زلزال سورية يكشف حجم النفوذ الإيراني في حلب   

خالد الخطيب

رغم مرور ثلاثة أسابيع تقريباً على وقوع الزلزال المدمّر، الذي ضرب الأحياء الشرقية في مدينة حلب، يوم السادس من شباط، وتدفق كميات ضخمة من المساعدات، إلا أن المنطقة ما تزال تحت وطأة الأزمة الإنسانية المستمرة، إذ يتوزع قسم من العائلات (المشرّدة المتضرّرة) على مراكز إيواء عشوائية (مساجد ومدارس وصالات رياضية) تفتقر لأدنى مقومات الحياة، في حين فضّل قسم كبير من العائلات نصب خيام بدائية في الحدائق والمقابر والمساحات الخالية قرب منازلهم الآيلة للسقوط في أحياء الميسر وبستان القصر وكرم الجبل والشعار وقاضي عسكر والجزماتي والصالحين وغيرها.

ومع توالي الهزّات الارتدادية والخشية من انهيارات جديدة، زادت أعداد العائلات المحتاجة للإيواء والمساكن البديلة بعد إخلاء أعداد إضافية من العائلات لـ منازلها وشققها السكنية المتصدعة أصلاً بالقصف الجوي والبري السابق من قوات النظام والميليشيات التابعة والمساندة لها، ما بين عامي 2012 و 2016.

وبدت الأزمة الإنسانية في أحياء حلب الشرقية أكثر حدة بسبب هيمنة القوى والميليشيات الإيرانية على قطاع العمل الخيري والإغاثي، والتحكّم بتوزيع القسم الأكبر من المساعدات والمساكن المؤقتة على العائلات المتضرّرة في مراكز الإيواء وداخل الأحياء التي تتقاسم السيطرة عليها عدة ميليشيات، أبرزها: “لواء الإمام الباقر، لواء زين العابدين، “لواء دوشكا، فيلق المدافعين عن حلب“، بالإضافة إلى تجمع الميليشيات المدعومة من “حزب الله” اللبناني، والتي تضم مقاتلين من بلداتٍ شيعية في ريف حلب (نبل والزهراء) وإدلب (كفريا والفوعة).

ويبدو أن كارثة الزلزال كانت فرصة ذهبية للميليشيات الإيرانية، لسرقة المساعدات على الحواجز وفي قطاعات انتشارها داخل مدينة حلب وفي محيطها القريب، وللعمل على الترويج لنفسها وتوسعة قاعدتها الشعبية.

تصاعد نفوذ الإيرانيين في حلب

يمكن القول: إنّ كارثة الزلزال التي حلّت بأحياء حلب الشرقية كشفت عن تصاعد نفوذ الإيرانيين وتغلغل القوى والميليشيات التي يدعمونها في مختلف نواحي العمل الحيوي، بما في ذلك المؤسسات والمديريات الخدمية، وهيمنتها المطلقة في مناطق انتشارها ونفوذها.

فبعد وقوع الزلزال المدمّر مباشرة كان القنصل الإيراني يتجوّل بين الأحياء المتضرّرة لتلتقط له الصور والتسجيلات المصوّرة في أثناء العمليات المزعومة لفرز مجموعات الإنقاذ والآليات الثقيلة على المواقع الأكثر تضرراً، بهدف انتشال الضحايا والعالقين تحت أنقاض المباني المهدّمة، في حين تأخر ظهور مسؤولي مجلسي المدينة والمحافظة وفرق الإنقاذ الرسمية لعدة ساعات، وكان ظهورهم المتأخر شكلي وفي قطاعات محددة وسط المدينة.

وبدا القنصل الإيراني (نواب نوري) كـ”الزعيم الأوحد في حلب”، ومسيّراً للقوى والميليشيات التي استنفرت كل طاقاتها إلى جانب المجموعات والآليات القادمة من القواعد العسكرية الإيرانية المنتشرة في محيط حلب، وفي القاعدة المركزية بمنطقة جبل عزان جنوباً.

وبدت تحركات القنصل كمقدمة دعائية مهدت لزيارة إسماعيل قاآني – زعيم “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني – يوم 8 شباط، والذي تجوّل برفقة القنصل مع عدد من قادة الميليشيات داخل أحياء حلب الشرقية، والتقط له مرافقوه الصور أمام المواقع التي تعمل فيها الآليات الإيرانية على انتشال الضحايا.

وافتتح “قاآني” مركزين للإيواء، الأول في جامع النقطة (مشهد الحسين)، والثاني على مقربة من الأول وفي محيط القنصلية الإيرانية. وفي الفترة التي تلت زيارة “قاآني” توسّع عمل القوى والميليشيات الإيرانية بشكل أكبر لتسيطر بشكل شبه كامل على المشهد في حلب المنكوبة، وفيما يلي أبرز التحركات:

  • أولاً: شحنات المساعدات القادمة إلى حلب عبر المطار الدولي تولّت مجموعات تتبع لـ”لواء الباقر، وفيلق المدافعين عن حلب” مهمة تفريغها ونقلها إلى المستودعات داخل الأحياء، وحصلت العائلات التي تقيم في مراكز الإيواء التي تديرها القنصلية والميليشيات على الحصة الأكبر من المساعدات، في حين وُزّعت كميات قليلة منها على مراكز الإيواء شبه الرسمية والتي تتوزّع على قطاعات نفوذ الميليشيات الإيرانية أيضاً، أي أن الأخيرة تتدخل بشكل مباشر في عمليات التوزيع.
  • ثانياً: أولت القنصلية الإيرانية في حلب، الإشراف على مراكز الإيواء التابعة لها لـ”مجمع المصباح”، الذي عمل على إنشاء مطبخ مركزي، ونظم أنشطة دينية وترفيهية متنوعة للأطفال والنساء، وفي الوقت ذاته شنّ الإعلام الرديف للميليشيات الإيرانية هجوماً غير مباشر على باقي قطاعات العمل الخيري متهماً إياها بالفساد وسرقة المساعدات، وجرى تداول كثير من المعلومات حول أئمة المساجد والمشايخ من الطرق الصوفية وموظفي مديرية التربية، الذين عملوا كمشرفين في المدارس التي تحوّلت إلى مراكز إيواء مؤقت، بأنهم يسرقون الأموال والمواد التموينية المخصصة للتوزيع على العائلات المتضررة، ولاقت الدعاية الإيرانية وحملات التشويه صداً واسعاً بين الأوساط الشعبية، وهو ما سهل على القوى والميليشيات الإيرانية الهيمنة على قطاع العمل الخيري والإغاثي.
  • ثالثاً: أنشأ “لواء الإمام الباقر” مركز إيواء كبير في حي البللورة (معقله الرئيسي في الأحياء الشرقية)، واستقبل جزءا كبيرا من المساعدات القادمة براً من العراق، والتي أرسلتها ميليشيا “الحشد الشعبي“، وتلك القادمة عبر مطار حلب، وظهر زعيم اللواء خالد المرعي ومساعديه في تسجيلات مصورة خلال توزيع علب العصائر والحليب على الأطفال، وتسجيلات وصور أخرى خلال تجواله برفقة عدد من المعمّمين (إيرانيون وسوريون) بين الأحياء الشرقية التي انهارت فيها بعض المباني بفعل الزلزال.

توجّه الأوساط الشعبية المحلية اتهاماً لـ”لواء الباقر” بسرقة المساعدات، وأن ما يوزّعه لا يشكل سوى جزء يسير من الكميات الضخمة التي خزنها في مستودعاته بحيي المرجة والبللورة وفي الضواحي القريبة.

  • رابعاً: استفادت العائلات المقربة من ميليشيات إيران بشكل أكبر من المساكن البديلة المؤقتة التي أقر مجلس المدينة توزيعها على العائلات المتضررة، فمن أصل 250 شقة سكنية في حي مساكن هنانو (أنشأها المجلس في الفترة بين عامي 2018 و2022)، حصلت العائلات المقربة من القوى والميليشيات الإيرانية على أكثر من 70% من الشقق، في حين وُزّعت باقي الشقق على مقرّبين من مسؤولين في المجلس وموظفي البلدية والمحافظة، والحال ذاته في عمليات توزيع المساكن المؤقتة في حي الشيخ سعيد الواقع تحت السيطرة المباشرة لـ تجمّع الميليشيات المدعومة من “حزب الله” (تشكيلات نبل والزهراء وكفريا والفوعة).
  • خامساً: لم يتجاوز عدد الأبنية المنهارة بفعل الزلزال في أحياء حلب الشرقية حاجز الـ60 بناء، وجميعها يرجع السبب الرئيسي في سقوطها إلى قصفٍ مصدره النظام السوري وروسيا وميليشيات إيران، والذي تسبّب بأضرار في الأساسات وتسرّب شبكات مياه الشرب والصرف الصحي، ما عدا عدد قليل من المباني القديمة التي انهارت في أحياء العزيزية والأعظمية وسط المدينة. ويبدو أن الزلزال كان فرصة للإيرانيين والقوى التابعة لهم كي يطمسوا أثار جريمتهم بحق أكثر من 60 حياً سكنياً في مدينة عريقة كـ حلب.

وما إن انتهت عمليات انتشال الضحايا، حتى باشرت الآليات الإيرانية في عمليات الهدم الموسّعة ضمن قطاعات واسعة من الأحياء التي كانت عُرضة للقصف الجوي والبري في الفترة بين عامي 2012 و2016، وزاد عدد المباني التي أزيلت كلّياً عن 60 بناء، بحسب الإعلان الرسمي لـ”مجلس مدينة حلب“، في حين تؤكد مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا، أنّ أعداد الأبنية التي هُدّمت على يد الإيرانيين، خلال الأسابيع القليلة الماضية، تجاوز الـ200 بناء، بعدما اشتركت بعمليات الهدم، فرق خاصة تتبع لـ”الحشد الشعبي” العراقي (من ضمنها “هيئة اللواء 13 الطفوف”) الذي استقدم مزيدا من الآليات الثقيلة.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى