ثمانية أسباب تلخص أسباب تدهور الليرة السورية وتنذر بالأسوأ

هبطت الليرة السورية، منذ مطلع أيار الحالي، إلى مستوى لم تشهده في تاريخها من قبل، لتتأثر الأسواق السورية بشكل أو بآخر بتلك الانتكاسات المتتالية لعملتها، ما أدى إلى ارتفاع جديد للأسعار وتردي الوضع المعيشي المتأزم أصلًا في مختلف مناطق النزاع السوري.

وهناك عوامل وأسباب لا تزال تهوي بالليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، أول تلك الأسباب طول أمد النزاع العسكري، وآخرها الصراع بين رجل الأعمال السوري، رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وبين الحكومة.

استمرار الصراع وغياب الحلول الاقتصادية

منذ بداية الثورة السورية عام 2011، تراجعت قيمة الليرة بشكل مستمر بازدياد الفرق بين سعر الصرف الرسمي لليرة وسعرها في السوق السوداء باضطراد، بسبب سنوات من الحرب أدت إلى إضعاف الاقتصاد السوري، في ظل عجز جميع التدابير التي اتخذتها حكومة النظام والمصرف المركزي في إنقاذ قيمة الليرة من التدهور أكثر.

انخفاض الليرة وغياب الرقابة من قبل حكومة النظام دفعت التجار، الذين جعلوا الدولار شماعة يعلقون عليها رفعهم للأسعار، إلى زيادة أرباحهم من خلال التحكم بالأسواق، واحتكارهم للسلع الأساسية التي تهم المواطنين، وتوقفهم عن البيع في كثير من الأحيان، متذرعين بحجة تذبذب سعر الصرف.

وبسبب التصعيد العسكري في شمال غربي سوريا من قبل قوات النظام وحليفته روسيا، بالإضافة إلى تزايد وتيرة الصراع بين بعض فصائل المعارضة نفسها، لم تنقطع الحركة التجارية عبر المعابر بين الفصائل العسكرية فحسب، بل انتقل الجمود في التداول التجاري إلى مناطق أخرى بأكملها مثل الريف الشمالي لمحافظة حلب.

ولا يمكن إغفال دور حواجز النظام العسكرية المنتشرة في كل مكان والتي تحاصر المدن والبلدان، وتمنع دخول المواد الأساسية لكثير من المناطق، وإذا وافقت على إدخالها فمقابل مبالغ مالية للمرور، ما يدفع التاجر إلى رفع سعر المواد من أجل تعويض ما دفعه.

غياب قطاعات الإنتاج المحلي

تدمير المصانع والشركات العاملة في سوريا جراء النزاع المسلح المستمر إلى الآن، أسهم بخسارة اقتصادية كبيرة لمصادر الإنتاج المحلي وغياب مصادر تشغيل اليد العاملة، وتدمير مقومات الصناعة الوطنية، مما يزيد من تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية.

والانخفاض المستمر في قيمة الليرة يعكس الدمار الهائل العام والبنيوي الذي ضرب أسس الاقتصاد السوري، إذ تحطمت قطاعاته الإنتاجية، وتقلصت بشدة مصادر إيراداته الرئيسية، مثل قطاع الصناعة والزراعة والسياحة، التي كانت تزود سوريا بكميات كبيرة من العملات الأجنبية قبل عام 2011.

والدمار الكبير في قطاعي الصناعة والزراعة تأثرًا بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام السوري، أدى إلى انهيار الطاقة الإنتاجية المحلية وانخفاض حجم الصادرات، وفقدان سوريا لهذا المصدر من الإيرادات واضطرارها إلى زيادة الواردات لتلبية الطلب المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال طلب الأسواق الخارجية على المنتجات السورية محدودًا اليوم، على الرغم من إعادة فتح معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن في منتصف تشرين الأول 2018، ومعبر “البوكمال” مع العراق مطلع تشرين الأول 2019.

نقص العمالة يهدد الاقتصاد السوري

خلال سنوات الحرب تم تفريغ سوريا من اليد العاملة الماهرة نتيجة الأعمال العسكرية، وهروب الشباب من الخدمة العسكرية الإلزامية أو من الاعتقالات الأمنية، كما أدى الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار إلى هجرة العاملين بحثًا عن واقع اقتصادي أفضل في أسواق الدول المجاورة.

وفي الوقت الذي تغيب فيه إحصائية ثابتة عن عدد العمال الذين غادروا سوريا، قال رئيس اتحاد العمال في سوريا، جمال القادري، إن السوق السورية تعاني من نقص شديد في اليد العاملة نتيجة تسرب العمالة خارج الحدود تحت ضغط الحرب والأزمة المعيشية.

وأضاف القادري أن “الشركات والمؤسسات تشكو من نقص العمالة”، موضحًا أن عدد المنتسبين للاتحاد كان مليونًا و200 ألف عامل سابقًا، في حين يبلغ حاليًا ما يقارب 950 ألف عامل.

في حين نقلت صحيفة “الثورة” الحكومية عن رئيس المكتب الاقتصادي في الاتحاد العام للعمال، عمر حورية، في أيلول 2016، أن قوة العمالة المهاجرة تزيد على المليون عامل معظمهم من الاختصاصيين والفنيين والمهنيين وأصحاب العمل.

كما تراجعت أعداد العاملين في القطاعين العام والخاص بسبب تدمير الكثير من المنشآت في القطاعين، بحسب ما قاله مدير العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال، حيدر حسن، لموقع “داماس بوست” المحلي في آذار 2017.

وأشار حسن إلى أن مؤسسة الأقطان التابعة لوزارة الصناعة تراجع عدد عمالها من ستة آلاف إلى 600 عامل فقط. كذلك تراجع عدد العاملين في الغزل والنسيج بحلب من 561 إلى 194 عاملًا، ومن 469 عاملًا في الشهباء للغزل والنسيج إلى 158 عاملًا، وانخفض عدد العمال في الصناعات الحديثة بدمشق من 397 عاملًا إلى 81 فقط.

العقوبات الأمريكية على إيران

تعتبر العقوبات الاقتصادية الأمريكية على حكومة النظام وإيران من الأسباب الرئيسية المؤثرة على انخفاض الليرة السورية، إذ كانت طهران الداعم الاستراتيجي الدائم للنظام اقتصاديًا.

وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والعقوبات الاقتصادية عليها وصلت إيران إلى مرحلة “الاختناق المادي“، ما دفعها إلى التضييق على الأسد و”حزب الله” في لبنان، ما يدل على أن الممول الأساسي للأسد قد اختفى، ما دفعه إلى البحث في دفاتره القديمة من أجل تحصيل الأموال خوفًا من حصول أي انهيار.

وحملت تصريحات سابقة أدلى بها عضو البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، تطورًا جديدًا على صعيد العلاقة مع سوريا، إذ قال فيها إن على إيران استعادة أموال شعبها التي أنفقتها على سوريا، بالتزامن مع الواقع الاقتصادي المتدهور الذي تعيشه البلد.

وفي مقابلة مصوّرة أجرتها صحيفة “اعتماد أونلاين” الإيرانية، في 8 من آذار الماضي، مع فلاحت بيشه، قال إن إيران أعطت ما بين 20 و30 مليار دولار للنظام السوري، وتجب استعادة هذه الأموال التي تعود إلى الشعب.

انهيار بوابة النظام للعالم.. مصارف لبنان

بعد ثلاث سنوات على استرداد النظام مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية في سوريا، ما زال الاقتصاد السوري يشهد تدهورًا ولم يسترد عافيته، بسبب أزمات جديدة انتكست الليرة بسببها أكثر، ومنها الأزمة الاقتصادية في لبنان.

لبنان، لا سيما قطاعه المصرفي، كان بمثابة بوابة سوريا الاقتصادية إلى العالم الخارجي منذ أواسط الخمسينيات من القرن العشرين على الأقل، ولقد أدت العقوبات الغربية على النظام السوري إلى تدعيم هذا الدور اللبناني.

وما إن بدأت المصارف اللبنانية في تقييد بيع الدولار في آب 2019، بالتزامن مع منع المودعين من سحب مدخراتهم بالعملة الأجنبية، قفز سعر الدولار الأمريكي في سوق العملة الصعبة اللبنانية. الأمر نفسه حدث في السوق السورية.

مع تدهور الليرة اللبنانية، فقدت الليرة السورية بدورها توازنها وفي نهاية تموز 2019، وصار ثمن الدولار 606 ليرة سورية في السوق السوداء.

تداعيات “كورونا” على الليرة السورية

بدأت حكومة النظام السوري بتخفيف الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) عبر إعادة افتتاح المهن التجارية والخدمية والمحلات كافة، وفق برنامج يوزع أيام الأسبوع بين هذه المهن، وذلك بعدما أنهكت تلك الإجراءات الاقتصاد.

وهو ما عبر عنه، رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وعضو مجلس الشعب، فارس الشهابي، في منشور له عبر “فيس بوك”، في نيسان الماضي، معتبرًا أن “فتح الأسواق وتخفيف إجراءات الحظر أتت لإنقاذ الاقتصاد”.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية دقيقة توضح تداعيات “كورونا” على الاقتصاد السوري، يعد تخفيف حكومة النظام الإجراءات دلالة واضحة على الخسارات التي ضربت مختلف القطاعات الاقتصادية، وأثرت بشكل مباشر على المواطنين وخاصة أصحاب الأعمال الحرة.

خطر “قيصر” القادم

قانون عقوبات “قيصر” الذي وقعه الرئيس الأميركي أواخر عام 2019 سيكون له تبعات كبيرة على الاقتصاد السوري، ما يعني مناخًا معيشيًا أكثر سوءًا على الشعب السوري، كون القانون يعتبر أداة ضغط سياسية واقتصادية على النظام السوري وحلفائه، بفرض عقوبات على الأجانب الذين يقرر تورطهم بنشاطات معينة، تشمل تقديم الدعم المالي والمادي أو التقني، عن سابق معرفة، للحكومة السورية أو لأحد الكيانات التابعة لها أو لأحد السياسيين فيها.

ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.

ويدرس القانون شمل البنك المركزي السوري بالعقوبات المفروضة، مع وضعه لائحة بقيادات ومسؤولي النظام السوري المقترح فرض العقوبات عليهم، بدءًا من رئيس النظام، بشار الأسد، بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان.

تسجيلات مخلوف.. مسمار آخر في نعش الليرة

وتتعرض الليرة السورية في الفترة الحالية إلى ضغوطات اقتصادية أدت إلى تراجع قيمتها ووصولها إلى مستويات قياسية، منذ بداية أزمة تسجيلات رامي مخلوف، التي تعكس الصراع بين رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وبين حكومة النظام، من أجل دفعه للتنازل عن أملاكه في شركة “سيريتل” للحكومة.

وبالنظر إلى سعر صرف الدولار قبل وبعد تسجيلات مخلوف، يظهر أثر هذه الخلافات على الليرة، إذ كان سعر صرف الليرة قبل 30 من نيسان الماضي 1250 ليرة للدولار الواحد، في حين بلغ في 19 من أيار، 1820 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى