تستعد العاصمة الروسية، غداً الأربعاء وبعد غد الخميس، لاستضافة اجتماع رباعي يضم معاوني وزراء الخارجية في كل من روسيا، تركيا، إيران والنظام السوري لـ”إنضاج الظروف” من أجل عقد اجتماع آخر على مستوى الوزراء، في سياق التقارب بين الأتراك والنظام السوري، الذي بادر إلى رفع سقف مطالبه، مستغلاً، كما يبدو، حاجة أنقرة لاتفاق معه قبيل الانتخابات العامة المقررة في تركيا في 14 مايو/أيار المقبل.
وأفادت وسائل تركية، أخيراً، بأن الاجتماع سيعقد في موسكو لتهيئة الأجواء لاجتماع يعقد لاحقاً على مستوى وزراء الخارجية. والأربعاء الماضي أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن اجتماعاً سيتم عقده في العاصمة الروسية موسكو ويضم نواب وزراء خارجية سورية وتركيا وإيران وروسيا، وذلك في إطار مسار التقارب بين دمشق وأنقرة. وكانت إيران دخلت طرفاً في مساعي الجانب الروسي للتقريب بين أنقرة ودمشق، كي لا تخرج خالية الوفاض من أي تسويات سياسية للملف السوري.
وكانت أنقرة ودمشق دشّنتا تقارباً أواخر العام الماضي، بعد انقطاع العلاقات في عام 2011 على خلفية الثورة السورية ورفض النظام أي جهود إقليمية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع في سورية.
وعُقد في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اجتماع ضم وزراء دفاع روسيا سيرغي شويغو، وتركيا خلوصي أكار، والنظام السوري علي محمود عباس، في موسكو، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا والنظام منذ عام 2011.
ولكن صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري استبعدت أمس، عقد الاجتماع الرباعي على مستوى معاوني وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو وفق الموعد الذي حدده وزير الخارجية التركي قبل أيام.
وعللت ذلك “بسبب عدم حصول العاصمة السورية بعد، على ضمانات كانت قد طلبتها للسير قدماً في تطبيع علاقاتها مع أنقرة”، متوقعة أن الاجتماع لن يعقد حتى تحصل على تلك الضمانات، ومنها “بالتأكيد جدولة انسحاب القوات التركية من سورية”.
ونقلت “الوطن” عن مصادر وصفتها بـ “المتابعة” قولها إن “دمشق منفتحة على كل الجهود الرامية لبناء الحوار مع أنقرة، وفقاً للثوابت والأولويات التي يأتي في مقدمتها استعادة أراضيها المحتلة”.
مطالب النظام السوري من تركيا
ويطالب النظام السوري الجانب التركي بسحب قواته من الشمال السوري، في غرب الفرات وشرقه، معتبراً الوجود التركي في المنطقة بمثابة “احتلال”. وللجيش التركي العديد من القواعد الكبرى في شمال سورية: في ريفي إدلب وحلب الشمالي، وفي منطقتي تل أبيض ورأس العين في شرق نهر الفرات.
غير أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، شدّد في تصريحات صحافية أول من أمس الأحد، على أنه “لسنا محتلين للأراضي السورية ووجودنا هناك يهدف إلى مكافحة الإرهاب، وحماية حدودنا ووحدة أراضينا”.
وبالإضافة إلى موضوع القوات التركية، يطالب النظام السوري الجانب التركي بقطع دعمه لفصائل “الجيش الوطني السوري” المعارض في الشمال السوري، تمهيداً لعودة قوات النظام إلى المنطقة، وسط ترقب لنتائج اجتماعات موسكو، والتي تشير المعطيات إلى أنها ستفضي إلى اتفاق يفتح الباب أمام تطبيع للعلاقات بين أنقرة ودمشق.
ويبحث النظام السوري عن استعادة شرعيته في طريق إعادة تأهيله، وتعويمه في المحيطين العربي والإقليمي، فيما تريد الحكومة التركية سحب ورقة الملف السوري من يد المعارضة قبيل انتخابات مايو.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشروط التي يضعها النظام قبل اجتماع موسكو “هدفها الحصول على مكاسب”، مضيفاً: “دمشق تعلم الصراع الحاصل الآن في تركيا بين الحكومة والمعارضة قبيل الانتخابات العامة. ومن الطبيعي أن تحاول فرض شروطها”.
ويشير إلى أن “هناك وساطة بين الجانبين”، مضيفاً: “لا أدري مدى الضغط الذي ستمارسه موسكو عليهما للتوصل إلى اتفاق”. ويعرب رضوان أوغلو عن اعتقاده أن الجانب التركي “ربما يلبي شروط دمشق لأنه يسعى إلى اتفاق مع النظام السوري”.
احتمالات تنازل أنقرة
من جهته، يعتبر مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا يمكن أن تكون أنقرة مستعدة أبداً لتنفيذ مطالب النظام السوري لجهة جدولة الانسحاب من سورية، في الوقت الحالي وقبل الانتخابات”.
ويشير إلى أن “نظام الأسد يعلم أن هذا مطلب غير واقعي، لكنه يبدأ المفاوضات بسقف عال للحصول على تنازلات. أنقرة أعلنت سابقاً وتعلن حالياً أنها ستنسحب عندما تزول التهديدات الإرهابية ويتم التوصل لحل سياسي واستقرار، وهذا يعني إلقاء الكرة في ملعب نظام الأسد”.
وتبسط أنقرة نفوذها على الشمال السوري، الواقع خارج سيطرة النظام والمنقسم إلى منطقتين متناحرتين وبينهما حدود ومعابر. المنطقة الأولى في محافظة إدلب، وتقع تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، والمنطقة الثانية تضم ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، وأجزاء من منطقة شرقي نهر الفرات.
وتدعم أنقرة فصائل محددة في الشمال، وليس من المتوقع أن تتخلى عنها بسهولة، خصوصاً أنها ستكون رأس الحربة في أي صدام محتمل مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها القومي، والقضاء عليها دافع تركي مهم لاستعادة العلاقات مع النظام السوري.
وتريد أنقرة عملاً مشتركاً مع النظام لمحاربة “قسد” التي تسيطر على الشمال الشرقي من سورية، وتتلقى دعماً من الولايات المتحدة، وهو ما يعرقل أي محاولة للقضاء عليها، ما دام تهديد تنظيم “داعش” ماثلاً في سورية.
المصدر: العربي الجديد