
- نص دستوري مفصل ومحكم، يضبط التشريعات، ويمنع السلطة التشريعية من الالتفاف على قواعد الدستور، وتجاوزها أو تجاهلها، ويضمن الحقوق والحريات، ويضمن الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ويُخضع الجميع، خاصة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، لسلطة القانون، ويمنعها من التغول في كل الظروف، خاصة في الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ، ويعزز دور القضاء المستقل والمحايد، وخاصة القضاء الدستوري باعتباره صمام أمان مهم لضمان سيادة القانون.
- قواعد دستورية محصنة تضمن عدم المساس بالقواعد الدستورية التي تضمن سيادة القانون.
- تشريعات مفصلة ومتكاملة تعزز سيادة القانون من كل النواحي.
- اعتماد المعايير الدولية لحقوق الإنسان كمرجعية أساسية للنص الدستوري والنصوص التشريعية.
- تحديد دور ووظائف مؤسستي الأمن والجيش، وإخضاعهما للقانون والمساءلة، ولمجلس مستقل عن الرئاسة، وضمان حيادهما السياسي.
- تكريس مبدأ دستوري يقضي بسمو الاتفاقات والمعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية.
الحقوق والحريات في سورية الجديد
أ- تتبنى الدولة السورية القادمة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بوثائقها الثلاث، وتعمل على تكريسها دستوريًا وقانونيًا، باعتبارها خلاصة وذروة ما أنتجته الحضارة البشرية في مجال حقوق الإنسان عبر تاريخها، وباعتبارها منظومة متكاملة لحماية الأفراد وتكريس حقوقهم وحرياتهم وضمانها، وقد أصبحت المصدر الرئيس للدساتير حول العالم[2].
ب- يمكن للدولة معالجة مسألة تعارض بعض تلك الحقوق مع ثقافة المجتمع وقيمه السائدة، أو مع بعض العادات والتقاليد والأعراف القارة في وجدان الناس، واجتراح الحلول المناسبة لها، أسوة بدول أخرى ذات أغلبيات مسلمة، وذات مستوى حضاري متقارب، نجحت في تبني المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإدماجها في منظوماتها الثقافية والحضارية. وهذا ممكن عند توفر الإرادة السياسية والقوانين المتطورة والحكومة الوطنية الكفؤة وبرامج التوعية والتثقيف المناسبة، بمساعدة ودعم من فقهاء عصريين ومتنورين.
ت-السعي إلى إقناع الناس يكون بالحوار وبالتدرج، وعبر آليات واضحة، مع تجنب طرح أفكار ومفاهيم ومصطلحات تحظى بسمعة سيئة لديهم، والاستعاضة عنها بإبراز مضامينها.
ث-للتغلب على صعوبة توفيق قوانين الأحوال الشخصية مع الشرعة الدولية، يمكن إصدار قانون مدني ينظم الأحوال الشخصية، إلى جانب تلك القوانين الخاصة بالطوائف والمذاهب، ويسري على جميع السوريين، وتترك للناس حرية اللجوء إليه إذا رغبوا بذلك.
ج-تستحق الحقوق والحريات ضمانات عليا من مستوى مبادئ فوق دستورية، كي لا يتم المساس بها في يوم من الأيام، كما تستحق إدخالها في مناهج التعليم في مختلف مراحله.الفصل بين السلطات في سورية الجديدة
أ-يُبنى النظام السياسي في سورية القادمة على مبدأ فصل السلطات، باعتباره مبدأً راسخًا من مبادئ الديمقراطية، وباعتباره ضمانة كبرى للحقوق العامة والفردية، لأنه يمنع تمركز السلطة بيد فرد أو جهة، ومن ثمّ يمنع ظهور الاستبداد[3].
ب-لتمكين مبدأ فصل السلطات وترسيخه في نظامهم السياسي الجديد، سيكون على السوريين: - إدراجه ضمن المبادئ فوق الدستورية الدائمة، وتحصينه ضد التعديل أو التغيير، بحيث يتعذر المساس به مهما امتد الزمن. وذلك أسوة بكل مبادئ الديمقراطية.
- التفصيل في أسسه وأحكامه ضمن الدستور، لسد أي ثغرة يمكن استغلالها.
- اتخاذ كل الاحتياطات الدستورية والقانونية التي تمنع تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وبشكل خاص ضمان الحياد السياسي للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتحديد أدوارهما، وإخضاعهما للقانون والمساءلة، وإتباعهما لمجلس دفاع وطني أعلى.
- تحصين المحكمة الدستورية العليا، وتمكينها من القيام بدورها في حراسة مبدأ الفصل بين السلطات.
استقلال القضاء في سورية الجديدة
أ-سيحرص السوريون في دولتهم القادمة على تبني مبدأ استقلال القضاء وحمايته، باعتباره الشرط الأهم لضمان العدل، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات، وباعتباره الشرط الأهم لنهوض القضاء بمهامه بكفاءة ونزاهة وحياد. فلا يخضع إلا للدستور والقانون دون أي سلطة أخرى.
ب-ضمان استقلال القضاء من الناحيتين الإدارية والمالية يتطلب: - قواعد دستورية وقوانين واضحة ومفصلة ومتكاملة.
- إعطاء حصانة دستورية خاصة للقواعد الدستورية التي تضمن استقلال القضاء.
- إلحاق القضاء بمجلس قضاء أعلى مستقل عن السلطة التنفيذية بتركيبته وموارده وآليات عمله.
- منع إنشاء هيئات قضائية استثنائية لا تخضع لشروط وقواعد القضاء العادي، بحيث يكون للقضاء العادي الولاية الشـاملة علـى جميـع المسائل ذات الطابـع القضائـي.
- تمكين المحكمة الدستورية العليا من تأدية مهامها الضامنة لسموّ الدستور واحترامه، ولدستورية القوانين، والضامـنة للفصـل بيـن السـلطات والتـوازن بينهـا.
- توفير الموارد الكافية لتمكينه من تأدية مهامه بطريقة سليمة، ومعالجة المعوقات التي تحول دون ذلك.
نظام الحكم في سورية الجديدة
أ-سيكون على السوريين اختيار نظامهم الحاكم في سورية القادمة بعناية فائقة، باعتباره أحد أهم أركان النظام السياسي، وعموده الفقري الحامل، ويتوقف على اختياره مصير البلاد إلى حد بعيد.
ب-بسبب معاناتهم من حقبة استبداد قاسية، وارتباط تلك الحقبة بنظام الحكم الرئاسي، أصبح السوريون غالبيتهم يجنحون إلى الابتعاد عن نظام الحكم هذا. أما النظام البرلماني، بالرغم من أنه الأبعد عن تصنيع المستبدين لضعف موقع الرئاسة فيه والأكثر قدرة على تمثيل جميع الفئات وإشراكها في الحياة السياسية؛ فإنه لن يكون قادرًا على توفير الاستقرار ودعم حكومات كفؤة ومستقرة وقادرة على الإنجاز، بسبب ظروف البلاد عشية الانتقال، حيث الانقسام والاستقطاب المجتمعي، وحيث لا وجود لحياة سياسية وأحزاب قوية.
ت-لذلك، فالنظام المختلط/ شبه الرئاسي هو الخيار الأنسب لسورية القادمة، بسبب مرونته وقدرته على التكيف، وإمكانية صوغه بالشكل الذي يجنب البلاد عيوب النظامين البرلماني والرئاسي، وينتج حكومات كفؤة مستقرة وقادرة على الإنجاز، ويراعي في الوقت نفسه ظروف الحالة السورية وخصوصيتها. وسيبقى النظام المختلط ضروريًا بشكل خاص في سنوات الانتقال والتعافي، ريثما تترسخ الحياة السياسية والتقاليد الديمقراطية والمؤسسات القادرة على ضمان الاستقرار.
ث-يحتاج الأمر إلى اجتراح صياغة دستورية مفصلة على القياس السوري، تقوم على فهم عميق للواقع السوري من جانب، وللتجارب الدستورية العالمية المماثلة من جانب آخر.
ج-لا بد من العمل على نشر الوعي بين السوريين، حول هذا الموضوع المهم والمصيري، وإيصال كل ما يتصل به من سيناريوهات وأبعاد وتفاصيل مهمة، لتجنب الخيارات العاطفية غير المدروسة. ولا بد من إعداد دراسات مسؤولة حول نظام الحكم المناسب لسورية، تأخذ بعين الاعتبار ظروفها وشروطها الموضوعية عشية الانتقال. ولا بد من فتح النقاش العام حول الموضوع.شكل الدولة في سورية الجديدة
أ-ستكون “اللامركزية الإدارية الموسّعة”، التي توفّر للبلديات والمجالس المحلية المنتخبة ديمقراطيًا صلاحيات واسعة يحددها دستور ديمقراطي، كما يحدد الدستور طبيعة العلاقة بينها وبين السلطة المركزية، هي الشكل الأنسب للدولة السورية الجديدة، لأنها توفر أعلى مستوى ممكن من الممارسة الديمقراطية، وأفضل مستوى ممكن من الكفاءة والمرونة في إدارة المناطق وتخصيص الموارد، بما يضمن مستوى أفضل من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو الشكل الذي يستجيب لتطلعات السوريين جميعًا، ويراعي تنوعهم ويحترم رغباتهم وثقافاتهم، ويعزز انتماءهم الوطني.
ب-سيكون للإدارات المحلية أجهزتها التنفيذية، وموازناتها، ومواردها المالية الذاتية، ومشاريعها الاقتصادية، كي تتمكن من النهوض بمهامها الإدارية والاقتصادية والثقافية والخدمية، من دون أن يتعارض ذلك مع الأنظمة المالية والضريبية المركزية المرتبطة بالخزينة العامة.
ت-لا يجوز -بأي حال- المساس بوحدة الشعب السوري، ووحدة الأراضي السورية. ويجب الحفاظ، دستوريًا، على صلاحيات المؤسسات المركزية التي تمثل تلك الوحدة، خاصة في ميادين السياسية الخارجية والدفاع والأمن الوطني والعملة، وكل ما يتعلق بالمحافظة على هوية الدولة الوطنية، على أن تضطلع المحكمة الدستورية العليا بدورها في مراقبة توزيع السلطات بين المركز والأطراف، ومعالجة مشاكله.معالجة الأزمة الطائفية
أ-لا بدّ للسوريين من العمل على اجتثاث شأفة الطائفية التي نمت وتجذرت، بفعل سياسات نظام الأسد وممارساته الطائفية، وطريقته في إدارة التنوع السوري، ثم بسبب فائض التحريض الطائفي الذي حصل بُعيد انطلاق الثورة، بفعل النظام من جانب[4]، وبعض الفصائل وجماعات الإسلام السياسي ذات الطابع الطائفي والمذهبي من جانب آخر[5].
