تركيا تقترب من إتمام صفقة شراء طائرات أف – 16 || وتراوح في التطبيع مع نظام الأسد

منهل باريش

تمضي أنقرة قدماً بحلحلة العقد مع واشنطن، أو على الأقل، بما يخص صفقة طائرات أف-16 وإعادة تعمير أسطولها الجوي من الطائرة ذاتها. وتحاول الإدارة الأمريكية التقليل من تسييس الصفقة المرتقبة واشتراط إنجازها بموافقة نهائية من قبل تركيا لدخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو».

وشدد الناطق باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، على أن إدارته «تواصل دعم تسليم مقاتلات إف-16 لتركيا مع الإقرار بمخاوف الكونغرس». وحول المسألة وصف السفير الأمريكي في أنقرة جيفري فليك أن عملية بيع طائرات «إف-16» لتركيا بانه «غير مرتبط بمسيرة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)».

هذا في العلن، أما في السر فإن «موافقة الكونغرس على البيع تتوقف على موافقة تركيا لانضمام هيلسنكي وستوكهولم لـ(الناتو)» كما صرح مسؤولون في الإدارة الأمريكية لوكالات الأنباء.

وفي الغضون، ناقش وزيرا الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والتركي مولود جاووش أوغلو، جوانب الأزمة السورية كافة، مؤكدين على التزام الطرفين بعملية سياسية في سوريا، وجاء ذلك خلال اجتماع الآلية الاستراتيجية بين أمريكا وتركيا.

وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية الخميس، بيانًا أشار إلى أن الوزيرين رحّبا بـ «تصويت مجلس الأمن الدولي لتمديد تسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وفق القرار 2672 الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي في 9 كانون الثاني (يناير) الجاري». وأكد البيان أن الاجتماع «ناقش كافة الجوانب المرتبطة بالأزمة السورية، والتزام كل من الولايات المتحدة وتركيا بعملية سياسية يقودها السوريون وفق قرار مجلس الأمن 2254».

وأصدر الوزيران عقب اللقاء بيانا مشتركا قالا فيه أن الاجتماع «ناقش تعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين، بما يشمل تحديث أسطول أف-16التركي، والتزامهما بتوسيع حلف شمال الأطلسي».

وأشار الوزير التركي في مؤتمر صحافي عقب اللقاء المشترك إلى عدم التزام أمريكا ببعض وعودها مع تركيا بما يخص الملف السوري، وأشار إلى أن تركيا مستعدة للتعاون مع أمريكا من أجل ما وصفه بـ «إعادة التركيز على سوريا، إلا أن واشنطن لم تفِ ببعض وعودها، وبشكل خاص خريطة طريق منبج».

وفيما يبدو من تصريح الوزير التركي فإن الملف السوري لم يكن على رأس قائمة المباحثات بين الطرفين، على حساب ملفات أخرى من أبرزها طلب تركيا شراء المقاتلات الأمريكية ومفاوضات انضمام كل من فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي «الناتو» وهو ما تعارضه أنقرة التي تطالب السويد ببذل جهود أكبر في محاربة التنظيمات الكردية التي تصنفها تركيا مهددة لأمنها القومي.

وفي سياقٍ متصل، قالت وزارة الدفاع التركية، الخميس، أن وفدها مستمر في «المشاورات مع نظيره الأمريكي» فيما يخص شراء مقاتلات أف-35 وأشار البيان إلى أن المرحلة التالية من المشاورات ستعقد في ربيع 2023 في أنقرة.

الجدير بالذكر، أن تصريحات الوزيرين وما صدر من بيانات حول اللقاء لم تتناول موضوع التقارب التركي مع نظام الأسد برعاية روسية، إلا ان السفير الأمريكي في أنقرة جيفري فليك، أكد في مؤتمر صحافي على معارضة واشنطن التطبيع وبناء العلاقات مع نظام الأسد. مضيفا: «نتواصل مع نظرائنا الأتراك بخصوص الأوضاع الأمنية في شمال شرق سوريا، ونبحث دائما عن سبل العمل مع حلفائنا الأتراك».

وبالتزامن مع اللقاء التركي- الأمريكي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف من موسكو خلال المؤتمر الصحافي السنوي الموجز لرؤية روسيا لمجريات 2022 أن بلاده تعمل على رعاية عقد لقاء يجمع وزير الخارجية التركي ووزير خارجية نظام الأسد، وأشار لافروف إلى طلب أنقرة من موسكو المساعدة في التطبيع مع نظام الأسد. وأضاف أن بلاده «تتفهم المخاوف الأمنية التركية في شمال سوريا» متهما واشنطن بتأجيج الأوضاع في المنطقة، واستخدامها للأكراد لـ «إنشاء كيانات انفصالية».

وذكر لافروف أن الولايات المتحدة اقتنعت بضرورة التعامل مع «السلطات الشرعية في بلدان مثل سوريا» وكشف عما وصفها بـ «اتصالات واشنطن خلف الأبواب المغلقة مع نظام الأسد».

من جهة أخرى لم تكن ايران بعيدة عن التطورات الأخيرة المرتبطة بسوريا، فقد زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أنقرة الثلاثاء بعد زيارته لدمشق الأحد، وتأتي زيارة عبد اللهيان لأنقرة قبل زيارة قريبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ورحب الوزير الإيراني بما وصفها بـ «خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق» فيما أشار تصريح نظيره التركي مولود جاووش أوغلو إلى أن أنقرة «لن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها الجنوبية». وفي محاولة تخفيف الامتعاض ايران من استثنائها من مسار التطبيع بين الأسد واردوغان قال إن التنسيق «مستمر في إطار أستانة، وأن أنقرة لديها رغبة في تفعيل مسار الحل السياسي».

وأشار أوغلو إلى أن كل من الولايات المتحدة وروسيا لم «تلتزما بتعهداتهما بموجب تفاهمات 2019 لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدود تركيا» مضيفاً «أن تركيا لديها الحق للقيام بما يلزم، ولن تسمح بقيام دولة إرهابية على حدودها الجنوبية».

وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن زيارة رئيسي إلى أنقرة تأجلت بعد أن كانت مقررة في وقت سابق، وجاء التأجيل لأسباب مرتبطة بجدول أعمال رئيسي الذي قد يزور دمشق، ما يدلل على رغبة طهران في المشاركة برعاية وممارسة دور الوساطة لتقارب تركي مع نظام الأسد.

وفي سياقٍ متصل، وفي محاولة التناغم مع شروط النظام السوري حول انسحاب تركيا العسكري من شمال سوريا قبل البدء بأي تطبيع، قال المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عمر شيليك: «أن تركيا ليست بلد احتلال في سوريا» مؤكدا على «احترام أنقرة الدائم لوحدة وسلامة سوريا» وجاءت تصريحات شيليك مطلع الأسبوع الماضي ردا على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد اشترط فيها انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بسقوط عدة قذائف في محيط القاعدة التركية المجاورة للمشفى الوطني في مدينة اعزاز والأطراف الجنوبية من المدينة، مصدرها مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وقوات النظام السوري بريف حلب الشمالي، وأسفر القصف عن إصابة ستة عناصر من الشرطة المدنية بجروح. وردت المدفعية التركية بقصف استهدف مقرات «قسد» في قرى وبلدات أبين ومرعناز والمالكية والشوارغة التابعة لناحية شران بريف عفرين الشرقي.

واستهدفت مسيرة تركية الخميس، الفائت حاجزا أمنيا لـ «قسد» على المدخل الجنوبي لمدينة الرميلان في محافظة الحسكة، كما طال القصف التركي الأربعاء مواقع عدة لـ «قسد» في محيط عين عيسى وصيدا والمعلق بريف محافظة الرقة، وفي اليوم ذاته قصفت مسيرة تركية سيارة عسكرية تابعة لـ «قسد» بالقرب من قرية معشوق على الطريق الواصل بين بلدتي الجوادية- القحطانية بريف الحسكة، وسبق ذلك استهداف المسيرات التركية ليل الإثنين لعربة عسكرية تابعة لـ «قسد» في محيط قرية تل موزان في الحسكة.

وتأتي هذه التطورات مع تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، ترجح بدء العملية التركية في شمال شرق سوريا في شباط (فبراير) المقبل، متوقعا أن العملية سوف تستهدف مدينة عين العرب «كوباني» على الرغم من معارضة التحالف الدولي.

كما استبعد عبدي نجاح الوساطة الروسية في تمكين تقارب تركي مع النظام السوري، مرجعاً سبب ذلك بتمسك النظام بشرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وبنفس الوقت عجزه عن الاستجابة لمطالب تركيا بالتعاون في محاربة قوات سوريا الديمقراطية «قسد».

يبدو أن التطبيع بين أنقرة ودمشق ما زال غير ممكن بسبب تشدد النظام السوري في مسألة جدولة انسحاب الجيش التركي من شمال سوريا أو على الأقل تحقيق اختراق ما في هذا الملف يجعل الأسد يوافق على مسايرة روسيا في ضغوطها، وبالتأكيد فإن ربط التطبيع بمسار أستانة وإعطاء دور أكبر لإيران غير كاف أيضاً. ويرجح ذلك أن تلجأ موسكو إلى الإصرار على تطبيق اتفاق موسكو بخصوص إدلب والذي ينص على انسحاب قوات المعارضة إلى شمال طريق حلب اللاذقية/M4 وإنشاء ممر أمني على جانبي الطريق بعمق 6 كم.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى