قراءة في كتاب: داخل سورية.(١)

أحمد العربي

ريز إرليخ صحفي استقصائي أمريكي يتابع قضايا المنطقة العربية منذ عقود، والكتاب داخل سورية، كتاب مهم في موضوعه، فهو يتميز بالبحث في الوقائع والتاريخ ويمتد مجاله الزمني إلى القرن تقريبا، كما أنه يشمل كل الموضوعات المتعلقة في سورية داخليا وإقليميا ودوليا.

  • الثورة التي كان يفترض أن لا تحصل.

في عنوان مثير يفتتح الكاتب كتابه بالقول أنه بناء على رصد الواقع السوري، سواء من جهة السلطة السياسية ودرجة هيمنة نظام الأسد على الواقع السوري، أو واقع الشعب السوري المتكيف مع ظروفه الحياتية بكل اعبائها، وانشغاله بلقمة عيشه والبحث عنها، أو ما عاشه ويعيش ما تبقى من المعارضين السوريين على قلّتهم ومحدودة تأثيرهم، كل ذلك جعل إمكانية التفكير بحصول الثورة السورية مستبعد، وهذا ما قاله رأس النظام بشار الأسد في بدايات الربيع العربي، بأن الربيع العربي لن يطال سورية، لكنه وصل وحصلت الثورة السورية وكان لها تداعيات كثيرة وكبيرة على كل المستويات، هذا موضوع الكتاب.

  • لورنس السوريين.

يعود الكاتب معنا في هذا الفصل إلى نهايات الخلافة العثمانية في بدايات القرن الماضي ، مركزا على دور بريطانيا وفرنسا في تشكيل المنطقة العربية على أنقاض الخلافة العثمانية، شارحا دور لورنس الضابط الانكليزي وغيره، وكيف اكتملت أدوار العمل الاستخباري والعسكري والتواصل مع أهل المنطقة من القبائل والوجوه و ممثلي العرب في ذلك الوقت، للاتفاق معهم على ضرب السلطة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي حاربت فيها بريطانيا وفرنسا ضد العثمانيين والالمان، كيف تم شراء ولاء القبائل بالمال، وتقديم الوعود الى الشريف حسين – شريف مكة – وأولاده فيصل وعبد الله، على أنه سيعطى حق قيادة دولة عربية صديقة الإنكليز والفرنسيين بعد إسقاط العثمانيين وطردهم من المنطقة العربية، وكيف كانت الوعود مجرد خداع من الدولتين لتجييش العرب معهم ضد العثمانيين، وكيف تم كشف حقيقة الموقف البريطاني الفرنسي حين تم كشف اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية، التي قسمت بلاد الشام بينهما، حيث كان من نصيب فرنسا ما سيصبح اسمه سورية ولبنان، وكان للانكليز فلسطين والأردن والعراق. غاص الكاتب عميقا في دور البلدين لصياغة المنطقة العربية على أنقاض الدولة العثمانية التي عملتا على اسقاطها، وتحدث عن الدور البريطاني في مساعدة الصهاينة اليهود عبر الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا وقتها بلفور ١٩١٧م  ل”وايزمن” الذي سيكون أول رئيس لدولة الصهاينة (إسرائيل) في فلسطين عام ١٩٤٨م بعد ذلك. لقد انطلق الإنكليز والفرنسيين من مصلحتهم الاستعمارية المطلقة في إسقاط الدولة العثمانية وإعادة تقسيم المنطقة واستعمارها.

  • اتفاقات وثورات و استقلال:

١٩١٩- ١٩٤٦ م

ينتقل الكاتب في تناول منطقة المشرق العربي بعد إسقاط الدولة العثمانية وحصول اتفاقية سيفر التي تعطي للأتراك بعض دولتهم الحالية، وتعطي للفرنسيين سوريا ولبنان، وتعطي العراق والأردن وفلسطين للانكليز. سيحاول الانكليز إرضاء الشريف حسين وأولاده ببعض السلطة في الدول الوليدة، بعد ان اسقط حلمهم بالدولة العربية الواحدة، حيث أصبح عبد الله بن الحسين ملكا على الأردن،  ومازال حفيده ملكا عليها للان، واعطي الحكم في سوريا لفيصل بن الحسين، لكن الفرنسيين الذين دخلوا دمشق عند اقتسام المغانم، أسقطوا دولة فيصل، وطردوه إلى العراق، حيث وضعه الإنكليز ملكا هناك، استمر قليلا ثم استئصلت عائلته من الحكم هناك بعد الثورة التي حصلت في العراق في خمسينيات القرن الماضي. في سورية دخل الفرنسيين بقيادة الجنرال غورو الذي خاطب قبر صلاح الدين في دمشق “ها قد عدنا ياصلاح الدين”، كان للفرنسيين سياسة استعمارية قائمة على قاعدة: فرّق تسد، حيث بدأ  يعمل على تقسيم سورية الى أربع دول غير دولة لبنان، دمشق وحلب ودولة العلويين في الساحل السوري ودولة الدروز في الجنوب، لكن ذلك لم يستطع أن يستمر بسبب رفض عموم السوريين لذلك، كما اعتمد الفرنسيين على تغذية التنوع الطائفي والديني والعرقي وتحويله إلى عامل فرقة، المسيحيين لهم حظوة، وهناك فرق من الجيش خاصة للدروز والأكراد والعلويين، لكن ذلك لم ينجح في استمرار التقسيم أيضا، فقد قام سلطان باشا الأطرش الدرزي من جبل العرب بثورة تعممت على سورية كلها وسميت الثورة السورية الكبرى ١٩٢٥م، وفرض على الفرنسيين التعامل مع سورية الحالية ككيان واحد، لكن لبنان كان قد حول الى دولة وكيان خاص، أما سورية فلن يستطيع الفرنسيين الحفاظ عليها وفق معاهدة “سيفر” فقد رفض أتاتورك ما اعطي كدولة تركية في ما تبقى من الدولة العثمانية، فتوصل مع الفرنسيين والانكليز الى معاهدة “لوزان” التي أعطته حدود تركيا الحالية، مقتطعا من سورية لواء اسكندرون وبعضا من الشمال السوري، الذي أصبح منذ ذلك الوقت جزء من الدولة التركية. لم تستطع فرنسا المحافظة على الدول التي استعمرتها ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية من ١٩٤٢حتى ١٩٤٥م واحتُلت فرنسا نفسها، وبعد أن انهزمت ألمانيا عبر التدخل الأمريكي وانتصر الحلفاء بريطانيا وفرنسا، انتهى الاحتلال الانكليزي والفرنسي للمشرق العربي، كان الاستقلال السوري عام ١٩٤٦م وكذلك لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى