أصدرت إيران إشارات جديدة على رغبتها في توسيع الاتفاق الذي أبرمته مع السعودية لاستعادة العلاقات، وخصت بالذكر البحرين ومصر.
وبعد الاتفاق مع الرياض، قالت طهران على لسان المتحدث باسم خارجيتها، خالد كنعاني، إنها ترحب بأي جهد دبلوماسي لتحسين العلاقات مع المزيد من الدول العربية.
وكانت طهران والرياض قد أبرمتا اتفاقا تاريخيا، في 10 مارس الجاري، بوساطة صينية، لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، بعد سبع سنوات من التوتر الدبلوماسي والعسكري في المنطقة مع دعم كل منهما لأطراف إقليمية مختلفة.
وقال كنعاني في تصريحه الصحفي الأسبوعي إن إيران “ترحب بأي تحرك دبلوماسي من شأنه أن يسهم في التقارب السياسي في المنطقة والفوائد الاقتصادية لجميع الأطراف”.
وقال: “لحسن الحظ، مع الأجواء الإيجابية التي نراها في المنطقة، يمكن أن يحدث هذا التطور الإيجابي مع دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك البحرين”.
وشدد على أن استئناف العلاقات الإيرانية السعودية لقي ترحيبا من عدد كبير من الدول في مناطق جغرافية مختلفة، بما في ذلك دول منطقة الشرق الأوسط، وإن العلاقات بين إيران والبحرين ليست استثناء.
وانقطعت العلاقات بين الرياض وطهران، عام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل الدين الشيعي، نمر النمر.
وقطعت دول خليجية أخرى، بينها البحرين والإمارات والكويت، علاقاتها مع طهران، على إثر ذلك لدعم الرياض.
وردا على سؤال حول إحياء العلاقات بين مصر وإيران، قال المتحدث الإيراني إن مصر دولة مهمة والبلدين يوليان أهمية لبعضهما البعض في المنطقة، لذا فإن المنطقة بحاجة إلى “القدرات الإيجابية” لكل من القاهرة وطهران.
وقال إنه على هامش مؤتمر بغداد 2 في عمان، أجرى الجانبان المصري والإيراني محادثات، مضيفا أنه يتعين على الطرفين اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات بينهما، حسب تصريحاته التي نقلتها وكالة “إرنا”.
وفي تصريح لموقع الحرة، اعتبر حسين رويران، الكاتب والمحلل السياسي الايراني، أن ايران والسعودية لديهما هامشاً من النفوذ، الثانية من خلال مجلس التعاون الخليجي، والأولى في ما يسمى “محور المقاومة” لذلك فإن ما تتفقان عليه “سينعكس إيجابا على باقي دول المنطقة”.
ويقول ديفيد بولوك، زميل معهد واشنطن المتخصص في قضايا بلدان الشرق الأوسط، في تصريحات لموقع الحرة إن إيران تحاول من خلال هذا التوجه الإقليمي “بشكل عام الخروج من عزلتها في المنطقة”.
وقال إن ما يحدث نوع من “التأمين الإضافي ضد التهديدات الخارجية، التي يرى الإيرانيون أنها قادمة الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو من الدول العربية التي تدعم الاحتجاجات داخل أراضيها”.
ويضيف أن طهران، المدعومة من بكين، تريد إنشاء نوع من “دائرة الحماية” قبل أي هجوم عسكري محتمل على برنامجها النووي وفرض عقوبات إضافية.
البحرين.. “حالة خاصة”
وظلت العلاقات البحرينية الإيرانية متوترة على مر السنين مع اتهامات متكررة من المنامة لطهران بالتدخل في شؤونها الداخلية، خاصة في ما يتعلق بأفراد الطائفة الشيعية التي تقول طهران إنهم يتعرضون “للظلم” في المملكة السنية
وفي 2015، استدعت المنامة السفير الإيراني اعتراضا على “التدخل” في شؤون البلاد، بعد تصريحات للمرشد دعا فيها إلى “نصرة المظلومين” في البحرين.
وقطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في يناير 2016، بعد قرار مماثل من حليفتها الكبرى السعودية، وذلك ردا على هجوم على سفارة الرياض لدى طهران وقنصليتها بمدينة مشهد من قبل إيرانيين محتجين.
وعقب توليه رئاسة إيران، أعرب إبراهيم رئيسي عن انفتاحه على العلاقات مع دول الخليج، فيما أعلنت البحرين أنها ملتزمة بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ورحبت المنامة بالاتفاق الأخير بين الرياض وطهران، إذ أعربت وزارة الخارجية عن أملها في أن “يشكل خطوة إيجابية على طريق حل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وإقامة العلاقات الدولية على أسس من التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى”.
وذكرت وكالة تسنيم للأنباء، الأحد، أنه في أعقاب الاتفاق السعودي الإيراني، وصل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، عباس كلرو، إلى البحرين للمشاركة في الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي.
ويرى المحلل حسين رويران أن زيارة الوفد الإيراني الذي سينقل أجواء الزيارة إلى مجلس الأمن القومي والحكومة الإيرانية، فضلا عن الترحيب الذي صدر من المنامة ببيان الاتفاق السعودي الإيراني، يعكسان أن ما حدث بين إيران والسعودية يمكن أن يتوسع على المستوى الإقليمي.
ولا يعتقد بولوك أنه يوجد حتى الآن أي تغير ملموس تجاه التحرك نحو استعادة العلاقات بين المنامة وطهران، لكنه يشير إلى أن طهران ترغب في توسيع علاقاتها “ما يجعلها أقل عرضة للتهديدات”.
ويشير إلى أن البحرين بالنسبة لإيران “حالة خاصة”، فقد كان ظل الإيرانيون يتدخلون مرارا في محاولة لإشعال الاضطرابات “أي أنهم كانوا نشطين للغاية هناك”.
مصر.. “دولة هامة”
وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران عقب الثورة الإيرانية بسبب تأييد مصر للشاه المخلوع وتوقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل، وبرزت قبل سنوات، وبشكل استثنائي، خطوة قام بها الرئيس المصري الراحل، محمد مرسي، في أغسطس 2012، لطهران في أول زيارة يقوم بها رئيس مصري لإيران منذ ثورتها الإسلامية في عام 1979، وزيارة أخرى قام بها محمود أحمدي نجاد للقاهرة في فبراير 2013.
وفي أكتوبر الماضي، كانت مصر وإيران محور تصريحات مسؤولين كبار ودبلوماسيين بشأن تحسين العلاقة الحالية، بينهما بغرض تطويرها.
وتحدث محللون في تقرير سابق لموقع “الحرة” عما وصفوه بـ”نوافذ اتصالات مفتوحة” بين القاهرة وطهران، بعد لقاء في سبتمبر الماضي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحادثات قصيرة في بغداد، أكدتها طهران، بين وزيري الخارجية المصري والإيراني، في أغسطس الماضي، على هامش مؤتمر الجوار العراقي.
وعن تصريحات المتحدث الإيراني الأخيرة، التي أبدى فيها انفتاحا على مصر، قال المحلل الإيراني في تصريحاته لموقع الحرة إنه في كل مرة “تصل فيها مصر إلى قرار نهائي باستعادة العلاقات بشكل كامل، تتدخل أطرف لمنع حدوث ذلك”، والآن “مصر تحررت من هذه الضغوط، وطرح المتحدث اسم مصر يأتي في إطار هذه الخلفية”.
ويعتقد بولوك أن الإشارة الصادرة من طهران تجاه مصر هي أيضا “سياسة ورمزية” أكثر من كونها تحركا ملموسا.
لكنه يشير إلى أن طهران تعلم الاهتمام المصري بإعادة العلاقات مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، حليف طهران، وهي لا تريد استمرار هذه الحالة من وجود تحالفات مؤيدة وأخرى معارضة لها بين دول المنطقة.
ويرى أن الاستراتيجية الإيرانية، سواء في البحرين أو في دول الخليج الأخرى، هي أنه “سنتوقف عن تهديدكم إذا اعترفتم بدورنا الإقليمي ودخلنا معكم في دائرة الدول الصديقة”.
ويشير إلى أن نفوذ إيران في المنطقة لا يتوقف فقط على مجرد الطموحات، فقد تدخلت بالفعل في شؤون الدول الأخرى، بل أنها لم تعترف أصلا بالبحرين كدولة مستقلة “والآن يبدو أنهم قد يكونوا مستعدين على الأقل مؤقتا، للتخلي عن ذلك من أجل الحصول على هذا الوضع الجديد في المنطقة، بدعم من الصين”.
وفي حين قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية كنعاني: “علينا أن نثق في طريق الدبلوماسية وأن نتخذ خطوات في هذا الاتجاه”، شدد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الاثنين، على أنه لا تزال هناك الكثير من النقاط الحساسة التي يجب معالجتها في العلاقة بين البلدين، وفق فرانس برس.
وأفاد الوزير بأن “الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية لا يعني أننا توصلنا إلى حل لجميع الخلافات بيننا”. وأضاف “بل هو علامة على إرادتنا المشتركة لحلها من خلال التواصل والحوار والوسائل السلمية والدبلوماسية”.
وكتب فيصل عباس، رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز الصادرة بالإنكليزية، في مقاله اليومي “إذا حافظت طهران على وعودها في الاتفاق، فقد يشكل تغييرا حقيقيا للعبة، يبشر بحقبة من السلام والازدهار الإقليمي لم تشهده (المنطقة) منذ عقود”.
وأضاف “بالطبع، لا زال الوقت مبكرا؛ يجب أن تكون هناك فترة لبناء الثقة، وإجراءات على الأرض لترسيخ الاتفاق”.
ويحدد بيان الجمعة المفاجئ، الذي صدر بعد محادثات مباشرة في بكين، فترة شهرين للجانبين لاستئناف العلاقات رسميا وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية، لكن عدا ذلك، أتت لغة البيان مبهمة إلى حد ما، بما في ذلك تعهد كل جانب احترام سيادة الطرف الآخر وعدم التدخل في “الشؤون الداخلية” للطرف الآخر.
وما سيحدث بعد ذلك في اليمن، حيث تقود السعودية تحالفا عسكريا منذ ثماني سنوات ضد الحوثيين المدعومين من إيران، سيقدم مؤشرات على مدى عمق هذه الوعود.
وقال محمد اليحيى، الباحث السعودي في مركز بلفر بجامعة هارفرد في تصريحات لوكالة فرانس برس: “من المرجح أن يكون الإيرانيون قدموا تأكيدات للصين بأنهم سوف يمتنعون عن مهاجمة السعودية مباشرة أو استهداف المنشآت النفطية للمملكة”.
وأضاف أن “الحفاظ على الاستقرار في المنطقة وحماية التدفق الحر للنفط مهم بالنسبة للصينيين كما هو بالنسبة للسعوديين أو حتى للأميركيين”.
وتابع: “بالنظر إلى هذا التوافق في المصالح، فمن المعقول أن نتوقع من الصينيين أن يضعوا ثقل نفوذهم الاقتصادي الكبير وراء هذا الاتفاق”.
ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لا يعني سلاما في اليمن، خصوصا إذا اكتفى بإتاحة مساحة أكبر لتواصل المحادثات بين السعودية والحوثيين التي قد تؤدي في نهاية المطاف لانسحاب الرياض من ساحة المعركة.
وقالت دينا إسفندياري، من مجموعة الأزمات الدولية “إذا كنا على وشك رؤية صفقة سعودية حوثية فقط، فيجب أن تكون الأساس لحوار يمني يمني.. وإلا فإننا سنواجه مشكلة داخل اليمن مع وجود مظالم لمختلف الأطراف الأخرى لم تتم معالجتها”.\
المصدر: الحرة. نت