تشغيل «إم 4» خطوة تركيا الأولى في مسار التطبيع مع دمشق|| استمرار الاشتباكات على محاور التماس في حلب وإدلب

سعيد عبد الرازق

مع استمرار التصعيد على محاور التماس في حلب والاستهدافات المتبادلة بين قوات النظام والقوات التركية والفصائل الموالية لها بدأت تحركات تركية في إدلب لفتح طريق حلب اللاذقية الدولي (إم 4) تنفيذا لمذكرة التفاهم الموقعة مع روسيا في موسكو في 5 مارس (آذار) 2020 فيما يمكن أن يكون الخطوة الفعلية الأولى للتقدم في مسار التطبيع بين أنقرة والنظام السوري برعاية روسية.

وبعد إرجاء اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا الذي جرى الحديث عن انعقاده خلال يناير (كانون الثاني) الحالي، وإعلان أنقرة عن احتمال انعقاد اجتماع ثانٍ لوزراء الدفاع يسبق اجتماع وزراء الخارجية الذي قد يعقد في منتصف فبراير (شباط) المقبل، بدا أن موسكو لا ترغب في أن يفقد مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق إيقاعه رغم التباعد في المواقف.

وبدأت أنقرة عقب اجتماع وزراء الدفاع في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التركيز على ملف فتح طريق حلب اللاذقية الدولي (إم4)، الذي كان استمرار إغلاقه نقطة سلبية سجلتها موسكو على أنقرة منذ توقيع مذكرة التفاهم في موسكو في مارس 2020. ووضع الملف مرة أخرى على الطاولة خلال محادثات ولقاءات التطبيع بين تركيا والنظام السوري. وأفادت مصادر من المعارضة وتقارير إعلامية، بأن تركيا ترغب في تشغيل الطريق بإشراف ثلاثي منها مع روسيا والنظام الذي لطالما تمسك بأن تكون له السيطرة الكاملة على الطريق الذي تسيطر قواته بالفعل على معظمه، بينما تسيطر القوات التركية والفصائل الموالية لها على قطاع صغير منه.

وبحسب مذكرة التفاهم التركية الروسية بشأن وقف إطلاق النار في إدلب التي وقعت في موسكو في 5 مارس (آذار)، بعد أحداث في إدلب أواخر فبراير (شباط) من العام ذاته وقتل فيها أكثر من 30 جنديا تركيا في هجوم لقوات النظام، تعهدت أنقرة بفصل ما يعرف بفصائل المعارضة المعتدلة عن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وإخراج الأخيرة من إدلب، مع فتح طريق «إم 4» وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة على جانبي الطريق بعمق 6 كيلومترات شمالا وجنوبا.

وسيرت القوات التركية والروسية بالفعل العديد من الدوريات على الطريق عقب تفاهم موسكو، لكنها توقفت منذ أغسطس (آب) 2020 بسبب الهجمات المتكررة التي استهدفت العناصر الروسية المشاركة بالدوريات، وتحميل موسكو تركيا المسؤولية عن عدم إخراج المجموعات الإرهابية والمتشددة بأسلحتها من إدلب وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام.

وكشفت التقارير عن أن مسؤولين من الجيش والمخابرات التركية، أبلغوا الفصائل بالاستعداد لتشغيل الطريق، وأن تركيا تريد، أولا، عدم تسليم الطريق بالكامل قبل اختبار فاعلية آلية التعاون الثلاثي، على أن يتم تسليمه للنظام وسحب النقاط التركية منه بعد التأكد من أنه لن تقع اشتباكات ومعارك جديدة على الطريق تتسبب في موجة نزوح جديدة باتجاه أراضيها، وهو ما سيفاقم من مشكلة اللاجئين التي تعد بندا أساسيا في المحادثات مع النظام وروسيا.

وأفادت تقارير بعقد اجتماعين، الأسبوع الماضي، بين مسؤولين أتراك وقيادات في «هيئة تحرير الشام»، تناولت حماية وتأمين نقاط المراقبة التركية على الطريق وعدم الاقتراب منها، (كما حدث مؤخراً في اقتحام متظاهرين بعض تلك النقاط احتجاجا على التقارب مع النظام)، كما أكدت على عدم القيام بأي أعمال تؤدي إلى إفشال خطة فتح الطريق في حال الاتفاق مع دمشق وموسكو.

وأضافت أن تركيا طرحت خطة لتشغيل طريق «إم 4» وفتح طريق الترانزيت عبر سوريا، من خلال إعادة تشغيل معبر باب الهوى الخاضع لسيطرة الهيئة، والذي يطالب النظام بالسيادة عليه والإشراف على تشغيله.

وربطت مصادر بين هذه التحركات، والتصعيد الأخير للهجمات من جانب تحرير الشام على مواقع النظام في محاور التماس في إدلب، حيث تحاول «الهيئة» أن تفرض وجودها عبر الحوار مع تركيا، في الوقت الذي تتبنى فيه موسكو موقفا متشددا وضاغطا على أنقرة لعزلها عن باقي الفصائل لا سيما أنها مدرجة على قائمة الإرهاب في تركيا.

– أهمية طريق «إم 4»

يعد فتح هذا الطريق أمرا مهما لمختلف الأطراف بما في ذلك إيران، إذ يربط هذا الطريق الساحل بحلب أكبر المدن السورية، وبالمحافظات الواقعة شمال وشمال شرقي سوريا.

ويربط هذا الطريق بين طريق دمشق – حلب (إم 5) والطريق الساحلي «إم 1»، الرابط بين مدن ومحافظات الساحل السوري الذي يمر بمحاذاة قاعدة حميميم العسكرية الروسية في ريف اللاذقية. وبالتالي فإن طريق «إم 4» يعد خط إمداد بين حلب واللاذقية لقوات النظام والقوات الروسية. ويلتقي الطريقان جنوبي اللاذقية، على مسافة 10 كيلومترات شمال القاعدة الروسية، ويتوجه بعدها نحو الشرق باتجاه ريف إدلب، ويمر بين ناحيتي سلمى وربيعة في ريف اللاذقية، ويدخل ريف إدلب بالقرب من بلدة بداما، ثم يدخل أولى المدن الاستراتيجية على الطريق، وهي جسر الشغور، ليصل بعد قرابة 25 كيلومتراً إلى مدينة أريحا شرقاً، وبعدها يتجه إلى سراقب على بعد نحو 20 كيلومتراً من مدينة أريحا، ليلتقي قبل الانطلاق نحو حلب بالطريق الدولي حلب – دمشق (إم 5).

وتسيطر فصائل المعارضة السورية حاليا على نحو 124 كيلومترا من الطريق، في القطاع الممتد بين بلدتي بداما والنيرب، مرورا بمدينة أريحا وجسر الشغور. وتدور المعارك في ريف إدلب الجنوبي حول الطريق، وفي حال سيطرة قوات النظام عليه، فإن خطوط الإمداد بين حلب والساحل تكون قد فتحت أمام النظام بشكل كلي، ولا حاجة للالتفاف في الطرق الفرعية أو سلوك طرق أخرى أكثر تكلفة ووقتا.

على صعيد آخر، استمر، الأحد، التصعيد المتبادل بين قوات النظام والقوات التركية والفصائل الموالية لها في محاور التماس في حلب. وقصفت قوات النظام المتمركزة في «قبتان الجبل» بقذائف المدفعية الثقيلة محيط مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، طال القصف محيط القاعدة العسكرية التركية المتواجدة في قرية دير سمعان القريبة من مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، بالتزامن مع تحليق طيران الاستطلاع الروسي في أجواء المنطقة. وفي الوقت ذاته، قصفت قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة قرى بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي ضمن منطقة خفض التصعيد في إدلب. كما قصفت مواقع في سهل الغاب بالريف الحموي، ومحاور في ريف اللاذقية، وقرى غرب حلب.

واندلعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة، بعد منتصف ليل السبت – الأحد، بين فصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، من جهة، وقوات النظام، من جهة أخرى، إثر محاولة تسلل للأخيرة على مواقع الفصائل على محور مدينة تادف بريف الباب شرقي حلب، وذلك لليوم الثاني على التوالي.

على صعيد آخر، ذكر المرصد أن فصيل «السلطان مراد» المنضوي ضمن صفوف «الجيش الوطني» الموالي لأنقرة، استولى على مدرسة قرية السفح جنوب رأس العين ضمن منطقة «نبع السلام» الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية، وحولها إلى قاعدة عسكرية.

وأضاف المرصد أن عناصر الفصيل رفضت تسليم المدرسة إلى أبناء البلدة لإكمال تعليم أبنائهم فيها، حيث اضطر التلاميذ لتلقي دروسهم في غرف صغيرة الحجم لا تكفي عددهم، ما دفعهم لمتابعة تعليمهم في مقر الإرشادية الزراعية غير المخصصة للتعليم ولا تتوافر فيها الأدوات اللازمة.

المصدر:  الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى