قراءة في كتاب: داخل سورية.(٢)

أحمد العربي

  • حروب الانقلابات ثم يحكم الأسد

١٩٤٧- ٢٠١١م

لم يخرج الفرنسيين والانكليز من المنطقة دون أن يتركوا وراءهم الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى حل أو مستحيلة الحل. فالبنية العسكرية الباقية من العهد الفرنسي كانت متهيئة لتفتح عصر الانقلابات في سورية والمنطقة عموما، خاصة أن الإنكليز والفرنسيين ومعهم الأمريكان الداخلين إلى المنطقة بقوة بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية، وظهور النفط في المنطقة العربية قبل ذلك بعقود، باعتباره عصب الدول الصناعية أوربا وأمريكا والتكنلوجيا الحديثة، فقد حاولت هذه الدول أن تستمر في حضورها وتأثيرها وضمان مصالحها عبر علاقات مفتوحة مع هذه الدول الوليدة وقيادات جيوشها ، فلم تكن بعيدة عن الانقلابات التي حصلت في سورية في اواخر اربعينيات القرن الماضي. وليتم فهم التغيرات التي ستحصل في منطقتنا العربية عموما وسورية خصوصا لا بد من التوقف عند المشروع الصهيوني التي رعته بريطانيا منذ وعد بلفور ومن ثم احتلال الإنكليز لفلسطين ودعم الهجرة اليهودية إليها، مما رفع نسبة اليهود فيها من اقل من ٦% بداية القرن الماضي إلى حوالي ٣٠% عبر فترة الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، وزيادة على ذلك كان هناك دعم للصهاينة في شراء الأراضي، والصمت عنهم في تسليح أنفسهم وتشكيلهم عصابات مسلّحة وتدريبهم على القتال، استعدادا ليوم خروج الإنجليز من فلسطين، مع أن الفلسطينيين قد ادركوا ما يخطط لهم وقاموا بثورتهم في ثلاثينيات القرن الماضي، التي لم تستطع أن تنجح بسبب ضعف إمكانياتها واسقاطها من قبل الإنكليز. كان الصهاينة اليهود قد أصبحوا جاهزين لتشكيل دولتهم فقد سعت بريطانيا وفرنسا وأمريكا لاستصدار قرار أممي بحق اليهود بوجود دولة لهم في فلسطين، وصدر قرار انشاء دولتين يهودية وفلسطينية، رفضت الدول العربية حديثة العهد بالاستقلال القرار الدولي، وقرر الإنكليز الخروج من فلسطين عام ١٩٤٨م، وشكل اليهود دولتهم، رفضت الدول العربية المجاورة ذلك وقررت أن تحارب الكيان الوليد، فشلت الجيوش العربية مجتمعة أمام الكيان اليهودي الجديد، وتوسعت (اسرائيل) بحدودها عما اعطاها القرار الدولي وأصبحت عقدة العقد عند الدول العربية المستقلة حديثا، اغلب الانقلابات في سورية حدثت تحت دعوى التصدي للكيان الصهيوني، سواء كان صادقا هذا الادعاء او كاذب، كل المتغيرات في المنطقة بعدها سترتبط بالكيان الصهيوني وارتباطه بالغرب والعداء له والصراع معه. ستقوم ثورة في مصر ١٩٥٢ من مجموعة ضباط عاد أغلبهم من هزيمة ١٩٤٨ بقرار أن يغيروا أنظمتهم ليحرروا فلسطين، سيؤمم عبد الناصر قناة السويس عام ١٩٥٦، وتحاربه (اسرائيل) وفرنسا وبريطانيا، ولن يتمكنوا من هزيمته بسبب صمود مصر والإنذار الأمريكي السوفييتي لهم، ستكون الوحدة السورية المصرية إحدى نتائج هذا الصراع، سورية التي تشكل بها احزاب يسارية الشيوعي والقومي السوري والبعث، كما تواجد بها الإخوان المسلمون، اجتمع الضباط الوحدويون بعثيين وغيرهم وتوجهوا مع بعض القيادات السياسية السورية، وصنعوا الوحدة مع مصر عبد الناصر، التي استمرت ثلاث سنوات، وسقطت الوحدة لأن الغرب وعلى رأسه أمريكا رفض وحدة تضرب الغرب ولا تنفعه، إضافة لطبقة العسكر من البعثيين الذين وجدوا أنفسهم معزولين، حصل الانفصال ١٩٦٢، ثم انقلاب آذار ١٩٦٣ من ضباط ناصريين وبعثيين تحت دعوى إعادة الوحدة، لكن الضباط البعثيين يبعدون الناصريين و يهيمنون على الدولة، ثم وعبر عدة انقلابات داخلية، يتم إقصاء الببعثيين المدنيين أولا عام  ١٩٦٦ و يتم هيمنة العسكر، وينفرد بدء من ١٩٧٠م حافظ الأسد في حكم سورية بشكل مطلق حتى وفاته عام ٢٠٠٠م وانتقال السلطة لابنه بشار الذي مازال حاكما لسورية في أوائل ٢٠١٩م. فصّل الكاتب في طرح