ماكرون في الصين فهل ينجح بفك الارتباط بين بكين وموسكو؟

ليلى المر

جاك سابير: التقارب الصيني- الروسي ليس شراكة طارئة فرضتها الظروف بل هو تحالف متكامل تشكل بعد الحرب الباردة.

يباشر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء زيارة إلى الصين تستغرق ثلاثة أيام حتى الثامن من أبريل (نيسان) الجاري، ترافقه فيها المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية أورسولا فون دير لاين، وهي الزيارة الأولى له منذ جائحة كورونا، وتأتي على وقع تطورات متسارعة على الساحة الدولية، وفي ظل التنافس المتعاظم بين الولايات المتحدة والصين على الزعامة الدولية.

كما تتزامن الزيارة مع إعلان انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) لتكون بذلك الدولة الـ31 في الحلف الذي يعزز وجوده على أطراف الحدود الروسية، وسيحاول الرئيس الفرنسي خلالها إقناع الصين بالتزام المسافة مع روسيا في الحرب الأوكرانية، إلى جانب تأكيد المصالح الاقتصادية بين البلدين وإبرام بعض العقود، إذ يرافق ماكرون وفد من رؤساء أكبر الشركات الفرنسية في قطاع الطاقة والطيران والصناعات الغذائية والثقافة.

الرئاسة الفرنسية أشارت في بيانها إلى “إعادة تحديد المعايير في العلاقات” بين البلدين، كما لفتت إلى أنه سيتم العمل بشكل معمق لإيجاد خطة للسلام.

في سياق مقابل، تأتي الزيارة بعد أسبوعين من زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو وتأكيده على وقوفه إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد صدور مذكرة توقيف من محكمة الجنايات الدولية بحقه.

أما على الساحة الشرق أوسطية، فهي تندرج أيضاً بعد فترة من المصالحة بين السعودية وإيران برعاية صينية والانفتاح السعودي على سوريا التي تبدو فيها يد موسكو غير بعيدة، إضافة إلى طلب المملكة الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون والأمن.

تجدر الإشارة إلى أن التموقعات الجيوسياسية المتلاحقة تكشف عن مصطلحات جديدة، من أحدثها عبارة فك الارتباط، أو فصل الشراكة، التي تشير إلى محاولة إبعاد الصين عن روسيا، وهو مفهوم تناوله مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية “إيفري” توما غومار في دراسة نشرها موقع المعهد حول استراتيجية العلاقة مع الصين يشير فيها إلى أن “العولمة أرست روابط اقتصادية وتكنولوجية وثيقة تجعل كل محاولة فك ارتباط باهظة، لا بل مستحيلة. فالشراكة الاقتصادية لا تعني حتماً التحالف العسكري، والعكس صحيح. وهذا يكشف عن بروز فجوة متعمقة تفصل المفاهيم الجيوسياسية عن الواقع الجغرافي الاقتصادي”.

ويتابع، “عبارة ’فصل‘ باتت رائجة في الولايات المتحدة أكثر من أي مكان آخر، ورفض منطق التكتلات بات رائجاً جداً خارج المعسكر الغربي، حيث تتصدر المشهد مقاربة براغماتية عبر عنها بوضوح وزير الخارجية السعودي في مؤتمر السياسة الدولية World policy conference في ديسمبر (كانون الأول) 2022”.

لن تأتي بثمار

حول جدلية هذه العلاقة بين الصين وروسيا وأبعادها المتراكمة، حاورت “اندبندنت عربية” جاك سابير، الاقتصادي الفرنسي وعضو الأكاديمية الروسية للعلوم، أستاذ الاقتصاد في المدرسة العليا للدراسات في العلوم الاجتماعية، إذ قال إن “محاولة فصل الصين عن روسيا لن تأتي بأية ثمار، لأن الصين تساعد حليفتها روسيا سياسياً واقتصادياً. وهما أعلنتا في فبراير (شباط) 2022 عن ’صداقة غير محدودة‘، كما تجدر الإشارة إلى أن شي جينبينغ أكد مساندته الشخصية لفلاديمير بوتين غداة إعلان مذكرة توقيف ضده من قبل محكمة الجنايات الدولية”.

ويرى جاك سابير أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط الصين بروسيا ليست وليدة لظروف الحرب الأوكرانية، موضحاً أن البلدين “تربطهما شراكة استراتيجية منذ عام 1996 وتشمل الجانب العسكري والتكنولوجي ومجالات أخرى. وهذا التقارب تحول إلى تحالف ضمن حلف شنغهاي الذي تأسس عام 2001، و’بريكس‘ في 2012، ولا يمكن اعتبار ذلك تقارباً وضعياً طارئاً فرضته الظروف، بل هو منعطف شهد بداياته بعد نهاية الحرب الباردة وهو تحالف تتعدى صلابته وقوته التحالف الظرفي”.

ويعتقد سابير بأن الولايات المتحدة ما زالت ترى العالم من منظار التكتلات التي تذكر بالحرب الباردة، وظهر ذلك منذ تبني العقوبات ضد روسيا عام 2014 بعد ضم جزيرة القرم، مردفاً “الغرب تبنى مبادرة التكتلات من خلال العقوبات، فمعظم الدول ترفض اتخاذ موقف في هذه الحرب لأنها تلقي بالمسؤولية المشتركة بين الجانبين الأوكراني والروسي، وهذه فجوة تقودنا إلى عالم متعدد الأقطاب”.

وعما إذا كانت أوروبا لا تزال قادرة على الوزن في مجريات الأحداث يقول “الاتحاد الأوروبي لا يزال قادراً على التأثير كونه يمثل سوقاً من 450 مليون مستهلك. فالأوروبيون يتمتعون بقدرة شرائية جيدة وهم يشكلون 5.8 في المئة من سكان العالم ذات مستوى دخل جيد”.

لكن في المقابل “تتوجب الإشارة إلى أن أوروبا لم تعد في المستوى الذي كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضي، فهي لم تعد القوة الصناعية الأهم، ومن الخطأ أن تعتبر بأنها ما زالت تتمتع بقوة التفاوض نفسها التي كانت عليها في بداية عام 2000”.

وحيال تشديد اللهجة تجاه الصين بهدف إبعادها عن روسيا، يقول سابير “لا يمكن التوجه إلى بلد يمثل 22 إلى 23 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي بهذه اللهجة، ولا ننسى أن وزنها الاقتصادي يعادل وزن فرنسا 20 ضعفاً، والصين تمثل 20 في المئة من حجم الواردات على الصعيد الأوروبي مقابل 12 في المئة للولايات المتحدة”.

ويعتبر المحلل الاقتصادي أن ما أسهم في تشكل مواقف دول الجنوب حيال الغرب ناجم عن أزمة 2008 – 2010 التي بدأت مع الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة، “فهذه الأزمة أسهمت في فقدان مصداقية الولايات المتحدة والغرب حيال دول الجنوب”.

ويتابع، “الصين تريد أن يواصل العالم تقدمه نحو عالم متعدد الأقطاب، والخطة التي اقترحتها في شهر فبراير (شباط) للتوصل إلى حل للحرب الروسية – الأوكرانية وتلخصت بـ11 نقطة، جاءت مؤيدة لموسكو فهي ترى أن روسيا يجب أن تكسب هذه الحرب وهي ستفعل كل ما يمكن لأن تربحها، فالصين تبيع المعدات لروسيا، مما يمكن اعتباره أنها تسهم في مجهودها الحربي”.

في سياق متواز تجدر الإشارة إلى وجود الصين وروسيا في مسيرة المصالحة بين السعودية وإيران، مما سيعود بنتائج على الحرب في اليمن. كما لا ننسى أن الرياض وطهران تقدمتا بطلب للانضمام إلى حلف “بريكس”، إذ سيعمد المجلس إلى مناقشته خلال الدورة المقررة في الصيف المقبل.

ويعتبر سابير أن “طلب السعودية الذي تقدمت به المملكة لتكون عضواً مراقباً في منظمة الأمن والتعاون شنغهاي جاء بحثاً عن علاقات أمنية، وليس فقط عن علاقات اقتصادية”.

فقدان السيطرة

تجدر الإشارة إلى أن عدد الدول التي تقدمت لهذه العضوية بلغ سبع دول، ويرى سابير أن طلب السعودية سيليه طلب الإمارات وغيرها، وهذه الموجة تعكس فقدان السيطرة من قبل الولايات المتحدة إلى جانب توجه للتقارب من الصين وروسيا”.

وحول ما إذا كانت هذه الشراكة تضع موسكو في موقع غير متكافئ مع بكين، بخاصة بعد فقدانها السوق الأوروبية، فصادراتها من الغاز إلى الصين لا تعوض كلياً ما فقدته في السوق الأوروبية، يوضح سابير أن “روسيا عمدت إلى تعويض هذا النقص بالغاز الطبيعي المسال، وتحولت إلى مصدر مهم له، والصين تصدره إلى أوروبا. على سبيل المثال، إسبانيا ضاعفت بثلاث مرات وارداتها من هذا الغاز، وفرنسا ستشتري الغاز الطبيعي المسال من الصين، كما أن توتال الفرنسية تفعل ذلك. روسيا تصدر إلى الصين 38 مليون متر مكعب من الغاز، والمعاملات تجري باليوان الصيني، فمستوى التعامل باليوان كان عند عتبة الـستة في المئة قبل عام 2021 في حين يبلغ اليوم نسبة 28 في المئة، وفرنسا ستشتري الغاز المسال من السعودية الذي هو غاز روسي وستدفع باليوان الصيني”.

وحول قدرة فرنسا على ممارسة الضغط في المعادلة الجديدة التي فرضتها الحرب الأوكرانية، بخاصة أنها شددت على دفاعها عن مصالحها، يقول سابير إن “فرنسا لم يعد لديها الثقل نفسه كما قبل 20 عاماً، وهي عندما تجاهلت المنظمات الجديدة، ولم تهتم بهذه المجموعات التي انبثقت بعد الحرب الباردة، وتمثل ذلك في تجاهل أهمية بريكس ومنظمة شنغهاي، وكان بوسعها اعتماد أمانات عامة لدى هذه المنظمات”.

ويعتقد سابير بأن “فرنسا لم تر أن الأيام تبدلت وأن عليها تغيير علاقاتها، وما حصل مع بلدان الساحل الأفريقي خير دليل على ذلك، وهي تتهم روسيا بأنها وراء ما يحصل في أفريقيا الساحلية، إذاً عدم اكتراث البلدان الأوروبية الأساسية وعدم تفاعلها مع الظروف المستجدة هما وراء فقدان التأثير وتحول هذه الدول صوب الشرق”.

ويختتم سابير بالقول إن “زيارة الرئيس الفرنسي هي على مستوى عال من الأهمية لكن من المستبعد أن تتوصل إلى نتائج مهمة، فالصين ستحتفي بالرئيس ورؤساء الشركات، لكن لن يكون بوسع ماكرون الضغط على هذا البلد، إذ يجب التنبه إلى التحولات المتسارعة على الصعيد الدولي والانتظام فيها للتمكن من إحداث تغيير”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى