تظاهر مئات الغاضبين من العرب والكرد، في مدينة جنديرس في ريف عفرين شمال محافظة حلب، بعد وصول جثامين 3 مدنيين من الضحايا الأكراد الأربعة الذين قتلوا في المدنية على يد أفراد من فصيل يسمى “جيش الشرقية” في حادث وصف العنصري ضد الأكراد خلال الاحتفال بعيد النوروز، وطالب المتظاهرون بطرد الفصائل المسلحة من المنطقة. وكان لافتاً استغلال “هيئة تحرير الشام” للحادثة بهدف السيطرة على المدينة واعتبرها فرصة لكسب المزيد من الرأي العام.
وحمل المتظاهرون لافتات كتب على بعضها “لا لقتل المدنيين الكرد، لا للتغيير الديموغرافي” وشعارات طالبت بخروج الفصائل المسلحة من المنطقة، بينما قالت مصادر كردية إن المتظاهرين طالبوا بدخول قوات بيشمركه روج إلى مدينة جنديرس، وذلك وسط حملة تضامن وتعاطف واسعة من العرب والكرد، الذين طالبوا بـ”الاقتصاص” من مرتكبي الجريمة.
في الأثناء، استغلت “هيئة تحرير الشام” هذه التطورات، وفرضت سيطرتها، الثلاثاء، على غالبية المقرات العسكرية التابعة لفصيل “جيش الشرقية” الموالي لتركيا في ناحية جنديرس في منطقة عفرين شمالي حلب، بعد انسحاب عناصر الفصيل منها دون مقاومة أو اتفاق بين الطرفين.
ووجدت “تحرير الشام” المناهضة لفصائل “الجيش الوطني “في الجريمة فرصة سانحة لإظهار فصيلها بـ”المعتدل” والذي يدافع عن كل السوريين. وتوعد زعيم “تحرير الشام “أبو محمد الجولاني الذي وصل بالأمس لمدينة أطمة خلال لقاء مع ذوي الضحايا بمحاسبة المتورطين، قائلاً “هذه آخر مرة يتعرض لها الكرد للظلم”. وأضاف” بعد اليوم لن نسمح للفصائل بالتطاول، وحق القتلى في رقبتنا، وأنتم في حمايتنا، ومن يمس شعرة منكم يمسنا”.
اتهام «جيش الشرقية»
وقال مدير شبكة “الخابور” الإخبارية المحلية، إبراهيم حبش، في اتصال مع “القدس العربي”: إن 4 أشخاص قتلوا برصاص عناصر من كتيبة خشام المنضوية في فصيل جيش الشرقية بالجيش الوطني السوري، بعد خلاف بين الطرفين على خلفية اعتراض الجناة على إشعال الضحايا ناراً أمام منزلهم بحجة وجود مخيم قريب، خوفاً من اشتعاله. مؤكداً أن “حركة التحرير والبناء”، ألقت القبض على 3 من المتطورين بالجريمة، أحدهم مسلح ينتمي إلى الحركة، إضافة إلى اثنين من المدنيين، وقال حبش “إن الحركة عملت على القبض على المجرمين تأكيداً على أنه عمل فردي لا يمت لهم بصلة”.
ونفت “حركة التحرير والبناء”، التي ينضوي تحت رايتها “جيش الشرقية” المُتهم بارتكاب جريمة القتل في جنديرس، علاقتها بالجريمة، وأصدرت الثلاثاء، بيانًا تبرّأت فيه من ضلوع أي من عناصرها في القضية، وزعمت أن مرتكبي الجريمة هما شخصان مدنيان وليسا عسكريين.
وقالت في بيانها: “لقد ساءتنا كثيراً الجريمة المفجعة التي راح ضحيتها 3 من أهالينا في بلدة جنديرس.. وإننا ننفي بشكل كامل تبعية المجرمين لحركة التحرير والبناء أو أحد مكونات الحركة وإلصاق التهم جزافاً دون تثبت أو بينة هي محاولات دنيئة للنيل من العلاقات الطيبة التي تجمع الحركة مع حاضنتها الشعبية”.
وأضافت أن “ملابسات الجريمة بدأت عندما اعترض شخصان (من أبناء المنطقة الشرقية) على إضرام النيران بالقرب من المخيمات التي تم إنشاؤها على أثر الزلزال الذي ضرب المنطقة، وتطور الأمر لقيام كلا الشخصين بإطلاق النار على المدنيين مما نتج عنه سقوط قتلى وجرحى. وعملت فصائل الجيش الوطني وحركة التحرير والبناء على تأمين الاحتفالات بالمناسبات القومية والدينية خلال السنوات السابقة، وشاركت الحركة أهاليهم بهذه الاحتفالات التي تعبر عن أصالة التاريخ وحضارة شعوب المنطقة. تمكنا بالتعاون مع الشرطة العسكرية من إلقاء القبض على أحد الجناة وما زالت الجهود مستمرة لإلقاء القبض على الشخص الثاني المتواري عن الأنظار ونؤكد أننا لن نهدأ حتى تسليم الجناة كلهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل بما اقترفوا من إجرام”.
وانتهى البيان بإدانة ورفض “هذا الفعل المشين الذي يتعارض مع القيم الإنسانية والشرائع السماوية، ونؤكد أنه فعل لا يمثل أبناء المنطقة الشرقية الذين تربطهم علاقات أخوة ومحبة مع أهاليهم في المنطقة”.
تزامناً، سيطرت “هيئة تحرير الشام” الثلاثاء، على المقرات العسكرية التابعة لفصيل “جيش الشرقية” في عفرين شمالي حلب، بعد انسحاب عناصر الفصيل منها دون أي اتفاق أو تنسيق.
وقال الناشط الإعلامي محمد الخطيب لـ “القدس العربي”، إن عناصر الفصيل انسحبوا إلى ريف جنديرس بعدما جهزت “هيئة تحرير الشام” أرتالها لدخول المنطقة حيث انسحب الفصيل باتجاه قرى أقجة ورفعتية.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن السيطرة على مقرات “جيش الشرقية” جاءت بعد انطلاق أرتال عسكرية لهيئة تحرير الشام صباح الثلاثاء، باتجاه جنديرس، استجابة لمناشدات الأهالي بإخراج الفصيل منها على خلفية الجريمة التي اتهم بارتكابها مساء الاثنين، بحق 4 من المواطنين الكرد من أبناء جنديرس.
وصباح الثلاثاء، توجه رتل عسكري تابع لهيئة تحرير الشام من أطمة، برفقة ذوي الضحايا ومعهم جثث 3 من الضحايا لدفنهم في جنديرس بحماية وحراسة مشددة من الهيئة، بينما من المرتقب أن تصل الجثة الرابعة من تركيا لاحقاً لدفنها أيضاً.
وبينما طالب البعض، بعدم الحكم على ما جرى إلا بعد تحقيق شفاف وحيادي تجنباً لتحويل الحوادث الفردية إلى سبب للتفرقة بين مكونات هذا الشعب، على اعتبار أن “الجريمة واحدة سواء كان ضحاياها عرباً أو من مكونات أخرى قليلة أو كثيرة، وعدم فسح المجال للمتلاعبين بالأحداث لاستغلال حدث ما لتنفيذ أجنداتهم”، معتبرين أنه “في كل طرف هناك متطرف، فلا تدعوا المتطرفين يتحكمون في مصير الشعب، بل طالبوا بالتحقيق الفوري وبنتائج شفافة” حيث لاقت الجريمة استياءً شعبياً كبيراً في عموم الأراضي السورية على اختلاف الجهات المسيطرة، كما تسببت بموجة غضب واسعة.
تضامن للناشطين
وتضامن آلاف النشطاء مع الضحايا وذويهم في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتب د.محمود الحمزة “يجب محاسبة المجرمين وكل من ينتهك حقوق الناس في كل الأراضي السورية وخاصة في الشمال السوري في عفرين وجنديرس وغيرها من المناطق ومنها الموجهة ضد الإخوة الكرد. وعلى سلطات الأمر الواقع أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية”.
وأضاف “أن قتل مجموعة من الكرد خلال احتفالهم بعيدهم الوطني عيد النوروز لهو جريمة مضاعفة ويجب أن ندينها بكل المقاييس فلا يعقل ان تقوم ثورة ضد نظام الأسد المجرم وتأتينا سلطات تسمح بممارسات أبشع من ممارسات سلطة الأسد”.
كما رصدت “القدس العربي” دعوات تداولها رواد وسائل التواصل الاجتماعي، من العرب والكرد، جاء فيها “يرجى من الجميع رجالاً ونساء التوجه إلى مفرق قرية آغجلة التابعة لناحية جنديرس، لاستقبال جثامين الشهداء بالزغاريد والهتافات… ويرجى من الجميع حمل صور وشعارات بالكردي والعربي للتنديد بجرائم الفصائل والمطالبة بانسحابهم من مدن عفرين وقراها” ودعوة أخرى دعت لحمل “أغصان الزيتون ومشاعل النوروز ونتظاهر سلمياً في جنديرس، للمطالبة بانسحاب الفصائل من هناك”. و”على أهالي عفرين جميعاً كرداً وعرباً التوجه يوم غد إلى جنديرس للمشاركة في تشييع شهداء نوروز جنديرس”. وغيرها جاء فيها “غداً حداد عام في كل عفرين، ومظاهرة كبيرة ضد الجريمة والمجزرة التي حصلت اليوم بحق الأهالي الأكراد في ناحية جنديرس. يرجى من كافة أهالي عفرين التوجه يوم غد إلى جنديرس”. “احتفاليات النوروز هي مظاهرة عامة ضد هذا الجريمة في ناحية جنديرس”.
وخلال التظاهرة، طالب الأهالي في مدينة جنديرس، بدخول قوات بيشمركه روج (بيشمركه كردستان سوريا) وطرد الفصائل المسلحة من المنطقة.
من هم بيشمركه روج؟
وفقاً لمصادر إعلام كردية، فقد تأسّست قوات بيشمركه كردستان سوريا عام 2012 بدعم من حكومة إقليم كردستان العراق، وأسّست لنفسها مقرّات تدريبيّة في مناطق مختلفة في إقليم كردستان. ويشكل المنشقون الكرد من جيش النظام السوري قوام هذه القوات، إضافة إلى اللاجئين الكرد السوريين الذين انضموا إليها.
يقول قائد قوات “بيشمركه روج” النقيب دلوفان روباري، في تصريحات صحافية، إن القوة تشكلت من عناصر كردية انشقت عن النظام السوري، وشباب ثوريين من شمالي سوريا عام 2012، بغرض حماية مناطقهم. ويشير روباري إلى أن “مقاتلي البيشمركه السوريين خضعوا لتدريبات كالجيوش النظامية بإشراف أكاديميين من الكلية الحربية، وأتقنوا استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتدربوا على جميع أشكال المعارك”.
وتلقّت بيشمركه كردستان سوريا دعماً وتدريباً من وزارة البيشمركه في حكومة إقليم كردستان والتحالف الدولي لمحاربة داعش، وشاركت في عدد من المعارك ضدّ التنظيم في العراق، من بينها معركة الموصل. يقدّر عدد المقاتلين في بيشمركه روج بأكثر من عشرة آلاف مقاتل، موزعين على مراكز ونقاط حدودية ووحدات على الحدود السورية العراقية.
وتهدف هذه القوات، بحسب القائمين عليها، إلى حماية المناطق الكردية السورية، ومواجهة النظام السوري والفصائل الجهادية التي تستهدف السوريين، إلّا أنها لم تستطع دخول سوريا حتى الآن بسبب رفض قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لوجودهم، وعدم رضى قوات البيشمركه في الدخول بحرب إلى المنطقة.
المصدر: «القدس العربي»