مرحلة حافظ الأسد الذي اعتمد داخليا على السيطرة الامنية والعسكرية المطلقة على أركان الدولة والمجتمع، عرف كيف يحوّل حزب البعث لاداة تخدمه، وكيف يواجه مخالفيه من المعارضة في سورية، وكيف ينهيهم، اما بالسجون والمعتقلات أو موتى أو في المنافي، لم يكن يتورع عن استعمال العنف العاري بحق المختلف معه، ودرجة العنف استئصالي،  ولا مشكلة إن كان بين الضحايا مدنيين وليس لهم علاقة بأي عمل سياسي معادي، لقد حارب حافظ الأسد الإخوان المسلمين منذ أواسط السبعينات حتى بداية الثمانينات، أنهى وجودهم المادي، ومعهم عشرات الآلاف من المدنيين في حماه وحلب وغيرها من المدن. كان حافظ الأسد حريصا على إعلان موقف قومي لتوحيد العرب ومواجهة (اسرائيل)، لكنه واقعيا كان هو من وقع على بيان الانسحاب من الجولان كوزير للدفاع، ومن هزم في حرب ١٩٧٣، صحيح ان القنيطرة  قد عادت لكن وفق اتفاقات جعلت جبهة الجولان هادئة لعقود. حافظ الأسد كان مدركا للمصالح الدولية في المنطقة، كيف يلعب على تناقضاتها، ويستثمر موقع سورية وقوة نظامه وطغيانه على الشعب السوري، وكيفية استثمار هذا الحضور، تاركا وراءه ادعاءات القومية المقاومة، لقد كان للأسد دورا في لبنان أعاد السيطرة للبنية التوافقية التي وجدت منذ تشكيله كدولة توافق طائفي، حارب الوجود الفلسطيني “الفدائين” منذ ١٩٧٥ حتى إخراج منظمة التحرير من لبنان ١٩٨٢، حول لبنان لدولة تحت الانتداب السوري، كان متحالفا مع إيران منذ حركة الخميني ١٩٧٩م، دعمها في مواجهة العراق أيام حربهم الممتدة لثماني سنوات، تبادل الأدوار مع إيران في وجود ودعم حزب الله ليصل لمرحلة يصبح فيها الورقة الرابحة في لبنان منذ ثمانينات القرن الماضي، ويقوم حزب الله بإدوار إقليمية في مواجهة (اسرائيل) وفق خطط النظام السوري وإيران ومصلحتهم، وسيكون له دور لدعم النظام السوري ضد الشعب السوري الثائر الآن. سيكون للأسد الأب  دور في دعم إيران في حربها مع العراق، وفي حصاره، واستثمار ذلك، ويستثمر مع أمريكا و التحالف الدولي ١٩٩٢ أيام تحرير الكويت، سيكون لحافظ الأسد أدوار دولية يحاول أن يؤديها، ليقبض ثمنها، قوة واستمرار سلطة ومصالح له وللعصبة حوله. ثم تنتقل السلطة إلى بشار الأسد بعد وفاة والده عام ٢٠٠٠م، ستستمر السلطة بذات البنية الامنية والعسكرية والهيمنة، سيعلن بشار الأسد عن حزمة إصلاحات شكلية، سرعان ما يظهر زيفها، ويعلن وفاة ربيع دمشق الذي تحرك على أثره الكثير من المعارضين السياسيين وممثلي المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، سيتعرض الكل فيما بعد الى موجة اعتقالات وتعود سورية لتكون جمهورية صمت وظلم واستبداد. يستثمر بشار الأسد موقعه ودوره، فهو شريك رسمي في تداعيات حصار العراق واحتلاله، مع الأمريكان ومع كل القوى التي كانت مهيأة لتكون الحكم البديل بعد خروج الأمريكان، كان للنظام دور في محاربة تنظيم القاعدة معلوماتيا، وكان له دور في دعم امتداد القاعدة في العراق، ودور في محاربته ايضا، دخل لعبة التفاوض مع الإسرائيليين في عام الألفين وفي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، كلها لم تنجح لكنها، جعلت النظام لاعبا مقبولا في المنطقة. كان للنظام دور في مقتل الحريري عام ٢٠٠٥م، أدى لخروج سورية من لبنان لكن بقي حزب الله وكيلها الحاكم الفعلي هناك. عمل بشار الأسد على تحريك الاقتصاد السوري وفتح بابا على اقتصاد السوق، وساعد في خلق طبقة رجال مال وأعمال من محيطه،  فتح البنوك وشركات الهواتف الذكية، وأكد أن سورية ستدخل عصر الخصخصة والتكنولوجيا. كان اهم ما صنعه بشار الأسد في سورية داخليا أنه أسكت الصوت المعارض بشكل شبه مطلق، وأنه استطاع خارجيا ان يجد لنفسه دورا ضمن اللعبة الإقليمية والدولية ويجد له قبولا، لقد وعد نفسه ونظامه بمستقبل مشرق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى