تأتي الذكرى الثانية عشرة، لذكرى الانتفاضة السورية، وهذا الانفجار المجتمعي العظيم، الذي انفجر قبل تلك الأعوام العديدة، رداً على حكم الفرد الواحد، والأسرة الواحدة، حيث تحولت فيه الجمهورية العربية السورية إلى “جملوكية” وبصورة مقيتة من أسوأ صور الاستبداد، فكان الانفجار حالة حتمية بالظروف الداخلية البنيوية التي كانت ولازالت موجودة، ولا يمكن طال الزمان أو قصر أن نخمد ناراً مشتعلة متفجرة، مالم تنتهي مسببات هذا الانفجار، التي أدت إلى حتمية الانفجار، فكل محاولات الترقيع لن تخمد الأسباب لاسيما الأسباب أصبحت أكبر، والجرح أصبع أعمق، وكل محاولات الترقيع عن تغني عن الحقيقة والواقع شيئاً.
يجري الحديث في بعض الأوساط اليوم عن تعويم نظام الأسد، وقد تتخذ بعض الحكومات، لأسباب خاصة بها ربما، السير بخطوات التعويم، لكن السؤال البديهي، هل هذا سيحقق استقرار في سورية، وهل يمكن ترجع سورية كما كانت، أو تحقق مصالح بعض الدول أو تحقق الأمن للمنطقة.؟!
إن تعويم نظام الأسد كما هو قائم دون حلول وتسويات موضوعية قد تدفع فيها المنطقة أثماناً باهظة لم يجرِ حسابها من أي طرف!
ليس الحساب هنا حساباً عاطفياً، أو موقفاً أيديولوجياً، إنما هو سياسي وإنساني، فأخطاء النظام السياسي القائم في دمشق لا تعد ولا تحصى، وهي أخطاء قاتلة، وأساساً نابعة من أنانية مطلقة دافعها الحفاظ على الكرسي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن فناء جزء كبير من الشعب السوري.
فحالة الدولة الفاشلة في سورية خلقت فراغ أمني كبير بات يهدد المنطقة ككل، وهو أسوأ حالة حصلت في المنطقة، فهناك الدولة الديمقراطية، والدولة الديكتاتورية، والدولة الفاشلة، وهي أسوأ حالة تكون على الاطلاق، فلا يمكن للدولة الفاشلة أن تحقق استقرار أمني بل هي سبب هذا الفراغ الأمني، الذي يتسبب بتبعات كبيرة على أرض الواقع، ويهدد مساحة لا يقلا قطرها عن 800 كم، من تسلل حدود، وتهديد المنطقة إضافة إلى تجارة المخدرات والبشر ونشوء تنظيمات إرهابية، وغيرها، واليوم أصبحت سورية حسب مكتب الجريمة والمخدرات في الأمم المتحدة، دولة تنتج وتصدر المخدرات، بعد أن كانت دولة عبور، إلى جانب تصدير الجماعات المؤدلجة، والسلاح للإضرار بأمن الدول المجاورة، كل ذلك برعاية النظام في دمشق ومعرفته ومباركته.
على الجانب الآخر، عانت وتعاني سورية، مجتمعاً وأرضاً واقتصاداً، من سياسيات انفرادية أدت الى اعتقال الآلاف وتصفيتهم في السجون أو خارجها، ونزوح مئات الآلاف، بل الملايين، إلى المنافي والتهجير حيث يسكن الخيام الآن قرابة مليون ونصف إنسان، عدا عن هدم المنازل على رؤوس سكانها، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد مواطنين آمنين.
ملف متضخم ومعتم وجرح غائر، فلا يُصلح الغدة السرطانية عملية تجميل وحبة أسبرين..!
من ملفات الجملوكية الدكتاتورية البشعة الذي تم تنفيذه على الأرض السورية في اثنا عشرة سنة، أنتج في الوقت نفسه جماعات إرهابية وعصابات مجرمة تمثلت بما تمثل به النظام من صلف وعدوان.
فوق ذلك استدعى النظام قوى خارجية لها أجندتها الخاصة، وقدم سورية كلها بمواردها الطبيعية ومراكزها الحيوية، هدية لهذه القوى في سبيل أن يبقى النظام.!
فجاءت قوات من الاتحاد الروسي، وقوات من إيران ومن بعض الجماعات التي تدين أيديولوجياً لإيران لاستباحة الأرض والشعب السوريين. وقد قام المجتمع الدولي بإصدار مجموعة من قرارات الإدانة لهذا النظام، وعدد منها وقعت عليه حكومات عربية.
تعويم النظام السوري هو ليس فقط القبول بكل تلك الجرائم، وضياع مقدرات البلد، وقفل باب الخلاص أمام المواطنين السوريين، بل استمرار حالة الدولة الفاشلة التي أحدثت فراغاً أمنياً وتهديداً لكل المنطقة العربية والإقليمية، فلن يجعل الحال أفضل بتعويم النظام على الاطلاق.
عودة سورية الى الساحة العربية كما هي، تعني إدخال ثلاثة لاعبين الى الساحة، النظام السوري المُؤتمر بنظاميّ موسكو وطهران، بالتالي تمثيل مصالح تلك القوى، وصرف النظر عن كل تلك الجرائم الإنسانية البشعة والموثقة التي عرف تفاصيل بعضها وما زالت تفاصيل أخرى قيد الصدور سيعرفها العالم في وقت لاحق عندما تخرج “الهياكل الإنسانية” من السجون!.
ليس هناك مبرر سياسي أو مصلحي لتعويم النظام السوري القائم كما هو، كما ليس مطروحاً، مما نشر من حراك، أن هناك مشروعاً لتطوير النظام كي يختلف عما كان عليه، فالنظام لن يغير جلده، بل يُشيع أنه انتصر وانتصر معه وبه نظام القمع الذي استعان به.
النتائج المحتملة لتعويم النظام لن تخرج عن تدهور للوضع في المنطقة بظل استمرار الوضع في لبنان أكثر مما هو عليه من بؤس على أساس انتصار المشروع الذي يدعو له، وتهريب أكثر للمخدرات، ومشكلة النازحين واللاجئين، وحرمان أكثر للمواطن السوري المطحون تحت جلاوزة النظام من إنسانيته وانتشار أكثر للفساد السائد.
حتى الدول التي ليست مع قوى المعارضة السورية ولا ترى المعارضة خياراً، لكن قطعاً، النظام ليس خيار السوريين، كل السوريين اليوم، ولا مصلحة المنطقة، بل سبب تهديد وخطورة كبيرة.
خطورة هذا النظام صاحب الأفق الضيق والمشروع الطائفي، والسلوك الإرهابي والمعادي لشعبه، والذي لا يملك حتى بسط نفوذه على باقي الأرض من دون معونة خارجية، يعني تكريس حالة التدخلات الخارجية
والعناصر الإرهابية، واستمرار المشروع الأيدلوجي، الذي عبث وفتك ولايزال في المجتمع السوري.
لذلك أقول وفي هذه الذكرى، أن علينا دور كبير لإيصال صوتنا أن المبادرات لابد أن تنصف السوريين لتكون واقعية قابلة للحياة.
وآن الأوان لقوى المعارضة أن تلملم جراحها وطاقاتها، وتتوقف عن حالة التحطيم الذاتي، والتآكل الداخلي، لتثبت قدرة وإمكانية وحضور بظل ما يجري وسيجري.
قضيتنا قضية حق وعادلة وتحتاج محامين أكفاء، وسعي حثيث
والعالم يحترم القوي والمنظم، ومن هو قادر أن يمنح مصلحة ويحترم صاحب الإرادة المصمم على هدفه.