أثار إعلان القوات الروسية العاملة في سوريا، أواخر شهر كانون الأول (يناير) الماضي، عن إعادة افتتاح مطار الجرّاح في ريف حلب، الكثير من الجدل حول دلالات هذه الخطوة لا سيما لناحية ارتباطها بانتشار النفوذ الإيراني في المنطقة، وسط مخاوف تحدثت عنها تقارير إسرائيلية من تأثير ذلك حركة الطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السورية لملاحقة ما تعتبره أهدافاً إيرانية تشكل تهديداً لإسرائيل.
وفي ظلّ العلاقة المتنامية بين موسكو وطهران من الناحية العسكرية على خلفية الحرب الأوكرانية، وما نشأ عن ذلك من معادلات معقدة ألقت بظلالها على جوانب عديدة من التنسيق المتبادل بينهما في ملفات تتعلق بسوريا، كان آخرها إعلان طهران عن استعدادها تزويد الجيش السوري بمنظومات دفاع جوي من طراز “خرداد 15” وسط صمت روسي، يبدو أن بعض العوامل والحساسيات ذات الأبعاد الإقليمية والدولية لا تزال تفرض نفسها على الجانبين في تكييف التنسيق بينهما مع بعض الاعتبارات الخارجية التي تأتي في مقدمها الغارات الإسرائيلية.
ويقع مطار “الجراح” أو “الجيرة” العسكري شرق قرية المهدوم في منطقة منبج على بعد 60 كيلومتراً من مدينة حلب، ويحتوي على 12 حظيرة ومدرج واحد بطول 3.1 كيلومترات، ويحظى بأهمية استراتيجية، إذ يعتبر نقطة وصل بين الشرق والغرب في المنطقة.
ويتوسط المطار مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” وقوات فصائل المعارضة ووحدات الجيش السوري، حيث يبعد من أقرب نقطة لسيطرة “قسد” عشرة كيلومترات، وعن مركز منبج الخاضع له 47 كيلومتراً، ويبعد من أقرب نقطة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غربي سوريا نحو 40 كيلومتراً.
ويبدو أن إعادة تأهيل لمطار خارج عن العمل منذ 2017، فتحت الباب لتساؤلات عن أهمية هذا المطار ودلالات التوقيت، وتأثيره على المنطقة كلها، خصوصاً لقربه من مناطق سيطرة المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية”، وفق تقرير نشره موقع “عنب بلدي” في وقت سابق.
وكانت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية قد نقلت في أعقاب الافتتاح الروسي لمطار الجراح عن مصادر أمنية إسرائيلية قلق أجهزة الأمن في تل أبيب من عمل إيران على نقل أسلحتها بشكل غير قانوني عبر هذه القاعدة العسكرية الجديدة.
ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين، لم تسمهم، أن تركيز الدفاعات الجوية حول المطار يعني أن الجيش الإسرائيلي لن يكون قادراً بعد الآن على العمل بحرية في هذه المناطق، خوفاً من إصابة العتاد الروسي.
وأعرب المسؤولون الإسرائيليون عن اعتقادهم في أن هذه القاعدة “تخدم الإيرانيين”، ويرون أن “صلابة” العلاقات الروسية – الإسرائيلية تمر الآن باختبار جديد.
ورأى الخبير العسكري يوري ليامين، أن التعزيز الحالي للوجود الروسي في قاعدة الجراح يحمل أهمية كبيرة، بالتزامن مع تهديد تركيا بشن عملية عسكرية ضد “الأكراد” في شمال سوريا، في الوقت الذي تجري فيه اتصالات رفيعة المستوى مع “الحكومة السورية”.
وقال ليامين للصحيفة، إن القاعدة تحتل مكاناً مهماً شرق حلب، حيث لا تزال قوات “قسد” الكردية تنتشر هناك.
واستغرب عدد من المراقبين الحديث عن هذه المخاوف الإسرائيلية خصوصاً أن قيام روسيا بافتتاح مطار الجراح جاء كخطوة مفاجئة وعطّلت من خلالها موسكو جهوداً كانت تبذلها الميليشيات الإيرانية للاستئثار بخطة إعادة تأهيل المطار تمهيداً لاحتكار استخدامه كقاعدة متقدمة للطائرات المسيّرة.
ففي أيلول (سبتمبر) الماضي، تحدثت مصادر عسكرية عن وصول تعزيزات إيرانية إلى مطار الجراح، وأن ميليشيا “فيلق القدس” الايراني نقل طائرات مسيّرة إيرانية المنشأ تضم طائرات انتحارية من نوع “أبابيل 3” إلى مطار الجراح العسكري الواقع بريف حلب الشرقي.
وأكّدت المصادر أن التعزيزات تزامنت مع بدء الميليشيات الإيرانية بإعادة تأهيل منشآت داخل المطار شرق حلب، شملت مدرجات الطيران ومقار عسكرية.
وأوضحت أن الميليشيات تعتزم تأهيل المدرجات بهدف تأمين عمليات إقلاع وهبوط لطائراتها المسيّرة التي تتواجد داخل المطار. ولفتت إلى قيامها أيضاً بإعادة تأهيل عدد من المنشآت ومباني لقيادة المطار والتي ينتشر ضمنها ضباط وقيادات إيرانية.
وقد بسطت ميليشيات إيران سيطرتها على مطار الجراح العسكري، وهو مطار تدريبي سابق، منذ استعادة السيطرة عليه من مقاتلي “داعش” عام 2017.
ويبدو أن الخطوة الروسية قد نجحت في الضغط على الميليشيات الإيرانية من أجل إقناعها بالتقليل من اعتمادها على مطار الجراح كخطوة مبدئية قد تستهدف في نهاية المطاف إجبار الميليشيات على إخلاء كامل قواتها وعتادها من المطار وتركه تحت السيطرة الروسية المطلقة.
وأخلت الميليشيات الإيرانية خلال الأيام الماضية، جزءاً من قاعدتها العسكرية في مطار الجراح العسكري بريف حلب الشرقي، وفق تقرير نشرته “وكالة ثقة” السورية المعارضة.
وذكرت مصادر خاصة للوكالة أن الميليشيات الإيرانية أقدمت الأربعاء الماضي على إخلاء جزء من الطائرات المسيّرة المتواجدة ضمن مطار الجراح العسكري بريف حلب الشرقي، بعد ضغوط من قبل القوات الروسية التي أقامت قاعدة عسكرية في المنطقة.
ووفق المصادر فإن عملية الإخلاء جرت عبر شاحنات عدّة من نوع “براد مغلق”، وتم نقلهم إلى مطار النيرب العسكري، والذي يضم قوات عسكرية إيرانية إلى جانب مركز للطائرات المسيّرة يتواجد قرب المطار.
وكانت كشفت مصادر لـ”ثقة” أن القوات الروسية أقدمت على تحويل مطار الجراح العسكري إلى قاعدة عسكرية خاصة بالقوات الروسية مهمتها متابعة مناطق سيطرة “قسد”.
وأوضحت أن المطار لا يزال يضم قوات إيرانية، بيّد أن القوات الروسية وعبر ممارسة ضغوط تحاول تخفيف مستوى الانتشار العسكري الإيراني بداخله.
المصدر: النهار العربي