رجّح تقرير سوري معارض أن يكون النظام السوري قد وافق بالفعل على فكرة إحداث إقليم إداري في الجنوب السوري، تدفعه إلى هذا الخيار، التحديات التي تعترض مساعيه في إحكام السيطرة على المنطقة، وأيضاً التعقيدات الدولية والإقليمية التي باتت تحيط بالملف وتهدد بجعله بؤرة لاستهداف النظام سياسياً وأمنياً خصوصاً مع إقرار قانون مكافحة الكبتاغون من قبل الإدارة الأميركية.
وذكر تقرير صادر عن “تجمع أحرار حوران” المتخصص في تغطية شؤون الجنوب السوري أن “مشروع الإقليم الإداري في الجنوب لم يعد مجرد فكرة، حيث يتم العمل عليه منذ ثلاثة أشهر، والتحركات الأخيرة في درعا قطعت شوطاً كبيراً على الأرض من خلال عمليات تطهير المنطقة من خلايا تنظيم “داعش” وعصابات السلاح والخطف والسلب والسرقة”.
ومن المؤشرات التي تدلّ إلى موافقة النظام السوري على الفكرة، قناعة النظام بصعوبة السيطرة المطلقة على المنطقة، خصوصاً مع التحركات الجارية في درعا والسويداء، حيث تظهر في المنطقة أشكال جديدة من الصراع مع النظام ستطبع المرحلة المقبلة، مثل إعلان العصيان السياسي، ولن يستطيع النظام لاعتبارات عديدة إعادة تجربة قمع هذه التحركات من دون دفع أثمان عسكرية وسياسية.
يبرز خوف النظام أيضاً من تبعات قانون “مكافحة الكبتاغون” الذي وقَّعه الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والذي قد تكون له تداعيات اقتصادية وسياسية على النظام السوري، في وقت يجري الحديث، في أوساط عربية، أنّ الرئيس بشار الأسد ليس طرفاً في تجارة الكبتاغون، بقدر ما هي تجارة تديرها إيران و”حزب الله”، ولا يستطيع الأسد منعهما بالنظر لسيطرتهما في جنوب سوريا، واختراقهما للأجهزة الأمنية، لذلك قد يرغب الرئيس السوري بتبرئة ساحته من تجارة الكبتاغون عبر رمي كل التهم على الميليشيات الإيرانية وقسم من أجهزته الأمنية وهو ما سيمهد لعمليات محاكمة للعديد من الضباط والقادة تهدف لتبييض صورة الأسد.
ومن جهة ثانية، يمكن أن تكون فكرة الإقليم الإداري في الجنوب، رسالة إيجابية من قبل النظام السوري تجاه دول الخليج والسعودية تحديداً، والتي تعتبر أنّ الجنوب السوري بوابة للخطر الإيراني القادم الذي يهدد أمنها واستقرارها.
وربط التقرير السابق بين فكرة الإقليم الإداري في الجنوب السوري بزيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق قبل أسابيع عدة، وأشار إلى أن “التصريحات التي أعقبت الزيارة لم تخرج عن المتداول إعلامياً حول العلاقة الثنائية بين البلدين، ولكن في حقيقة الأمر فإنّ هناك اقتراحات لحلول جزئية للوضع السوري الحالي بخاصة بعد تعذر إيجاد حل وفق قرارات الأمم المتحدة وبخاصة القرار 2254”.
وكانت دراسة سابقة لمركز الإمارات للسياسات قد أشارت إلى أن فكرة تحويل الجنوب السوري إلى إدارة محلية قد انطلقت من محركات داخلية بالدرجة الأولى، مدفوعة بأسباب أمنية واقتصادية وثقافية عدة، أهمها فشل حكومة دمشق في إدارة الجنوب منذ عودة سيطرتها عليه، وضعف الموارد المالية، وانهيار المؤسسات، وتصاعُد الهجرة من المنطقة، وعجز الدولة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات.
وتوقعت الدراسة الصادرة الأسبوع الماضي أن يوافق الرئيس السوري بشار الأسد على هذا الحل، لإدراكه استحالة العودة إلى الصيغة القديمة في الحكم، وهنا يصبح خيار الإدارات المدنية أفضل من استمرار الأوضاع الراهنة.
ووفق الدراسة فإن “الغالب هو أن الأسد سيحاول تطوير قانون الإدارة المحلية، بتوسيع صلاحية المجالس المحلية، والاتجاه نحو “العوصمة”، على أن يجري التنسيق مع المركز في دمشق التي ستبقى في يدها السلطات السياسية والدفاعية والاقتصادية”.
وأكد تقرير “تجمع أحرار حوران” هذه المعلومات من خلال إشارته إلى أن الرئيس السوري “اشترط أن تجري هذه العملية وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107، حيث ستكون هناك أقاليم عدة في سوريا يمكن أن يصل عددها إلى 7 أقاليم، وذلك كي لا يُتهم النظام بقبول منح الجنوب سلطة لا مركزية”.
وعليه من الواضح أنّ المشروع الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من ثلاثة أشهر بات أقرب إلى الواقع، والنظام السوري لم تعد أمامه خيارات كثيرة، فمن جهة لم يعد يمتلك القدرة الاقتصادية والعسكرية لإعادة حكمه في الجنوب كما كان سابقاً، وبالتالي فإنّ عدم قبوله للمشروع قد يؤدي إلى تقسيم سوريا، لذلك من الممكن أن يقبل بالخيار الأقل سوءاً بالنسبة إليه، كما قد يكون ذلك بوابة لرفع جزئي للعقوبات المفروضة عليه ما يمهد لفتح باب المساعدات وإعادة الإعمار. ولكن تجدر الإشارة في النهاية إلى أنّ الولايات المتحدة لم تقل كلمتها الفصل حتى الآن على الرغم من الحديث عن أنّ هناك موافقة ضمنية منها، وفق “تجمع أحرار حوران” كما ورد في التقرير ذاته.
وكان العديد من التقارير الصحافية قد ذكرت في السابق أن فكرة الإقليم الإداري تم طرحها من قبل الملك الأردني، عبدالله الثاني خلال زيارته الولايات المتحدة في أيار (مايو) الماضي، وذلك بعد إدراكه أنّ الجنوب السوري يتحول إلى منطقة نفوذ إيرانية للتأثير في الأمن الأردني، بعد تراجع الدور الروسي نتيجة الانشغال بالحرب الأوكرانية، واستطاع الحصول على دعم أميركي للمشروع، وعلى هذا الأساس تم استدعاء بعض قادة الفصائل السابقين والحاليين إلى الأردن، ووُضعوا في صورة التفاهمات الحاصلة، وجرى إبلاغهم أن المشروع مدعوم من واشنطن والأردن ومصر والسعودية. وثمة احتمالات أن يكون الأردن قد ناقش الفكرة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي زار عمَّان في بداية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
المصدر: النهار العربي