قراءة في رواية: السماء تمطر بشرًا

أحمد العربي

عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول صدرت رواية السماء تمطر بشراً. للكاتب محمد خليل ، هذا أول عمل روائي اقرؤه له.

السماء تمطر بشراً رواية تعتمد السرد على لسان الراوي الذي يتحدث عن حياة سيامند الشخصية المحورية في الرواية.

سيامند يعيش في فيينا منذ عقود، الزمان ٢٠٣٠م. كبر في العمر  يحن الى بلدته عامودا في الشمال السوري يريد العودة اليها. يشعر بقرب اجله. يتمنى لو تضم بلاده ثراه.

تبدأ الرواية بعد هذا المدخل الذي يعتبر بمثابة الخطف خلفا السينمائي. حيث ترصد الحياة في قرية كردية في الشمال السوري على الحدود التركية السورية أوائل الستينات، حيث يعتمد أغلب الناس في معيشتهم  على التهريب بين تركيا وسوريا.

القرية مملوكة للآغا الإقطاعي خمو الذي يملك الأرض ويتحكم بحياة الفلاحين فيها، حيث التفاوت الاجتماعي كبير. يعيش الآغا الإقطاعي حياة ترف وبذخ أما الفلاحين فيعيشون حياة الشقاء والفقر. هذا التمايز الاجتماعي ينعكس ايضا على شبكة العلاقات من تزاوج وغيرها.

للآغا ثلاث فتيات شفين وروجين وزينب وإخوة ذكور وصلنّ إلى سن الزواج ، ولأن الزواج وسيلة لتوطيد المكانة فقد قرر الآغا خمو أن يقبل تزويج ابنته شفين إلى ابن آغا آخر. لكن شفين كانت على علاقة حب مع اوميد ابن القرية، حيث طلب من والده أن يطلبها للزواج له قبل وقت من خطبتها الحالية، لكن والده رفض قائلا : ثوبنا ليس من ثوبهم. موضحا كونهم فلاحين والآغا لا يزوج ابنته إلا لمن مثله. لكن شفين واميد وبناء على تعلقهم بحبهم لبعض فقد قررا أن يهربا إلى ديار بكر في تركيا ويتزوجا هناك. ويعيشان بعيدا عن اهلهما.

استطاعت شفين و اوميد الهرب فعلا الى ماردين الى بيت خالة اوميد وتزوجا هناك. واستقرا مختبئين هناك إلى أن يتمكنا من الهرب الى اسطنبول ثم الى أوروبا. خوفا من تعقب والد شفين لها وقد يقتلها.

جنّ جنون الآغا الاب فأرسل ولديه مع ابن أحد الفلاحين شمدين للبحث عن شفين الهاربة وإعادتها. كما أمرهما بقتل اوميد حيث يروه. شمدين كان يحب روجين ابنة الآغا الاخرى، كان يأمل ان يكافئه بقبول تزويجه من ابنته روجين.

ذهب الثلاثة إلى ماردين باحثين عن العشيقين الهاربين وبعد بحث وتقصي لم يعثروا عليهم، عاد الاخين وبقي شمدين يبحث لوقت آخر حتى عثر على شفين في بيت قريب من خالة أوميد، وكان اوميد قد غادر الى اسطنبول باحثا عن طريقة للذهاب إلى أوروبا ومن ثم يستدعي شفين اليه. أعاد شمدين شفين إلى أهلها. مع وعد ان لن يسمح لأهلها بقتلها. لكن ذلك لن يحمي شفين من غضب والدها. حيث يحفر لها حفرة ويلبسها ملابس الزفاف ويقومون برجمها أمام أهل القرية حتى الموت، للعبرة…

تزوج شمدين من حبيبته روجين اخت القتيلة، وتمر السنوات ، ينجب ولدين سيامند وشيركو وفتاة . حصلت متغيرات كثيرة في تلك البلاد فقد أصبح النظام الحاكم في سوريا هو البعث، وعامل أغلب الأكراد السوريين بإهمال فلم يعترف بهويتهم الثقافية ، هذا غير معاناة اغلبهم ان اتفاقات سايك بيكو التي قسمت بقايا الدولة العثمانية، لم تعطي الاكراد اي وطن لهم، فهم يعيشون مظلومية انهم بلا وطن يضمهم كأكراد. وفي سوريا زادت مظلوميتهم بحرمان البعض من الهوية السورية بحيث لم يحصلوا على درجة المواطنة، وزاد معاناتهم قرار الدولة السورية بناء سد الفرات الذي ادى الى غمر الكثير من القرى الكردية حيث قررت الدولة نقلهم الى الحدود السورية التركية ووضعتهم في قرى بديلة…

حاول الآغا خمو أن يرفض قرارات الإصلاح الزراعي وأن يرفض التنازل عن أرضه. اصطدم مع السلطة بالقوة، لكنه هزم أمامها. وأصبح في أواخر عمره وحيدا يقعده المرض الذي استوطن فيه وادى لموته بصورة مأساوية حيث بدأ يأكله الدود وهو حي… وكأن الله يحاسبه على ظلمه لابنته في الدنيا قبل الآخرة.

انتقلت روجين إلى عامودا عام ١٩٧٥م بعد ان تم اخراج الأكراد من قراهم. اشترت هناك بيتا واستقرت به مع عائلتها ولديها وزوجها وابنتها.

اعتقل شمدين لسنوات تبين فيما بعد أن الاعتقال سياسي دون معرفة الأسباب المباشرة. كبر الأولاد شيركو وسيامند واختهم وهم يدركون ان امهم من عملت لتؤمن لهم لقمة عيشهم. لم يتابع شيركو دراسته وأصبح يعمل ويساعد والدته على شؤون الحياة أما سيامند فقد تابع دراسته واختص بعد ذلك في التصوير الضوئي.

كان عند سيامند الكثير من الاصدقاء وكانت معاناتهم المشتركة تنصب على واقع مظلوميتهم الكردية تحت سلطة البعث وكذلك واقع الفقر والحياة القاسية. كان البعض يفكر أن يرتحل إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل كما فعل جوان صديق سيامند. وكان البعض الآخر يفكر أن ينخرط بالأحزاب الكردية الكثيرة التي تعمل لتحسين واقع الأكراد بدء من خلق دولة في أي إقليم أو أقاليم مختلفة او الحصول على الهوية السورية والحقوق الثقافية التركية. وذلك حسب تنوع طروحات الأحزاب الكردية. كان هوس بناء الدولة مسيطرا على بعض الشباب حيث بدؤوا يلتحقون بحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وهذا ما فعله أحد أصدقاء سيامند.

لم يكن سيامند يملك شجاعة ان يلتحق بالمقاتلين الأكراد أو أن يركب البحر باحثا عن الخلاص في أوروبا…

خرج الاب شمدين من السجن بعد سنوات كان منهار نفسيا. عاش منعزلا وكتوما، لم يبحث عن عمل، كان يقصد الخمارة ويجلس كثير من الوقت يجتر ما حصل معه. حتى نسيته العائلة وكأنه لم يخرج من السجن. ثم اختفى لأيام كثيرة بحثوا عنه كثيرا ولم يجدوه. ثم اكتشفوا انه قد القى نفسه في بئر البيت وانتشلوا جثته المتفسخة، لقد ترك ذلك في نفس العائلة غصّة. البعض فكّر ان ذلك قد يكون عقابا على ارجاعه لشفين التي رُجمت ولم يحمها كما وعدها…

لم تتغير الحياة سيامند الذي وجد أن لا خلاص له في حياته فأصبح يذهب للحانة ويسكر ويحلم أن تتغير حاله…

حصلت مباراة بكرة القدم عام ٢٠٠٤م بين فريق كردي وعربي في القامشلي وحصل شجار تطور ليصبح صراعا تدخلت السلطة فيه ووقع الكثير من الضحايا من الاكراد. وقام البعض ومنهم سيامند بالتظاهر ودمروا تمثال الأسد الأب في القامشلي حيث صور سيامند التمثال المحطم ومن ثم اعتقل سيامند على أثر ذلك في القامشلي ونقل بعد ذلك الى مركز الاعتقال في دمشق. حيث عانى من التعذيب وانتهاك انسانيته، عذبوه بالدولاب والكرسي الألماني والجلد والشبح وغيره استمر اعتقاله لاشهر عاد منهار نفسياووقد احس بامتحانه الإنساني وأصبح من رواد الخمارة يجتر معاناته ولا خلاص…

عند محطة موت الاسد الاب تتوقف الرواية عن سرد مسار حياة سيامند لتنقلنا الى فيينا وحياة ستيفان ومن خلاله حياة والده كارل وامه بيركت…

كارل الألماني وكذلك حبيبته بيركت، أوروبا والحياة الفردية والبحث عن المتعة، العمل وإشباع الحاجات الجسدية وخاصة الجنس هي الأهم في حياة الشباب هناك. حصلت علاقة جنسية بين كارل و بيركت ومع الزمن حصل حمل عند بيركت، لم تكن تقبل الحمل فهي غير جاهزة لأن تعيش الامومة، حاولت اسقاط الطفل ولم تنجح، ولدت كان ابنهما ستيفان، اعتنت به لبعض الوقت ثم تركته لأبيه كارل وغادرت حياتهم. عاش ستيفان برعاية والده كارل الذي اصبح ابا واما له. أعاد ستيفان في شبابه سيرة غيره من الشباب، علاقات جنسية مفتوحة والمتعة واللهو هذا بالطبع بعد قضاء اوقات العمل.

درس ستيفاني الصحافة واختصّ بالتصوير الصحفي . عاش علاقات جنسية مفتوحة معتد بوسامته وشبابه. لم تستطع هذه العلاقات على كثرتها ان تعطي لحياته معنى حتى تعرف على ميلاني التي أصبحت حبيبته، واستطاعت أن تلزمه بعلاقة أحادية معها. ومعها أصبح قريبا من فريق أطباء بلا حدود وكان له جولات في دول افريقية عدّه أدرك من خلالها التفاوت بين المجتمعات والمظلومية التي عاشتها افريقيا. الجوع والأمراض والحروب الأهلية والفقر، أدرك مسؤولية أوروبا عن ذلك، أدرك ستيفان أن هذه الرحلات وما يقوم به مع آخرين مثله جعلته يجد ذاته و يعطي لحياته معنى…

تعرف ستيفان في فيينا على جوان الشاب الكردي صديق سيامند وحدثه عن معاناة الاكراد السوريين في عهد الاسد الاب والابن وخاصة بعد أحداث القامشلي سنة ٢٠٠٥م  وما أصاب الأكراد وقتها. وقرر الذهاب الى سوريا لمعاينة واقع الأكراد عن قرب…

اما سيامند الذي عاش تجربة المعتقل واصبح يستدعى الى الامن بشكل مستمر، عايش العذاب والألم وفقدان الأمل وضياع المستقبل . لم يتشجع للمغادرة الى جبال قنديل، ولا للمغامرة للهروب إلى أوروبا عبر البحر… بقي يتردد على الخمارة ويعاني من حياة جوفاء حتى وصل به الأمر أنه حاول شنق نفسه مرّة لكن أخاه أنقذه باللحظة المناسبة. واستمر على هذه الحال حتى جاء ستيفان الى عامودا حيث يقطن سيامند والتقى به بناء على معلومات أخذها من صديقه جوان المتواجد في فينا…

التقى ستيفان مع سيامند وحدثه عن كل ما عاشه ومعاناته. وغادر واعدا اياه بتأمين سفره الى فيينا وهكذا حصل…

هذه حكاية سيامند الذي عاد بعد عقدين من ذلك التاريخ الى مدينته عامودا ليموت هناك ويدفن في وطنه…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

تحاول الرواية أن تغوص عميقا وبالعودة لأكثر من نصف قرن في الحديث عن الأكراد السوريين من وجهة نظر واحد منهم. حيث يقف عند البنية المجتمعية الاقطاعية و المظلومية الواقعة على الفلاحين من الملاك الأغوات. كما تسلط الضوء على المظلومية المركبة الواقعة على المرأة وخيارات حياتها الحب والزواج وغيره… من خلال هرب الحبيبين واعادة البنت بعد الزواج و رجمها حتى الموت…

كما تسلط الرواية الضوء على المظلومية المجتمعية والقومية والسياسية الواقعة على الأكراد، حيث حرم بعضهم من الهوية وكذلك مظلوميتهم في ترحيلهم بعد غمر قراهم بسد الفرات وظلم نظام البعث لهم بتهميش مناطقهم واضطهادهم. كذلك منع أي خصوصية ثقافية منها تعلم اللغة التركية وتدريسها. كذلك تفكير بعضهم حول حقهم ببناء دولتهم القومية بغض النظر عن امتلاكهم شروط بناء الدولة. حيث تحول بعضهم ليكون اداة بيد النظام السوري الذي يعانون منه واقصد حزب العمال الكردستاني الذي تربى في حضن النظام وعمل بندقية للإيجار ضد تركيا بشكل أساسي. وهذا جعل العلاقات التركية مع النظام السوري متوترة دوما. وهذا جعل الاكراد اما معارضين للنظام سياسيا واغلبهم في السجون أو هارب، والبعض من جماعة الب ك ك يخدم النظام ويؤثر سلبا على حال الأكراد حيث هم حيث ترتد عليهم ضربات خصوم النظام… ولم يحل مشكلة الأكراد السوريين أن يهاجروا الى أوروبا كحل لمشكلاتهم فذلك وإن حصل يبقى حل فردي لا يقدم او يؤخر في مشكلة سوريا مع الاستبداد وحتمية الدولة الديمقراطية دولة المواطنة المتساوية لكل السوريين من كل المكونات القومية والدينية والمذهبية…

اللافت ان الرواية انتهت قبل قيام الثورة السورية ربيع عام ٢٠١١م وما تبعها من تطورات على السوريين والأكراد منهم. لعل سيولة الحالة السورية والتباس الحال في مناطق التواجد الكردي وسيطرة ال ب ي د فرع حزب العمال الكردي في سوريا بمسمى قوات سورية الديمقراطية على ثلث سوريا تقريبا شرق الفرات وشمال شرق سوريا، وكونها تقع تحت الوصاية والحماية الامريكية وكونها تؤسس لشبه دولة كردية على حساب الشعب السوري وبقية مكوناته. هذا غير واقع سوريا حيث تقع تحت  احتلالات روسية إيرانية وميليشيات طائفية وحضور النظام بصبغته الطائفية مع وحشية أدت لموت مليون سوري وشرّد ثلاثة عشر مليون بين داخل سوريا وخارجها هذا غير تدمير سوريا وبعض سوريا محرر في الشمال بدعم تركي الذي يعتبر ال ب ي د وال ب ك ك إرهابيين تترصدهم تركيا وتقتلهم حيث وصلوا اليهم، خاصة أنهم تورطوا بأن اصبحوا اداة بيد النظام ضد تركيا وهي قررت القضاء عليهم…

الحالة السورية وداخلها الأكراد السوريين في حالة سيولة … والاحتمالات المستقبلية مفتوحة على كل الاحتمالات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى