تؤكد منظمات حقوقية محلية ودولية في بيروت، أن وضع النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان، هو الأكثر سوءا وترديا، في ظل تفاقم معاناتهم الإنسانية، وعدم قدرتهم على العودة إلى المخيمات التي نزحوا منها بعد العام 2012 نتيجة الحرب التي شهدتها سوريا.
وتقدر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» أعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان بحوالي 28 ألف لاجئ، بعد أن تمكن عدد منهم من الهجرة بطرق مختلفة إلى الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية.
ووفق تقارير «الأونروا» يتوزع النازحون الفلسطينيون من سوريا إلى لبنان على المناطق اللبنانية الخمس داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية والمدن اللبنانية، بنسبة 49.83 في المئة داخل المخيمات و50.17 في المئة خارجها. وأشارت التقارير إلى أن النسبة الأكبر من العائلات لجأت إلى صيدا 32.07 في المئة ثم البقاع 16.20 في المئة وبيروت 18.96 في المئة وصور 17.23 في المئة وأخيرا طرابلس شمال لبنان 15.53 في المئة. ويعيش 9.2 في المئة من النازحين الفلسطينيين من سوريا في فقر مدقع، ولا يتمكن عدد منهم من تأمين الحاجات الغذائية الأساسية، فـي حين أن 89.1 في المئة منهم فقراء.
كما تشير تقارير «الأونروا» إلى أن معدل البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا تجاوز 52.5 في المئة.
وتتعامل الحكومة اللبنانية مع الفلسطينيين النازحين من سوريا كرعايا وضيوف، وليس كلاجئين بسبب الظروف القسرية التي دفعتهم للجوء، ما يعني وجوب استيفاء شروط دخول كالأجانب إلى لبنان.
إلى جانب عذابات اللجوء والمعاناة القاسية التي تدفع النازحين الفلسطينيين لمغادرة لبنان، أكدت المنظمات والمؤسسات الحقوقية أن النازحين تعرضوا لحملة واسعة لدفعهم لمغادرة لبنان والعودة إلى مخيماتهم في سوريا.
وفي وقت لم تسجّل أي عملية إعادة للاجئين فلسطينيين مهجّرين من سوريا، إلّا أنّ مخاوف كثيرة رافقت الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادتهم إلى مخيماتهم في سوريا، لا سيما أنّ مئات العائلات لديها موانع للعودة تتراوح بين أمنية ومعيشية.
وكان استبيان أجرته «رابطة الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان» قد كشف أنّ 538 عائلة فلسطينية من سوريا، موجودة في لبنان لا تستطيع العودة إلى سوريا لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية مختلفة.
وبين الاستبيان، أن من بين تلك العائلات 350 أسرة لديها فرد أو قريب مغيّب قسرياً في سجون النظام السوري، بينما تتلخص موانع العودة لدى 188 عائلة بمخاطر السوق للخدمة العسكريّة الإلزاميّة التي يُجبر اللاجئون الفلسطينيون على أدائها ويزجّ بهم في مناطق الاشتباكات.
فالدمار الهائل الذي تعرضت له منازلهم والقلق الذي يسيطر عليهم من إمكانية تعرضهم للاعتقال في حال عودتهم يجعل النازح الفلسطيني يعيش بين مطرقة قسوة اللجوء والفقر والحرمان في لبنان، وسندان الخوف والقلق من صعوبة الحياة في سوريا لظروف ربما تكون أكثر قسوة مما يتعرضون له في لبنان.
وعبّرت منظمة «هيومن رايتس واتش» عن مخاوفها من عملية الإعادة من دون تنسيق مع المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين، والتأكّد من أنّ العودة طوعية بدون ضغوط.
يقول نازح فلسطيني في مدينة صيدا لـ«القدس العربي» لقد «عشت في مخيم اليرموك بريف دمشق سنوات طويلة، لكني اليوم لا أستطيع العودة رغم توقف القتال، فبيتي مدمر كما دمرت أحياء بكاملها، إلى جانب أن الحياة في سوريا أصبحت صعبة، فلا كهرباء ولا ماء ولا مازوت ولا مواد غذائية، ولا خدمات ولا عمل إلى جانب الخوف من الوضع الأمني».
وقال نازح آخر في حارة الناعمة جنوب بيروت، «لا أستطيع العودة قبل استتباب الأمن، وعودة الاستقرار، والخوف أن توجه لنا الاتهامات ونتوقف في السجون لسنوات لتوجه لنا الأسئلة».
أمل الهجرة
حياة ضاغطة أيضا في لبنان أمام الانهيار المعيشي والمالي الذي تتعرض له البلاد، لكن برأي البعض «تبقى الحياة في لبنان أفضل ألف مرة من سوريا، على أمل الهجرة إلى أي دولة في العالم أو العود إلى بلادنا فلسطين».
وحول حياة فلسطينيي سوريا بلبنان، أكد أنها أشد قسوة، ومن لديه مهنة استطاع العمل؛ ولكن بأجور زهيدة جدًّا، أما الباقون فيعتمدون على المساعدات التي تقدمها المؤسسات المختلفة.
وأوضح أن العمل بحد ذاته لا يكفي، بسبب الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، وتدني الأجور، فالكثيرون يعتمدون على المساعدات التي تقدمها وكالة «الأونروا».
وأشار إلى أن مساعدات «الأونروا» تتقلص دومًا، فكان الفلسطيني السوري يتلقى 100 دولار بدل إيجار السكن أصبحت 50 دولارا رغم ارتفاع إيجار المنازل، وكان يتلقى كذلك 27 دولارا شهريا لكل فرد، أصبحت الآن 25 دولارا كل شهرين.
وعن أفق العودة من لبنان إلى سوريا، أكد أنها ليست أمرًا سهلًا، فالمخيمات هناك ما زالت مدمرة، ولا حياة فيها، إضافة لتدهور الأوضاع المعيشية وفقدان أسس الحياة ومقوماتها.
ورفضت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في لبنان، إعادة أي فلسطيني سوري مهُجر في لبنان قسرياً إلى سوريا بموجب قرار المجلس الأعلى للدفاع في لبنان والمتعلق بترحيل اللاجئين الذين دخلوا إلى البلاد بطريقة غير شرعية بعد 24 نيسان/أبريل 2019.
ودعت الوكالة إلى الالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية، وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأكدت على حق اللاجئين في اتخاذ قرارات بالعودة الطوعية أو عدمها.
وكان المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني كشف خلال اجتماعه مع ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أن أكثر من 90 في المئة من لاجئي فلسطين في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن 10 سنوات من الصراع في سوريا أدى إلى تدهور الاقتصاد في البلد ما أثر بشكل كبير على أوضاع الفلسطينيين وقوتهم الشرائية، وبالتالي فإن العودة القسرية للنازحين ستزيد من عذاباتهم ومعاناتهم.
وكانت السفارة الفلسطينية في بيروت أعلنت في وقت سابق أنها ستقدم منحة مالية للعائلات الفلسطينية في لبنان لتسهيل عودتها إلى سوريا، وقال أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية فـي لبنان أبو إياد الشعلان إنه سيتم صرف مكرمة مالية من الرئيس محمود عباس مقدارها ألف دولار أمريكي لتسهيل عملية العودة إلى المخيمات الفلسطينية في سوريا. وأكد الشعلان على أنه لا يوجد أي توجه لاعادة النازحين الفلسطينيين قسريا إلى مخيماتهم التي وصفها بـ«المنكوبة» وأن الجهود تتركز في الوقت الراهن علـى إيجاد تسويات لملفاتهم مـع السلطات اللبنانية.
وفي إطار موقفها الحازم حول رفض العودة القسرية للاجئين والنازحين، تشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن إجراءات اللجوء هي الآلية الأساسية لضمان عدم إعادة الأشخاص إلى أوضاع يمكن أن يواجهوا فيها خطر الاضطهاد أو أي ضرر لا يمكن إصلاحه، فقد تكون هناك مخاطر جديدة قد نشأت، بما في ذلك في بلد الأصل ولذلك من المهم أن تتضمن عملية العودة تدابير لضمان احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.
المصدر: القدس العربي