القاعدة في سورية

أحمد العربي

القاعدة ابنة مظلومية اجتماعية سياسية، نتاج تحالف الجهل والتخلف والقهر والأنظمة الاستبدادية والتبعية للغرب، هي فهم خاطئ للإسلام انعكس بأعمال عنيفة ضد المجتمع بكل مكوناته.

.دولة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية هي الحل.

اولاً . قبل الحديث عن القاعدة وحضورها في المشهد السوري الآن، لا بد من إطلالة على النظام السوري وموقفه واستخدامه للقاعدة منذ النشأة: النظام السوري له تاريخ من التعامل مع الإسلاميين ، ففي الستينات حصل صراع بين خلايا إسلامية – تابعة فكريا للإخوان المسلمين – والنظام ، ضربت بقوة، والأهم  بعد ذلك أحداث السبعينات والثمانينات بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة والصراع المسلح الذي حصل بينهم، الإخوان المسلمون و(الطليعة المقاتله) استشعروا مبكرا الطبيعة الطائفية للنظام وواجهوا بنفس المنظور، واعتمدوا على مظلومية المجتمع وتحركوا بعمل مسلح ضده، وسرعان ما واجههم متهما إياهم بـ الطائفية والإرهاب، واعتمد النظام سياسة الاستئصال التي طالت المجتمع وقواه السياسية الأخرى بالقمع والبطش ، وكان مصير الكل السجون والقتل والمنافي، كانت سنوات عجاف، وامتلأت السجون بهم، ومن بقي منهم حيا وخرج من المعتقلات والسجون ، كان نواة لمواقف متنوعة من النظام ، ومن الحل الإسلامي، ومن طريقة مواجهة النظام.

ثانيا ً. كان استئصال حركة الإخوان المسلمين بالقوة والقانون، حيث صدر القانون 49  الذي هدر دم كل عضو منتسب للجماعة، ولذلك كان وجود الحركة وبقية الحركات الاسلامية شبه معدوم، وان تواجد بعض الأفراد وبشكل سري وامتداد محدود، وهذا أعطى مبررا للهروب للمنافي أو الالتحاق بحركات التحرر العربية المقاومة وخاصة الفلسطينية، فقد كانت مشروعيتها صميمية في وجودنا ووجداننا ، و لها كبير الأثر، بحيث يلتحق بها شبابنا الهارب من القمع والبحث عن قضية عادلة يعمل لها، و عندما ظهرت قضية احتلال افغانستان من الروس؛ وماحملت له من بعد عقائدي ( لمواجهة الروس الملحدين والمحتلين)، وجد بها هؤلاء مكانا ينفذون بها رؤاهم العقائدية، وطموحهم بالجهاد والنصر او الشهادة، وهكذا التحق بعض الشباب السوري (بالجهاد) في أفغانستان وصاروا جزء من بنيته، ومن بنية القاعدة لاحقا.

ثالثا ً. لم يكن النظام السوري بعيدا عما يحصل، فهو راض عن ذهاب الشباب لأفغانستان، حيث يتخلص من حضورهم وتأثيرهم على الأرض، وبعضهم ممن كان بسجونه، وممن استطاع النظام أن يجنده كعميل لحين الحاجة، وعندما انتهت الحرب في أفغانستان، وخرج السوفييت، وأعلنت الحرب بين القاعدة والغرب والأنظمة،  كان النظام السوري حاضرا بعملة الاستخباري ، سجونه ، معتقلاته ، لكل عائد، وحرصه أن يزرع في بعضهم وأن يمنع إعادة تدوير حضورهم في البلد (لمن عاد)،  وعندما حصلت اعتداءات 11 ايلول 2001 في أمريكا، دخل النظام مع أمريكا والغرب في معركتهم ضد القاعدة لمصلحة ذاتية، لأنه نظام مستهدف سواء بسبب قمعيته أو خلفيته الطائفية، ويوطد مصالح استراتيجية مع الغرب؛ بتقديم بعض المعلومات المهمة عن القاعدة وتسليم بعض العناصر ايضا، وقام مع غيره من الأنظمة بعمليات تحقيق واستخراج معلومات بوسائل تعذيب معروفة عند الأنظمة العربية جميعا، وارتاحت أمريكا والغرب من (عمليات قذرة)،  قامت بها الأنظمة لحسابها، بصدر رحب ضمن منطق تبادل المنافع.

رابعا ً. لم يكن النظام السوري يعمل هذا فقط، فقد استغل ادعاءاته العقائدية، (كبلد ممانع ومقاوم وضد اسرائيل )، ليزرع بعض عملائه وسط القاعدة، ليروج فكرة مفادها أن النظام ليس ضد مشروع القاعدة المعادي للغرب؛ لكنه كنظام لا يقدر على مواجهة أمريكا، لذلك حصل اتفاق سري بين القاعدة والنظام، مفاده أن لا تنشط القاعدة في سوريا دعويا أو استهداف مصالح غربية، وأن يكون للقاعدة موقع إمداد وقاعدة خلفية لهم في سوريا، وعملت القاعدة على استقطاب بعض الشباب السوريين ليعملوا معها في كل مكان، وغض النظام النظر عن ذلك، فهؤلاء الشباب يجب التخلص منهم ( والتحاقهم بالقاعدة) افضل من استمرارهم قنابل موقوتة في سوريا،  وعندما تطورت اجندة امريكا باحتلال افغانستان اولا ثم العراق، كان هناك تغلغل هائل للنظام بالشباب الذين تم استدعاؤهم بشكل علني من النظام للذهاب للعراق لمقاومة الأمريكيين، آلاف الشباب ذهبوا، والسلطة ورجال الدين (الرسميين وغير الرسميين)، كانوا ينفخون علنا في مزمار المقاومة والجهاد بالعراق…؟!!.

خامسا ً. في العراق عمل النظام على أجندات مختلفة ومتناقضة أحيانا،  ولكنها تخدمه كلها ، كنظام وعصبة مستبدة وتدعم موقعه الإقليمي، وتدعم مصالحة المباشرة على الأرض ومع امريكا، والنظام قدم نفسه مع أمريكا ضد الإرهاب، وأعطاهم بعض (الطرائد) المطلوبين، من باب المصداقيه،  و ربط مع المقاومة العراقية التي حضرت بكل فصائلها لسوريا، والتي حصلت موقعا آمنا وامتدادا، ودفعت الثمن من المال المنهوب من العراق ،والارتهان لأجندة النظام،  وهو خبير بذلك؛ مع الفلسطينيين واللبنانيين قبل ذلك، وتغلغل بالقاعدة من باب العلم، والاستفادة منها عند الحاجة،  لقد كان النظام صديق كل الأطراف المتصارعة في العراق، والكل لهم عنده مصلحة، وهو له عند الكل مصلحة ، أكثر من مليوني لاجئ عراقي في سوريا، انعكسوا باموالهم وحضورهم لرخاء للنظام وعصبته، وفي كل مجال، إعادة تدوير المال المنهوب، والتبادل التجاري المحتكر من عصبة النظام، أن كارثة احتلال العراق كانت نعمة للنظام السوري على كل المستويات.

سادساً . لم يكن النظام نائما عن أحوال الداخل السوري أمنيا، والذي إصابة الموت السياسي، وأصبح حضور المعارضات السياسية السورية في الواقع رمزيا الى معدوم، وعندما احتلت أمريكا أفغانستان والعراق بعده، كان لكثير من الشباب الفرصة للالتحاق بهذه البلدان للمشاركة بالمقاومة، بعضهم استشهد والبعض استمر والبعض عاد،  والذي عاد كانت تنتظره السجون، وبعضهم سجن قبل الذهاب، والبعض نمت كمجموعات اسلامية  على هامش التجييش العالمي للقاعدة، واعتقلت، سواء لعدم خبرتها السياسية والتنظيمية أو اختراقها من قبل النظام، وصارت السجون ممتلئة بأعداد كثيرة من الشباب الذي وجد بالسجون مدارس للتجنيد العقائدي والسياسي والاختراق الامني، بسجن أغلبهم من سنة لعشر سنوات ، كانت كافية ليدخل الشاب بها السجن غرا وليخرج ممتلئ عقائديا ويحمل قضية؛ ويعمل منتصرا لها، ومن الذين خرجوا التحق بالقاعدة في العراق، التي كانت أقرب إليهم فكريا ووجدانيا، ومنهم مخترق لصالح الأمن السوري، والبعض التحق بالمقاومة الفلسطينية وشكل مجموعات جهادية (لتحرير فلسطين)، ومنهم جماعة جند الإسلام التي حاولت اختراق التفاهمات الإقليمية والدولية في لبنان، وكان مصيرهم الاستئصال بالتوافق بين الجيش اللبناني وحزب الله ورضى سوري (إسرائيلي) دولي، كل ذلك بغطاء  (الحرب على الإرهاب)، ودمر مخيم نهر البارد، ومازال أهله لاجئين بعيدا عن مخيمهم المدمر للان، ولم تكن يد النظام السوري بعيدة عن هذه المجموعة التي يتهمها النظام من بداية الثورة بأنها وراء بعض التفجيرات( المفبركة)، ضمن أجندة النظام في تحويل الثوارالى ارهابيين، وتبرر استعمال القوة للقضاء على الثورة كما يحصل الآن.

سابعا ً. في العراق بعد خروج الامريكان ، تغير حال القاعدة التي اختلفت مع عقائد الناس ، وخسرت حاضنتها الشعبية ، وانحسرت، و بقي مجموعات صغيرة معبأة عقائديا بفكر القاعدة، ومستعدة للتضحية بأرواحهم لخدمة أجندتها، تحولت مجموعات عنف أعمى يطال كل المجتمع العراقي ، عبر عمليات تفجير عشوائية عبثية تطال المواطن الفقير المقهور الضحية، وزاد الحال سوء نظام محاصصة طائفي  و فاسد وشعب فاقد لكل مقومات العدالة والحياة الإنسانية الكريمة ، كل ذلك وعندما جاء الربيع السوري ،وتحول لثورة مسلحة، وعدم وجود داعم حقيقي دولي او اقليمي، كان المجال مفتوحا لتحضر القاعدة، فهذه أرض مسلمة فيها نظام (طائفي علوي) يقتل الشعب كما يقولون، ووجدوا الشباب متعطش لأي دعم بالسلاح والعتاد، تحول بضع عشرات من الشباب لمئات في وقت قياسي، وبدؤوا بالعمل العسكري كمجموعات تواجه النظام في مواقع مختلفة وصارت جزءا أساسيا من العمل العسكري، صغيرة لكنها مميزة بالتزامها العقائدي وعملياتها الكبيرة ، وخاصة التفجيرات، وإمكانياتها العسكرية والمالية الكبيرة ، بحيث كانت جاذبة دوما للشباب ، مما أدى نموها المطرد دوما.

ثامنا ً. سرعان ما فرض العمل العسكري في الواقع قوانينه؛ عدم توحد اجندات المجموعات المقاتلة ، وعدم توحدها التنظيمي، سيجعلها عرضة للاختلاف والصراع، سواء بمواجهة النظام أو بالسيطرة على الأرض أو ترتيب الأولويات،  وخاصة ان القاعدة كانت لها اجندتها المختلفة عن بقية الثوار( محاربة نظام نصيري يقتل المسلمين. وبناء دولة إسلامية )،  بينما كان الثوار على الأرض يتحركون وفق هدف غير واضح المعالم، أساسه اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة  العادلة الديمقراطية، ومع طول الوقت، ومع عدم تجاوز الثوار لمشكلة تفرقهم، وعدم توحد الدعم والخطط والقيادة والأهداف وقلة الإمداد وندرته، زادت من مشكلة الاختلاف وظهور سوء نوايا ثم سلوك صراعي على الأرض.

تاسعا ً. لم يكن النظام بعيدا عن رسم الصورة لواقع حالة الثوار على الأرض، على الأقل بردة الفعل، عنف النظام المطلق ومشاهدته؛ من قتل وذبح وتدمير وقصف وسلوكه الطائفي علنا؛ قدم مبررا للثوار، وخاصة للقاعدة ليظهروا طائفيين فكرا وسلوكا وعنفا عاريا، استفاد منه النظام وحلفاؤه، ليؤكدوا أن الثورة إرهابية ومتطرفة وأصولية وقاعدة وتستدعي العالم يعاديها، وتبرر دخول حزب الله والايرانيين والعراقيين وغيرهم ؛ من الطائفة العلوية داخليا والشيعية خارجيا، في معركة (الدفاع عن الذات) (والأماكن المقدسة)، وتقدم القاعدة والنظام خدمة للغرب ليصف ما يحدث بأنه حرب أهلية وليس ثورة تحرر وطني ضد نظام مستبد وقاتل، ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية، و يبرر تقصيره عن مد العون للثورة السورية، وترك سوريا تتآكل ذاتيا، والضحية الشعب السوري بناسه وأرضه.

عاشرا ً. لم يكن النظام بعيدا عبر اختراقه للقاعدة ومنذ القديم عن كثير من سلوكياتها ؛ سواء استسهال الصراع مع بقية الثوار للسيطرة على الموارد والمعابر وعلى الأرض المحررة، واعتمدت القتل والتفجير والاعتقال والتنكيل،  وكانت في كل ذلك تطرح نفسها بمطلقات فوق النقد ؛ تكفر الآخرين وتخوينهم وتبرر قتالهم وقتلهم، وهي بكل ذلك تخدم النظام – بوعي وبغير وعي – ، وكذلك في سلوكياتها في المناطق المحررة مع الناس؛ مقدمة نموذج من الحكم (الديني) الموغل بالتخلف والمعادي للإنسان، والذي ليس فيه من الإسلام وجوهره شيء ، ولا من أهداف الشعب شيئ؛ فلا حرية ولا كرامة ولا عدالة ، وقتل وتعدي واستباحة للإنسان بالشبهة، هكذا هي القاعدة على الأرض.

حادي عشر . كان حضور القاعدة في البداية في سوريا باسم جبهة النصرة، وحاولت قدر الامكان ان تنغرس في الواقع ، وتتوافق مع بقية الثوار،  وأن تعمل على الأرض ميدانيا بشكل مشترك،. وان تستفيد من أخطاء القاعدة بالعراق ،،وسرعان ما تحركت قاعدة العراق بطلب ولاء جبهة النصرة لهم،  وتغيير الاسم للدولة الاسلامية في العراق والشام، ورفض النصرة لذلك، واعلانها الالتحاق الرمزي ب الظواهري (زعيم القاعدة )،  وحل الخلاف من خلال إقرار الحالتين ؛ دولة اسلامية في العراق، وجبهة النصرة في الشام،  لكن قاعدة العراق لم تقبل وشقت صف النصرة ، وأصبحت (نصره ودوله اسلاميه)، وبدأت تنفذ قاعدة العراق اجنداتها الخاصة ضاربة بكل شيء ، وحدة الثورة وحرمة دم الثوار والمدنيين، وعدم الصراع والتخطيط المشترك وترك أمور المدنيين للمدنيين، كل ذلك تجاوزوه، وقتلت واعتقلت الثوار واحتلت مواقعهم،  الذي عنا خلط كامل للاوراق لا يستفيد منه غير أعداء الشعب والثورة واولهم النظام،  لذلك نستنتج أن وراء هذه القاعدة يد النظام المباشر وغير المباشر ، متذكرين عشرين سنة من تدخلية النظام بالقاعدة وأفعالها في كل مكان في العالم.

ثاني عشر . نعترف أن القاعدة وجدت ونمت في سوريا لغياب النضج والامكانيات عند الثوار، فكما أن النظام دفعنا للعمل المسلح، فإن تقصير الداعمين وتشتتهم وتعدد أجنداتهم وعدم نضج الثوار واستمرار تفرقهم وتحولهم مجاميع صغيرة تتحرك وفق أهواء ومصالح قياداتها ودون ربط مع أهداف الثورة ، أو وجود خطة استراتيجية عامة أساسها توحد العمل المسلح على الأرض، وفق رؤيه استراتيجيه عسكريه وسياسيه تخدم الثورة وأهدافها بالمباشر وعبر الزمن، وإلا فنحن نسير بسرعة نحو ضياع الثورة وضياع تضحيات شعبنا معها. القاعدة تنمو في جو الاختلاف والعوز والنقص وضياع اليقين والامل، واننا مطالبين ان نتوحد وان يحصل لقاء (الامر الواقع)  بين الثوار كلهم ، والاتفاق على ميثاق شرف للثورة تعلن التوافق على ان السلاح يوجه ضد النظام فقط، وتحييد المدنيين، وأن إدارة المناطق المحررة  تعود لسياسيين في الثورة من حكومة وغيرها، وان يكون هناك قضاء مدعوم بقوة الثورة،  وكذلك قانون يصون حقوق الناس، وأن الكل على الباغي، وان لا يستسهل أحد الخروج عن إجماع الثورة، وأن لا يستحل دماء وحقوق الناس، و أن  نعمل ليعود ابناؤنا لثورتهم وفصائلها الوطنيه الديمقراطيه، ويتحقق الدعم والتواجد والحضور الواقعي على الأرض،  وكلنا سياسيين وعسكريين مطالبين بتحقيق ذلك.

اخيرا ً. هذه القاعدة في سوريا غرس غير سوي، جاء في غفلة وحاجة، والكل يتحمل حضوره: ظلم النظام وبطشه ، وسكوت العالم عنه ، وعدم دعم الثوار الحقيقيين. وان الشعب يطالب الثورة بتوحيدها سياسيا وعسكريا، وأن تستأصل القاعدة وجودا وفعلا ، وان تكون أجندة الثورة هي الحاكمة ، وهي ابنة الأرض والشعب..

.قامت ثورتنا ضد النظام المستبد القاتل لتسقطه، ولنبني الدولة الديمقراطية ولتحقيق الحرية والعدالة والكرامة والحياة الأفضل.

.ثورتنا مستمرة والقاعدة يجب أن تستأصل.

المراجع.

.داعش وأخواتها. من القاعدة إلى الدولة الإسلامية. محمد علوش

.خفايا واسرار داعش.  نضال حمادة.

.السلطة والاستخبارات في سورية. رضوان زيادة.

.ملاك الثورة وشياطينها. فداء عيتاني.

14.10.2013…
14.7.2015…

19.11.2017…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى