مازالت حالات تهافت النظام العربي الرسمي متواصلة على طريقة الدخول تسللًا عبر المعطى الإنساني الإغاثي نحو إعادة وصل ماانقطع مع نظام العسف والقمع والإجرام الأسدي، ضمن سياسات عربية واسعة ومتجددة لإعادة العلاقات مع النظام السوري، بعد قطيعة لأكثر من أحد عشر سنة ونيف إبان استخدام النظام لآلة القتل والتدمير ضد شعبه، مع بدايات الثورة السورية الأولى بدءًا من درعا وصولًا إلى كل الجغرافيا السورية .
ويبدو أن قرارات جديدة اتخذت نحو إعادة هذا النظام الى الجامعة العربية، وسط ارتدادات كثيرة على مستوى أوروبا، وأيضًا الولايات المتحدة الأميركية، مفادها أن لا تطبيع مع هذا النظام قبل الولوج جديًا في العملية السياسية، وقبل تراجعه عن سياسات القتل والكيماوي التي سبق وأن قام بها ضد السوريين، فهجر أكثر من نصف الشعب السوري، نتيجة المقتلة، والخيار الأمني والعسكري الذي جاء بنصيحة إيرانية باعتباره جزءً تابعًا في محور الشر الذي تتزعمه إيران في المنطقة العربية.
التغير الملحوظ والانزياح في السياسات، وإعادة التموضع الجديدة، لدى الكثير من أطراف النظام الرسمي العربي تشي بمقاربات جديدة، تَحَدَّث عنها وزراء خارجية السعودية والأردن والأمارات وبعدهم تونس، حيث يودون حصر قضية السوريين بالمنحى الإنساني، وعودة اللاجئين السوريين إلى أرضهم، المهجرين منها قسريًا، دون لحظ أن جذر القضية الأساسي كان ومايزال وجود نظام قمعي مستبد، نهب الوطن ففسد وأفسد كل شيء، وطالت أيديه كل الناس في سورية اعتقالًا وقتلًا وتهجيرًا وتدميرًا للبنية التحتية ،وهو اليوم يعتقد مع حلفائه أنه انتصر في معركته ضد السوريين، لذلك فإن من حقه قطف ثمار النصر، عبر وقوف مستمر إلى جانبه من قبل إيران وروسيا، وصمت حقيقي من معظم دول العالم، الذين قالوا يومًا أنهم أصدقاء للشعب السوري. والآن يُترك هذا الشعب لمصائره أمام الطاغية ملك الكبتاغون في المنطقة والعالم، وكأنه لم يفعل شيئًا، وهو المجرم الطليق، والوحش المنفلت من عقاله، وصاحب العصابة التي خطفت سورية منذ مايزيد عن خمسين عامًا، وهي مابرحت تفتك بالشعب السوري، لتضعه في مصاف البلدان الأكثر فقرًا في العالم، حتى باتت نسبة خط الفقر في سورية ٩٠ بالمئة، والفقر المدقع ٦٥ بالمئة، حسب التصنيفات الأممية.
عجلة التطبيع العربي والإقليمي مع نظام بشار الأسد مستمرة، وبتسارع ملحوظ رغم التحذيرات التي سمعها المطبعون من الأميركان في اجتماع عمَّان الأخير، من حيث أن الواقع يشير إلى أن هذه التحذيرات لم تكن قاسية ولاجدية، لتترك الأنظمة تتحرك بخطوات حثيثة لإقامة علاقات قنصلية ودبلوماسية وتجارية، وطرحٍ لمبادرات عربية لحل المسألة السورية، وكأنهم لم يخبروا بعد مافعله هذا النظام ومازال يفعله، ليس بشعبه فحسب، بل بالمحيط الإقليمي بشكل عام، والخطر الذي بات يشمله وجوده الكبتاغوني على الخارطة الإقليمية والعالمية، ومستوى هذا الخطر الذي راح يرتفع يومًا إثر يوم.
لاشك أن الثورة السورية والحرب على الشعب السوري قد طال أمدها، وأنه كما يبدو ليس بمقدور النظم العربية والإقليمية الاستمرار بعدائها لهذا النظام، بعد أن فتحت الباب على مصراعيه نحو سيدة هذا النظام، وهو الخطر الأدهى، ونعني به خطر دولة الملالي في إيران إبان التفاهمات السعودية/ الإيرانية الأخيرة برعاية صينية، ومتابعة أميركية وترقب دولي. لكن مالا يدركه النظام العربي الرسمي وكل المطبعين مع هذا النظام، أنهم لن يكون بإمكانهم قطف ثمار التطبيع إلا المزيد من سخط الشعب السوري والكثير من نواتج الخطر الكبتاغوني المصدر إليهم من قلب نظام الأسد، وليس من أطرافه. علاوة على أن سياسة العنف والإرهاب التي بات نظام الأسد معلمًا فيها، وتابعًا أساسيًا لدولة الملالي في إيران، لتخريب المجتمعات العربية، وتغول الهيمنة الإيرانية على المحيط العربي، بالرغم من اتفاقات يمكن أن تُوقَّع أو تُعقد، إذ لا أمان لإيران ولا لهذا النظام السوري، ولا مصلحة لهم أبدًا في استقرار عربي وإقليمي، قد لايجنون منه إلا بعض تقويض أركان مشاريعهم الفارسية الطائفية الموجهة للمنطقة العربية، والتي كانت ومازالت تحلم بعد قيام دولة الملالي وقبلها الدولة الفارسية انتقامًا من العرب، وإحياءً لامبراطورية (كسرى أنو شروان) البائدة، والتي دمرها العرب والمسلمون إبان الفتح العربي الإسلامي.
ولعل استمرار التطبيع العربي والإقليمي مع نظام الأسد وصمت العالم عنه، يؤشر إلى أن سياسات جديدة عربيًا وإقليميًا، وأيضًا دوليًا باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق، وأن عودة نظام الأسد إلى الحضن العربي ستكون برعاية إيرانية وروسية ضمن مصالح منجدلة فيما بينها، لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والإنهيار في الواقع العربي، المستجير بإسرائيل تارة، وبإيران وروسيا تارة أخرى، وسط حالة من التخبط وضياع البوصلة، فلا إيران صاحبة المشروع الفارسي يمكن أن تعطي الأمان والاطمئنان للدول والكيانات العربية، ولا إسرائيل بمشروعها الصهيوني يمكن أن تحمي النظم العربية، ولعل تصريحات وزير المالية الإسرائيلي الأخيرة وترويجه لخريطة المشروع الصهيوني، تبين مدى تلبد الغيوم وعدم الوضوح أمام كل من راهن على إسرائيل يومًا، أو على دولة الملالي في طهران مرات ومرات، دون وعي منه لطبيعة المشروعين الأكثر خطرًا على مستقبلات العرب وأيامهم القادمة.