ب-يجدر بالسوريين العمل على تطويق وتحجيم الأزمة الطائفية منذ الآن، ويمكنهم بشكل خاص القيام بما يلي: - عزل الخطاب الطائفي لدى النخب بشكل رئيس، وتنقيته من المفردات والمصطلحات الطائفية.
- دعم الحوار، وتوسيع دائرته ليشمل المختلفين، بغية تجاوز الأسوار القائمة بينهم.
- نشر الوعي بين الناس حول أخطار الطائفية ومآلاتها الكارثية على الوطن وجميع أبنائه. مع التركيز على التعليم ومناهج التعليم في المناطق التي يمكن العمل عليها في الداخل السوري وفي دول اللجوء.
- طرح حطاب علماني ذكي وجديد ومختلف، متفهّم للثقافة والبيئة، يركز على المضمون، ويبتعد عن استفزاز المتدينين.
- عدم تحميل كل أبناء الطائفة العلوية وزر الكارثة التي تسبب بها النظام، وعدم تحميل المسلمين السنّة وزر أعمال التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
- تركيز الخطاب على مفهوم الهوية الوطنية السورية، مع التأكيد دائمًا على الانتماء الثقافي إلى الحضارتين العربية والإسلامية.
- الاهتمام بمنظمات المجتمع المدني، لقدرتها على اختراق المجتمع الأهلي والتأثير فيه، وقدرتها على التواصل مع فئات واسعة من الناس.
ت-بعد الانتقال السياسي، يجدر بالسوريين العمل على: - إيجاد منظومة قانونية (دستور وقوانين) حيادية تجاه الأديان والمذاهب وكل أنواع الأيديولوجيا، تجرّم الطائفية، وتمنع تشكيل الأحزاب على أساس ديني أو مذهبي.
- حيادية الدولة وفصل مؤسساتها عن أي انتماءات طائفية أو عرقية أو غيرها من انتماءات دون وطنية، بحيث تكون الدولة السورية منزوعة الصفات، دولة كل مواطنيها بدون تمييز.
- السعي الدؤوب لتحقيق عدالة انتقالية في سورية، باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية لسحب فتيل الأزمة الطائفية وإعادة السلم الأهلي.
معالجة الأزمة القومية
أ-كما الحال في الأزمة الطائفية، فقد وصلت الأزمة القومية بين الجماعتين القوميتين العرب والكرد إلى مرحلة متقدمة وخطرة، خاصة على مستوى النخب السياسية والثقافية، والقوميين المتعصّبين من الطرفين، ويخشى مع استمرار الصراع وحالة الاستنقاع السياسي، واستمرار فعالية المحرضين، أن تذهب الأمور إلى مرحلة اللاعودة[6].
ب-على المعنيين من السوريين: - الإقرار بأن سورية بلد متعدد القوميات والطوائف، وأن جميع السوريين متساوون في الحقوق والواجبات والفرص.
- الاعتراف المتبادل بأخطاء الماضي في حال حصولها، والاعتذار عنها، لطيّ صفحة الماضي والتطلع للمستقبل المشترك.
- مقاومة التعصب والتطرف ونبذ خطاب الكراهية، أيًّا كان مصدره، والقطع مع لغة العنف والتخوين، وتبني خطاب وطني هادئ منفتح تصالحي إيجابي.
- النظر والتعامل مع القضية الكردية، باعتبارها جزءًا رئيسًا من المسألة الوطنية والديمقراطية في سورية. واعتبار أن الحلّ النهائي لمسائل التنوع، بكل أشكالها، مع تحويلها إلى عامل ثراء وتقدم، هو قيام دولة وطنية، ديمقراطية، لا مركزية إدارية، علمانية، تقدّس مبدأ المواطنة المتساوية.
ت-الكرد السوريون جزءٌ أصيل من الشعب السوري، ولهم تاريخهم وثقافتهم الخاصة الواجبة الاحترام، كما كل ثقافات الآخرين، وقد ألحق بهم نظام البعث/ الأسد ظلمًا إضافيًا.
ث-ستُعالج الأزمة القومية في سورية المقبلة عبر: - دستور ديمقراطي يُقرّ بالتعددية والمواطنة المتساوية واللامركزية الإدارية الموسّعة، ويضمن الحقوق الثقافية للجميع.
- التوافق على مبادئ فوق دستورية تطمئن الجميع.
- معالجة القوانين والإجراءات التمييزية الجائرة بحق الكرد.
العدالة الانتقالية لأجل سورية الجديدة
أ-العدالة الانتقالية ضرورة ماسّة من أجل تعافي سورية، ورأب الصدوع المجتمعية العميقة التي قامت بين السوريين، بعد هذه التركة الثقيلة من الجرائم والانتهاكات التي خلفتها الحقبة السابقة، ومن أجل تحقيق المصالحات ومد جسور الثقة مجددًا بين السوريين، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وإعادة البناء والتجاوز نحو المستقبل.
ب-ومطلب العدالة الانتقالية يجب أن يبقى ضروريًا وراهنًا، مهما امتد الزمن، فالجراح ستبقى محفورة في الوجدان الجمعي، وستتناقلها الأجيال، إذا لم تجد لها تسويات ملائمة.
ت-سيكون على السوريين اجتراح مسار عدالة انتقالية خاص بهم، في ضوء الظروف والعوامل وموازين القوى المتحكمة، على أن يتم إيلاء الأمور التالية اهتمامًا خاصًا لضمان مسار عدالة انتقالية أكثر نجاحًا وفعالية:
- التركيز على دور الضحايا وذويهم وتنظيمهم لممارسة الضغط الدائم على السلطات لتفعيل إجراءات العدالة الانتقالية، مهما امتد الزمن.
- التركيز على منظمات المجتمع المدني لحمل المشروع على الدوام والنضال لتحقيقه، باعتبار أن هذه المنظمات مستقلة وخارج إطار التسويات السياسية وما تفرضه من حلول على السلطات الرسمية.
- إشراك المرأة بشكل فعال في كل محطات وجوانب العدالة الانتقالية.
- الضغط على السياسيين والمفاوضين بكل الوسائل للتمسك بموضوع العدالة الانتقالية.
- تشكيل مجموعات ضغط فعالة من السوريين المقيمين في الدول المؤثرة والفاعلة في الملف السوري، لدعم مسار العدالة الانتقالية في سورية.
- دراسة تجارب الدول الأخرى، الناجحة والفاشلة.
- فصل مسار العدالة الانتقالية عن مسار التسوية السياسية.
- الحرص على ألا تتحول العدالة الانتقالية إلى أداة للثأر والانتقام، وعلى نشر ثقافة الصفح والتسامح كعامل مهم في التجاوز والتعافي.
ث-يجدر بالسوريين الاستعداد لمرحلة العدالة الانتقالية، وتحسين فرص واحتمالات حدوثها، عبر عدد من الإجراءات، منها الاهتمام بالتوثيق، وإعداد الدراسات والمشاريع اللازمة، وبرامج التوعية والتثقيف.المواطنة المتساوية في سورية الجديدة[7]
أ-تُعتبر المواطنة المتساوية[8]حجرَ الأساس في بناء وتعزيز شعور الفرد بانتمائه إلى وطنه، وفي بناء الهوية الوطنية المشتركة، كما تعتبر الإطار الأمثل لمعالجة قضايا التعدد والاختلاف في بلد متعدد متنوع كسورية. ولذلك فإن حاجة السوريين إليها مضاعفة لسببين: الأول هو هذا التنوع الذي يشكل نسيج المجتمع السوري، والثاني هو هذه الحالة المتقدمة من التمزق المجتمعي التي وصلنا إليها بعد هذه الحرب المأساوية، وبعد هذه العقود الخمسة التي حكم فيها نظام الأسد البلاد، وفعل خلالها كل ما يدمر مرتكزات المواطنة، ومقومات الاجتماع الوطني والحياة الوطنية المشتركة، بدءًا بالتمييز والتهميش والإقصاء، مرورًا بإلغاء الحياة السياسية ومنع تشكل مجتمع مدني فاعل، وبتعميم الفساد والإفساد، وصولًا إلى تطييف المجتمع والإدارة الأمنية للتنوع السوري…
ب-لذلك، لا بدّ أن تقوم الدولة السورية القادمة على قيم المواطنة المتساوية بين جميع السوريين، بغض النظر عن جنسهم ودينهم وقوميتهم وانتماءاتهم الأخرى.
ت-إن استيفاء أركان المواطنة المتساوية في سورية القادمة سيتطلب تحقق مروحة واسعة من الشروط، تكاد تشمل أهم شروط قيام الدولة الوطنية الحديثة، منها وجود منظومة متكاملة من حقوق الحريات، ومنها سيادة القانون ليكون فوق الجميع، ومنها نزاهة واستقلال القضاء لضمان الحقوق والحريات والمساواة بين الناس، ومنها الحياة السياسية السليمة بما تتطلبه من أحزاب وانتخابات وتداول للسلطة… ما يسمح لنا بالقول إنّ المواطنة الحقيقية لا تستوفي أركانها وشروطها إلا في دولة ديمقراطية من جانب، ومحايدة تجاه الأديان والمذاهب والمعتقدات من جانب آخر. والعكس صحيح، فلا ديمقراطية حقيقية ولا حيادية حقيقية دون مواطنة متساوية.
ث-سيكون ضعف الشعور بالانتماء الوطني لدى السوريين، بسبب الاستبداد المزمن ومآسي السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، من أبرز المعوقات التي تعترض مساعي السوريين في ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية في سورية الجديدة، إضافةً إلى عقبات أخرى، كالتخلف الاجتماعي، واستمرار حالة التمييز بين الرجل والمرأة بسبب المنظومة الثقافية السائدة، وتعدد قوانين الأحوال الشخصية، وعدم وجود قانون أحوال شخصية مدني يلجأ إليه الراغبون، وعدم حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات.
ج-على السوريين العمل، منذ الآن ما أمكن، وفي المستقبل، على نشر الوعي بقيم المواطنة على أوسع نطاق، والتركيز على المؤسسات التعليمية والتربوية، باعتبار أن المدرسة هي مصنع المواطنة الأول.علمانية الدولة في سورية الجديدة [9]
أ-العلمانية خيار ضروري لإنقاذ سورية ممّا هي فيه، ولبقائها دولة موحدة، ولتوفير شروط استقرارها وقدرتها على النهوض والتقدم، لسببن رئيسين: الأول هو حالة التعدد والتنوع الديني والإثني التي تميز سورية، ما يستدعي مؤسسات وقوانين وممارسات لا تميز بين الأديان والمعتقدات. والثاني طمأنة الجماعات السورية المختلفة إلى مستقبلها، من بعد الرضوض الشديدة التي أصابت الاجتماع الوطني جراء حقبة الاستبداد، خاصة بمرحلتها الأخيرة الدامية.
ب-ستكون علمانية الدولة السورية القادمة علمانية ليّنة، تناسب السوريين، وتتلاءم مع بيئتهم وثقافتهم، يتم اجتراحها انطلاقًا من فهم معوقات العلمانية في مجتمع يؤدي فيه الدين دورًا مهمًّا، وتعاني فيه العلمانية من سوء الفهم والسمعة والمواقف السلبية المسبقة. والعلمانية اللينة المطلوبة تعني أن يقتصر تطبيق العلمانية على مستوى شؤون الحكم ومؤسسات الدولة فقط، وليس على مستوى المجال العام، فيكون للناس حرية ممارسة شعائرهم والتعبير عن معتقداتهم في الفضاء العام، بالطريقة التي تناسبهم، وبما لا يخالف القانون، بل من واجب الدولة حمايتهم واحترامهم.
ت-تقتضي العلمانية المنشودة تلازم مفهوم العلمانية وتكامله مع مفهومي المواطنة والديمقراطية. فدولة المواطنة لا بد أن تكون علمانية، والعكس صحيح، لأن المواطنة تفترض أن تكون الدولة على مسافة واحدة من الجميع. والنظام الديمقراطي لا بد أن يكون علمانيًا، والعكس صحيح، لأن الديمقراطية لا تقوم دون حيادية الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات، والعلمانية لا تقوم دون بيئة ديمقراطية، فالاستبداد لا يمكن أن يكون حياديًا بحال من الأحوال. وتبقى الديمقراطية هي الأساس، وهي الإطار العام الذي يصوغ الناس فيه نظامهم ومؤسساتهم.
ث-يجب ألا يتضمن الدستور والقانون أي نصوص تشير إلى التمايز بين الجماعات السورية، ويجب أن تكون التشريعات وضعية. والدولة السورية الجديدة يجب أن تكون منزوعة الصفات، لأنها فضاء مشترك لا يجوز احتكاره من قبل أي جماعة، مهما كانت كبيرة، لأن في ذلك إقصاء لجماعات أخرى.النموذج الاقتصادي والاجتماعي في سورية الجديدة
أ-سيجمع النظام الاقتصادي في سورية القادمة بين الكفاءة الإنتاجية، والعدالة في توزيع الدخول، والعدالة الاجتماعية عمومًا، وذلك من أجل امتلاك نظام اقتصادي ناجح ومستقر، يحقق التوازن بين المحافظة على قدرة وكفاءة الاقتصاد من جانب، وعلى مستوى لائق من العدالة في توزيع الدخول والثروات من جانب آخر، وعلى مستوى لائق أيضًا من الرعاية والضمانات الاجتماعية من جانب ثالث[10]. وهذا التوازن المذكور أعلاه لا يتحقق إلا عبر:
–نظام اقتصادي يقوم على اقتصاد السوق الحرّ المنظّم، بما يعنيه من حرية التملك والاستثمار والتعاقد واحترام قوانين العرض والطلب.
–الالتزام بشرطَي العدالة في توزيع الدخول، والبعد الاجتماعي والإنساني.
-تحقيق التوازن التنموي الإقليمي بين المناطق والمحافظات السورية، وتوزيع الاستثمارات والخدمات ومشاريع التنمية بشكل متوازن، ووفق أسس علمية، مما يزيل الإجحاف الذي لحق بالمناطق الشرقية والطرفية المهمشة، بما ينمي روابطهم الوطنية تجاه بلدهم، ويساهم في تمتين ترابط الاجتماع الوطني السوري.
ب-سيبقى الاستقرار السياسي هشًا، وتبقى الديمقراطية التي ينشدها السوريون لمستقبلهم ضعيفة ومهدَّدة، ما لم يتحقق مستوى مقبول من القدرة الإنتاجية المرتفعة مع تحقيق العدالة الاقتصادية، سواء في توزيع مشاريع التنمية بين المناطق والأقاليم، أو في توزيع الدخول والثروات بين الناس.
ت-يقتضي تحقق شرط العدالة في توزيع الدخول والثروات في اقتصاد السوق الحر:
- وضع سياسات عادلة للأجور والرواتب والتعويضات، تربط الأجر بالإنتاج وبمستوى المعيشة أيضًا. وهذه تتطلّب حمايتها بقواعد دستورية من جانب، وقوى مجتمعية تدافع عنها من جانب آخر.
- توسيع قاعدة ملكية رؤوس الأموال، بما يؤدي إلى توسيع قاعدة توزيع الأرباح، وذلك عبر تطبيق سياسات تشجع وتدعم الملكية الصغيرة والملكية الأسرية والملكية المشتركة والملكية التعاونية والمساهمة، على أن تخضع جميعها لقواعد السوق والمنافسة، دون أي منع أو تقييد للملكيات والمشاريع الفردية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وأيضًا تطبيق سياسات تشجع رجال الأعمال وأصحاب الشركات على إشراك العاملين بحصّة أو أسهم في رأس المال. كل هذا سيؤدي إلى توسيع قاعدة الأفراد المالكين للأسهم والحصص، والمستفيدين من توزيع الأرباح، مما يسهم في تحسين صورة العدالة الاجتماعية.
ث-أما البعد الاجتماعي والإنساني في نظام اقتصاد السوق الحر في سورية القادمة، فيتحقق عبر: - منظومة قانونية (دستور وقوانين وأنظمة) تنظم وتضمن حقوق العاملين وحياتهم الكريمة أثناء العمل وأثناء التقاعد.
- تطوير سياسات مالية وضريبية وتجارية تشجع المؤسسات الاقتصادية على لعب أدوار مجتمعية، ودعم فعاليات مجتمعية، كالجمعيات والمشاريع ذات الطابع الخيري أو الثقافي أو العلمي أو التعليمي أو الطبي أو البيئي.
ج-تحقيق هذا النموذج الاقتصادي المنتج والعادل يحتاج إلى دولة ذكية، سيكون على السوريين اجتراحها. وهذه الدولة الذكية هي غير الدولة المهيمنة وفق النموذج الاشتراكي، التي تقضي على روح المبادرة والقدرات الإبداعية لدى الفرد والمجتمع، وهي غير الدولة النحيلة وفق النموذج الليبيرالي، التي تعلي مصالح أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة على مصالح وطموحات باقي أفراد المجتمع. بل هي الدولة الحريصة والقادرة على: - اعتماد سياسات تحفز المبادرة الابتكار والاستثمار، وتدفع مسارات النمو والتنمية، مع حد أدنى من التدخل لضبط عمل السوق الحر وتنظيمه، وإصلاح الخلل الذي قد يحدثه.
- إقامة نظام ضمان اجتماعي يوفر الطبابة والتعليم والسكن والتقاعد والحياة الكريمة للجميع.
- المساهمة بشكل مباشر، ودون احتكار، في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، بما يضمن عدم حدوث خلل في عمل هذه القطاعات نتيجة تركها لأصحاب رؤوس الأموال.
- اعتماد نظام ضريبي تصاعدي عادل، وسياسات أجور عادلة، تربط الأجر بالإنتاج، وبالقدرة الشرائية ومعدلات التضخم.
ح-أما بخصوص العدالة المناطقية، بين المناطق السورية، فلا بد من العمل على: - اعتماد سياسات وخطط تنمية إقليمية عادلة ومتوازنة بين جميع الأقاليم والمناطق، دون إهمال أو تهميش لأي منطقة.
- تخصيص المناطق التي هُمِّشت وظُلمَت، خلال حقبة البعث/ الأسد، وربما قبلها، ببرامج تنمية تمييزية مؤقتة لتعويضها عن بعض ما فاتها، وتحسين مشاعر الرضى لدى أبنائها.
- ستمنح صلاحيات اقتصادية للإدارات المحلية، وفق نموذج “اللامركزية الإدارية الموسعة”، بما يتيح لأبناء المناطق ومجالسهم المنتخبة المشاركة الفعالة في إدارة الجانب الاقتصادي لمناطقهم، وبما يتيح تخصيصًا عادلًا للموارد.
خ-إن الشرط الضروري، من أجل ضمان العدالة الاقتصادية المنشودة في سورية القادمة، هو قوة المجتمع الواعي بحقوقه. وتقوم هذه القوة على حوامل عديدة: أحزاب سياسية تتبنى هذه القضية وتدخلها في برامجها؛ ونقابات عمالية قوية وقادرة على التفاوض الندّي مع أصحاب الأعمال؛ وجامعات تُدخل هذه النظريات والسياسات والتجارب في مناهجها التعليمية؛ ومثقفون ومفكرون وكتاب وباحثون طليعيون ومراكز أبحاث يتبنون هذه القضية في كتاباتهم ونظرياتهم ودراساتهم؛ ووسائل إعلام تتبنى وتروج لهذا النموذج الاقتصادي الكفؤ والعادل.
منظمات المجتمع المدني في سورية الجديد
أ-لمنظّمات المجتمع المدني دور بالغ الأهمية، في حاضر سورية ومستقبلها، وذلك لمهامها الأساسية المعروفة والراسخة في المجتمعات المتحضرة، ولقدرتها على حمل فكرة التغيير، وعلى تحدي الظروف الصعبة والمشاكل المستعصية، كالتي يعيشها السوريون الآن، ويتوقع أن ترافقهم في مستقبلهم القريب[11].
ب-سيكون على منظمات المجتمع المدني السورية المساهمة، إلى جانب مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية، بالنهوض بمهام كثيرة من أهمها:
- إعادة بناء الثقة بين السوريين، وإطفاء الحرائق القائمة بينهم على غير صعيد. والمساهمة في تعزيز الثقة والتقارب والتصالح بين السوريين.
- حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وقيم المواطنة والعلمنة وسيادة القانون، ونشر التوعية بين الناس بهذه الموضوعات وتعزيزها.
- لعب دور المراقب الشعبي على أداء السلطات المنتخبة على مختلف المستويات.
- حمل ملفات المعتقلين والعدالة الانتقالية مهما طال الزمن، ودعم برنامج العدالة الانتقالية.
ت-على الدولة السورية القادمة تشجيع ودعم منظمات المجتمع المدني بكل أشكالها، وتوفير أسباب نجاحها، وذلك عن طريق:
-نصوص دستورية وقانونية تحدد أدوارها وتوفر لها الاستقلالية والحماية والدعم.
-توفير الدعم المادي والمعنوي غير المثقل بشروط لها.
-على منظمات المجتمع المدني ترسيخ الحياة الديمقراطية داخل منظماتها، واعتماد معايير الإدارة العلمية والشفافية والمحاسبة، والاعتماد على العمل التطوعي.التربية والتعليم في سورية الجديدة
أ-سيحرص السوريون على إعطاء التعليم بكلّ مراحله أكبر اهتمام ورعاية ممكنين، مدركين أن الاستثمار به هو أفضلُ وأهمّ ما يمكن لهم عمله من أجل نهوض البلاد وتقدمها، فضلًا عن أن المدارس والمؤسسات التعليمية هي المكان الأول لترسيخ وتعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك والديمقراطية وحقوق الإنسان.. والسوريون بأمس الحاجة إلى هذه القيم[12].
ب-سيتم تكريس الاهتمام بالتعليم عبر:
-تبني مبدأ ديمقراطية التعليم والتربية للجميع دون تمييز.
-نصوص قانونية ودستورية وبرامج حكومية وخطط طموحة وموازنات كافية.
-إيلاء المعلمين اهتمامًا خاصًا، سواء لجهة تأهيلهم أو تأمين حياة كريمة لائقة بهم، باعتبارهم أساس نجاح العملية التعليمية.
-تجهيز المدارس بكل ما يلزم من تجهيزات تعليم حديثة.
-إبعاد التعليم عن كل أنواع الأيديولوجيا، وعن كل ما يتعارض مع مفاهيم المواطنة والعيش المشترك. والتركيز على خلق أجيال تتمتع بتفكير علمي نقدي.
-جعل التعليم إلزاميًا حتى نهاية المرحلة الإعدادية، وإتاحة التعليم المجاني بمراحله كافة لجميع السوريين.
-الاهتمام بالتعليم التقني.
-تشجيع القطاعين التعاوني والخاص للاستثمار في المشاريع التعليمية، والاهتمام بتنويع أنظمة التعليم، وبالنظم التعليمية الهجينة، على أن تبقى خاضعة لخطط الدولة ومناهجها ورقابتها.
-الاهتمام بالتربية التعويضية للسوريين الذين حرمتهم ظروف الصراع من التعليم.
ت-ستهتم مناهج التعليم بتدريس الأخلاق وقيم المواطنة والوطنية والحقوق والحريات ومبادئ الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون وحيادية الدولة، وكل ما من شأنه تنشئة أجيال قادرة على بناء دولة حديثة متقدمة متصالحة مع العصر.
خاتمة
تطمح هذه الوثيقة (مشروع وثيقة توافقات وطنية) المستخلصة من مخرجات برنامج الحوار الوطني إلى أن تُشكِّل أساسًا متينًا لتوافق طيف واسع من السوريين، وخروجهم من حالة الشرذمة والتشتت إلى حالة العمل المشترك الواسع القادر على الفعل والتأثير في مصير بلادهم وأهلهم. كما تطمح إلى أن تُشكل أساسًا متينًا لمشروع وطني متكامل، يساعد السوريين في الخروج من محنتهم، وفي بلسمة جراحهم، وتجاوز ماضيهم الأليم القريب والبعيد، ووضع أسس دولتهم الحديثة، دولة الحق والقانون والعدالة والحريات، والمواطنة، والعلم والمؤسسات.
ولا يكتمل هذا الجهد إلا عبر إغنائه المستمر بمزيد من النقاش، بين السوريين على كل المستويات، وبتزايد أعداد الداعمين له من كل الأطياف.
[1] يجدر بنا التنويه إلى أن المشارَكة في النقاش لا تعني موافقة كل مشارك على كل ما جاء في الوثيقة بتفاصيله دون أي ملاحظة، وأن وضع الأسماء هنا يتم بموافقة أصحابها فقط.
[2] من أبرز الحقوق الواردة في الشرعة الدولية: الحق في الحياة – الحق في الأمان – الحق في حرية الرأي والتعبير – الحق في حرية الفكر والوجدان والاعتقاد – الحق في المساواة وعدم التمييز – الحق في مستوى معيشي وصحي لائق – الحق في التربية والتعليم – الحق في التجمّع السلمي – الحق في العمل بشروط عادلة ومرضية – الحق في تشكيل و/أو الانتساب إلى النقابات والجمعيات – الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة – حقوق الأطفال والمراهقين والمرأة في المساعدة والدعم….
[3] يقوم المبدأ على الفصل بين سلطات الدولة الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وضمان قدر من الاستقلالية لكل منها، بما يسمح لها بمباشرة مهامها بحرية ودون وصاية أو ضغوط من السلطات الأخرى، ويحدد الدستور حدود الفصل بين السلطات، وينظم العلاقة والتوازن بينها، ويمنع تغول إحداها على الأخرى.
[4] مع ذلك، لا يمكن اعتبار نظام الأسد نظامًا للطائفة العلوية، إنما هو وظّف الطائفة العلوية في الصراع السياسي، وربَط مصيرها بمصيره، واستخدمها وقودًا في مشروعه.
[5] كان للإسلام السياسي دور مهم في تسعير الأزمة الطائفية، بسبب تركيزه على الفصائل الدينية والتعبيرات الدينية في صراعه مع النظام، ما ساهم في دفع معظم العلويين إلى الالتصاق بالسلطة والاستماتة في الدفاع عنها، خوفًا من المصير المخيف الذي يعتقدون أنه ينتظرهم بعد رحيله، وما ساهم أيضًا في اقتراب بعض أبناء الأقليات الدينية من النظام، أو وقوف معظمهم على الحياد خوفًا من المجهول.
[6] يتحمّل حزب البعث ونظام الأسد القسط الأكبر من المسؤولية عن نشوء الأزمة القومية بين العرب والكرد واستفحالها. وكذلك يتحمّل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومن خلفه حزب العمال الكردستاني PKK قسطًا كبيرًا من المسؤولية، ويتحمّل غلاة القوميين من الطرفين قسطًا من المسؤولية أيضًا.
[7] المواطنة هي تلك العلاقة التي تربط الفرد بالدولة من ناحية، وبسائر المجتمع من ناحية أخرى، وهي علاقة سياسية قانونية بين الفرد والمجتمع السياسي الذي ينتمي إليه، والذي ستحكمه جملة من القوانين والأنظمة التي ينبغي عليه احترامها، وينبغي عليها بالمقابل حمايته ومنحه ما يستحق من امتيازات وحقوق.
[8] تقوم المواطنة على ثلاثة أركان: الأول هو الجنسية السورية، حيث يكون لجميع المواطنين والمواطنات الحق في اكتساب جنسية بلدهم ومنحها لأبنائهم ولزوجاتهم وأزواجهم، وما يترتب عن ذلك من حقوق وواجبات وامتيازات. والثاني هو المساواة، حيث يتساوى جميع السوريين والسوريات في تلك الحقوق والواجبات والامتيازات، أمام القانون والمحاكم ومؤسسات الدولة. والثالث هو حق جميع السوريين في المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على قدم المساواة، وشغل الوظائف العامّة كافة، ومن ضمنها منصب رئيس الجمهورية.
[9] العلمانية تعني فصل السلطة السياسية ومؤسسات الدولة عن الدين والمؤسسة الدينية. فلا يتدخل ممثلو الدين بشؤون السياسة والحكم، ولا تتدخل السلطة السياسية ومؤسسات الدولة بشؤون الدين، بل تبقى حيادية تجاه الأديان والمعتقدات، مع التزامها بحمايتها جميعًا، وتوفير الشروط اللازمة ليمارس أتباعها طقوسهم وشعائرهم وعباداتهم بحرية وأمان.
[10] اتسمت إدارة الاقتصاد في سورية بما اتسمت به إدارة البلاد عمومًا، من ضعف وفساد، وتقديم الولاء على الكفاءة، وغياب أيّ نوع من الرقابة البرلمانية أو السياسية أو المجتمعية أو الإعلامية، ممّا أضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد السوري. وقد ترافق ذلك مع تضخّم أجهزة الدولة البيروقراطية، وتضخم الجيش والأجهزة الأمنية والإنفاق عليها، ما أدّى إلى تراجع الوضع الاقتصادي في سورية، وتدهور الخدمات، وانخفاض دخول العاملين بأجر، وتراجع القدرة الشرائية لغالبية السوريين، وارتفاع معدلات الفقر، وازدياد التفاوت في الثروة بين مجموعة فاسدة فاحشة الثراء مرتبطة بالسلطة، وبين غالبية الناس. كما اتسمت باختلال التوازن التنموي بين المناطق، مع إهمال منطقة الجزيرة والمناطق الشرقية والبادية التي تنتج النفط والغاز والقمح والأقطان والفوسفات.
[11] تم تغييب منظمات المجتمع المدني في مرحلة الأسد وإلحاقها بالنظام، خاصة بعد الأحداث الدامية في مطلع الثمانينيات، حيث تم حل النقابات، آخر منظمات المجتمع المدني، ثم أعيدَ تشكيلها لتكون جزءًا من أجهزة النظام. وبعد الانتفاضة الشعبية في العام 2011، ظهرت منظمات المجتمع المدني السورية بكثافة، بعضها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومعظمها في دول اللجوء، واستطاعت، رغم ضعف إمكاناتها وقلة خبرتها، أن تنهض بأدوار مهمة، خاصة على صعيد تمكين السوريين والسوريات من مسائل مهمة كانت مغيّبة، كالمواطنة. لكن مستوى أدائها وفعاليتها بقي دون الطموح بكثير، بسبب مشكلات وصعوبات عديدة، مثل غياب التمويل الذاتي أو الوطني غير المشروط، وفقدانها للاستقلالية. كما عانت الأمراضَ التي اختبرناها في أحزاب وتشكيلات المعارضة، كالانقسام والتعصّب، وتغليب المصالح الشخصية، وغياب الحياة الديمقراطية، وغياب الإدارة العلمية والمؤسساتية، وغياب مهارات الحوار وإدارة الاختلاف.
[12] كان التعليم متردّيًا في حقبة البعث/ الأسد إلى حد بعيد، حيث كان مؤدلجًا، يقوم على الإملاء والتلقين، وهدفه الأول هو ضمان أجيال تابعة وموالية، وتعبئة أفراد المجتمع وضبطهم. وكانت الثقافة القومية هي البديل عن الثقافة الوطنية وعن ثقافة المواطنة. وكان التعليم مفصولًا عن الواقع وعن سوق العمل، ينخره الفساد. وكان المعلّم مسحوقًا ومهمشًا. وحالة التعليم الآن ليست أفضل، بل أسوأ على كل المستويات: ضعف الإمكانات، وحجم الاستيعاب، ونسب التسرّب من المدارس، ولا سيما مع وجود مناهج مؤدلجة مختلفة ومتضاربة بين منطقة نفوذ وأخرى، تستخدمها سلطات الأمر الواقع للتعبئة وخدمة مشاريعها. ما يعني أنّ هذه المناهج أصبحت مِعول هدم إضافي للنسيج الاجتماعي السوري المتهتك أصلًا، تساهم في تكريس الانقسام، ورفع الحواجز بين السوريين.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة