أبوظبي لم تدعم الشمال السوري بأي مساعدة مباشرة حتى اليوم . يقول السوريون بأمثالهم “يارب شردقني بريقي لأعرف عدوي من صديقي” وتؤثر الإمارات العربية المتحدة والشقيقة، أن تثبت للسوريين، أنها صديق بشار الأسد المقرّب وطوق نجاته كلما لاح غرقه أو غاص في مستنقع المعاصي.
فمنذ عام 2018، بعد إعادة فتح سفارة أبوظبي في دمشق، خرجت مساعدات الإمارات للنظام إلى العلن، وقدمت جميع أشكال الدعم المالي والاقتصادي، وآثرت سحب أمثالها للتطبيع مع النظام السوري، فتارة تغري القاهرة وأخرى تحرّض الريّاض وثالثة تدعو لعودة سورية إلى الجامعة العربية، من دون أي مبرر يتقبله عقل إنسان، إذ التذرع بمواجهة إيران على الأراضي السورية أو سحب الأسد من حضن طهران “حجة أقبح من ذنب” ما دامت علاقات طهران وأبوظبي بعزها وحجم التبادل بينهما يزيد عن 21 مليار دولار، بل واحتلت الإمارات المرتبة الأولى بين الدول المجاورة، بتصدير السلع إلى إيران.
كما يعرف أي مهتم، أن جلّ أموال بشار الأسد واستثمارات مشغلي ميراث العائلة، اختاروا الإمارات موطناً لهم ومناخاً لأعمالهم، لتبقى أبوظبي، في مقدمة الدول التي تكسر الحصار وتتمرد “بعلم وضوء أميركي” على العقوبات الأوروبية والأميركية، لتبقى الرئة الطارئة ليتنفس بشار الأسد البقاء، كلما اقتضت الضرورة.
واليوم، هبت رياح الإمارات بذريعة النكبة السورية وعقابيل الزلزال، فأسقطت آخر ورقة توت عن عورة دعم النظام، لنراها تتصدر الدول في الدعم المباشر، بعد وصول عدد طائرات المساعدات الإماراتية، إلى 125 طائرة من أصل 220 طائرة من جميع دول العالم، وصلت إلى مناطق سيطرة الأسد فقط، لأنّ أبوظبي لم تدعم الشمال المحرر بأي مساعدة مباشرة حتى اليوم.
والمتابع لفيض الإنسانية الإماراتية يلحظ انشغالها بجميع مناطق النظام، فأمس الإثنين على سبيل المثال، وصلت طائرة مساعدات إلى مطار اللاذقية محملة بأربعة وعشرين طناً من المساعدات، وهبطت طائرة، في اليوم نفسه، بمطار دمشق، محملة بثلاثين طناً من المساعدات، وثالثة، في نفس الوقت، بمطار حلب، محملة بخمسة وعشرين طناً.
وأمس ليس حالة استثنائية لإنسانية الدولة الشقيقة، بل قبله، أول من أمس الأحد، حطت أربع طائرات في مطارات سورية الأسد محملة بنحو 172 طناً من المساعدات الإماراتية، بعد أن أهدت أبوظبي، قبل ذلك بيوم واحد، 25 فبراير/ شباط، عشر سيارات إسعاف مجهزة بشكل كامل، بالتوازي مع زيارة وفد المجلس الاتحادي الإماراتي، برئاسة صقر غباش، إلى دمشق، ضمن ما يسمى وفد الاتحاد البرلماني العربي.
ولم تقتصر مساعدات الإمارات لنظام الأسد على المواد الطبية والإغاثية، سواء قبل ما أسمتها أبوظبي عملية “الفارس الشهم” وتجوال وزير الخارجية الإماراتي بمناطق الزلزال، أو بعدها، بل قرأنا عن تخصيص أموال لتنفيذ برامج رمضان وتوفير احتياجات السوريين، بدعم مالي مباشر (20 مليون درهم) ونُمِي إلينا تحويل كتل دولارية هائلة، منها بشكل تبرعات ومنها مساعدات أخوية.
قصارى القول: كنا لنشكر الإمارات على وقفتها ومساعدتها السوريين، لو أن:
- لو أنّ أبوظبي خصت شمال سورية، التي تأثرت أضعاف مناطق سيطرة الأسد بالزلزال، بجزء من إنسانيتها، ففي حين تضاعفت أعداد المباني المهدمة في ريفي إدلب وحلب، زاد عدد الوفيات عن 2274 سورياً، ولم تتجاوز وفيات الزلزال في مناطق سيطرة الأسد (حلب، اللاذقية وحماة) 1400 سوري.
- لو أنّ الإمارات أرسلت طائراتها وشحنات المساعدة للسوريين بريف إدلب الذين لا يجدون حتى اليوم، خيمة تؤويهم أو لقمة تقيهم الجوع، ولم تكتف بادعاء وساطة وزير خارجيتها مع بشار الأسد، لموافقته على فتح المعابر الداخلية مع المناطق المحررة.
- لو أنّ مساعدات الإمارات وغيرها، انعكست على السوق والأسعار وإسعاف المتضررين، إذ ارتفعت أسعار الغذاء في سورية 50% بعد الزلزال ولم تقدم حكومة الأسد لمتضرري الزلزال أي معونات تذكر، بل فرضت على من يريد ترميم منزله الحصول على تقرير نقابة المهندسين ودفع مبلغ مليون ليرة، وطلبت كفالة 18 شخصاً لا يقل دخل أي منهم عن مليون ليرة، لتمنح قرضاً لمتضرري الزلزال بقيمة 18 مليون ليرة.
- ولو أنّ الإمارات تسعى حقيقة لتخليص السوريين من هيمنة إيران، فتسابقها مع “الحشد الشعبي” و”العتبة السيستانية المقدسة” ذراعي طهران بمعركة دبلوماسية الزلزال، لن يفضي عن أية نتيجة، فنحو 600 شاحنة دخلت من العراق وعبره، لم تصل، كما مساعدات الإمارات، إلى مستحقيها، بل تؤثر “مؤسسات أسماء الأسد” استلام المساعدات من الهلال الأحمر السوري وتخزنها لليوم الأسود، بعد أن تذر بعض الرماد بعيون المراقبين، عبر توزيع بعض المساعدات لمنكوبي الحظ السعيد.
نهاية القول: ما يزيد وجع السوريين المنكوبين اليوم، أنّ دول العالم المتحضر تؤثر إعادة اللعبة ذاتها ومنذ اثنتي عشرة سنة، ففي حين يحتاج دخول شحنات إسعاف السوريين شمال غربي سورية، لقرار أممي، يتم تجميد قرارات العقوبات الأوروبية والأميركية، بما فيها “قانون قيصر”، لستة أشهر بذريعة إيصال المساعدات الإنسانية، والسوريون والعالم أجمع، يعلمون أنّ نصوص جميع قرارات العقوبات تستثني المواد الإغاثية والطبية، بل وتؤثر قبلة الديمقراطية بالعالم، أن تدغدغ مشاعر المنكوبين بفتوحاتها القولية، فنرى وزارة الخارجية الأميركية تؤكد اليوم أنّ موقف واشنطن من النظام في سورية لم يتغير، وإنّ الوقت الآن ليس للتطبيع، وليس الوقت المناسب لتحسين العلاقات مع نظام الأسد.
والكلام لك يا إمارات واسمعي يا إيران.. يا للعار.