انعكاسات شحّ مصادر الطاقة على الأنماط المعيشية والاجتماعية في سورية || مناطق سيطرة النظام

د. طلال مصطفى * أ. وجيه حداد

فريق العمل

 د. طلال مصطفى :  باحث في قسم الدراسات في المركز دكتوراه في الدراسات الفلسفية والاجتماعية. أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق، له العديد من الكتب والدراسات العلمية المنشورة في المجالات السورية والعربية المحكمة.

أ. وجيه حداد:  باحث سوري ، متعاون مع المركز

فريق البحث الميداني في مركز حرمون للدراسات المعاصرة

شكر: يتقدّم مركز حرمون للدراسات المعاصرة بالشكر الجزيل إلى أفراد عيّنة الدراسة الذين تجاوبوا مع فريق

البحث الميداني، وأعطوا الوقت الكافي لإجراء المقابلات الميدانية.

 

خلاصة تنفيذية:

 باتت سورية اليوم مقسّمة إلى أربع مناطق سيطرة، تقوم في كل منها حكومة غير شرعية: منطقة سيطرة النظام المدعوم من روسيا وإيران؛ ومنطقة سيطرة قوات PYD الكردية في شمال شرق سورية، المدعومة من أميركا؛ ومنطقة سيطرة هيئة تحرير الشام “النصرة سابقًا”، المصنّفة كمنظمة إرهابية؛ ومنطقة سيطرة فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا. وبات السوريون يعانون تداعيات الحرب على حياتهم وحياة أسرهم ومجتمعهم. وقد شكل تناقص مصادر الطاقة وندرتها في مناطق سيطرة النظام أبرز سمةٍ من سمات زمن الحرب وتداعياتها على السوريين وأسرهم ومجتمعهم في هذه المنطقة، حيث تعاني مناطق سيطرة النظام شحّ مصادر الطاقة أكثر مما تعانيه المناطق الثلاث الأخرى، التي يتوفر لها إما إنتاج محلي كاف مثل منطقة سيطرة PYD، أو استيراد من تركيا أو من منطقة سيطرة PYD، في حين تزوّد إيران حكومة النظام بمليون برميل نفط شهريًا، وهي كمية لا تسدّ سوى جزءٍ من احتياج الطاقة.

ومع ازدياد النقص وشدة التقنين وتراجع حصص الأفراد والعائلات من الطاقة الكافية لأداء الوظائف الضرورية للحياة؛ ظهرت تحولات تدريجية في أنماط الحياة الاجتماعية، أملتها ظروف التكيف القسري مع الواقع الجديد. وقد تناولنا في هذه الدراسة الميدانية، التي اعتمدت على 200 مقابلة ميدانية، واقع ندرة الطاقة وأثرها في السوريين ومجتمعهم في مناطق سيطرة النظام، وأخذنا منطقتي دمشق وحماة نموذجًا. وتصاعدت أزمات الطاقة بوضوح منذ عام 2012، لعجز النظام عن تأمين الكفاية، لأسباب عسكرية واقتصادية، وترافقت الأزمات مع تقنين حاد وانخفاض في كميات حصص الطاقة التي يمنحها النظام للأفراد والمؤسسات، وبدأ السوريون يخوضون حروبًا يومية لتأمين احتياجاتهم منها. وأُجبرت الشرائح الأضعف اجتماعيًا على تقليص استهلاكها للمشتقات النفطية، لغلاء أسعارها الرسمية وغير الرسمية، ولعدم توفر الكميات اللازمة، وبالنظر إلى تحكّم الحكومة السورية في آليات التوزيع، فإن أشكال التقنين يمكن تصنيفها ضمن ثلاث آليات رئيسية، هي: تخفيض الكميات والحصص الممنوحة للأفراد والمؤسسات، والتحكّم في آليات التوزيع ومواعيده، وارتفاع الأسعار الرسمي وغير الرسمي للمشتقات النفطية نتيجة هذا التحكم.

أظهرت الاستبانة الميدانية التي أجراها فريق البحث أن 3،5% فقط من أفراد العينة حصلوا على القدر الكافي من مصادر الطاقة، مقابل 96.5% أكدوا عدم حصولهم على حاجتهم الضرورية منها، وقال 37،5 % من هؤلاء إن “البطاقة الذكية” التي تحدد المخصصات الرسمية (المقننة) هي مصدرهم الرئيسي، علمًا أن البطاقة الذكية لا تغطي أكثر من 10% من الاحتياجات المطلوبة للعائلة، وشكلت البطاريات البديل الأعلى استهلاكًا، بنسبة 56،5%، تلتها نسبة 20% قالوا إنهم يرممون النقص من السوق السوداء، و19% أكدوا عدم وجود بدائل لديهم لتعويض نقص الطاقة، بسبب عدم قدرتهم على تحمّل تكاليفها، وشكلت ألواح الطاقة الشمسية بديلًا لـ 9،5% من أفراد العيّنة، يليها الحطب بنسبة 8،5%، (وبابور الكاز) بنسبة 4،5%، وأخيرًا مولدة الكهرباء بنسبة 1،5%.

وبالنظر إلى أن 17% من العينة أكدوا كفاية مدخولاتهم المادية للعيش، ومن ضمنها القدرة على تحمّل تكاليف مصادر الطاقة، فإن ارتفاع نسبة الذين أكدوا عدم كفاية مصادر الطاقة في العينة ذاتها إلى 96،5% يشير إلى تجاوز المسألة بعدها الاقتصادي -على الرغم من أهميته- إلى مسألتي تأثير ندرتها في أنماط العيش والقيم المجتمعية في سورية، وبخاصة في مناطق النظام.

انعكس التراجع المستمر في نصيب الفرد من مصادر الطاقة، وارتفاع مستويات التقنين، على مجمل الأنشطة المعيشية للأسر والأفراد السوريين، بسبب الدور الفاعل والمركزي للطاقة في الحياة اليومية، حيث برزت نماذج اجتماعية جديدة وغير مألوفة في أنماط السلوك الشخصي، وأنماط التغذية والتعليم والعناية بالمظهر والاستحمام وأنماط التنقل، والعلاقات الاجتماعية في العائلة الواحدة ومع الأقرباء والجيران.

وأظهرت الاستبانة الميدانية أن 52% من أفراد العينة يكاد نظامهم الغذائي يخلو من اللحوم والبروتينات الحيوانية والفاكهة والحلويات، ويصنفون نظامهم الغذائي ضمن المستوى المنخفض، ورأى 32% أن نظامهم الغذائي يقع ضمن التصنيف المتوسط، لاحتوائه على اللحوم والفاكهة والبروتين الحيواني بكميات أقل من المطلوب، فيما اعتبر 16 % أنهم يتناولون نظامًا غذائيًا جيدًا.

وتبين هذه النسب أن نحو 15 % فقط من السوريين في مناطق سيطرة النظام هم طبقة مكتفية أو ميسورة، وأن ثلث السوريين يعيشون في فقر، وأن نحو %50 يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون على تحويلات أقربائهم في الخارج أو على المساعدات الإغاثية الواردة عن طريق الأمم المتحدة، التي بيّنت تقارير عدة أن النظام يتلاعب فيها.

اضطر السوريون، بفعل نقص الغاز المنزلي وغلائه وندرة الكهرباء، كوسيلتي طهو شائعتين، إلى تغيير كثير من عاداتهم الغذائية، بدءًا من تبديل مواعيد الطعام ونوعيته وطرائق طهوه وكميته لارتباط حفظه وتخزينه بالتبريد، وقد تغيّرت من جرّاء ذلك العادات الاستهلاكية، إذ أصبح من غير الممكن استخدام الثلاجات في غياب الكهرباء، فأصبحت الأُسَر عمومًا تشتري الأطعمة ليوم واحد، أو المنتجات التي يمكن حفظها لبضعة أيام خارج الثلاجة، كذلك شملت المتغيرات نوع الطعام وكميته وطريقة طهوه وطريقة تخزينه، وأوقات تناوله وعدد الوجبات اليومية التي قُلّصت لدى البعض إلى وجبتين أو وجبة يومية، وطالت تلك المتغيرات القسرية معظم الشرائح الاجتماعية، مع فروق طفيفة تبعًا للحالة الاقتصادية أو الوجود المكاني في المدينة أو الريف الذي امتاز بإمكانية استخدام الحطب مصدرًا للطاقة في طهو الطعام.

وأظهرت الاستبانة أن 57% من السوريين باتوا يتناولون أقل من ثلاث وجبات يوميًا، إذ يتناول 29% منهم وجبتين يوميًا، و6% يتناولون وجبة واحدة فقط يوميًا، و14% راوح نظامهم بين الوجبتين والثلاث، و8% راوح نظامهم بين الوجبة الواحدة والوجبتين.

 امتدت تأثيرات التقنين ونقص مصادر الطاقة إلى الأنماط السلوكية الشخصية التي يرتبط أداؤها بوجود الطاقة، فلم يعد الاستحمام متاحًا إلا ضمن أوقات محددة وضمن وتائر زمنية يمليها وجود مصادر الطاقة لتسخين المياه، وبات من المتعذر التأخر أو السهر خارج المنزل، لارتباط أزمنة العودة بوجود المواصلات المتاحة، وفرض الانقطاع الطويل للكهرباء مواعيد جديدة وغير مستقرة في العموم للنوم والاستيقاظ، وبخاصة في ظروف البرد الشديد والاضطرار شبه الدائم إلى الجلوس تحت اللحاف، كمصدر تدفئة وحيد، وأيضًا في الحر الشديد لصعوبة النوم بلا مراوح أو تكييف في أشهر الصيف، ويمكن تلخيص أبرز التغيرات السلوكية ضمن الشكل الآتي:

 انعكس قطع الكهرباء على أزمنة الدراسة اليومية للطلبة، وعلى أداء الواجبات المنزلية الخاصة بهم، بسبب غياب الإضاءة، أو ضعف الإضاءة البديلة (الليدات) وعدم كفايتها للرؤية الجيدة، وافتقدوا في معظم الأيام كأس الشاي الصباحي الدافئ قبل انطلاقهم إلى المدرسة. وقد أكد 12% من العينة تراجع عدد ساعات التعليم ومستواه، بسبب نقص مصادر الطاقة.

 لجأ السوريون ضمن ظروف معيشية صعبة، في ظل شح مصادر الطاقة، إلى أساليب تعويضية وبدائل قسرية، لتأمين مستلزماتهم الضرورية للبقاء على قيد الحياة، فاستخدموا كل ما يمكن حرقه للتدفئة من البلاستيك والأوراق والكرتون والكتب وحتى العودة إلى استعمال روث الحيوانات كمصدر للطاقة والتدفئة، فيما استغنى كثيرون عن استخدام الثلاجة (التفريز) لحفظ الخضار والفواكه كمؤونة للشتاء، وعادوا إلى أساليب الجدات في حفظها وتجفيفها في الشمس، فجففوا الفول والبازلاء والبامية والفاصولياء والبندورة والملوخية، وغيرها.

أكد 56% من أفراد العينة استخدامهم البطاريات، واحتل شحن الموبايل الدرجة الثانية لضرورة الاتصال الدائم مع أفراد العائلة البعيدين أو الخارجين من المنزل، ومن ضمنهم الأطفال في أثناء الذهاب والعودة، كما انخفض استخدام المولدات الخاصة إلى 1,5% لصعوبة تأمين المازوت والبنزين، وذلك بالتوازي مع ظهور الأمبيرات وأنظمة الطاقة البديلة التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة استخدامها[1]، لدى الشرائح القادرة على تحمل تكاليفها، ووصل الاعتماد عليها إلى 9،5% من أفراد العينة، علمًا أن بعض مستخدميها يكتفون بتركيب لوح واحد لتغذية الإنارة، وأجهزة الشحن.

وكان 19% من أفراد العينة أكدوا عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف البدائل، واقتصارهم على مصادر الطاقة المقدمة من مؤسسات الحكومة، وهي غير كافية على الإطلاق، بسبب خضوعها لنظام التقنين الشديد وبسبب الفساد الواسع في إدارتها.

 أفضى هذا النقص الشديد في مصادر الطاقة إلى آليات تكيف قسرية تجلت في الشكل الآتي:

أسهم شح الطاقة وارتفاع أسعارها في خروج مزيد من المهنيين والحرفيين من سورية، أو من سوق العمل المهني بسبب غياب الجدوى الاقتصادية، وعدم قدرتهم على إنجاز أعمالهم وإصلاحاتهم في غياب مصادر الطاقة، وكان لنقص عددهم واشتداد أزمات الطاقة تبعات اجتماعية، تتعلق بصعوبة الحصول على الخدمات المهنية المرتبطة بالواقع المعيشي، ومن أهمها خدمات الإصلاح والصيانة للقطع الكهربائية الرئيسية كالبراد والغسالة والمكيف والقطع الإلكترونية والبطاريات والشواحن والحواسب المحمولة، والأعطال المتعلقة بشبكة الكهرباء المنزلية وشبكة المياه والصرف الصحي، وخدمات الصيانة المنزلية كمضخات المياه، ومع نقص عدد المهنيين، باتت عمليات الإصلاح والصيانة تتطلب مزيدًا من الوقت والمال مما شكل أعباء إضافية على العائلات السورية.

وأكد 52% أن هناك ترابطًا بين تراجع الأعمال المهنية وصعوبة المواصلات والتنقل، فيما رأى 2% من العينة أنه لا يوجد تداعيات لشح الطاقة على المهن، وأجاب 1،5% بأنهم لا يعرفون شيئًا عن الموضوع.

 كرّس شحّ الطاقة مع الفقر الشديد أحوالًا معيشيةً صعبةً، عززت بدورها مناخات من ارتفاع الشعور بالضيق والقلق والتوتر وانعدام الأمان، وأسهمت هذه المناخات في ارتفاع الظواهر السلبية في المجتمع السوري، مثل ارتفاع معدلات الانتحار والجرائم العنيفة والجريمة العائلية وانتشار السرقات، وتفشي المخدرات والإدمان، وارتفاع نسب الطلاق والعنوسة، وزيادة البطالة وانتشار عمالة الأطفال وتسربهم من التعليم.

وأظهرت الاستبانة الميدانية أن 30% من أفراد العينة عبروا عن وجود دور فاعل لانخفاض مصادر الطاقة في ارتفاع مستويات الطلاق في المجتمع، ورأى 22،5% منهم دورًا مشابهًا لارتفاع معدلات العنف الأسري بسبب انخفاض خدمات الطاقة، وربط 22،5% بين ارتفاع معدلات الدعارة والتحرش الجنسي وتداعيات شحّ مصادر الطاقة، ورأى 7،5% أن شح الطاقة من العوامل المسببة للتشرد وعمالة الأطفال، ورأى 5% أن شح الطاقة يشكل أحد مسببات زيادة تعاطي المخدرات.

شكل نقص مصادر الطاقة واحدًا من العوامل المرَضَيّةِ الرئيسيةِ في المجتمع السوري، وبالأخص عند الأطفال وكبار السن والمرضى الدائمين، فمع اشتداد البرد ترتفع الأمراض التنفسية وأمراض المفاصل والروماتيزم، ومع الحر الشديد تنتشر الأمراض التنفسية والمعوية والأوبئة، ومنها الكوليرا، إضافة إلى مواجهة العائلات المعدمة قرارات يصعب التعامل معها، مثل شراء الدواء من أجل ذويهم المرضى أو تأمين الطعام الصحي لهم.

وكشف 48% من أفراد العينة عن امتناعهم لزيارة الطبيب إلا في حالات الضرورة القصوى، واكتفائهم بشراء الدواء من الصيدلية، وفقًا للتشخيص الذاتي لأمراضهم بوساطة الإنترنت أو بحسب عوامل الخبرة، وأكد 43% منهم تزايد اعتمادهم شراء الأدوية والمسكنات من دون وصفة طبية، أو استنادًا إلى استشارة الصيدلاني، فيما أشارت نسبة 17% منهم إلى ارتفاع لجوئهم إلى التداوي بالوصفات الشعبية والأعشاب تجنبًا لمصروفات التداوي العالية.

كذلك حصل التغير في منظومة العلاقات الاجتماعية السائدة على صعيدي الشكل والمحتوى، فتهشمت في بعض أجزائها الروابط الاجتماعية والتفاعلية المباشرة، وتحوّلت في بعض أجزائها إلى أشكال جديدة، فانخفض التواصل الاجتماعي المباشر بين الأقرباء، وتراجعت نسب المشاركة في المناسبات الاجتماعية، كالأفراح والمباركات بالمواليد والنجاح وزيارة المرضى والتعازي، وقُلصت الهدايا المرتبطة بها، وتراجعت قيمتها المادية، وامتنع البعض عنها لعدم القدرة على تحمل أعبائها وتكاليفها، وتراجعت الاجتماعات الدورية للإخوة والأخوات في بيت العائلة، على خلفية شح الطاقة وصعوبة المواصلات، وظروف منزل العائلة من الإنارة والتدفئة والمراوح وغيرها، وتكاليف الزيارة، وغالبًا ما تحولت زيارة الأبناء المتزوجين لآبائهم إلى زيارات فردية وسريعة من دون الزوجة والأولاد، مع تناقص في وتيرتها المعتادة، واستعاض الأقرباء والأبناء عن التواصل الشخصي والمكاني مع ذويهم وأقربائهم بالتواصل التلفوني.

وتضاءلت إلى حد بعيد النزهات العائلية والجماعية (السيرانات) إلى الطبيعة والمنتزهات العامة في أيام العطل، وهي ظاهرة معروفة عند السوريين سابقًا، وتراجع ارتياد المطاعم تراجعًا كبيرًا.

وفي الموقف من الهجرة عبّر معظم أفراد العينة عن رغبتهم في الهجرة أو السفر خارج البلاد، بغض النظر عن الوجهة، وبغض النظر عن المصاعب والتكاليف غير المتوافرة لدى البعض، وبرزت الأسباب المعيشية المتردية وتداعيات انخفاض الطاقة وغياب خدماتها التي تجعل من الحياة في سورية شكلًا من أشكال البقاء في الجحيم عاملًا رئيسيًا وراء هجرة السوريين في السنوات الأخيرة.

غير أن أبرز المتغيرات في منظور الهجرة هو ارتفاع نسبة الإناث المهاجرات والراغبات في الهجرة الكلية، أو المؤقتة للعمل خارج البلاد، وفي هذا الإطار، يبرز المتغير الآخر وهو ازدياد موافقة الأهل وانخفاض معارضتهم لسفر بناتهم، أو حتى تشجيعهم في بعض الأحيان، في حين باتت مواقف الأهل محسومة بشكل شبه كلي لجهة سفر أبنائهم الذكور، ويسعى الآباء إلى بيع ممتلكاتهم، أو حتى الاستدانة، لتأمين نفقات السفر للشباب، بغض النظر عن الوجهة المقصودة.

وخلص البحث إلى جملة من الاستنتاجات تعبّر عن العلاقة الطردية بين الأثر الاجتماعي المتغير وتطور شدة التقنين، وخلص أيضًا إلى ارتفاع شدة تأثير النقص في مصادر الطاقة من الناحية الاجتماعية، مع درجة المستوى الاقتصادي للأفراد والعائلات بمعزل عن بيئاتها المكانية والتعليمية والعمرية والجندرية.

الكلمات المفتاحية: مصادر الطاقة، الأنماط المعيشية، الأنماط الاجتماعي

الفصل الأول: الإطار المنهجي للبحث
أولًا- موضوع البحث

خلق شحّ الطاقة والتقنين الشديد الممتد لعقد من الزمن في مناطق سيطرة النظام تغيرات كبيرة في أنماط معيشة السوريين وسبل عيشهم، وسلوكهم وعاداتهم، وقيمهم الاجتماعية، وآليات تكيفهم اليومية، من جراء انتقال شح الطاقة من واقع طارئ إلى واقع مزمن، نجم عنه “تحول كبير في الطريقة التي يعيش بها السوريون حياتهم، بفعل التدابير التي أصبحت روتينية ويومية”[2].

واستدعى الشح الشديد لمصادر الطاقة جملةً من المتغيرات القسرية، و(التكيف السلبي)[3]، تحولت إلى أنماط عامة بسبب تأثيرات غياب الطاقة في الواقعين الاجتماعي والاقتصادي، وتفاعل آليات التأثير الاقتصادي والاجتماعي المتبادل وعلاقة نصيب الفرد من الطاقة، في العموم، بنصيبه من الناتج الإجمالي المحلي [4]، وأثر ذلك في مستوى معيشته.

وخلق الضيق والتوتر النفسي الشديد الناجم من عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للفرد والأسرة، على خلفية شح الطاقة، عاملًا إضافيًا وفاعلًا، أفضى في ظروف المجتمع السوري إلى مزيد من الانحرافات والتشوهات الاجتماعية الجرمية منها، والمنبوذة اجتماعيًا، ليتحول شح الطاقة إلى فاعل اجتماعي يؤسس اضطراريًا لمجموعة من السلوكات والقيم الاجتماعية والعادات المنبثقة منها، حلت بالتدريج محل منظومة القيم الاجتماعية السابقة، ودخلت في نسيج البنية المجتمعية الجديدة كإطار يحاول التوافق مع أنماط المعيشة الراهنة.

وعلى الرغم من أهمية الجانب الاقتصادي والمالي الناجم عن شح الطاقة وارتفاع مستويات التقنين في حياة الأسر والمجتمع، فإن البحث توخى بشكل رئيسي في أهدافه الجوانب الاجتماعية، مع بقاء المعطى الاقتصادي والمالي بوصفه معطى رئيسيًا في خلفية البحث، ومن ثم يمكن تكثيف موضوع البحث بالعناوين الرئيسة الآتية:

مراحل التقنين وحجمه في كل من الكهرباء، الغاز المنزلي، البنزين، المازوت

تداعيات انخفاض الطاقة على تغير الأنماط الغذائية

تداعيات انخفاض الطاقة على أنماط السلوك الشخصي

آليات التكيف القسري مع انخفاض الطاقة

تداعيات شح الطاقة على أصحاب المهن

تداعيات شح الطاقة على الواقع المعيش المرتبط بالمهن

 دور شح مصادر الطاقة في ارتفاع مستويات بعض الظواهر الاجتماعية السلبية (السرقة، العنف المنزلي، جرائم القتل، الطلاق، التحرش والدعارة، تعاطي المخدرات)

تأثير نقص الطاقة في الصحة

تأثير شح الطاقة في العلاقات الاجتماعية (عادات الضيافة، الزيارات العائلية، السيران والولائم)

أثر فقدان الطاقة في التعليم

مصير القيم الجديدة في المستقبل

تأثير شح الطاقة في الهجرة الى الخارج

ثانيًا- أهمية البحث وأهدافه:

تحضر أهمية البحث في تتبعه أثر غياب أحد مقومات الحياة الرئيسية (الطاقة)، وتجلياتها في مجمل وجوه النشاط الاجتماعي وتحديد آثاره ومنعكساتها في حياة السوريين بعامة، وبالأخص في ظل ظروف شديدة الصعوبة تتجلى في انخفاض المدخولات وارتفاع نسب الفقر العامة، وشكّل تركيز البحث على الأبعاد والمتغيرات الاجتماعية الناجمة عن شح الطاقة، الميزة الخاصة لها، مقارنة بالدراسات السابقة، والقليلة، التي تناولت آثار فقدان الطاقة في سورية، أو ركزت على دمار قطاع الطاقة ومفعولاته الاقتصادية الكلية[5]، وعلى الرغم من أهمية الدراسات السابقة، فإنها لم تتطرق، كما في البحث الحالي، إلى تأثيرات شح الطاقة في مجريات الحياة الاجتماعية، وانعكاساتها على حياة السكان وعلى أنماط معيشتهم، ولم تلاحق التغيرات اليومية والسلوكية الناجمة عن شح الطاقة، في مستوى الأفراد والمجتمع، خلال أكثر من عقد من الزمن بعد الثورة، وستكون محور هذا البحث.

استنادًا إلى ذلك، جاءت أهداف البحث في رصد المتغيرات التي طرأت على الأنماط المعيشية اليومية الناجمة عن شح مصادر الطاقة، ورصد تداعياتها، ورصد الأنماط البديلة الناشئة ضمن محاولات التكيف المعيشي، وكذلك رصد الانحرافات والتشوهات الاجتماعية العامة الناتجة أو المتأثرة -بصورة ما- بتزايد التقنين ونقص الطاقة، ودورها في التبدلات الاجتماعية القيمية ذات الطابع السلوكي الطارئة على حياة السوريين في السنوات العشر الأخيرة.

ثالثًا- منهجية الدراسة الميدانية

اعتمد هذا البحث منهج المسح الكيفي والكمي (المختلط) من خلال نظام الاستبانة بوصفها أداة رئيسة لجمع البيانات[6]، وذلك من أجل التعرف إلى التغيرات التي طرأت على الجوانب المعيشية والاجتماعية للسوريين نتيجة شح مصادر الطاقة، ومن أجل تجاوز الإشكالات التي يعانيها البحث الكمي الذي يحصر المستجيبين للاستبانة في مجموعة من الخيارات المحددة سلفًا التي لا تعطي بدورها فهمًا معمقًا شموليًا لهذا الموضوع في سياقه الاجتماعي، لذلك اعتمد البحث المنهج الكيفي الذي يهدف في جوهره إلى إعادة الاعتبار لفهم وجهة نظر المستجيبين وفهم المعاني الخاصة التي يطرحونها عن الظاهرة قيد الدراسة في سياقها الاجتماعي، بالاستناد إلى تجاربهم الخاصة ذات العلاقة بتفاصيل حياتهم اليومية.

وتضمنت الاستبانة أسئلة مفتوحة، بغية إتاحة مجال التعبير لأفراد عينة الدراسة عن الموضوعات المدروسة بكلماتهم وتعبيراتهم الخاصة، من دون تقييدات. وجاء توظيف المنهج الكمي في بعض جوانب البحث بهدف اختبار عدد أكبر من أسئلته، ومن ثم تعميم النتائج على عينة البحث، وعليه فقد جاء استخدامنا لهذا المنهج المختلط تكامليًا لإعطاء صورة شمولية لموضوع الدراسة، من خلال تحليل موضوعات البحث الكمية ومناقشتها وتفسيرها أولًا، ومن المعطيات الكيفية التي تم استخلاصها، وذلك من أجل التوصل الى فهم أعمق لموضوعات البحث.

وبالنسبة إلى الأسئلة الكيفية، اعتمد البحث التحليل الموضوعي[7] الذي يعدّ طريقة مرنة في التعامل مع البيانات البحثية الكيفية، فتحليل المقابلات المكتوبة لا يتطلب الالتزام بأي نظرية معينة أو إطار نظري محدد، ومن ثم يمكن تطبيق التحليل الموضوعي ضمن مجموعة من الأطر النظرية عبر مقاربة السوسيولوجيا البراغماتية[8] التي تعتمد على “وصف وتحليل الطريقة التي يسم من خلالها الفاعلون في حد ذاتهم الموجودات التي تشكل محيطهم، مساهمين في إنجاز العالم الاجتماعي”[9]، وفي هذا السياق، هدف البحث إلى الدخول إلى بعض المناطق السكنية المتنوعة للسوريين، من خلال ” كلمات متساكنيها”[10] كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي (لا بيروني)، وتحديدًا من خلال كلمات أفراد عينة البحث التي أجريت المقابلات معهم، فأحياء المدن والبلدات ليست مجالًا جغرافيًا يتجاور الناس فيه، بل مكان للكلمات، فالناس يعيشون وهم يتكلمون ويتكلمون وهم يعيشون”[11]، حيث التركيز على موضوعات وأنماط معيشة وسلوكية يمكن تحديدها[12]. من خلال تدعيم النتائج بملاحظات حول الواقع المعيش من قبل الباحثين (جامعي البيانات) في الداخل السوري.

وقد جمع فريق متخصص البيانات في مناطق الدراسة (مدينة دمشق وريفها، مدينة حماة وريفها) من خلال مقابلة عينة بلغ عدد أفرادها (200) سوري وسورية، ونود أن ننبه إلى عدم وجود منهجية علمية دقيقة في اختيار مفردات العينة، كما هو متعارف عليه في منهجية اختيار العينات في البحوث الميدانية، وهذا يعود إلى الظروف الأمنية في مناطق النظام التي تحدّ من قدرة تنقل فريق جامعي البيانات في المناطق كافة، وكذلك عدم وجود إحصاءات دقيقة يمكن الاعتماد عليها في اختيار العينة، لذلك اعتمدت العينة القصدية، بحيث تمثل المجتمع الأصلي بقدر الإمكان، ولا تؤثر في صدقية النتائج إلى حد كبير، تضمنت 47% نساء و53% رجالًا، وكذلك من فئات عمرية متنوعة 29% من الفئة العمرية (18-24 سنة) و17% من (25-31 سنة)، و14.5% من (32-38سنة)، ونسبة 17.5% من (39-45 سنة)، و22% للفئة (46 فأكثر سنة).

وتنوعت العيّنة تبعًا للحالة الاجتماعية، فجاءت نسبة 46.5% متزوجين، ونسبة 24.5 % عازبين، ونسبة 6% أرامل، و3% مطلقين. وكذلك تكونت عينة الدراسة من المستويات التعليمية كافة، 50.5% من حملة شهادات المعاهد المتوسطة والجامعات، و35.5 % من حملة شهادات الثانوية والإعدادية، ونسبة 7.5 ابتدائي وما دون، ونسبة 6.5 من حملة شهادات الماستر والدكتوراه. وكذلك من أسر متنوعة الحجم بنسبة 56% (1-4) و42.5 من (5-8) و1.5% (9 فأكثر). ومن مدن، قرى وأحياء متعددة من دمشق وريفها وحماة وريفها[13].

وقد واجه البحث مصاعب عدة، كان أبرزها غياب الإحصاءات وندرة المراجع بسبب طبيعة الموضوع وجدّته وراهنية المتغيرات، وواجه البحث مصاعب متعلقة بتقييد حرية فريق البحث بما يخص الاستقصاء الميداني في الداخل والمخاطر الأمنية على الباحثين الميدانيين، وشكلت صعوبة قياس المتغير الكمي في القضايا الاجتماعية واحدة من أبرز التحديات، أما الصعوبة الكبرى، فتمثلت في عزل دور شح الطاقة عن دور العوامل الأخرى المتداخلة معه في تأثيراتها الاجتماعية الفاعلة في ارتفاع المظاهر السلبية، كالفقر وتدني المدخولات والأجور.

الفصل الثاني: تطور مراحل تقنين مصادر الطاقة

استطاعت سورية قبل 2011 توليد كهرباء محدودة لا تزيد على 8000 ميغاواط، لـ 21 مليون مقيم في سورية، وكانت بالكاد تكفي الاستهلاك المحلي لمختلف الاستخدامات، وكانت انقطاعات التيار جزءًا من الحياة اليومية للسوريين، ثم جاءت الحرب السورية، بدءًا من آذار/ مارس 2011، لتزيد الطين بلة. فبعد أشهر قليلة من الاحتجاجات التي انطلقت في آذار/ مارس 2011، بدأت أولى ملامح أزمات الطاقة في سورية، وتجلت أولًا في انقطاعات غير منتظمة للتيار الكهربائي، وشابهت في البدء نمطًا مألوفًا لدى السوريين عرفوا فيه التقنين الكهربائي على شكل أعطال مفاجئة، أو على شكل تقنين منتظم يمتد ساعات، في أوقات الذروتين الصيفية والشتوية[14].

ومع تعمق الصراع وامتداده، كُرّس التقنين الكهربائي منذ بداية العام 2011، وظهرت أزمات واضحة في مادتي المازوت والغاز المنزلي، أدت إلى تبدل فاعل وسريع في كمياتها وأسعارها وطرائق تأمينها، وبدأ “السوريون يخوضون حروبًا يومية لتأمين احتياجاتهم الرئيسية”[15]، وانتعشت الأسواق السوداء التي نشأت بفعل الأزمات، تدريجيًا، وأُجبرت الشرائح الأضعف اجتماعيًا على تقليص استهلاكها للمشتقات النفطية، وبالأخص الشرائح غير الملتصقة بالنظام بشكل وثيق، لارتباط آليات التوزيع بعنصر الولاء، ما حرمها من الحصول على مصادر الطاقة النفطية بالسعر الرسمي.

 وبدءًا من العام 2013، ومع ترسخ أسباب أزمات الطاقة في سورية[16]، تحوّل التقنين الكهربائي والنفطي إلى سمة رئيسية من معالم الحياة اليومية، وصار الحصول عليهما أمرًا شاقًّا، وتكرست الأسواق السوداء لمادتي المازوت والغاز المنزلي، كمصدر رئيسي لهاتين المادتين، وبشكل أقل لمادة البنزين لعدم خضوعه للدعم من قبل النظام السوري حتى ذلك التاريخ[17].

وسعى النظام إلى إدارة نقص مصادر الطاقة بالتخفيض المستمر للحصص الممنوحة للأفراد والجهات الاقتصادية، مع محاولة الإشراف على مبيعها وتوزيعها بوساطة اللجان الحزبية والمخاتير ولجان الأحياء[18]، وغالبًا ما كانت تخضع لسلطة ميليشيا “الدفاع الوطني”، وذلك قبل أن يخضعها للتوزيع عبر “البطاقة الذكية”[19]، بدءًا من عام 2019 التي شكلت بدورها تاريخًا مفصليًا في تقنين وآليات توزيع المواد الرئيسية الثلاثة الفاعلة في حياة الأفراد في سورية، وهي (الغاز المنزلي، والمازوت، والبنزين)، واستثناء التيار الكهربائي من سيطرتها لتعذر ذلك. ويوضح الشكل (1) أشكال التقنين النظرية والإجرائية المتبعة.

الشكل رقم (1) أشكال التقنين (إعداد الباحثين)

شكّل التقنين وعدم القدرة على الوصول إلى الطاقة وخدماتها تناقضًا رئيسيًا مع الهدف السابع للتنمية المستدامة، وغاياتها الخمس وعلى رأسها “ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة”[20]، وبالنظر إلى تحكم النظام في آليات التوزيع، يمكن تصنيف أشكال التقنين ضمن العوامل الثلاثة الرئيسية: تحديد الكميات والحصص الممنوحة للأفراد والمؤسسات وتخفيضها؛ والتحكم في آليات التوزيع ومواعيده؛ والارتفاع السعري الرسمي وغير الرسمي للمشتقات النفطية كنتيجة لهذا التحكم.

وفي الاستطلاع الميداني (الاستبانة) الذي أجراه فريق البحث أكد 3% فقط من أفراد العينة حصولهم على القدر الكافي من مصادر الطاقة، مقابل 96.5% أكدوا عدم حصولهم على حاجتهم الضرورية منها، وقال 37،5 % من هؤلاء إن البطاقة الذكية التي تحدد المخصصات الرسمية (المقننة) هي مصدرهم الرئيسي، علمًا أن البطاقة الذكية لا تغطي أكثر من 10% من الاحتياجات المطلوبة للعائلة، وشكلت البطاريات البديل الأعلى بنسبة 56،5%، تلتها نسبة 20% يرممون النقص من السوق السوداء، و19% أكدوا عدم وجود بدائل لديهم لتعويض نقص الطاقة، بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليفها، وشكلت ألواح الطاقة الشمسية بديلًا لـ 9،5% من العينة، تليها الحطب بنسبة 8،5%، “وبابور الكاز “بنسبة 4،5%، وأخيرًا مولدة الكهرباء بنسبة 1،5%.

وبالنظر إلى أن 17% من العينة أكدوا كفاية مدخولاتهم المادية للعيش، ومنها القدرة على تحمّل تكاليف مصادر الطاقة، فإن ارتفاع نسبة الذين أكدوا عدم كفاية مصادر الطاقة في العينة ذاتها إلى 96،5% يشير إلى تجاوز المسألة بعدها الاقتصادي -على الرغم من أهميته- إلى مسألتي توفر كميات مصادر الطاقة، وطرائق الحصول عليها.

ويبين الشكل (2) عدم كفاية الطاقة والبدائل المتاحة.

أولًا- مراحل تقنين الكهرباء

بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات، تحوّل قطع الكهرباء إلى سمة يومية عامة في مناطق سورية جميعها، وبرزت في ذلك الحين الأسباب الأمنية والعقابية، كما حدث في مدن درعا وحماة ودير الزور وبعض أحياء دمشق، وأدّى قطع التيار الكهربائي كإجراء عقابي وأمني عام 2011، إلى وفاة عدد من الأطفال في حاضنات المستشفيات[21]، وفي بداية شباط/ فبراير 2012، أصدرت وزارة الكهرباء جدولًا بالتقنين حُدّد نظريًا في دمشق بست ساعات قطع يوميًا: ثلاث ساعات نهارية وثلاث ساعات ليلية، أما في ريف دمشق، فحُدد بثمانية ساعات: أربعة نهارية ومثلها ليلية[22].

 ثم ارتفع عدد ساعات القطع، من تسع ساعات يوميًا عام 2012[23]، إلى 12 ساعة يوميًا بداية عام 2013، ووصل عدد ساعات القطع في بعض المناطق إلى 20 ساعة[24].

واستمر التقنين عام 2014 بحدود 12-20 ساعة يوميًا، وشكل هذا المعدل المنسوب العام للتقنين خلال السنوات اللاحقة، وارتبطت التبريرات حينذاك بأسباب عسكرية، منها سيطرة تنظيم (داعش) على حقل الشاعر مرتين خلال أشهر، وانخفض توريد الغاز من 11 مليون متر مكعب إلى 5 مليون متر مكعب يوميًا[25].

ومع التدخل الروسي واستعادة عدد من حقول الغاز في البادية السورية، بالتزامن مع تراجع سعر النفط عالميًا إلى 27 دولارًا للبرميل الواحد؛ انخفض منسوب التقنين من منتصف عام 2016 حتى نهاية عام 2019، ليصل إلى معدلات بين 14ساعة في مراكز المدن، و16 في الأرياف، لكنه عاود ارتفاعه من جديد في 2019 إلى معدلات 16 إلى 18 ساعة في المدن يوميًا، حتى العاصمة دمشق، و22 ساعة في الأرياف.

الشكل رقم (3) تطور متوسط عدد ساعات التقنين منذ عام 2011 حتى منتصف عام 2022 (من إعداد الباحثين بالاعتماد على مصادر خبرية متعددة)

 وبالنظر إلى الشكل، يظهر التمييز واضحًا بين الأرياف والمدن، بمعدل ساعتين إلى أربع ساعات يوميًا، وهي فترة تعادل 50 في المئة من الكهرباء المزودة، وبحسب استطلاع العينة، فإن 72% أجابوا بوجود تمييز بين المناطق بعدد ساعات وصل الكهرباء فيها، مقابل 25% لم يلحظوا تمييزًا، و3% لا يعرفون عن الموضوع شيئًا.

وتنوعت إجابات العينة بما يخص التمييز، لتشمل -إضافة إلى التمييز بين الريف والمدينة- التمييز الطبقي بين أحياء المدينة الواحدة، حيث تُزود أحياء الطبقات الغنية، مثل المالكي والروضة وأبو رمانة في دمشق، بفترات كهرباء تزيد بوضوح على الأحياء الشعبية الفقيرة، وغالبًا ما تُزود تلك الأحياء بالتيار الكهربائي لفترات تزيد على 12 ساعة يوميًا في الحد الأدنى، و24 ساعة في حدها الأعلى، مقابل ست ساعات للأحياء الشعبية.

الشكل رقم 4 التمييز بين المناطق بساعات تزويد الكهرباء

وعمومًا، يجري التقنين الكهربائي وفق نظام زمني متبع، يقضي بتقسيم اليوم إلى أربع فترات، بمعدل ست ساعات لكل فترة، وهي تشكل عمليًا دورة قطع ووصل كاملة، ويظهر الشكل رقم (5) أنماط التقنين فيها.

الشكل رقم (5) أنماط الوصل والقطع للكهرباء

وبملاحظة الأنماط (3-4-5)، يتضح أن زمن وصل الكهرباء بالكاد يكفي شحن البطاريات والحواسب المحمولة، وغالبًا ما يعجز عن أداء الوظائف الرئيسية في التدفئة والتبريد والطبخ أو إنهاء وجبة الغسالة، وبخاصة مع استخدام نظام الحماية الترددي الذي يفصل التيار من المنبع مع زيادة الأحمال؛ ما يسبب انقطاعًا في التيار الكهربائي ثلاث أو أربع مرات، ضمن فترة الوصل الواحدة، تتسبب بدورها في أعطال الأجهزة الكهربائية.

وبمقارنة تناقص معدلات الإنتاج الكهربائي ضمن الشكل (6)، نجد أنها تتناسب طردًا مع ارتفاع مستويات التقنين الكهربائي المرتبط بدوره بتوفر الغاز والفيول بشكل رئيسي، وهو ما يوضحه الشكل رقم (6) الذي يظهر العلاقة بين ارتفاع التقنين الكهربائي وانخفاض مستويات التوليد.

الشكل رقم (6) العلاقة بين تناقص الإنتاج وتوليد الكهرباء وتزايد عدد ساعات القطع، من عام 2011 حتى منتصف عام 2022 (بالاعتماد على أرقام المؤسسة العامة للكهرباء، ومصادر أخرى، بما يخص توليد الكهرباء)

وشهدت أسعار الكهرباء ارتفاعات عدة، لكن أسعار الشرائح المدعومة منها بقيت ضمن الحيز المعقول نسبيًا، حيث ارتفع سعر الكيلووات الساعي من ليرة إلى ليرتين، ويصل إلى 3 ليرة مع رسومه وضرائبه، فيما ارتفعت أسعار الشرائح غير المدعومة بشكل كبير جدًا، وتقتصر الشرائح المدعومة على 300 كيلووات شهريًّا لكل أسرة، فيما وصل سعر كيلووات الكهرباء إلى حدود الألف ليرة في الشرائح المعفاة من التقنين[26].

ثانيًا- تطور مراحل التقنين في الغاز المنزلي

الغاز قبل البطاقة الذكية

بدأت أزمات الغاز المنزلي في الظهور منذ نهاية عام 2011، وعلى الرغم من ارتفاع سعرها الرسمي في 2012، من 250 ليرة إلى 400 ليرة، فإن سعرها في السوق السوداء وصل إلى 2000 ليرة نتيجة شحّ المادة، وأمام شدة الأزمة أوكل النظام إلى الميليشيات ولجان الأحياء والمخاتير واللجان الحزبية مهمة توزيع مادة الغاز على دفاتر العائلة أو بيانات النفوس، لتخفيف الأزمة على الشرائح المقربة من النظام على حساب الشرائح المهمشة أو البعيدة عنه، مع محاباة واضحة للكميات الموزعة في أحياء المدن وفي أرياف الساحل.

وتوالت الارتفاعات الرسمية لأسعار الغاز المنزلي، مع تخفيض وزن العبوة[27] بنسبة 20%، إذ وصل سعرها إلى 1000 ليرة عام 2013، و1150 ليرة عام 2014، وشهدت ارتفاعين عام 2015 لتصل إلى 1800 ليرة، واستقرت عند 2600 ليرة منذ عام 2016 حتى عام 2021، وارتفع سعرها في السوق السوداء إلى 25 ألف ليرة سورية 2016، ثم إلى 100 ألف ليرة عام 2021، و150 ألف ليرة عام 2022.

الشكل رقم (7) تطور سعر جرة الغاز المنزلي المدعوم حتى عام 2019 بالليرة السورية (بالاعتماد على قرارات وزارة التجارة الداخلية)

تطور تقنين الغاز بعد البطاقة الذكية:

 انتقل النظام إلى توزيع الغاز إلزاميًا على البطاقة الذكية منذ عام 2019، وفي الوقت الذي استطاعت فيه البطاقة الذكية إلغاء مظاهر الأزمة والازدحام، عجزت فعليًا عن التأثير في عمق الأزمة وشدتها، بل إنها أسهمت عبر القيود التي فرضتها لمنح البطاقة الذكية في تعميق الأزمة واتساع الشرائح غير المستحقة للبطاقة الذكية، كالمطلقات والزوجة الثانية والعزاب والطلاب والعساكر المجندين، وفي حل لبعض الحالات منحت البطاقة الذكية بعض الشرائح المستبعدة جرّتين كل سنة، كالعازبين والمطلقات والطلاب وعيادات الأطباء، وسمحت لاحقًا باستجرار جرة إضافية سنويًا، على البطاقة الذكية بما أسمته سعر التكلفة، وهو ما حددته بـ 31 ألف ليرة سورية.

الشكل رقم (8) سعر جرة الغاز المدعوم من 2019 حتى منتصف 2022 بالليرة السورية (بالاعتماد على قرارات وزارة التجارة الداخلية).

غير أن أبرز التغيرات التي شهدها توزيع الغاز على البطاقة الذكية كان تأخر زمن استلام الرسائل، ما يعني نقص الكميات والحصص الموزعة على المواطنين خلال السنة الواحدة، لتصل إلى أقل من أربع جرار للعائلة سنويًا، ويبين الشكل الآتي التواتر الزمني لتوزيع الغاز على المواطنين بموجب البطاقة الذكية (تكامل).

الشكل رقم (9) ارتفاع التواتر الزمني لتوزيع الغاز المدعوم على البطاقة الذكية من عام 2019 حتى خريف عام 2022

ثالثًا- تطور مراحل تقنين البنزين

خلافًا لآثار التقنين في مادتي المازوت والكهرباء، توقف الأثر الاجتماعي لتقنين البنزين على المواصلات، وبدرجة ما على المولدات الكهربائية الصغيرة، وشهد البنزين ضمن عناصر الطاقة الأربعة حتى عام 2019 (كهرباء، مازوت، عاز منزلي، بنزين) أزمات أقل حدة، ويعود الأمر إلى عدم إدراجه ضمن المواد المدعومة بحسب تصريحات رسمية[28]، ففي عام 2011 بلغ سعر الليتر 50 ليرة، وهو ما يعادل دولارًا أميركيًا في ذلك الحين، وظهرت أولى اختناقات البنزين في 2013 مع قطع المعارضة المسلحة للطريق الدولي دمشق حمص[29]، وفي عام 2014 أصدر النظام أول تقنين للبنزين، حدد فيه الكميات الممنوحة للمركبات العامة والخاصة، وعمليًا بقيت أسعار البنزين في سورية في سورية تباع قريبًا من التكلفة حتى عام 2019.

ورفع النظام سعر البنزين العادي عام 2011، من 44 ليرة إلى 50 ليرة، واستمر سعر البنزين العادي في الارتفاع، إذ شهد في عام 2013 ثلاث ارتفاعات، من 55 إلى 65 ثم إلى 80 ليرة ثم إلى 120، وارتفع في 2014 إلى 140، وانخفض بعدها إلى 135 في العام نفسه، وحُددت كميات البنزين المتاحة للسيارات العامة والخاصة، وعاود ارتفاعه عام 2015 مرتين إلى 140 أولًا، ثم إلى 150 ليرة، وشهد في 2016 ارتفاعًا بنسبة 40% ليصل سعر ليتر البنزين الرسمي إلى 225 ليرة.

الشكل رقم (10) ارتفاع السعر الرسمي للبنزين قبل عام 2019 (بالاعتماد على قرارات وزارة التجارة الداخلية)

البنزين على البطاقة الذكية

 في 2019، أخضع توزيع البنزين لنظام الحصص على البطاقة الذكية، وسبقها في الظهور تسميات البنزين المدعوم والحر وبنزين أوكتان 95، منذ 2017، ومع قلة الحصص الموزعة من جانب، وعدم تسليمها فعليًا، من جانب آخر، شهدت البلاد أعنف الأزمات في مادة البنزين منذ نهاية عام 2019، وازدهرت الأسواق السوداء ووصل سعر الليتر منه عام 2022 إلى 10 آلاف ليرة سورية (2.5 دولارًا أميركيًا بسعر السوق و3.3 دولارًا بالسعر الرسمي).

وشهدت أسعار البنزين منذ 2019 حتى 2022 نحو عشر ارتفاعات لكل نوع من أنواع البنزين، بمعدل ارتفاع كل أربعة أشهر، وخُفِّضت رسميًا الحصص والكميات عددًا من المرات، و في الجانب الإجرائي، غالبًا ما كان النظام يتعمّد تأخير إرسال رسائل استلام البنزين لتنخفض الكميات الموزعة فعليًا إلى أدنى من الحصص المقررة، ووصل سعر البنزين المدعوم على البطاقة الذكية عام 2022 إلى 2500 ليرة، فيما سمح النظام ببيع كميات إضافية و(محددة منه) على البطاقة الذكية بسعر 4 آلاف، أما البنزين 95 أوكتان فوصل سعره الرسمي إلى 4500 ليرة سورية، علمًا أنه غير متوفر في معظم الأحيان.

 الشكل رقم (11) ارتفاع سعر البنزين في سورية من عام 2019 حتى خريف 2022 (بالاعتماد على قرارات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك)

رابعًا- تطور التقنين في مادة المازوت

شكل نقص مادة المازوت الإرباك الأكبر للنظام وللمواطنين، لتنوع استخداماته وأثرها المباشر وغير المباشر في معظم المجالات الاقتصادية والاجتماعية، واختصت المادة بأكبر قدر من قرارات تعديل السعر وتحديد الكميات والتسميات: (مازوت التدفئة، مازوت المواصلات، مازوت الأفران، المازوت الصناعي والزراعي، مازوت المولدات الكهربائية للمستشفيات والأنشطة الاقتصادية الحيوية)، وظهر أثر الإرباك في حياة المواطنين بصورة مباشرة عبر غياب المازوت كوسيلة للتدفئة، ونشأت أزمات المازوت باكرًا منذ بداية 2012، ونظرًا إلى الشح الكبير انتعشت الأسواق السوداء، وعجز النظام عن الوفاء بتسليم الحصص المقننة التي حددها، فتراجع سريعًا في 2012 عن تسليم كمية 250 ليترًا لميكروباصات النقل الداخلي (السرافيس)، وحدد آليات للتسجيل على مازوت التدفئة في 2013 بواقع 400 ليتر للعائلة، تُوزع على دفعتين وتمنح بموجب بطاقة العائلة، لكن الأمر لم يتجاوز إطاره الشكلي فعليًا، ففي 2013 على سبيل المثال لم يتجاوز عدد طلبات تعبئة المازوت المنزلي 23 ألف طلب في دمشق، وتراجع 15% من مسجلي الطلبات عن الاستلام لغلاء السعر[30].

وفي 2014، أوكل النظام مهمة توزيع المازوت للوحدات الإدارية الخاضعة عمليًا للشبيحة، وفي 2015 ابتدع نظام القسائم لمازوت التدفئة، ولم تحصل العائلات معظمها عليها، وفي 2017 ظهر مصطلح المازوت (الصناعي والتجاري) لأول مرة كمازوت منفصل بسعر 295ليرة، مع بقاء أسعار المازوت المدعوم عند سعر 180 ليرة مع عدم توفره فعليًا، بالتزامن مع توفير كميات أكبر من المازوت بالسعر التجاري الجديد 296 ليرة.

وكان النظام خفض سعر ليتر المازوت مع الاحتجاجات، من 20 ليرة إلى 15 ليرة، ثم أعاده إلى 20 ليرة في نهاية عام 2011، وشهد عام 2013 ارتفاعين ليقفز إلى 35 ثم إلى 60 ليرة، ثم 80 ليرة عام 2014، وشهد أيضًا عام 2015 ارتفاعين ليصل إلى 135 ليرة، تبعه ارتفاع عام 2016 إلى 180 ليرة، وحتى ذلك التاريخ كان السعر الرسمي للمازوت موحدًا للقطاعات كلها، باستثناء الأفران، وبدءًا من عام 2017 تعددت أسعار المازوت بحسب القطاعات الممنوح لها.

الشكل رقم (12) تطور سعر المازوت من 2011 حتى نهاية 2018 بالليرة السورية (بالاعتماد على أسعار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وقراراتها).

ومع ربط مادة المازوت بالبطاقة الذكية منذ عام 2019، خُفضت حصص مازوت التدفئة بالسعر المدعوم للعائلات إلى 100 ليتر سنويًا توزع على دفعتين 50 ليتر في كل دفعة، وغالبًا لا يحصل الجميع على الدفعتين المقررتين، ويتم الاكتفاء بتوزيع دفعة واحدة.

وكان النظام وزّع في عامي 2008 و2009 تعويضًا بمقدار 15 ألف ليرة للعائلات السورية، في إثر ارتفاع سعر المازوت من 7 ليرات إلى 25 ليرة، على اعتبار حصة العائلة الواحدة من مازوت التدفئة تعادل ألف ليتر سنويًا.

الشكل رقم (13) سعر المازوت المدعوم والتجاري 2019 – 2022 (ملاحظة اعتُمد السعر الأخير في المخططات البيانية في كل عام مع إهمال الارتفاعات ضمن السنة).

خامسًا- أثر الأسعار في زيادة التقنين: العلاقة بين الدخل وتأمين مصادر الطاقة

أسهم انخفاض قيمة الأجور والرواتب، على خلفية انهيار سعر صرف الليرة السورية، في تعميق الكارثة الناجمة عن تأثيرات شح الطاقة، ففي الوقت الذي زادت فيه الرواتب بالقيمة المطلقة بحدود عشرة أمثال، ارتفعت فيه أسعار المشتقات النفطية المدعومة من 50 إلى 100 ضعف، وارتفعت أسعارها غير المدعومة من 200 إلى 500 ضعف، ومع عدم كفاية المخصصات المدعومة، وعدم توزيع كمياتها الضئيلة في كثير من الأحيان، ومع تحول سعر السوق السوداء إلى السعر التداولي الرائج؛ اتسع عمق الفجوة بين الأجور والرواتب التي انخفضت قيمتها الحقيقية قياسًا بالدولار إلى عُشر قيمتها عام 2010، وبين إمكانية الحصول على مصادر الطاقة التي ارتفعت قيمها بالدولار إلى أضعاف قيمتها في عام 2010.

وردًا على سؤال: هل الدخل كاف للمعيشة وشراء مصادر الطاقة، أجاب 70% من أفراد العينة أن الدخل غير كاف على الإطلاق لتأمين سبل المعيشة بما فيها شراء مصادر الطاقة، مقابل 17% اعتبروا أن الدخل يحقق لهم الكفاية المطلوبة، فيما عبرت النسبة المتبقية 13% عن كفاية الدخل إلى حد ما، وهو ما أسميناه “الدخل الحرج”.

الشكل رقم (14) كفاية الدخل

وأجاب 32.5% من أصحاب الدخل غير الكافي أنهم يعتمدون على الحوالات الخارجية لتقليص شدة الفجوة بين الدخل والاحتياجات، وعلى رأسها تأمين مصادر الطاقة، فيما اعتمد 21.5% منهم على مساعدات الأهل والأقارب في الداخل، وأسهمت المنظمات الإغاثية في تقليص الفجوة لدى 11%، والجمعيات الخيرية بنسبة 10.5%، في حين أفاد 13% باعتمادهم على بيع الممتلكات والعقارات لسد الفجوة، وأجاب 11% أنه ليس لديهم أي مصدر إضافي لتقليص الفجوة، وأنهم يعتمدون بالكامل على دخلهم المحدود، وهو غير كاف على الإطلاق.

الشكل 15 مصادر الترميم النسبي للدخل

أما الشكل رقم (16) فيوضح العلاقة بين الأجر الرسمي وكمية مصادر الطاقة التي يستطيع تمويلها في كل من عامي 2010، و2022.

الشكل رقم (16) العلاقة بين متوسط الأجر الرسمي وكمية مصادر الطاقة التي يستطيع تمويلها

الفصل الثالث: تأثير انخفاض مصادر الطاقة في الأنماط المعيشة السورية

انعكس التراجع المستمر في نصيب الفرد من مصادر الطاقة، وارتفاع مستويات التقنين، على مجمل النشاط المعيشي للأسر والأفراد السوريين، بسبب الدور الفاعل والمركزي للطاقة في الحياة اليومية المعاصرة، فعلى سبيل المثال، انخفضت حصة المواطن السوري من كهرباء الدولة إلى 15في المئة، قياسًا بحصته منها عام 2010[31]، ما يعني فقدانه 85 في المئة منها، وانخفضت حصته من المازوت والغاز المدعومين إلى نسب مقاربة[32]، وانعكس شح الطاقة انعكاسًا مباشرًا على الأنماط المعيشية، وعلى رأسها النظام الغذائي لارتباطه الوثيق بتوفر وقود الطبخ، ومن ضمن الاحتياجات الخمسة الرئيسية التي شكا السوريون من نقصها عام 2022 “أن نسبة 93% من السوريين لا يتناولون ما يكفي من الطعام، ويفتقد (63%) منهم لوقود الطبخ والتدفئة”[33]. و”44% من الأسر تستهلك أنظمة غذائية رديئة بانتظام، بسبب ضعف القدرة على التكيف مع انعدام الأمن الغذائي بزيادة 21% عن العام الماضي 2021″[34].

وأدى الواقع الجديد إلى تبدلات معيشية تمظهرت وفق أنماط اضطرارية لجأت إليها أولًا الشرائح الأضعف في المجتمع، في مسعى منها للتكيف السلبي[35] مع الواقع الجديد، وضمن محاولاتها لتأمين بدائل متاحة، لكنها مع الاستمرار الزمني الطويل، وتنامي مستويات النقص، وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، وعجز النظام عن تأمين مصادر الطاقة الرئيسية بالكمية اللازمة والسعر المناسب، وارتفاع مستويات الفقر إلى نسب تزيد على 90 في المئة من المجتمع[36]، اتسعت كأنماط معممة، وأُجبرت شرائح المجتمع معظمها على اتباعها، وكُرست كنماذج اجتماعية عامة مألوفة وشديدة الشيوع، بدءًا من أنماط السلوك الشخصي، وأنماط التغذية والتعليم والعناية بالمظهر والاستحمام وأنماط التنقل، والعلاقات الاجتماعية في العائلة الواحدة ومع الأقرباء والجيران.

أولًا- تأثير ندرة مصادر الطاقة في تغير الأنماط الغذائية:

اضطر السوريون بفعل نقص الغاز المنزلي وغلائه وندرة الكهرباء، كوسيلتي طهو شائعتين، إلى تغيير كثير من عاداتهم الغذائية بدءًا من تبديل مواعيد الطعام ونوعيته وطرائق طهوه وكميته لارتباط حفظها بالتبريد بوساطة البراد، “وقد تغيّرت من جرّاء ذلك العادات الاستهلاكية، إذ أصبح من غير الممكن استخدام الثلاجات في غياب الكهرباء، سواء أكانت من الدولة أم من المولّدات الخاصة. فأصبحت الأُسَر عمومًا تشتري الأطعمة ليوم واحد، أو المنتجات التي يمكن حفظها لبضعة أيام خارج الثلاجة”[37].

 وشكل ذلك عبئًا إضافيًا على النساء العاملات، إذ اضطررن إلى السهر إلى وقت متأخر من الليل بانتظار وصل الكهرباء، لإعداد الطعام، وانعكس ذلك عليهن بعدد الطبخات المطلوبة أسبوعيًا، فمع خروج وسائل التبريد والحفظ من الخدمة لعدم وجود الكهرباء[38]، بات من المتعذر على الأمهات وسيدات المنازل أن يطبخن ليومين أو أكثر، وغالبًا ما كن يلجأن مع التقنين الشديد إلى اختيار طبخات سريعة النضج، ضمن حدود ساعة الكهرباء المتوفرة، ومع تغير مواعيد الطبخ تغيرت تلقائيًا مواعيد تناول الوجبات ضمن ساعات اليوم.

وبحسب العينة المستطلعة في البحث، بغض النظر عن التكوين الغذائي للوجبة ومكافئها من السعرات الحرارية، فإن 57% من السوريين باتوا يتناولون أقل من ثلاث وجبات يوميًا، حيث يتناول 29% منهم وجبتين يوميًا، و6% يتناولون وجبة واحدة فقط يوميًا، و14% راوح نظامهم بين الوجبتين والثلاث، و8% راوح نظامهم بين الوجبة الواحدة والوجبتين.

الشكل (17) تغير عدد الوجبات اليومية بتأثير شح الطاقة

وتوضح الاستبانة التي أجراها فريق البحث، حول النظم الغذائية التي قُسمت إلى ثلاث فئات: (جيدة، متوسطة، منخفضة) وذلك تبعًا لاحتوائها على الكميات الكافية من اللحوم والبروتين الحيواني والفواكه والخضار والحبوب والحلويات بما يحقق التوازن الغذائي المطلوب صحيًا، وبما تحتويه من السعرات الحرارية الكافية، أن 52% من أفراد العينة يكاد نظامهم الغذائي يخلو من اللحوم والبروتينات الحيوانية والفاكهة والحلويات، ويصنفون نظامهم الغذائي ضمن المستوى المنخفض، ورأى 32% أن نظامهم الغذائي يقع ضمن التصنيف المتوسط، لاحتوائه على اللحوم والفاكهة والبروتين الحيواني بكميات أقل من المطلوب، فيما رأى 16 % أنهم يتناولون نظامًا غذائيًا جيدًا.

الإطار 1: شح مصادر الطاقة والأنماط الغذائية
تعود سامية الأربعينية (موظفة قطاع عام) من عملها في الثالثة ظهرًا، ويتعين عليها في معظم الأحيان، في حال انقطاع الغاز المنزلي، أن تنتظر حتى السادسة مساء موعد مجيء الكهرباء لتجهيز طبختها لعائلتها المكونة من زوج وثلاثة أولاد، وكثيرًا ما اضطروا إلى أكل الطعام نصف ناضج، بسبب القطع المتكرر للكهرباء أو عدم كفاية الوقت، فنصيب أسرتها من الغاز المنزلي جرة كل ثلاثة أشهر، وبالكاد تكفيهم الجرة شهرًا واحدًا، وعليهم الانتظار ما يقارب ستين يومًا إضافيًا للحصول على جرة جديدة، فسعر جرة الغاز المنزلي في السوق السوداء أعلى من كامل مرتبها الشهري.

في حين قالت ناديا (ريف دمشق) إن عائلتها قلصت وجبات الطعام إلى اثنتين، واشتكى صالح (حماة) من التناول المتكرر للأعشاب والخضروات والحبوب، حيث تغيب عن مائدتهم بشكل كامل أصناف اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والمشتقات الحيوانية.

أما حَنَان، فعبرت عن إرهاقها من عملية الطبخ اليومي لعدم انتظام الكهرباء. ويقول علي (مزارع من حماة): قياسًا بأبناء المدن وضعنا أفضل، لأن جزءًا مما نأكله هو من خيرات أراضينا، نعتمد على الخضراوات بكل أنواعها، في باحة المنزل نزرع ما نستهلكه يوميًا، مثل البقدونس والنعنع والباذنجان والبصل الأخضر والفليفلة، وطبعًا لدينا دجاج يوفر البيض، واللحوم نشتريها في المناسبات فقط، منذ أكثر من 15 سنة لم أدخل مطعمًا.

نماذج من أفراد عينة البحث

وحيث يمكن القول، استنادًا إلى إجابات أفراد العينة، إن التغيرات الجديدة في النظم الغذائية مرتبطة بنقص مصادر الطاقة وصعوبة الحصول على الحد الكافي منها باستمرار ومحدودية الدخل، فإن المتغيرات شملت نوع الطعام وكميته وطريقة طهوه وطريقة تخزينه، وأوقات تناوله وعدد الوجبات اليومية، فيما بدا تأثير الحالة الاجتماعية والمناطقية بين الريف والمدينة في تلك المتغيرات محدودًا وطفيفًا، باختلاف درجات تتبع للحالة الاقتصادية، مع أرجحية طفيفة للريف بإمكانية استخدام الحطب كمصدر للطاقة في إنضاج الطعام، وفي المقابل بدا تأثير الحالة الاقتصادية واضحًا في متغير نوع الوجبات اليومية وعددها وإنقاصها إلى وجبتين أو وجبة واحدة يوميًا ضمن الشرائح الأضعف.

ويلخص الشكل رقم (18) أبرز التبدلات الحاصلة في النمط الغذائي على خلفية شح الطاقة.

الشكل رقم (18) تبدلات النمط الغذائي تبعًا لارتباطه بشح الطاقة

ثانيًا- تأثير ندرة مصادر الطاقة في تغير أنماط السلوك الشخصي

انعكست تأثيرات التقنين ونقص مصادر الطاقة على الأنماط السلوكية الشخصية المرتبطة بوجود الطاقة، فلم يعد الاستحمام متاحًا إلا ضمن أوقات محددة، وضمن وتائر زمنية يمليها وجود مصادر الطاقة لتسخين المياه[39]، وكذلك الحلاقة والعناية بالمظهر والكوي والغسيل، وبات من المتعذر على الجميع التأخر في العودة إلى المنزل أو السهر خارجه، لارتباط أزمنة العودة بوجود المواصلات المتاحة، كما فرض الانقطاع الطويل للكهرباء مواعيد جديدة وغير مستقرة للنوم والاستيقاظ، وبخاصة في ظروف البرد الشديد والاضطرار شبه الدائم إلى الجلوس تحت اللحاف، كمصدر تدفئة وحيد، وأيضًا في الحر الشديد لاستحالة النوم بلا مراوح أو تكييف في أشهر الصيف.

وانعكس قطع الكهرباء على أزمنة الدراسة اليومية للطلبة، وعلى أداء الواجبات المنزلية الخاصة بهم بسبب غياب الإضاءة، أو ضعف الإضاءة البديلة (الليدات) وعدم كفايتها للرؤية الجيدة، وعدم القدرة على الدراسة الليلية لغياب التدفئة أو التبريد، وأكد 12% من العينة التراجع الملموس للدراسة والقراءة، بسبب شح مصادر الطاقة، فيما أشار بعضهم إلى افتقاد أولادهم كأس الشاي الصباحي الدافئ قبل انطلاقهم إلى المدرسة، بسبب عدم توفر وسائل الطاقة اللازمة لتسخين المياه.

الإطار 2: انقطاع الكهرباء وتغيرات السلوك الشخصي
تضطر فاتن (طالبة جامعية من ريف دمشق) إلى الاستحمام بمياه باردة في الشتاء، وغالبًا تصاب بالزكام بعد الحمام، وتعجز في الصيف مع شدة الحر عن النوم إلا في ساعات محددة عند مجيء الكهرباء وتشغيل المراوح، فتشعر طوال الوقت بالنعس والإرهاق الشديد من جراء هذا الوضع، لكنها أكثر ما تخشى على والدتها المريضة والمحتاجة إلى مياه ساخنة دائمًا، أما الدراسة فتقضيها هي وإخوتها معظم الوقت تحت اللحاف، وغالبًا ما ينام إخوتها الصغار باكرًا بسبب الإضاءة الرديئة قبل أن ينجزوا واجباتهم المدرسية بشكل جيد، ويعجز والدها عن شراء بطارية جديدة جيدة، وخصوصًا بعد تخليه عن عمله الإضافي مساء، لصعوبة المواصلات وتكلفتها العالية قياسًا بالأجر.

أما (عبدو) الطالب في جامعة دمشق، فقد وصف عودة التيار الكهربائي في منزله بالآتي: “تشكل ساعات (لحظات) قدوم الكهرباء انقلابًا في حركة المنزل.. يسرع إخوتي الأطفال إلى التلفزيون.. تركض أمي سيدة المنزل إلى إتمام وجبة الغسيل وإلى إنضاج الطبخة ما أمكن.. يركض الجميع إلى الشواحن.. من شاحن البطارية إلى شواحن الموبايلات.. من يملك الوقت يتصفح القليل من الإنترنت أو يرد على الرسائل.. أو يتصل بأصدقائه في الخارج لمعرفة الطرق الآمنة للقدوم إليهم.. التأكد من عمل سخان المياه الخاص بالاستحمام. وبخاصة في الشتاء، هكذا نصبح عند قدوم التيار الكهربائي. يعني رياضة الجري في المنزل من تشغيل الغسالة… إلى وضع ما ينبغي شحنه بهذه الفترة القصيرة بالمآخذ الكهربائية، وما أكثر تلك الأدوات والأجهزة!! تسخين المياه بالغلاية…. تسخين الطعام ولو بغير وقته بالمايكرويف.. كيّ الملابس المتراكمة.. الطبخ على الطباخ الكهربائي رغبةً في توفير الغاز.. تعبئة المياه بالخزان باستعمال المضخة.. تجفيف شعر مبلل… حلاقة… الاستمتاع بمشاهدة جزء من برنامج أو مسلسل!!! بالمختصر المفيد أصبحنا نمارس أعمالنا المنزلية بدينامية عالية نكاد نتفوق فيها على عدائي الجري.

وفي إحدى قرى الريف الغربي لمدينة حماة، روى أحد جامعي البيانات في الدراسة أنه بينما كان يؤدي واجب العزاء في قرية قريبة، انكسر جو الصمت العام فجأة، وسادت حركة لم يفهم سببها، وبدأ الرجال بالخروج من مجلس العزاء مسرعين، فظنّ أن هناك أمرًا جللًا. وحين استفسر بخوف عن الموضوع، قيل له “لا تخف، كل ما في الأمر أن الكهرباء جاءت.. وكل واحد من هؤلاء المعزين لديه أمرٌ ينتظر إنجازه”!

نماذج من أفراد عينة الدراسة

وتبعًا لإجابات أفراد العينة المستهدفة، فإن أبرز المتغيرات في أنماط السلوك الشخصي على خلفية شح الطاقة تركزت كما في الشكل رقم (19).

الشكل رقم (19) متغيرات أنماط السلوك الشخصي

ثالثًا- آليات التكيف القسري وبدائل الطاقة المتاحة

في سعي السوريين لإيجاد بدائل لخدمات الطاقة الغائبة، برزت البطاريات والليدات والإنفيرترات والشواحن بديلًا للإنارة وشحن بعض الأجهزة الصغيرة، كالموبايلات والحواسب المحمولة، واحتلت الإنارة الدرجة الأولى كاحتياج منزلي، وبالأخص مع ارتفاع العنف والتوترات والخشية من الظلام والحاجة إلى الشعور بالأمان والدراسة للطلاب، وبيّن 56% من أفراد العينة استخدامهم للبطاريات، وبحسب الإجابات تشكل هذه النسبة تراجعًا عن نسبة استخدامها السابقة، فمع ارتفاع ثمنها المستمر عجز مستخدمون سابقون لها، عن شراء بطارية جديدة بدل التالفة، واحتلّ شحن الموبايل الدرجة الثانية لضرورة الاتصال الدائم مع أفراد العائلة البعيدين أو الخارجين من المنزل ومن ضمنهم الأطفال في أثناء الذهاب والعودة من المنزل، وانخفض استخدام المولدات الخاصة إلى 1.5% لصعوبة تأمين المازوت والبنزين، وذلك بالتوازي مع ظهور الأمبيرات وأنظمة الطاقة البديلة التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة استخدامها[40] لدى الشرائح الأكثر ارتياحًا، ووصل الاعتماد عليها إلى 9،5% من أفراد العينة، علمًا أن بعض مستخدميها يكتفون بتركيب لوح واحد لتغذية الإنارة، وأجهزة الشحن.

وكان 19% من أفراد العينة أكدوا عدم قدرتهم على تحمّل تكاليف البدائل، واقتصارهم على مصادر الطاقة المقدمة من المؤسسات الحكومية، والخاضعة لنظام التقنين الشديد.

الإطار 3: انقطاع الكهرباء وأساليب التكيف القسري
عُلا (معلمة مدرسة، من ريف دمشق) أجابت: بصراحة، أطبخ في منتصف الليل وفي الصباح الباكر على السخانة الكهربائية عندما تأتي الكهرباء، كي لا أستخدم الحطب أو البابور، حيث إنني في مرحلة ما لم يكن عندي غاز وكنت أنتظر الرسالة. أما المؤونة فإني منذ ثلاث سنوات لم أنجزها، وأشتري اللحمة بالأوقية (200 غرام) أي للطبخة، وكذلك الخضار كل يوم بيومه، وبصراحة الوضع صعب جدًا، والحال يرثى لها، مكونات الطعام دائمًا يصيبها العفن عند انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، وفي هذه الحالة نتجه إلى الطعام الناشف كالرز أو المعكرونة أو البرغل. أما الخضار أو اللحمة فيمكن شراؤها في اليوم نفسه فقط ونطبخها مباشرة ونأكلها، وبدائل الغاز لدينا غاز صغير يستهلك غازًا أقل من الكبير ويمكن أن نستعين بفرن قريب منا للطبخ.

نعتمد على الشمس للمؤونة السنوية والحطب غير متوفر دومًا، وأسعاره مرتفعة لا نستطيع جعله بديلًا للغاز، بسبب طبيعة السكن في بيوت مغلقة.

التأثير حياة صعبة وبدائية وشاقة.. نشتري الغاز مؤخرًا بالكيلو للغاز الصغير المحمول (الكيلو بعشرة آلاف) الحطب نجمع المتوفر ونشتري الباقي.. ونأكل أحيانًا طبخات غير ناضجة بالشكل المقبول.. لم يعد البراد للمؤونة.. ولم يعد ممكنًا الطبخ ليومين في فصل الصيف.. ولا مياه باردة في الصيف أبدًا.. نقنن في الحطب أيضًا.. ويشكل تخزينه لدينا عبئًا إضافيًا.. كما يشكل تحطيبه أو شراؤه عبئًا أكبر.

تأثير الانقطاع كبير، لأن مدة الانقطاع طويلة جدًا، ما أدى إلى فساد المؤونة وإلغائها من حياتنا وحتى استخدام البراد أصبح مستحيلًا وأصبح البراد خزانة، كما يقول الجميع، ونحضر الأكل كل يوم بيومه بسبب الغلاء وقلة المصادر الطبيعية والاقتصادية التي هي من أبسط حقوق المواطن في بلده.

ربما أفضل شيء في البيوت العربية والواسعة هو أننا نستطيع الطبخ بالحطب، ونحن من قبل الحرب كل ما يتبقى من خضرواتنا التي لا نستطيع بيعها نقوم بتجفيفها بالشمس، وبذلك لدينا مؤونة كافية في الشتاء لا نضطر إلى وضعها في البراد الذي لا داعي لوجوده أصلًا.

كل السفرة (الوجبة) صارت تختصر على نوع واحد ومقبلات خفيفة، لعدم توفر الغاز بشكل كاف ولا نضع الطعام في البراد إلا ليوم واحد، لأن الطعام سوف يفسد، وسبق لنا أن رمينا الطعام في القمامة. بكت حنان، وهي تحدثنا عن رميها للمونة بعد تلفها في البراد نتيجة انقطاع الكهرباء؛ الله وحده يعلم ماذا سيأكل أولادي في الشتاء، سأحاول تجفيف بعض الخضار، كما كانت تفعل جداتنا لتعويض النقص، لا شيء في حياتنا مضمون، ولا نعرف ماذا ننتظر، في الشتاء الماضي أحرق زوجي كنبة عتيقة وبعض الكتب، وحتى البلاستيك لتأمين بعض الدفء، أما الآن في هذا الحر الشديد، فإننا نشتهي وجود كأس ماء بارد، ولكن من أين!

أجوبة معظم أفراد عينة البحث

أجبرت آليات التكيّف القسري عددًا من السوريين، ضمن ظروف معيشية صعبة وفي ظل شح مصادر الطاقة، على استخدام بدائل غير صحية وغير آمنة، أو شديدة القدم ومحدودة التأثير، فاستخدموا كل ما يمكن حرقه للتدفئة من البلاستيك والأوراق والكرتون والكتب، حتى إن هناك من كان يستخدم روث الحيوانات كمصدر للطاقة والتدفئة[41]، فيما لجأ آخرون إلى استخدام جرار المياه الفخارية القديمة لتبريد المياه، وتم إحياء مكواة الفحم الحجري[42] التي يعود عمرها إلى أكثر من مئة عام، فيما استغنى كثيرون عن استخدام الثلاجة (التفريز) لحفظ الخضار والفواكه كمؤونة للشتاء، واستخدموا أساليب الجدات في حفظها وتجفيفها في الشمس، فجففوا الفول والبازلاء والبامية والفاصولياء والبندورة والملوخية، وغيرها.

 وجاءت الوسائل والأنماط البديلة في إجابات أفراد العينة، وفق الأشكال الآتية:

الشكل (20) الأنماط البديلة لتعويض جزء من خدمات مصادر الطاقة

بيان مصادر طاقة بديلة لتوليد الكهرباء  
مصدر الطاقة البديل مولدات كهربائية اشتراك أمبيرات بطارية ليدات+ انفيرترات تركيب منظومة توليد كهرباء
التكلفة تكلفة يومية عالية تكلفة أسبوعية عالية جدًا قياسًا بالمدخولات تكلفة سنوية متوسطة لتبديل البطارية ارتفاع تكلفتها التأسيسية جدًا
الصعوبات مشقة وتعذر الحصول على المشتقات النقطية اللازمة لها غير متوفرة في كل المناطق منتشرة بكثرة في حلب، وجزئيًا في بعض ريف دمشق وحماة واللاذقية غالبًا ما يقتصر عملها على الإنارة فقط تكاليف إضافية كل سنتين أو ثلاثة لتبديل البطاريات
المردود مردود متوسط للمولدات الصغيرة لا تغطي كامل احتياجات المنزل كالبراد والمكيف تحتاج إلى تراخيص لتأمين المازوت لمولدة الأمبيرات مشكل البطارية وإصلاح الشاحن والانفيرتر تحتاج إلى مساحة ومكان خاص غير متوفر للغالبية
مشكلات ناجمة مشكلات الضجيج وأعطال المولدة والغازات المنبعثة الأمبيرات لا تغطي إلا فترة زمنية محدودة من 7-10 ساعات ارتباطها بالكهرباء الرئيسية لعودة شحنها عدم ضمان الجودة بسبب انتشار الالواح الرديئة
الشيوع تراجع استخدام المولدات كثيرًا   هي الأكثر شيوعًا المردود يتعلق بعدد الألواح وبالتكلفة التأسيسية، وهي غير متاحة إلا للقلة

أما المصادر البديلة لتوليد الكهرباء فيمكن تصنيفها بالشكل رقم (21)

الشكل (21) الأنماط البديلة لتوليد الكهرباء

بدائل الغاز للطبخ
البديل سخانات وأفران كهربائية حطب بابور كاز قديم
ملاءمة استخدامها تعمل فقط عند توفر الكهرباء يرتبط بالريف والأمكنة الملائمة يعتمد على توفر الكاز وهو نادر الوجود وغالي
صعوباتها غالبًا تنعدم قدرة التحكم في حرارتها، وأعطالها كثيرة غلاء سعره وعدم توفره في كل الأماكن يشكل بديلًا جزئيًا ومحدودًا

الشكل (22) بدائل الغاز للطبخ

بدائل المازوت للتدفئة
سخانات كهرباء ومكيفات غاز منزلي حطب وكل ما يحترق ثياب سميكة

وأغطية ولحف وبطانيات

تتوفر فقط عند وصل الكهرباء غير متوفر وسعره غال جدًا، وغير آمن يسبب الاختناقات والحرائق متوفر جزئيًا في الأرياف وسعره غال جدًا ويسبب اختناقات وأمراضًا تنفسية  

الشكل (23) بدائل المازوت للتدفئة

وعلى الرغم من انخفاض نسبة الاعتماد على الحطب ضمن العينة، واقتصارها على 8،5%، فإنها أعلى كثيرًا في المناطق الريفية، ومع اضطرار أفراد العينة الريفيين إلى التحطيب الدائم من الأحراج والغابات، أو شراء الحطب، فقد شكا بعض أفراد العينة من ارتفاع أسعار الحطب مع ازدياد الحاجة إليه للتدفئة والطبخ، وتخوف جزء من أفراد العينة مع اتساع الاعتماد على الحطب كمصدر طاقة بديل، بما يزيد من المخاطر البيئية وآثارها المستقبلية الناجمة عن التحطيب الجائر وأثره في انحسار المساحات الخضراء وعلى الثروة الحراجية، وتأثيراته اللاحقة في المناخ والتربة[43].

الفصل الرابع: أثر غياب الطاقة في مهن الصيانة المنزلية وخدماتها
أولًا- تداعيات شح الطاقة على أصحاب المهن

أسهم شحّ الطاقة وارتفاع أسعارها في خروج مزيد من المهنيين والحرفيين من سورية، أو من سوق العمل المهني، بسبب غياب الجدوى الاقتصادية، وعدم قدرتهم على إنجاز أعمالهم وإصلاحاتهم في غياب مصادر الطاقة، وكان لنقص عددهم، بسبب هجرة أعداد كبيرة منهم إلى بلدان أخرى، واشتداد أزمات الطاقة، تبعات اجتماعية تتعلق بصعوبة الحصول على الخدمات المهنية المرتبطة بالواقع المعيشي، ومن أهمها خدمات الإصلاح والصيانة للقطع الكهربائية الرئيسية، كالبراد والغسالة والمكيف والقطع الإلكترونية والبطاريات والشواحن والحواسب المحمولة، والأعطال المتعلقة بشبكة الكهرباء المنزلية وشبكة المياه والصرف الصحي، وخدمات الصيانة المنزلية كمضخات المياه، ومع نقص عدد المهنيين باتت عمليات الإصلاح والصيانة تتطلب مزيدًا من الوقت والمال، ما شكل أعباءً إضافيةً على العائلات السورية.

وانعكس شح الطاقة بتداعياته على مجموعة إضافية من المهن الضرورية، كمهن الحلاقة والكوي والخياطة والحدادة والنجارة، وبعض المهن الغذائية كصناعة الألبان والأجبان[44] والحلويات والبوظة والعصائر، ومحال الفلافل والحمص المطحون والفول ومحال بيع الأسماك ومقاهي النت وألعاب الفيديو، كما انعكس على مجمل أعمال الصيانة المنزلية والخدمية التي لا يمكن إنجازها إلا بوجود حوامل الطاقة وبالأخص الطاقة الكهربائية.

وجرّب عدد من أصحاب المهن استخدام المولدات كبديل ممكن، خلال السنوات الأولى من أزمة الطاقة في سورية، غير أن اشتداد الأزمة وارتفاع التقنين، والقفزات السعرية العالية للمشتقات النفطية وبخاصة منذ عام 2019 أدت إلى تراجع كبير في استخدام المولدات لصعوبة الحصول على البنزين أو المازوت الضروري لها من جهة، ولارتفاع تكاليف نقل المولدة من جهة ثانية، ولارتفاع تكاليف الحصول عليها في حال وجودها.

وأمام هذا الواقع، تنوعت خيارات أصحاب المهن بين الهجرة[45] والإغلاق[46] وتبديل المهنة، أو الاستمرار ضمن ظروف اقتصادية غير مواتية، دفعت بعضهم إلى اعتماد مبدأ الكشف المأجور عن الأعطال متضمنًا أجور المواصلات، بغض النظر عن إصلاح الأعطال، وهو أمر لم يكن شائعًا ضمن أخلاق المهنيين والحرفيين في سورية.

 واتفق 72.5% من أفراد العينة على ازدياد مصاعب الحصول على الخدمات المهنية المطلوبة لصيانة الأجهزة الكهربائية، لارتباط عمل تلك المهن بالطاقة ارتباطًا رئيسيًا، وأكد 66% منهم تراجع الأعمال المهنية في المستويين النوعي والكمي، بسبب غياب الطاقة، وربط 44،5% منهم بين شح الطاقة وغياب المواد الأولية والمستلزمات الضرورية للمهن، وأكد 52%  وجود ترابط بين تراجع الأعمال المهنية وصعوبة المواصلات والتنقل، فيما رأى 2% من العينة أنه لا تداعيات لشح الطاقة على المهن، وأجاب 1،5% بأنهم لا يعرفون شيئًا عن الموضوع.

وتنوعت الأسباب بين تراجع عدد عمال الصيانة، وحاجة عمال الصيانة إلى وجود الكهرباء والطاقة لإنجاز أعمالهم، وبين ارتفاع أسعار خدمات الصيانة، وأسعار القطع التبديلية بما يفوق قدرة السوريين معظمهم، وصولًا إلى عجز بعضهم عن دفع تلك التكاليف، وإبقاء القطع الكهربائية معطلة، وحتى السعي إلى التخلص منها، وبيعها في سوق القطع المستعملة.

الإطار 4: غياب الكهرباء وأصحاب المهن
أمجد (عامل مهني في تصليح البرادات/ ريف دمشق) شكا من تراجع عمله، بسبب غياب الكهرباء، وقال: “في حال استخدام المولدة، ترتفع تكاليف الإصلاح المرتفعة أصلًا، فيرفض أغلب الزبائن الإصلاح، وفي الحالتين يقلّ عملي بشكل كبير”.

أما وسام (مصلح غسالات/ دمشق) فقد أكد انه بات يطلب أجرة معينة لمجرد الكشف عن أعطال الغسالات في البيوت، بغض النظر عن إصلاحها، فأجور التنقل باتت عالية، ولا يجب أن يتحمل تكلفتها.

وبالمثل، اشتكت سوسن (طبيبة أسنان/ ريف حماة) من تداعيات غياب الكهرباء على عملها.

وقال جلال (محام/ حماة) إنه يضطر، بحكم عمله، إلى أن يشحن حاسوبه عن طريق المولدة العاملة على البنزين، ما يكبده نفقات كبيرة.

وقال صلاح (صاحب مصنع ألبان صغير/ دمشق): “انخفضت كمية الألبان التي أصنعها إلى النصف، لعدم توفر الغاز لتسخين الحليب، إضافة إلى أن كثيرًا من المحال توقفت عن شراء المنتجات التي تحتاج إلى براد مثل الألبان والأجبان والبوظة”.

وعبرت هالة (معلمة 22 عامًا، متزوجة ولديها طفلان) عن الحال باختصار شديد: “بغياب الطاقة يوجد بطء وتأخير دائم في إنجاز المهمات، كل شيء صار أصعب”، حتى في المعاملات ودفع الفواتير نضطر إلى الذهاب مرات عدة.

أما وليد (متزوج وأب لطفلين/ ريف دمشق)، فقد قال: أصبحنا نصلّح ونرمم بأيدينا.

فيما قال خضر (عامل/ ريف حماة): نبيع كل ما يتعطل، لا مجال للإصلاح أو شراء الجديد.

وقالت الشابة حلا (موظفة في دمشق وقاطنة في ريف دمشق): “أفكر جديًا في ترك وظيفتي في دمشق؛ فالمواصلات تستهلك نصف الراتب، عدا المشقة اليومية”.

محمود (مزارع من ريف حماة الغربي) قال: “كفلاح، حاليًا لم أعد قادرًا على استخدام أنواع التقنية.. كالري بالمضخة.. أو الفلاحة بالتراكتور.. أو التقليم بالمنشار الآلي وحتى جني المحصول أو نقل الثمار لم يعد مجديًا للكميات القليلة منه في أغلب الأحيان؛ فتكلفة النقل باتت أعلى من الفائدة المقدمة لزراعة صغيرة تثمر تباعًا.. أميل إلى زراعة المحصول الواحد بقدر الإمكان.. أو أضطر إلى قطع مسافات طويلة للحصول على كمية قليلة من الخضار والفاكهة من أرضي البعيدة.

نماذج من إجابات أصحاب المهن في عينة البحث

وكانت سورية قد خسرت أعدادًا كبيرة من الكادر المهني وأصحاب اليد الماهرة خلال سنوات الحرب، وطغت العوامل الأمنية والهجرة والنزوح والتجنيد الإجباري والاحتياطي، والبحث عن سبل العيش، قبل عام 2019 على أسباب تناقص أعدادهم، لارتباط المهن والحرف في المجتمع السوري بالذكور عمومًا، ومع غياب البيانات الرسمية، والدراسات عن أعدادهم، خضعت تقديرات الخسارة في صفوفهم إلى نسب الهجرة العامة، وأفادت تقارير عن تسرب 30% من اليد العاملة الفنية المتخصصة في قطاع الكهرباء[47]، غير أن انخفاض كميات الطاقة في سورية وتقنينها الشديد شكّل بعد عام 2019 عاملًا حاسمًا[48]، في إجبار الباقين منهم على اتخاذ مسارات متعددة تنوعت بين الاستمرار ضمن ظروف قاسية أو تبديل المهنة أو الهجرة خارج البلاد.

ثانيًا- تداعيات شحّ الطاقة على الواقع المعيشي المرتبط بالمهن

أدى خروج القسم الأكبر من المهنيين والحرفيين من سوق العمل، وعجز الباقين منهم عن أداء وظائفهم في ظل تقنين مصادر الطاقة إلى إضفاء مزيد من التعقيدات على الواقع المعيشي للمواطنين لارتباط تلك المهن بتفاصيل حياتهم اليومية، وحاجتهم الملحة إلى استمرار عمل تلك الأجهزة الكهربائية، ولو بالحد الأدنى من وظائفها، لتأمين احتياجات الطبخ وتخزين الطعام والغسيل والاستحمام وتأمين مياه الشرب وغسيل الثياب وكيّها، والحصول على قليل من التدفئة والتبريد، إضافة إلى شحن البطاريات، وضرورة استمرار عمل أجهزة وسائل الاتصال الضرورية.

وفي الأغلب إن عدم القدرة على إصلاح أعطال الأجهزة الكهربائية الضرورية[49] لم يتوقف عند حرمان الأسرة من وظائف الأجهزة الكهربائية، وإنما تعداه إلى تحميل العائلة، وبالأخص النساء، والنساء العاملات، مزيدًا من الأعباء في محاولة للتكيف القسري أو سد النقص، فعطل الغسالة لا يوقف الغسيل، وعطل مضخة المياه لا يلغي الحاجة الملحة إلى تأمين مصادر مياه بديلة.

وفي المقابل، بشكل لا يقل قساوة، تجلت خيارات العائلات السورية، في الحصول على خدمة أصحاب المهن بأجور مرتفعة، وجودة أقل وبلا كفالة، ومع زمن انتظار أطول، أو ترك الأعطال على حالها والاستغناء عن خدماتها، أو بيع القطع المعطلة، واتجهت العائلات معظمها إلى مبدأ الإصلاح الذاتي للقضايا البسيطة والممكنة كأعمال الترميم.

وتزايدت الأعباء الاجتماعية على الأسر والعائلات السورية مع الانقطاعات المفاجئة والمتكررة للتيار الكهربائي وضعف التيار، واعتماد وزارة الكهرباء لنظام الحماية الترددي، ما سبب عطب معظم الأجهزة الكهربائية، وتعطل بعضها مرات عدة، ومن أهمها البراد والغسالة والمكيف.

واعتبر 62% من العينة أن تكاليف الإنتاج والإصلاح زادت، بسبب شح مصادر الطاقة، فيما رأى 47% أن تأثيرات شح الطاقة امتدت حتى على الخدمات الحكومية كاستخراج الأوراق الثبوتية والمعاملات ودفع الفواتير لارتباطها بالكهرباء، وبات زمن الحصول على تلك الخدمة يستغرق وقتًا أطول كثيرًا، وأكد 37% من العينة اضطرارهم إلى إصلاح عدد من الأعطال بأنفسهم، بسبب صعوبة الحصول على الخدمة المهنية وارتفاع تكاليفها.

الإطار 5: انقطاع الكهرباء وإنجاز المهمات الوظيفية
في معظم دوائر الدولة، أغلب المعاملات تكون مؤجلة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وأغلب المهن ارتفعت أسعار خدماتها كالحلاقة أو طبيب الأسنان أو المخابر، بحجة استعمالهم المولدات التي تعتمد على البنزين الحر.

– الكهرباء عصب الحياة، فما بالنا وهي شبه معدومة!! عملي كله على الكمبيوتر.

-يعني تتعطل مناحي الحياة كلها خدميًا ومهنيًا ومنزليًا ودراسيًا و…..، عدم توافر مادة البنزين بسبب اعتماد العمل الذي أقوم به على السيارة التي تتطلب كثيرًا من البنزين، بالنسبة إلينا المواصلات هي العائق الأكبر.

– دراسة الأولاد صارت مستحيلة، لقلة الكهرباء والإضاءة في الليل، حتى في دوائر الدولة يحصل تأخير في إنجاز الأعمال بسبب عدم وجود كهرباء.

– أبي يعمل خياطًا ولا يستطيع أن يعمل في محله طوال النهار بسبب قطع الكهرباء، وماكينة الخياطة لا تشغلها بطارية صغيرة، ولا يستطيع أن يركب ألواح طاقة شمسية لأنها غالية وكل سنة يحتاج إلى تبديل البطاريات وهو لا يستطيع.

كل شيء دومًا مؤجل، حتى في الدوائر الرسمية دومًا المبرر والعذر لا يوجد كهرباء، والحرف والمحال والأدوات داخل المحال كالبرادات وغيرها كلها بحاجة إلى كهرباء مستمرة، وألا تتعطل هي وغيرها، إنها مشكلة كبيرة، تؤثر في الإنتاجية والربح والعمل نفسه، وللأسف لا بدائل.

أجوبة أفراد عينة البحث معظمهم

وبغض النظر عن المكان والحالة الاجتماعية والتعليمية والعمر والوظيفة، فقد أجمع أفراد العينة على التأثير السلبي الشديد لشح الطاقة في خدمات المهن كلها المتعلقة بأعمال الطاقة، والمرتبطة بشكل لصيق ويومي بمتطلبات الحياة وتفاصيلها ضمن المنزل، وعدم قدرتهم على إصلاح الأعطال، أو تكبدهم عند الضرورة مبالغ خيالية، وأكدوا دور شح الطاقة في تأخرهم شبه الدائم في الوصول إلى أماكن عملهم، عدا مشقة الانتظار وتكاليف المواصلات الباهظة، فيما شكل الوضع الاقتصادي لأفراد العينة فارقًا كميًا بدرجات تتعلق بقدرة البعض على دفع تكاليف الإصلاح، واستغناء البعض عن القطع الكهربائية وبيعها.

الفصل الخامس: الظواهر الاجتماعية السلبية التي ارتفعت نسبتها

 فاقم التقنين الشديد، مع الغياب شبه الكلي لمصادر الطاقة في مناطق النظام، صعوبات الحياة الناجمة عن الحرب وتداعياتها الاقتصادية، وأبرزها ضعف الدخل وتدني القوة الشرائية، وانخفاض الدعم الحكومي، وارتفاع منسوب الفساد، وأدى الحرمان من خدمات الطاقة الضرورية إلى تكريس مزيد من المشاعر القهرية الغاضبة، والإحساس بغياب شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

ومع غياب الخدمات الضرورية للحياة، برزت المشاعر السلبية لدى السوريين، وأنتجت مزيدًا من القابلية والاستعداد للانحراف والتشوهات الاجتماعية الناجمة عن مشاعر الضيق والتوتر والقلق، بسبب نقص الاحتياجات الرئيسية، كالإنارة والتدفئة ووسائل إعداد الطعام وحفظه وتبريده، وغياب المياه بشكل عام، والمياه الساخنة للاستحمام والعناية بالمظهر، وصعوبة التنقل والمواصلات، وصعوبة النوم والدراسة، وارتفاع مخاطر الأمراض والأوبئة، وضعف التواصل الشخصي بين الأقرباء والعائلة، وانعدام وسائل التسلية والترفيه.

 ومع الفقر الشديد وارتفاع عامل التزاحم المكاني في البيوت بفعل وباء كوفيد 19، وفرت المشاعر السلبية لدى البعض قابلية الانخراط في نشاط جرمي وغير أخلاقي، وتجلى ذلك بارتفاع معدلات الجريمة، وعلى رأسها جرائم السرقة والسطو المرتبطة بكل من حالة العوز العامة، وحالة الاعتياد على السرقة، وممارسة و(التشبيح) من أفراد ميليشيات سابقين في زمن الحرب أو حاليين.

 ومن الطبيعي أن يخلق الضيق العام وانعدام الأمل مزيدًا من التوتر، وأن يفضي إلى مزيد من الخلافات والمشاحنات والجرائم العامة، والجرائم العائلية، ويسهم في رفع معدلات الانتحار، ويمكن لمشاعر الإحباط والعجز ومحاولات الهرب من الواقع أن تدفع بمزيد من أفراد المجتمع نحو تعاطي المخدرات وإدمانها، بما يؤشر وينعكس في الوقت ذاته على تنامي المظاهر السلبية اجتماعيًا، كالطلاق والتحرّش والدعارة والبطالة وعمالة الأطفال، وتسربهم من المدارس، وصولًا إلى انخفاض كارثي في عتبة الأمان الصحي، المرتبط بتراجع مستويات الأمن الغذائي في سورية إلى مستوى الدول العشرة الأخيرة[50].

 ومع عدم إغفال العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لمجمل التشوهات والانحرافات في المجتمعات المهشمة كالمجتمع السوري، بسبب الاستبداد الطويل أو تداعيات للحرب الممتدة منذ عام 2011، ومع صعوبة عزل تلك العوامل عن بعضها، وتحديد نسبها الكمية، فإن ظهور عامل شح الطاقة وتداعياته العنيفة في مستوى الحياة اليومية للسوريين جعله واحدًا من أبرز العوامل الفاعلة في مجمل المظاهر السلبية والانحرافات الاجتماعية.

وأظهرت الاستبانة التي أجراها فريق البحث أن 30% من أفراد العينة عبّروا عن وجود دور فاعل لانخفاض مصادر الطاقة في ارتفاع مستويات الطلاق في المجتمع، ورأى 22،5% منهم دورًا مشابهًا لارتفاع معدلات العنف الأسري، بسبب انخفاض خدمات الطاقة، كما ربط 22،5% بين ارتفاع معدلات الدعارة والتحرش الجنسي وتداعيات شح مصادر الطاقة، ورأى 7،5% أن شح الطاقة من العوامل المسببة للتشرد وعمالة الأطفال، ورأى 5% أن شحّ الطاقة أحد مسببات زيادة تعاطي المخدرات.

الشكل 24 دور شح الطاقة في تزايد الجرائم والمظاهر السلبية

الإطار 6: الظواهر الاجتماعية السلبية
عبارات كررها أفراد العينة:

انتشار حالات الطلاق والانتحار، ارتفع منسوب العنف الأسري.. ازدادت حالات الطلاق. ازدادت ظاهرة السرقة.. انهارت مفهومات الأخلاق.. ارتفعت مستويات الكآبة..

هذه الظواهر كلها (العنف الأسري وبين الأفراد، السرقة، القتل، الانتحار، الطلاق، الدعارة..) أصبحت موجودة وبكثرة في معظم المناطق النائية.

أعتقد أن السرقة منتشرة بشكل كبير؛ سرقة مضخات الماء والموتورات أيضًا، المخدرات منتشرة والحشيش، وبخاصة بين الشباب.

لقد أصبح هناك عنف كبير بين الأشخاص، وبخاصة بين الأطفال، لم يعد الطفل يلعب كألعاب من في عمره، إنه يلعب وكل كلامه عن الحرب والأسلحة والدمار، وكثرت السرقات بسبب قلة الأموال، وكثر القتل، وبيوت الدعارة أصبحت كثيرة بسبب قلة الرقابة والاهتمام بهذا الجانب.

ظهرت في مرحلة الحرب ظواهر مستهجنة، لم نكن نسمع بها في مجتمعنا السوري، بل لم تكن تطرق مسامعنا ولو بحالات نادرة! فالخطف وابتزاز الخاطفين لأهل المخطوف.. زيادة حالات السرقة.. انتشار الدعارة بحثًا عن مردود مادي جيد بزعمهم، إن لم يكن دون الجيد!! وغير ذلك مما يعزى إلى تردي الحالة المعيشية..

وكذلك زادت حالات الطلاق مع ازدياد المشكلات الأسرية التي تعزى إلى قلة المردود المادي للأسرة، قياسًا بنفقات الاستهلاك وما إلى هناك من أمور سلبية أخرى، كتسجيل حالات انتحار هربًا من الواقع المأساوي.

أجوبة أفراد عينة البحث معظمهم.

أولًا- السرقة:

احتلت السرقة أعلى نسبة 37% في أجوبة أفراد العينة التي وجدت ربطًا بين تناقص مصادر الطاقة وازدياد الانحرافات الاجتماعية، ورأى كثيرون من أفراد العينة أنها تحولت إلى ظاهرة عامة متعددة الأسباب، ومنها سبب شح الطاقة.

وأسهم واقع شح الطاقة في تنامي السرقات في سورية التي سادها (التعفيش) خلال سنوات الصراع الدامية، ووفر شح الطاقة وانعدام الإضاءة أجواء مواتية للسرقة في ظروف العتمة وقلة العابرين ليلًا، وأفضى شح الطاقة بمنعكساته الاقتصادية وتداعياته الاجتماعية إلى تعميم ظاهرة السرقات حتى في النهار، لتطال المنشآت والمحال التجارية والصناعية والزراعية، والأفراد والدراجات النارية والعادية، كما طالت أسلاك شبكتي الكهرباء والهاتف وأغطية الصرف الصحي المعدنية[51]، إضافة إلى محتويات البيوت، وبالأخص البيوت المغلقة، واستهدفت السرقات حقائب النساء والموبايلات ودواليب السيارات وحتى البنزين الموجود في خزانات السيارات[52].

الإطار 6-1: غياب مصادر الطاقة وانتشار السرقة
خليل (ريف دمشق) عبّر عن الأمر بقوله: لا يوجد أمان على الممتلكات، كنا نترك عدة الزراعة في الحقل لأيام، أما الآن مع انتشار السرقة فلا يمكنك ترك حتى عبوة مياه فارغة. وأكدت زوجته (لينا) أنها باتت تخاف من لبس الخاتم، خشية التعرض لها في الطريق بقصد السرقة، أما ناصر، فقدم مبررات للسرقة: “صعب على الأب أن يدخل بيته ويجدَ أبناءه يعانون الجوع والبرد، ولا غاز ولا مازوت ولا كهرباء، صدقًا.. أفكر أحيانًا بالسرقة”.

بعض أفراد عينة الدراسة

وفيما تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع عدد السرقات بنسبة 50 إلى 60 في المئة[53] في 2021، فإن هذه الأرقام تبدو متواضعة جدًا قياسًا بالأرقام الفعلية، لامتناع السوريين عن تسجيل كثير من شكاوى السرقة، لعدم جدواها في الأغلب، وتجنبًا لمتاهات التعامل مع الأجهزة الأمنية والشرطة في سورية.

ثانيًا- الطلاق:

 حاز الطلاق ثاني أكبر نسبة في القضايا الاجتماعية التي تأثرت بعوامل شحّ الطاقة، ووجد 30% من أفراد العينة أن حالات الطلاق ارتفعت نسبها ارتفاعًا ظاهريًا، وتصدرت الأحوال المعيشية المتردية بصورة مضاعفة، بسبب غياب الطاقة وخدماتها، أبرز أسباب الطلاق.

 أضاف شح الطاقة وغياب خدماتها المنزلية مزيدًا من الظروف القهرية على العائلة السورية، فارتفعت نسب الطلاق في سورية إلى ما يعادل ثلث عدد حالات الزواج، فبمقابل 30 ألف حالة زواج في دمشق، جرت 10 آلاف حالة طلاق[54]، وبحسب مستشار في شؤون الأسرة فهد سعد الدين، فإن الكارثة الاجتماعية في حالات الطلاق لا تتوقف عند النسب المرتفعة له، وإنما تكمن في انتشاره بكثرة عند كبار السنّ، لينهي عقود زواج امتدت أحيانًا إلى خمسين عامًا[55]، أما القاضي الشرعي الأول خالد جندية، فأرجع أسباب الارتفاع في حالات الطلاق إلى الفقر والأحوال المعيشية، وعدم الانسجام الفكري[56]، وكانت الأحوال المعيشية قد تراجعت بشدة في عام 2021 لتسجل ارتفاعًا عن العام السابق له بنسبة 21 في المئة، وبلغ العدد الكلي للمحتاجين إلى مساعدات في سورية إلى 13،4 مليون شخص، حيث “أصبح النقص المستمر في السلع الأساسية، بما فيها الخبز والوقود أمرًا شائعًا”[57].

ثالثًا- العنف العائلي:

 جاء العنف العائلي في المرتبة الثالثة، بعد السرقة والطلاق، بحسب الاستبانة التي أجراها فريق البحث، عن الجرائم والانحرافات الاجتماعية التي تأثرت بوضوح بمنعكسات شحّ الطاقة، ورأى 22،5% من أفراد العينة أن الظروف القهرية المضافة التي أوجدها عامل شح الطاقة أسهمت في ارتفاع منسوب العنف العائلي.

 وتزامن ارتفاع حدة التقنين مع ظهور وباء كوفيد 19، وعملت الظروف المعيشية القاسية مع حالة العزلة والتباعد الاجتماعي على خلق مزيد من الاحتكاك السلبي بين أفراد العائلة، وزيادة العنف العام والعنف القائم على النوع الاجتماعي[58] الموجه ضد النساء والأطفال، وفاقم غياب خدمات الطاقة الضرورية في المنزل من حدة السلوك العدواني وأشكاله الموجهة ضدّ أفراد من العائلة من آخرين فيها، نتيجة الضيق والشعور بالعجز والاكتئاب الناجم عن قلة الإضاءة والبرد وعوامل الفقر العامة[59].

الإطار 6-2: غياب الكهرباء وتصاعد العنف المنزلي
سهام (متزوجة وأمّ لثلاثة أطفال/ دمشق) قالت: “تغير زوجي، وأصبح عنيفًا في السنوات الماضية، بسبب ازدياد الأحوال المعيشية سوءًا، نعاني مع أطفالنا البرد والجوع والأحوال المعيشية السيئة، وجو البيت متوتر ومشحون دائمًا والأولاد خائفون، وأتوقع أن يضربني عند مطالبتي له بأي شيء، وكنا تطلقنا أكثر من مرة، ولكننا عدنا لأنّ خياراتنا ضيقة.

وأكد عبد الله (موظف قطاع عام/ حماة) دور التوتر الناجم من شحّ الطاقة في المنزل: “أنا شخصيًّا طلقت زوجتي مرة بساعة غضب، بسبب طلباتها الضرورية للبيت والأولاد، بالطبع هي محقة، وأنا أيضًا محق، كوني أعمل بطاقتي القصوى، وبالكاد أحصل على وجبتين في النهار، وعدد محدود من ساعات النوم، ولكن ما الحل!”.

بعض أفراد عينة الدراسة

 وتعددت أشكال العنف العائلي من التعنيف اللفظي والضرب، وصولًا إلى ارتفاع جرائم القتل فيها، وبحسب الطبابة الشرعية في سورية، فإن نسبة عالية من جرائم القتل في مناطق النظام هي جرائم عائلية يكون القاتل والقتيل فيها من أسرة واحدة[60]، وهو ما يدل على التوتر الشديد داخل المنزل.

الإطار6-3: شح مصادر الطاقة وتصاعد جرائم القتل
وشكلت جريمة قتل الشابة “آيات الرفاعي”، على يد زوجها التي هزت الشارع السوري، نموذجًا مركبًا للجرائم العامة والجريمة العائلية والعنف ضد النساء، لارتباط دافعها المعلن بشح الطاقة، وحدثت الجريمة في شتاء 2022 على خلفية استخدام الشابة إبريق مياه ساخنة يعود إلى والد الزوج، ما دفع بالزوج إلى ضربها بعنف أدى إلى وفاتها على الفور[61].

رابعًا- التحرش الدعارة:

 خلقت الظروف الصعبة الناجمة عن تراجع سبل العيش وشحّ مصادر الطاقة مناخات أجبرت النساء على الوجود والتعايش إلى حد ما ضمن بيئات لا توفر لهن الحماية الجسدية والنفسية، فمع الازدحامات الخانقة في المواصلات، ارتفعت نسب التحرش ارتفاعًا ملحوظًا، ومع الحاجة إلى الخدمات الأخرى، اضطرت النساء إلى الوجود في أمكنة وأزمنة غير مواتية، تعرضن فيها للتحرش اللفظي والجسدي، ومع انقطاع الكهرباء وفرت العتمة في الشوارع مناخًا ملائمًا لزيادة التحرش، واضطرت بعض النساء إلى التنازل الجسدي، مقابل خدمات المواصلات أو خدمات مالية وعينية، واضطرت كثيرات إلى الصمت أو التجاوب مع تحرشات أرباب العمل، تحت ضغط الحاجة المادية المتزايدة، ورأت نسبة 22.5 % من العينة المدروسة أن حالات التحرش ارتفعت بالتوازي مع النقص في حوامل الطاقة، بسبب الظروف الصعبة التي نجمت عنها، وعلى رأسها الازدحام الخانق في المواصلات.

الإطار 6-4: ازدحام المواصلات والتحرش الجنسي
سلاف (موظفة قطاع عام/ دمشق) قالت: أتعرض يوميًا للعديد من حوادث التحرش في المواصلات العامة، وأضطر إلى الصمت عنها، “أحيانًا نضطر إلى الجلوس خمسة أشخاص في السرفيس ضمن مقعد يتسع لثلاثة أشخاص، لا مجال للحديث عن أي خصوصية جسدية، ولا مجال للحديث عن التحرش، بات أمرًا مفروغًا منه”.

واعترفت هدى (أرملة وأم لثلاثة أولاد) بأنها اضطرت إلى قضاء ليلة مع شخص استغلّ حاجتها إلى المال.

وذكر أشخاص من العينة صمت الأهل عن مصادر دخل مشبوهة لفتيات يُعِلن عائلاتهن، تحت ضغط الحاجة المتزايد.

بعض أفراد عينة الدراسة

خامسًا- انتشار الجريمة والمخدرات:

لعب النقص الشديد في مصادر الطاقة في سورية دورًا فاعلًا في انخفاض شبكات الأمان الاجتماعي، ضمن منظومة متهالكة ينخرها الفساد والاستبداد، وذلك من خلال غياب الخدمات الرئيسية وعجز أرباب الأسر من الإناث والذكور عن تأدية وظائف الحماية الأسرية، على الصعيدين الخدمي والاجتماعي، وما نتج منهما بفعل الضيق والغضب والتشوهات النفسية والقيمية، ومحاولة سدّ النقص المادي والخدمي بطرائق جرمية، أو محاولات الهرب من الواقع واستحقاقاته، كما في الإدمان على المخدرات.

وبحسب أفراد العينة، فإن 20% منهم ربط بين ارتفاع نسب الجرائم وشح الطاقة، وربط 5 % منهم بين انتشار المخدرات وتداعيات شح الطاقة، وبشكل ما يبدو الترابط واضحًا بين ارتفاع معدلات الجريمة في سورية، تبعًا لإحصاءات موقع (نومبيو) المختص، مع اشتداد أزمات الطاقة في سورية منذ عام 2019، والتدهور المتسارع في الواقع المعيشي، لارتباط تلك العوامل بعلاقة السبب والنتيجة، حيث راوح ترتيب سورية عالميًا في الأعوام الأخيرة بين المرتبتين التاسعة والعاشرة عالميًا، والأولى عربيًا[62].

الإطار6- 5: فقدان الطاقة وتعاطي المخدرات
 يقول فؤاد (مدرس في جامعة دمشق): “تتزايد الجريمة ويتزايد العنف المنزلي، أفاجأ أحيانًا بأشخاص أعرفهم، أسمع أنهم ارتكبوا جرائم، الظروف الصعبة تنتج واقعًا عنيفًا، وبالأخص لدى الشباب وذوي الأعمار الصغيرة الذين لا يجدون بارقة أمل لهم في المستقبل القريب، فيذهبون إلى الجريمة والمخدرات التي باتت تباع بشكل شبه علني، وتنتشر أفقيًا حتى بين طلاب المدارس، ومن الطبيعي أن يرتبط تأمين المال لجلب المخدرات بالسرقة والجريمة والعنف”.

بعض أفراد عينة الدراسة

ومع الإدمان، شاع الاتجار بالمخدرات كلها (الكوكايين Cocaine، الأفيون Opioids، ميثأمفيتامين Methamphetmine، الهيروين Heroine، الماريجونا Marijuana، فطر السيلوسيبين Psilocybin Mushrooms)، وكذلك الرخيصة، وعلى رأسها الحشيشة وحبوب الأمفيتامين Amphetamine، إضافة إلى ظهور أصناف جديدة، كالميت والسيلفا والكريستال.. وأكد الدكتور غاندي فرح، مدير مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في العباسيين بدمشق، انتشار المخدرات، أفقيًا وعموديًا، وبخاصة عند اليافعين وطلاب المدارس، وكشف عن وجود 100حالة يصحبها الأهل إلى العيادة يوميًا[63]، لوجود أعراض غريبة على أبنائهم، بسبب المخدرات.

 وبرز العامل الاقتصادي المتردي والمتقاطع مع شح الطاقة وتداعياته الاجتماعية، من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة زواج القاصرات إلى 13% في سورية[64]، فيما كانت قبل الحرب بحدود نسبة 3%.

سادسًا – الحالة النفسية السلوكية للسوريين.

غلبت السمات النفسية الاجتماعية ذات الطابع السلبي على ملامح صورة الشخصية السورية، لدى معظم أفراد عينة الدراسة، من خلال تعبيرات: التوتر، العزلة، الحزن، الإحباط، العصبية الزائدة، الاكتئاب، الغضب، الاستياء.

وأظهرت الاستبانة التي أجراها فريق البحث أن كل أفراد العينة يخضعون لمشاعر سلبية، عند غياب مصادر الطاقة، وصلت عند 4 % منهم إلى التفكير بالانتحار، وتوزعت تلك المشاعر وفق صيغ نفسية متشابهة إلى حد ما، حيث عبر 14% منهم عن الشعور بالإحباط والعجز، وتساوى الحزن والاكتئاب بـ 13% لكل منهما، وتساوت حالة اليأس والرغبة في الهرب مع حالة التوتر بـ 12% لكل منهما، وعبر 10% منهم عن الشعور بالغضب، و8% بالشعور بالعصبية، وأيضًا 8% شعروا بالقلق والخوف من المستقبل، فيما عبر 6% منهم عن ميلهم إلى الشتائم والشجار.

الشكل 25 وصف الحالة النفسية للسوريين في أثناء غياب الطاقة

الفصل السادس: تأثير نقص الطاقة في الصحة

شكل نقص مصادر الطاقة واحدًا من العوامل المرضية الرئيسية في المجتمع السوري، وبالأخص عند الأطفال وكبار السنّ والمرضى الدائمين، فمع اشتداد البرد ترتفع الأمراض التنفسية وأمراض المفاصل والروماتيزم، ومع الحرّ الشديد تنتشر الأمراض المعوية والأوبئة ومنها الكوليرا[65].

“أدى الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات إلى سحق سُبل معيشة الناس، وجردهم من الخيارات القابلة للتطبيق، حيث تواجه العائلات المعدمة قرارات يصعب التعامل معها، مثل شراء الدواء من أجل ذويهم المرضى أو تأمين الطعام، وإرسال أولادهم إلى المدرسة أو العمل كي يؤمنوا كلفة احتياجات الأسرة الأساسية”[66].

 وكشف 48% من أفراد العينة أنهم يمتنعون عن زيارة الطبيب إلا عند الضرورة القصوى، ويكتفون بشراء الدواء من الصيدلية، وفقًا للتشخيص الذاتي لأمراضهم بوساطة الإنترنت أو بحسب عوامل الخبرة، وأكد 43% منهم تزايد اعتمادهم شراء الأدوية والمسكنات خارج إطار الوصفة الطبية أو استنادًا إلى استشارة الصيدلاني وشرح الأعراض له، فيما أشارت نسبة 17% منهم إلى ارتفاع لجوئهم إلى التداوي بالوصفات الشعبية والأعشاب تجنبًا لمصروفات التداوي العالية.

الشكل 26 أبرز أنماط التداوي في ظل شح الطاقة وتردي الواقع المعيشي

 وأكد 39% من أفراد العينة عجزهم عن شراء الأدوية النوعية والأجنبية، لارتفاع أسعارها، وتراجع فاعلية الأدوية الوطنية، فيما ربط 42% بين تأثيرات شح الطاقة وزيادة العوامل المرضية، وربط 34% بين شح الطاقة وانعكاسات ذلك على ارتفاع أسعار التحاليل الطبية.

الإطار 7: فقدان الطاقة وتصاعد الأمراض الجسدية
 صالح (65 عامًا، موظف متقاعد، دمشق) يقول: يفاقم البرد أمراضنا… وزيارة الطبيب أصبحت كارثة، الكشفية مرتفعة، أقل كشفية طبيب الآن هي 10 آلاف ليرة، فضلًا عن تكلفة التحاليل والصور والأشعة والأدوية، والأسوأ حين يشترط الطبيب علينا الحصول على الدفء والغذاء الجيد للشفاء، بالطبع، لا نستطيع دفع تكلفة الرعاية الصحية، إنما نستعيض عنها بشراء المسكنات مباشرة من الصيدلية او استشارة الصيدلاني، وأحيانًا نصف الأدوية لأنفسنا من منطق الخبرة، أو نرجع للتداوي بالأعشاب، وكانت المستوصفات والمستشفيات الحكومية وبعض الجمعيات تقدّم بعض الأدوية، لكن معظمها توقف، في الواقع لم نعد نخشى الموت، لكننا نخاف الحياة مع الألم ومع العجز.

بعض أفراد عينة البحث

ومع غياب التدفئة، ارتفعت الأمراض التنفسية الناجمة عن إحراق الخشب والكرتون والبلاستيك وبعض المواد السامة أيضًا، وشكلت الظروف غير الصحية لحفظ الطعام عاملًا رئيسيًا لكثير من الأمراض، ومن أهمها زيادة الإنتانات المعوية، كما أشار مدير مستشفى المجتهد في دمشق، بسبب نقص الكهرباء[67]، في حين يؤدي غياب التبريد الضروري لحفظ بعض الأدوية إلى تلفها أو فقدانها الفاعلية الرئيسية لها، مما يفاقم الحالات المرضية ويمنع شفاءها أو يؤخره.

الشكل27 التأثير الممرض لغياب مصادر الطاقة

الفصل السابع: شحّ الطاقة كفاعل اجتماعي

فرض الزمن المديد لشح الطاقة والتقنين الممتدين أكثر من عقد من الزمن في سورية مجموعة من السلوكات الفردية والاجتماعية، داخل الأسر وخارجها؛ مع الأقرباء والأصدقاء والجيران، وتحولت التدابير الروتينية اليومية الناجمة عن التقنين إلى عادات متبعة ومنتظمة، فامتدت آثارها عند أغلب الشرائح إلى أنماط العلاقات الاجتماعية وأشكال العلاقات التفاعلية وطبيعتها. وفي المقابل، انحسرت، بفعل التدابير الجديدة المرتبطة بنقص الطاقة والواقع المعيشي، عادات اجتماعية متأصلة ومألوفة لم يعد بالإمكان الحفاظ عليها أو الاستمرار قي ممارستها بالنسب والوتائر السابقة.

الشرائح الأكثر ارتياحًا على الصعيد المادي حاولت المواظبة على عاداتها وسلوكاتها بقدر ما، في أثناء الحرب، غير أن التدهور المستمر للوضع الاقتصادي وارتباطه المباشر بشح الطاقة وتأثيراته في الحياة اليومية والعامة، كرس التحوّل، بشكل أوسع، كناتج قسري للظروف العامة.

 وتبعًا لحالة الأفراد والعائلات، حصل التغير في منظومة العلاقات الاجتماعية السائدة على صعيدي الشكل والمحتوى، فتهشمت في بعض أجزائها الروابط الاجتماعية والتفاعلية المباشرة، وتحولت في بعض أجزائها إلى أشكال جديدة، فانخفض التواصل الاجتماعي القائم على الزيارات الشخصية حتى مع المقربين، وتراجعت نسب المشاركة في المناسبات الاجتماعية، كالأفراح والمباركات بالمواليد والنجاح، وزيارة المرضى والتعازي، وقُلّصت الهدايا المرتبطة بها وتراجعت قيمتها المادية، وتوقفت الهدايا والمباركات عند البعض الآخر بشكل كلي لعدم القدرة على تحمل تكاليفها.

الإطار 8: فقدان المواصلات وتراجع العلاقات الاجتماعية (مقتطفات مما قاله بعض أفراد عينة البحث)
تراجعت علاقتي مع الأصدقاء والأقرباء، بحسب مكان وجودهم وبعدهم عني، حتى القريبون مني تضاءلت الزيارات بيننا، أما البعيدون فلا مجال سوى للتواصل الهاتفي. وهذا حال اجتماع العائلة الذي بات يشكل عبئًا كبيرًا، فلا مواصلات في العطل، وكل زيارة تكلفنا أكثر من نصف راتب. وبصراحة، غالبًا ما أكتفي بالاطمئنان على والديّ بالهاتف وأعتذر منهما، وهما يقدّران ذلك، أما إخوتي فمن النادر أن أراهم أيضًا بسبب المواصلات. وأحافظ على علاقة طيبة مع الجيران مع زيارات نادرة.

في الفترة الأولى من الحرب، كانت هناك مظاهر عدة للتكافل الاجتماعي!! لكن عندما طالت الأزمة واشتدت الأمور وزادت بؤسًا وشقاءً، أصبح شعار الأغلبية (اللهم أسألك نفسي) إلا البعض ممن ما يزالون على الوتيرة نفسها من بداية الحرب إلى الآن، من مساعدة الآخرين وتخصيص مبلغ شهري لهذه الغاية، طبعًا هم من المقتدرين نسبيًا. فيما بعد خف التكافل الاجتماعي بدرجة كبيرة بسبب الفقر، والكل يعذر الكل، لأن الحال من بعضه، والزيارات قليلة أو معدومة ولا يوجد دعم مادي من أحد.

تراجعت العلاقات بين الأقارب والأصدقاء، وقلّت الزيارات والمشاوير، واقتصرت المساعدات المادية على المناسبات، كعيد الأضحى وفي رمضان، وهي تُقدّم للأقارب الفقراء فقط، والدعم المالي لا يأتي إلا لمن له أقارب في الخارج.

هناك تراجع كبير في مستوى علاقاتي مع الأقارب والأهل البعيدين نسبيًا، وتحسّن في العلاقة مع الأهل والأصدقاء الملاصقين لي في السكن.. للتعاون على تقاسم أعباء الحياة والحاجة الماسة إليهم..

لا شك أن الأمور اختلفت كثيرًا في كل مناحي الحياة الاجتماعية، ولم تعد هناك الآن علاقات اجتماعية حقيقية بين الجميع، العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسر اختلفت كثيرًا، وأصبح الكل يقول أنا أولًا، أي اللهمّ أسألك نفسي.

كانت الحياة أسهل، والدعم كان أكثر، والإحسان للناس كان أفضل، والتدين كان أحسن، والخوف من الله كان موجودًا، وهذا كله تغيّر. العلاقات الاجتماعية أصبحت فاترة، والتكافل قلّ كثيرًا.

العلاقات أصبحت شبه معدومة، وبتنا نشعر بالإحراج، لأننا لم نعد نقوم بالواجب في المناسبات.. الوضع المادي هو السبب، كنا سابقًا إذا سمعنا أن شخصًا ما سيُجري عملية جراحية، نجتمع كي نساعد في الأجور والأدوية، أما الآن فنبحث عن جمعيات خيرية.

الزيارات أصبحت قليلة، وأنا أعاني من طلبات الأهالي، كوني أعمل مع الهلال الأحمر الفلسطيني، الكل بحاجة إلى مساعدات، والكل فقير، والناس لا يرحمون أحدًا.

على الصعيد الأسري، كثير من العائلات حدثت فيها خلافات كبيرة، بسبب السكن المشترك، وتقريبًا حدث كثير من القطيعة، أما الجيران فكثير منهم لا يعلم شيئًا عن حال جاره، لكثرة الهموم والمشكلات.

وبحسب نتائج استبانة البحث، فإن 46.5 % وجدوا أن أبرز المتغيرات في العادات الاجتماعية المرتبطة بنقصان مصادر الطاقة هو تراجع عدد الولائم وكميات الضيافة، ورأت نسبة 20 % من العينة حصول تراجع في حضور المناسبات والأفراح على خلفية شح الطاقة، وعبر19.5  % عن حصول تبدلات سلبية في كافة النواحي الاجتماعية، وأفاد 17 % بحصول تراجع وانخفاض في وتيرة الزيارات العائلية وزيارة الأقرباء والأصدقاء، وأكدت 15 % حصول تراجع في مشاركات تقديم العزاء الشخصي، والاكتفاء بالعزاء الإلكتروني أو الهاتفي، فيما أفادت نسبة 4 % من العينة بعدم وجود أي تغيير يُذكر في أنماط العلاقات الاجتماعية.

الشكل (28) أبرز العادات المتغيرة بفعل شح الطاقة

الإطار 8-1: فقدان مصادر الطاقة وتراجع عادات الضيافة
مطيع (مزارع متزوج، من ريف حماة يعيل عائلة من خمسة أشخاص) يقول إن الزيارة مكلفة للطرفين، وحالة الطاقة قد تُحرجك أحيانًا، أو تحرج المضيف، وتكشف فقره وحاجته الشديدة حين لا يستطيع تقديم فنجان قهوة لغياب الغاز والكهرباء، أو حتى لغياب القهوة.

أما قاسم (ريف دمشق) فيقول: لا وقت لدي لزيارة أحد، فلديّ عملان، وبالكاد أرى زوجتي وأولادي في يوم الجمعة، وغالبًا ما ينتظرني في البيت كثير من الأعمال المنزلية لأنجزها، وبعضها يحتاج إلى وجود الكهرباء.

وقالت منال (موظفة وأم لطفلين): أصبحنا منكفئين على أنفسنا، نحافظ على العلاقات الاجتماعية بالتلفون وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يمر أكثر من شهر من دون أن أزور أحدًا أو يزورني أحد.

أما سعد (ماجستير معيد في جامعة دمشق) فقال: “حالتُنا لا يمكن وصفها”!! صدقًا، لولا الأجهزة الإلكترونية، وما تتيحه لنا من تواصل، لتشابهت حياتنا مع حياة القرون الوسطى.

بعض أفراد عينة الدراسة

وتراجعت الاجتماعات الدورية للإخوة والأخوات في بيت العائلة، على خلفية شح الطاقة وصعوبة المواصلات، وظروف منزل العائلة، من الإنارة والتدفئة والمراوح وغيرها، إضافة إلى التكاليف الاقتصادية الضخمة الناجمة عن استقبال عدد كبير، وغالبًا ما تحولت زيارة الأبناء المتزوجين لآبائهم إلى زيارات فردية وسريعة، من دون الزوجة والأولاد، مع تناقص في وتيرتها المعتادة، إضافة إلى ندرة الزيارات بين الأشقاء غير القاطنين في الجوار، واستعاض الأقرباء والأبناء عن التواصل الشخصي والمكاني مع ذويهم وأقربائهم بالتواصل التليفوني.

الإطار 8-2: فقدان مصادر الطاقة وتراجع الزيارات العائلية
نجوى (45 عامًا دمشق موظفة قطاع عام) تقول: أشعر أنني مقصرة على الدوام في زيارة أبويّ في بيت العائلة، وحين يمرضون أطمئن عليهم هاتفيًا، وبالطبع هم يعذرونني، وكذلك شقيقتي التي تسكن في الريف، لا تسمح ظروف المواصلات بزيارتها.

فريد (من حماة) يقول: حاولت ألا أنقطع عن زيارة والديّ أبدًا، لكن شكل الزيارة اختلف، واختلفت مدتها، وغالبًا ما أزورهما وحيدًا من دون زوجتي والأولاد.

بعض أفراد عينة الدراسة

وتضاءلت إلى حد بعيد النزهات العائلية والجماعية (السيرانات) إلى الطبيعة والمنتزهات العامة في أيام العطل، وهي ظاهرة معروفة عند السوريين سابقًا، وتراجع ارتياد المطاعم كثيرًا.

الإطار 8-3: فقدان المواصلات وتراجع السيران والعزائم
سميرة (معلمة في دمشق وزوجها موظف) تقول: توقفنا عن “السيرانات” التي كنا نقوم بها أيام العطل، مرتين شهريًا على الأقل، فلا البنزين متوفر للسيارة الخاصة، ولا نستطيع تحمل تكلفة المواصلات الخاصة للسيران، ونادرًا ما نلبّي الدعوات والمباركات وأعياد الميلاد والأعراس التي قلّت بدورها، حتى التعازي نقتصر فيها على المكالمات التلفونية، أو وسائل التواصل الاجتماعي.

ندى (طبيبة في دمشق، متزوجة لديها ولد واحد) تقول: “على الرغم من دخلي الجيد، قياسًا بالآخرين، فإننا بالكاد نحافظ على المظهر الاجتماعي في الأعياد الدينية وطقوسها الاجتماعية، وتقلص ارتيادنا للمطاعم”.

مهند (مهندس يعمل في دمشق، غير متزوج) يقول: “لقاءاتنا كأصدقاء غالبًا ما تتم في مقاه متواضعة، وكل شخص يدفع ثمن طلباته، ونادرًا ما نجتمع في بيت أحد الأصدقاء، بسبب الأجواء الكئيبة للبيوت وغياب مستلزمات الطاقة”.

بعض أفراد عينة الدراسة

الإطار 8-4: فقدان البنزين والتعليم الجامعي
روى أحد المعيدين أن دكاترة الجامعة في كلية الطب في دمشق توقفوا عن المجيء إلى الجامعة بسياراتهم، واشترطوا على إدارة الجامعة، لاستمرارهم في الدوام، أن تؤمن لهم باصًا خاصًا بهم يقلهم بمفردهم من الجامعة وإليها، فتكلفة مصروف البنزين للوصول إلى الجامعة بسياراتهم أعلى من رواتبهم، فضلًا عن المشقة في تأمينه.

معيد في جامعة دمشق

ومع الواقع الجديد، تراجع شكل العلاقات الاجتماعية وطبيعتها في العموم، إلا أنها لم تخل من أشكال إيجابية في بعض مظاهرها أو مضامينها، ومنها الإحساس بالآخرين والتعاون والتفهم العميق لظروفهم وعدم الإحراج ومحاولة المساعدة في حالة المقدرة، وغالبًا ما برزت هذه الظاهرة في الأطر القريبة مكانيًا، كالأقرباء في الحي الواحد أو مع الجيران، أو لدى أحد الأفراد الميسورين من العائلة.

وتجلّت في تجنب رمي الطعام، في حال توفر فائض منه، وتقديمه إلى المحتاجين من الجيران، وتقديم المساعدات الممكنة من الخدمات والأدوات الفائضة عن الحاجة في حال وجودها، وفي المستوى السلوكي والقيمي تجلت في الامتناع عن التصنيف الحاد لسلوكات الآخرين، والبحث عن مبررات موضوعية لهم في حال معارضتها منظومة القيم السائدة، وتفهم الأثر الحاد للظروف القسرية العامة، وذلك بناء على شهادات كثيرين من أفراد العينة.

شكل (29) تغير أنماط العلاقات الأسرية والاجتماعية

الإطار 9: مصير القيم الجديدة في المستقبل
خص الدكتور عمار (اسم مستعار) في جامعة دمشق هذه الدراسة بالإجابة عن مستقبل القيم الجديدة في المجتمع السوري، وقال: “للحروب آثار وتغيرات كثيرة جدًا في الشعوب وفي المجالات جميعها، ليس في مجال المنظومة القيمية فحسب. ومنها سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ونقص المستلزمات والاحتياجات الضرورية للعيش في الحدود الدنيا ربما.. وكان لكل هذا أثر واضح ونتيجة انعكست على المجتمع السوري في المستوى القيمي، إذ فقد المجتمع وأبناؤه كثيرًا من قيمه التي كانت هي من خصائله. ونستطيع أن نجزم أن انحدار مستوى القيم، كما ذكرت آنفًا، هو بسبب الحرب السورية وما نتج منها من فقدان مصادر الطاقة، والشعب السوري الذي لديه من القيم والعادات الجميلة والتقاليد الأصيلة كثيرًا. ولكن مع الأسف الشديد الحاجة إلى تأمين ضروريات الحياة للاستمرار في العيش، من مأكل وملبس وغير ذلك، مع شح في الموارد المادية والدخل المناسب، تؤدي إلى إباحة ما هو غير مباح، من مبدأ الضرورات تبيح المحظورات، وهذا ما جعل غير اللص يفكر بالسرقة كي يؤمن الطعام لأبنائه، وسمح لنفسه أن يشرع ما هو غير مشروع، وسمح لغير المرتشي بالرشوة ليحسن دخله. وكما هو معروف، تغير الأسباب أو المقدمات يؤدي إلى تغير في النتائج، وبناء على ذلك أقول: إذا وفرنا احتياجات الفرد ومستلزماته الأساسية والضرورية، وقدّمنا له الخدمات اللازمة، وحققنا له الأمن الغذائي، وشعر بالانتماء إلى وطنه؛ فلن نراه يسرق أو يرتشي أو يتنازل عن أي من قيمه وعاداته وتقاليده، ولن تنهار تلك المنظومة القيمية عند الشعوب إلا عند أشخاص محدودين لا يشعرون بالانتماء إلى مجتمعهم ولا إلى إنسانيتهم”.

أستاذ متخصص في موضوع القيم/ جامعة دمشق

وفي الموقف من الهجرة، عبّر معظم أفراد العينة عن رغبتهم في الهجرة أو السفر خارج البلاد، بغض النظر عن الوجهة، وبغض النظر عن المصاعب والتكاليف غير المتوفرة مع البعض، وشكّلت الأسباب المعيشية المتردية، وتداعيات انخفاض الطاقة وغياب خدماتها التي تجعل من الحياة في سورية شكلًا من أشكال البقاء في الجحيم، أبرز دوافع الهجرة وتنامي نسبها.

وضمن نظام الإجابات المتعدد عن الأسباب الدافعة للهجرة، اعتبر 60،5 % من أفراد العينة أن تدهور الخدمات وعدم توفرها، وخصوصًا خدمات الطاقة، هي الدافع الرئيس لتفكيرهم بالهجرة، وحلّ تدهور المستوى المعيشي بالمرتبة الثانية بنسبة 49،5%، فيما شكل عدم توفر فرص العمل الدافع الثالث بنسبة 35،5%، وبلغت نسبة الراغبين في الهجرة للتخلص من الخدمة الالزامية 10،5%.

وشكلت التكلفة المالية المرتفعة العائقَ الأبرز أمام هجرة أفراد العيّنة، بنسبة 29،5%، ورأى 10% صعوبة الطريق ومخاطرها كأبرز المعوقات، ورأى 6% أن المعيق الأبرز أمام هجرتها يكمن في تقدّم سنّ الأبوين وحاجتهم للرعاية الآنية، ورأت النسبة المتبقية 40،5 %، باعتبارها قادرة نظريًّا على تأمين تكلفة الهجرة من خلال بيع ممتلكاتها، أن العائق الحالي هو إيجاد المشتري وزمن البيع.

الشكل (30) تأثير شحّ الطاقة في الموقف من الهجرة

وبدا واضحًا في آراء العينة تغيّر النظرة الجماعية إلى مفهوم الهجرة كليًا، مع ارتفاع شحّ الطاقة وانعدام سبل العيش في سورية، وشكل الازدحام على استخراج جواز السفر مؤشرًا واضحًا لجهة ارتفاع الراغبين في الهجرة من البلاد، وأكدت دراسة جديدة أصدرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة أن نسبة السوريين الراغبين في الهجرة ارتفعت إلى 71 % من الشعب السوري[68]، غير أن أبرز المتغيرات في منظور الهجرة هو ارتفاع نسبة الإناث المهاجرات والراغبات في الهجرة الكلية، أو المؤقتة للعمل خارج البلاد، وفي هذا الإطار، يبرز المتغير الآخر وهو ازدياد موافقة الأهل وانخفاض معارضتهم سفر بناتهم، أو حتى تشجيعهم في بعض الأحيان، في حين باتت مواقف الأهل محسومة بشكل شبه كلي، لجهة سفر أبنائهم الذكور، ويسعى الآباء إلى بيع ممتلكاتهم، أو الاستدانة، لتأمين نفقات السفر للشباب، بغض النظر عن الوجهة المقصودة.

خاتمة

 إذا كانت الحرب السورية، في جوهرها، هي الفاعل الرئيس في تمزيق وهدم البنى الاجتماعية وإضعاف مناعتها الثقافية والقيمية، فإن لتداعياتها الاقتصادية، ومن أبرزها عامل شحّ الطاقة، الدور الأبرز في إعادة تحديد الأنماط الاجتماعية الجديدة المتكونة بفعل تشكل ظروف شديدة القساوة وغير مألوفة، حيث أجبرت هذه الظروف معظم السوريين على القيام بسلسلة من التحولات النمطية، شملت أساليب الحياة اليومية بمعظم تفاصيلها الحيوية، وشملت مساحة السلوكات الشخصية وحدودها، وأطر العلاقات الاجتماعية وطبيعتها ومفهوماتها، وقد تكرّست تلك التحوّلات في الأنماط والتفاعلات البشرية ونظم القيمة الاجتماعية، من خلال سعي الشرائح الاجتماعية المتضررة بشدّة إلى التكيف مع معطيات الواقع، ضمن صراع شديد الضراوة للبقاء على قيد الحياة.

ولم يمنع من تشكل التحولات الاجتماعية الجديدة وتكريسها، وسيادة عدد من أنماطها، توصيفها العام ضمن المعيار الجمعي السوري في دائرة التحولات الاجتماعية غير المقبولة، واندراجها في مستوى التصورات العامة في خانة النكوص الاجتماعي، وذلك بحكم الطابع القسري لآليات نشأتها، حيث لم يفسح إطارها القهري والعنيف هوامش لترف ثنائية القبول بها، أو رفضها، أسوة بالمظاهر الاجتماعية المتشكلة في الأحوال الطبيعية، والمحكومة عادة بصراع الرؤى والمفهومات المتباينة في المجتمع.

وبالنظر إلى عامل استمرار الأسباب المشكّلة لمصفوفة التحولات الجديدة، واتساع نطاقها وتجذرها، في ظل تنامي ظاهرة شحّ الطاقة وغياب خدماتها الضرورية واللازمة للاستمرار على قيد الحياة، وانطلاقًا من عدم خضوع التبدلات الاجتماعية والقيمية في المجتمعات الإنسانية لمفهوم المرونة الميكانيكي المرتبط بزوال النتائج مع زوال الأسباب؛ فإن السؤال الأبرز في الحالة السورية يتعدّى حدود التساؤل عن تأثير تلك التحولات، وأدوارها في صياغة البنى الاجتماعية والقيمية، إلى التساؤل عن مدى استمرارها، وعن آليات تحوّلها اللاحق، وإلى حدود تفاعلاتها المتبادلة مع المنظومة السياسية والاقتصادية والدينية، في تكوين صورة المجتمع السوري الراهن والمستقبلي، في إطار الترابط بين المنظومات الكلية في المجتمع الواحد.

ربما يكون من العسير، وربما من السابق لأوانه، الإجابة عن تلك التساؤلات بشكل يقيني، أو تقريبي، لارتباط الإجابة بمجهولات سياسية واقتصادية مستقبلية لم تُحدّد بعد، وفي حال تحديدها، وتعيين نقطة البدء، يمكن المقارنة والاستفادة، ضمن حدود ما، بتجارب مجتمعية فقدت خلال تعرضها لحروب خارجية أو داخلية توازنها المجتمعي، كفيتنام وراوندا وكمبوديا، وحتى تجارب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

 ومع انعدام اليقين الراهن، واستحالة تحسين الواقع المعيشي وتوفير مصادر الطاقة الكافية للاحتياجات الإنسانية، مع استمرار النظام السوري، يتحدّد الثابت الأكيد في منحى التحولات الجديدة في تنامي تعبيرات الضعف والهشاشة والتفكك في بنية المجتمع السوري، واختلال توازنه، وانعدام الفاعليات الاجتماعية، وغياب قابليات استعادة التعافي، على الأقل، في المدى المنظور.

استنادًا إلى هذه النتائج، نقترح إنجاز دراسات جديدة ومتممة لهذه الدراسة، تبحث في الأنماط الاجتماعية والسلوكية من منظور سيكولوجي للسوريين، وفي مدى إمكانية تبلور منظومة قيمية جديدة في المستقبل، كما حصل لدى الأوروبيين في إثر الحرب العالمية الأولى والثانية على سبيل المثال، على أن يشمل ذلك كلا الاحتمالين، أي في حال استمرار تدهور الوضع المعيشي والخدماتي، أو في حال حصول حل سياسي وتحسّن خدماتي ومعيشي في المستقبل.

مراجع البحث

 النشرات السنوية ونصف السنوية الصادرة عن موقع نومبيو المختص بمعدلات الجريمة ونسب السلامة العامة والأمان، https://bit.ly/3UzMHXw.

القاضي، جوان. أزمة الكهرباء تجبر أصحاب المصالح في دمشق على ترك مصالحهم، تلفزيون سوريا، https://bit.ly/3xDBMSO.

الزين، كفاح. قصص مؤلمة لرضع ماتوا بمستشفيات سورية بعد قطع الكهرباء عنها، العربية،2011 https://bit.ly/3zyB9dC

الخالدي، سليمان. انقطاع الكهرباء ونقص وقود الديزل يزداد سوءا في دمشق، رويترز، 2012، https://reut.rs/3dIvNW0.

السعدي، سلام. الكهرباء في سوريا: 20 ساعة تقنين، موقع المدن، 2013 https://bit.ly/3df3Moz.

العيطة، سمير. العواقب غير المنتظرة للتدابير الأحادية الجانب المفروضة على الاقتصاد السوري وشركاته الصغيرة والمتوسطة، the carter center,2020 https://bit.ly/3dS6AIK

تقرير صندوق الامم المتحدة للسكان، لمحة عامة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في سوريا، 2021 https://bit.ly/3DQbyR8.

 تقرير، سوريا أحداث عام 2021، هيومان رايتس ووتش، https://bit.ly/3LIlHkt.

 حتاحت، سنان، وكرم شعار. قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب: تقييم شامل، مايا صوان (مترجمة)، أيلول/ سبتمبر 2021، https://bit.ly/3Fe37xG.

خليفة، خليفة، وكرم الشعار. العيش في دمشق بعد عقد من الحرب: العمل، الدخل، والاستهلاك، مركز السياسات وبحوث العمليات، حزيران/ يونيو 22, 2021، https://bit.ly/3pLuMA2.

سعيفان، سمير. الاقتصاد السياسي تحت حكم العسكر (الحالة السورية بين 1963 – 2010)، 06 أيلول/ سبتمبر 2020. https://bit.ly/2EpE6nF

سعيفان، سمير، ومحمود الحسين. دمار قطاع الطاقة في سورية خلال الحرب 2011، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، حزيران/ يونيو 2021 https://bit.ly/3KxOsOD.

صوت العاصمة، مسؤول طبي: انتشار المخدرات بين اليافعين بدمشق صوت العاصمة، 2022 https://bit.ly/3UJdRv6.

– شهلا، زينة. سنوات حرب ثقيلة.. سوريا تخسر موردها البشري ببطء وصمت، رصيف

ضاهر، جوزيف. خفض الدعم على المشتقات النفطية: تبعاته على سوريا، ميدل ايست دايركشن، 2021، https://bit.ly/3rjqdNc.

عبد الرزاق، عدنان. ازدياد إعفاءات ناقل النفط إلى نظام الأسد من رسوم الحواجز السورية، العربي الجديد، 2022 https://bit.ly/3V7tNaK

 عبد الله، سمير. الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري بعد عام 2019 (الدوافع- الوجهات- الآثار)، 12 أيلول/ سبتمبر 2022. الرابط: https://bit.ly/3d1T2u5

عثمان، محمود. النفط السوري.. من سرقات النظام والميليشيات إلى الصراع الدولي (انفوغرافيك)،2019، https://bit.ly/3Si1PXV

عمر. رسلان، الزواج في سوريا.. الحلم المعضلة، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 2021، https://bit.ly/3fm8G4j.

 علي، ريتا. في مناطق حكومة دمشق السرقات تطال كل شيء حتى الأحذية، نورث برس، 2021 https://bit.ly/3UAf6ge.

غربالي، فؤاد. سوسيولوجيا المعاناة من خلال المعيش اليومي لشباب الأحياء الشعبية: شباب أحياء مدينة صفاقس مثالًا، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 16، المجلد 4، ربيع 2016.

فياض، عامر. الحياة اليومية في دمشق… بلا كهرباء، صالون سوريا، https://bit.ly/3BAj7se.

لمحة عامة عن الاحتياجات الإنسانية الجمهورية العربية السورية، اوتشا، 2022 https://bit.ly/3V4SFA6

ماضي. طلال، تكلفة إصلاح الأدوات الكهربائية تساوي نصف ثمنها، أجرة ساعة (الكهربجي) أعلى من (يومية) الأستاذ الجامعي، الوطن السورية، 2022، https://bit.ly/3RYTkBa

مصطفى، محمد راكان. عاصي: خسارة كبيرة والذين يهاجرون الآن النخب الاقتصادية … رئيس اتحاد الحرفيين: زيادة في طلب شهادة الخبرة لغاية السفر … يوسف: عامل جذب من الخارج وتنفير من الداخل، الوطن السورية،2021 https://bit.ly/3fs2IyN

محمد، ريان. سوريون في العتمة… أزمة الكهرباء مستمرة في البلاد، العربي الجديد، 2021 https://bit.ly/3xeU78G

ماكديد، سوزان. هدف التنمية المستدامة 7 والتنمية المستدامة للطاقة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، الأمم المتحدة، https://bit.ly/3yvskl9.

الأجنبية:

1-Didier Lapeyronnie, Ghetto urbain: Ségrégation, violence, pauvreté en France aujourd’hui, avec Laurent Courtois (Paris: R. Laffont, 2008)

, Thematic Analysis. Journal of Psychology. , Virginia, Braun Teaching Victoria , Clark 2-

       The British Psychological Society , VOL 26 no 2 February. 2013.

3– Jodi , Aronson , A programmatic View of Thematic Analysis, the Qualitative Report , Volume 2 , Number 1 Spring, 1994, p02.

 4-“How are we expected to survive this?” The impact of Syria’s economic crisis on families, NORWEGIAN REFUGEE COUNCIL،2022 https://bit.ly/3UPddMN

 

 

 

 

ملحق رقم (1): أسئلة الاستبانة

 

عزيزي المشارك/ ة،،،

نضع بين يديك بعض الأسئلة التي تهدف الى التعرف على انعكاسات شح مصادر الطاقة في الأنماط المعيشية والاجتماعية لدى السوريين.

نرجو منك الاجابة على هذه الأسئلة بكل صدق وتلقائيّة، ونعدك أن اجاباتك سوف تبقى سريّة.

 إن مساهماتك في الاجابة سيساعد الباحثين الى الوصول الى النتائج العلميّة المرجوّة.

شاكرين حسن تعاونك

 

القسم الأول: بيانات المشارك

1- الجنس
ذكر انثى
   

العمر
18-24 25-31 32-38 39-45  46 فأكثر
         

2- المستوى التعليمي (آخر مستوى تعليمي أتمته)
ابتدائية وما دون اعدادية وثانوية معهد وجامعة ما فوق جامعة (ماستر/دكتوراه)
       

3- الحالة الاجتماعية
عازب/ ة متزوج/ ة مطلق/ ة أرمل/ ة
       

4- عدد أفراد الأسرة المعيشية(ضمنا) مع الشخص المستجيب
1-4 5-8 9 فأكثر
     

5- مكان الإقامة الحالي / المدينة / الحي مكان الإقامة السابق/ المدينة / الحي
   

6- العمل الحالي / المهنة الحالية العمل السابق/ المهنة السابقة لا أعمل
     

7- موقع المبحوث /ة في الأسرة للباحث:
الأب الأم فرد في الأسرة (أبن / ابنة/ )
     

 

القسم الثاني: شح مصادر الطاقة والتبعات الاجتماعية

8-طبيعة المسكن.
ملك لرب العائلة

 

أجار

 

مشترك

 

ملك لأحد أفراد العائلة في الخارج أخرى تذكر
         

 

 

 

9- وضع المنزل
صف المنزل/ المساحة وعدد الغرف:

حالة المنافع الصحية مستقلة ام مشتركة

صف الخدمات المتوفرة في المنزل

كهرباء/ ماء/ براد/ تدفئة/ تكييف /أخرى تذكر:

   

 

 

10-                  هل مصادر الطاقة كافية:
نعم كافية لا غير كافية
   

 

11-                   هل مصادر الطاقة في المنزل كافية؟ و ما هي البدائل في حال انقطاعها

للباحث: اسأل عن طريقة تأمين الكهرباء وطريقة تأمين الغاز المنزلي / تأمين المازوت/ البنزين. وما هي البدائل العملية للضروريات المرتبطة بالطاقة   في حالة نفاذها من المنزل. مع ذكر أمثلة

لا توجد إمكانية لشراء بدائل البطارية / اللدات / انفتر/ الشموع السوق السوداء ( الحر)

 

الواح الطاقة الشمسية

 

البطاقة الذكية

 

حطب

 

بابور نفط

 

مولدة كهرباء مشتركة أخرى تذكر
 

 

 

               

 

 

12-                   هل يوجد تمييز بالخدمات

للباحث: في حال وجود تمييز اترك المستجيب يتحدث عن كيفية التمييز وتبريره لها

لا يوجد تمييز

 

نعم يوجد بين الريف والمدينة نعم يوجد بين الأحياء التي يقيم فيها المسؤولين والأخرى نعم بين الأحياء التي يقيم بها الضباط (مساكن عسكرية) والأخرى بين الأحياء الغنية والفقيرة

 

أخرى تذكر
           

 

13-                  كم عدد وجبات الطعام اليومية
واحدة

 

واحدة أو اثنتان اثنتان اثنتان أو ثلاثة ثلاثة

 

أكثر من ثلاثة

 

           

 

14-                  كيف تصنف ما تتناول في وجباتك من مواد غذائية: اللحوم- الفواكه – الحلويات – الحليب والالبان والبيض – حبوب وخضار
ضعيفة (غير كافية) متوسطة (كافية الى حد ما) جيدة (كافية)
     

 

15-                   مقارنة بمرحلة ما قبل الحرب وشح الطاقة كيف تصف التغيرات التي طرأت على العادات الاجتماعية الغذائية لديك ولدى محيطك الاجتماعي (أقارب، أصدقاء، زملاء بالعمل، جيران…).

للباحث: أسأل عن دعوات (عزومات) الطعام أو المشروبات لديه وهل تغيرت؟ العادات المتعلقة بالأفراح والاتراح/ المناسبات الدينية أمثلة عن كل سلوك أو تغير

 

 

16-                  هل الدخل كاف
نعم لا
   

 

17 في حال الإجابة بلا (عدم كفاية الدخل) ما المصادر الأخرى المرممة للعيش (متعدد الإجابات)
جمعيات خيرية

 

مساعدات غذائية – سلل غذائية) مساعدات مالية من الخارج

 

مساعدات من الأقارب

 

مساعدات من الأصدقاء

 

بيع عقارات وممتلكات

 

أخرى تذكر
             

 

 

 

18-                   هل دخل المحيطين بك كاف لتأمين مستلزمات العيشة ومصادر الطاقة

للباحث: اسأل عن الأشخاص القريبين منه كيف يؤمنون مصادر دخل أخرى

الاستشهاد بأمثلة

 

 

19-                   ما هي التغيرات على أنماط السلوك الشخص (متعدد الإجابات)
تغير مواعد الاستحمام

 

تغير مواعيد العودة الى المنزل تغير في مواعيد النوم والاستيقاظ تغير مواعد الدراسة أخرى تذكر

 

         

 

20-                   ما تأثير ساعات قدوم الكهرباء على إيقاع الحياة اليومية للأسرة؟

للباحث: أسأل عن ارتباط قيامهم بأعمال البيت مع ساعات قدوم الكهرباء: غسيل – شحن الكومبيوتر والموبايل – تواصل عبر الإنترنت – طبخ – وغيرها

 

 

 

 

21-                  صف سلوكيات التكيف مع انقطاع مصادر الطاقة وخاصة الكهرباء
 

 

22-                   ما هي تداعيات شح الطاقة على الجوانب الوظيفية والمهنية- انجاز أعمالك   المهنية وغيره وشح مصادر الطاقة.
أ‌-    تأجيل انجاز معاملات الدوائر الرسمية لسبب انقطاع الكهرباء والانترنت  
ب‌-                       الاعتماد على أنفسنا في اصلاح ما يتعطل في البيت  
ت‌-         تعطلت التقنيات الزراعية عن العمل (مضخة / جرار زراعي …الخ)  
ث‌-         تعطل المواصلات خاصة الداخلية (سرافيس / باصات / تكاسي  
ج‌- ركود مهني  
ح‌- تراجع الإنتاج  
خ‌- زيادة التكاليف  
د‌-   تراجع أوقات القراءة والدراسة  
ذ‌-   تعطل كافة الاعمال والمصالح لارتباطها بانقطاع الكهرباء  
ر‌- كافة الإصلاحات تؤجل  
ز‌- أخرى تذكر  

 

 

23-                   ما هي تداعيات شح الطاقة على الصحة
أبرز الأمراض السائدة أنماط التداوي (التعاطي مع الأطباء والصيدليات.
   

 

24-                   ما تأثير ندرة مصادر الطاقة (كهرباء – مازوت – غاز) على استعمال الشجر كبدائل لمصادر الطاقة وتأثيرها على الثروة الحراجية وعلى الأشجار المثمرة
 

 

25-                   مقارنة بمرحلة ما قبل الحرب وشح الطاقة، هل تأثرت حركة خروجك الى الأماكن العامة (المأجورة.. غير المأجورة) وكذلك للأشخاص المحيطين بك (أقارب، أصدقاء، جيران) بسبب شح الطاقة والتكاليف المالية؟

للباحث: اسأل عن القيود أو عدمها في الحركة بشكل عام ليلا/ نهارا/ الى الحدائق العامة / مقاهي / حفلات عامة / مراكز ثقافية / مسرح / سينما/ استنادًا الى شح الطاقة والتكاليف المالية

 

 

 

26-                   مقارنة بمرحلة ما قبل الحرب، كيف تصف/ين حركة زياراتك خارج المنزل. وكذلك الأشخاص المحيطين بك (أصدقاء، أقارب، جيران)

للباحث: اسأل عن الزيارات للأقارب الأصدقاء / مناسباتها / حدودها الدنيا / بحالة المرض / بالمناسبات (أعياد ميلاد الأصدقاء وأولادهم / الافراح والاعراس/ الموت

علاقة كل ما سبق بالوضع الاقتصادي وحسابات المصروف وإمكانية التحرك في ظل شح الموارد

أمثلة لكل سلوك يذكر

 

 

 

27-                   هل تأثر تعليم الأبناء (المراحل التعليمية كافة بما فيها الجامعة) بشح الطاقة؟

للباحث: اسأل عن تأثير غياب الطاقة على التعلم عبر النت كوسيلة رئيسية   أو مساعدة.

تغيير مواعيد الدراسة …الخ

 

 

28-                  ما هي الظواهر الاجتماعية السلبية (متعدد الإجابات)
السرقة العنف العائلي ازدياد الطلاق التحرش والدعارة انتشار الجريمة تعاطي المخدرات أخرى تذكر
             

 

 

29-                  ما تأثير شح مصادر الطاقة على العادات الاجتماعية (أكثر من إجابة)
تراجع عادات الضيافة تراجع الزيارات العائلية تراجع زيارة الأصدقاء تراجع العزائم

 

تراجع السيران

 

أخرى تذكر

 

           

 

30-                   ما التغيرات التي حصلت على الحالة النفسية السلوكية
التوتر

 

الحزن الاكتئاب

 

الإحباط

والعجز

القلق من المستقبل العصبية

 

الغضب

 

الشجار والشتائم التفكير بالانتحار أخرى تذكر
                   

 

31-                   كيف ترى/ين وضع العادات والتقاليد الجديدة (المنظومة القيمية) الناتجة عن شح مصادر الطاقة والحرب السورية بشكل عام في المستقبل

للباحث: هذا سؤال استشرافي أي تصوراته/ها حول المنظومة القيمية الجديدة؟ هل تستمر حتى بعد توفر مصادر الطاقة؟  أم هل يتم التراجع عنها في حال توفرت مصادر الطاقة والمعيشة المقبولة (قبل 2011) ….. الخ

 

 

32-                  هل تفكر بالهجرة
لا نعم
   

 

 

33-                  إذا كانت الإجابة بنعم، ما الأسباب الدافعة للهجرة
تدهور الحياة المعيشية

 

عدم توفر الخدمات وخاصة مصادر الطاقة الهروب من الخدمة العسكرية

 

لأسباب أمنية

 

أخرى تذكر

 

         

 

 

34-                  إذا كانت الإجابة بنعم، ما هي وجهتك للهجرة
دول أوروبا الدول العربية تركيا كندا أخرى تذكر
         

 

  • الجنس

  • المستوى العمري

3-الحالة الاجتماعية

4-المستوى التعليمي

5-حجم الأسرة المعيشية

6-مكان الإقامة الحالي

حماة وريفها العدد دمشق العدد ريف دمشق العدد
مدينة حماة 24 دمشق المدينة 16 ريف دمشق 4
ريف حماه 12 بيبيلا 3 حرستا 2
السقيلبية 6 المالكي 2 التل 3
الكافات 3 المزة 4 دير عطية 3
تل الدرة 3 الميدان 4 صحنايا 3
جدوعة 3 جرمانا 4 عدرا 3
سلمية / مدينة 16 دف الشوك 2 مليحة 4
محردة / ريف حماة 3 زاهرة قديمة 2 الحسينية 2
طيبة الإمام/ حماة 6 كفرسوسة 3 بيت سحم 3
مصياف / مدينة 5 أبو رمانة 2 صيدنايا 4
خنيفس/ السلمية 2 مساكن برزة 2 خان الشيخ 2
عقارب / ريف السلمية 3 الروضة 2 قطنا 5
عين حلاقيم / حماه 2 العفيف 2 خان دنون 1
كفربو / ريف حماه 2 الشاغور 2 قدسيا 2
قمحانة/ ريف حماه 2 مخيم اليرموك 2    
ريف مصياف 8 ابن النفيس 2    
    برزة 2    
    شارع الأمين 2    
    الشعلان 1    
المجموع 100 المجموع 58 المجموع 42

 

 

 

 

7-العمل الحالي

النسبة المهنة
1.5 منظمات دولية
1 قطاع الإعلام
0.5 أعمال منزلية غذائية
2 القطاع الزراعي
1 القطاع الصحي
1 القطاع الصناعي الخاص
4.5 بائعون في محلات مختلفة
0.5 تصليح سيارات
4 حرف ومهن خاصة
0.5 خدمة تنظيف المنازل
8 ربة منزل
14.5 طالب/ة
2 طبيب/ة
1.5 عمال مصانع ومحلات
1 قطاع الإعلام
12 قطاع الأعمال الحرة
10.5 قطاع التعليم
1 قطاع الخدمات التقنية
14 قطاع الوظائف الحكومية الإدارية
3 قطاع الوظائف الخاصة
12 لا يعمل/ لا تعمل
0.5 مترجم/ة
1 محامي/ة
0.5 مساعد صيدلي
0.5 ممثل وفنان تشكيلي
1.5 مهندس/ة
200 المجموع

ملحق رقم 3 أسباب انخفاض أنتاج النفط السوري
أسباب عسكرية، أدت تغيرات خرائط السيطرة إلى خروج معظم آبار النفط السورية عن السيطرة، وتناقص الإنتاج بشكل حاد من 353 ألف برميل عام 2011 إلى 171 ألف برميل عام 2012، إلى 59 ألف برميل عام 2013، و33 ألف برميل عام 2014، و27 ألف برميل عام 2015، بحسب بيانات بريتش بتروليوم[69]، وهو تقريبًا المنسوب ذاته الذي يعلن النظام إنتاجه حاليًا.

أسباب تقنية: وهي أسباب ناشئة عن تهالك البنية التحتية لتجهيزات استخراج الطاقة وتكريرها وتوليدها، وعجز المصافي السورية القديمة عن تلبية الطلب، وكان النظام يستورد 60% من حاجته من مادتي المازوت والبنزين قبل عام 2011، كما يستورد الغاز المنزلي..

أسباب سياسية، وهي ناجمة عن العقوبات التي فرضها الغرب على قطاع الطاقة السوري، منذ عام 2011، على معظم الشخصيات القادرة على عمليات استيراد النفط السوري.

أسباب اقتصادية: وتتجلى في عجز النظام عن تأمين فاتورة المشتقات النفطية بالعملة الصعبة، بسبب نفاد مخزون البنك المركزي السوري، واتجاه النظام إلى التحرر من أعباء الدعم بتحرير جزئي لأسعار مشتقات الطاقة وتحميلها للمواطن، وهو اتجاه بدأ منذ عام 2008، “حيث انخفض ميزان النفط وتجارة المشتقات النفطية من فائض 1،2 مليار دولار في العام 2011 إلى 4،4 مليار دولار في عام 2012”[70].

أسباب بنيوية: وتتعلق بسيطرة العائلة الحاكمة وأذرعها من أمراء الحرب، على تجارة المشتقات النفطية، والعمل على تأجيج الأزمات لتحقيق ريع أعلى من تجارة النفط في الأسواق السوداء المدارة منهم.

 

ملحق رقم 4 يتضمن: النفط السوري بين الإنتاج والاستهلاك
شكل النفط السوري في ذروة إنتاجه ما يعادل 0،5 % من الإنتاج العالمي بواقع 620 ألف برميل يوميا سنة 1996[71]، وانخفض تدريجيًّا إلى 385 ألف برميل يوميًا سنة 2010، ليتراجع مجددًا بفعل الحرب إلى أدنى من 30 ألف برميل يوميًّا، ويصل إلى نسبة 6 % من الإنتاج السابق.

يؤمن النظام حاجته النفطية المقدرة حاليَّا بحدود 130 ألف برميل يوميَّا، من ثلاث مصادر رئيسية:

1- الإنتاج المحلي الخاضع لسيطرته، وتتراوح الأرقام المعلنة بين 19 إلى 30 ألف برميل يوميًّا.

2- شراء من الإنتاج المحلي الخاضع لسيطرة (قسد) بتقديرات 20 ألف برميل يوميًّا[72].

3- الخط الائتماني الإيراني، وهو اتفاق سوري إيراني منذ العام 2013، يقضي بتزويد إيران لسورية بجزء من احتياجاتها النفطية وفق نظام دفع مؤجل، وهو غير منتظم، وتم إحياؤه عدة مرات[73]، تبعًا للظرف الساسي والأمني، وتحوط كمياته المتدفقة السرية، ويُقدر الخط الائتماني بمليوني برميل شهريًّا بمعدل 66 ألف برميل يوميًّا.

4- يقدر استهلاك سورية للغاز المنزلي حاليًّا بحدود 1200 طن يوميًا، في حين أن الإنتاج المحلي 400 طن يوميًا، وسورية بحاجة لاستيراد 800 طن من الغاز المنزلي يوميًا لتغطية حاجة السوق[74].

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة: https://bit.ly/3Ci7OWW

[1] – شكلت البطاريات ومستلزماتها وتجهيزات الطاقة واحدًا من أهم المستوردات السورية الواردة عبر معبر نصيب خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من وجود بطاريات صناعة محلية، فإنها لا تكفي بسبب شدة الطلب وهي أقل جودة. انظر: https://bit.ly/3RSBDSF

[2] – “How are we expected to survive this?” The impact of Syria’s economic crisis on families, NORWEGIAN REFUGEE COUNCIL باللغة الإنكليزية،2022 https://bit.ly/3UPddMN

[3] – انظر: لمحة عامة عن الاحتياجات الإنسانية للجمهورية العربية السورية، دورة برنامج العمل الإنساني لعام 2022، (ص 73) اوتشا، 2022 https://bit.ly/3V4SFA6

[4] – انظر تقرير رقم 27/2013، العلاقة بين الطاقة والتطور الاقتصادي والاجتماعي في حوض المتوسط/ باللغة الانكليزية https://bit.ly/3rIBhDC.

[5] – من أهم هذه الدراسات: 1- سمير سعيفان، محمود الحسين، دمار قطاع الطاقة في سورية خلال الحرب 2011، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، حزيران/ يونيو 2021 https://bit.ly/3KxOsOD.

2- عروة خليفة، كرم الشعار، العيش في دمشق بعد عقد من الحرب: العمل، الدخل، والاستهلاك، مركز السياسات وبحوث العمليات، حزيران/ يونيو 22, 2021، https://bit.ly/3pLuMA2

3- سنان حتاحت وكرم شعار، قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب: تقييم شامل، مايا صوان (مترجمة)، أيلول/ سبتمبر 2021، https://bit.ly/3Fe37xG

[6] – للاطلاع على أسئلة الاستبانة: انظر الملحق رقم (1) في الدراسة.

[7] – يستخدم هذا النوع من التحليل الموضوعي مع مجموعة واسعة من الأسئلة البحثية، خصوصًا تلك التي تتناول تجارب الناس وآرائهم وأفكارهم، ومن خلالها يمكننا فهم سياقات تلك التجارب والآراء، كذلك يمكن استخدام هذه الطريقة التحليلية في أنواع البيانات المختلفة التي نحصل عليها من مصادر مختلفة، مثل وسائل الإعلام أو المقابلات أو مجموعات التركيز، أيضًا يمكن استخدام هذا النوع من التحليل مع البيانات الكبيرة والصغيرة وإنتاج تحليلات مستندة الى البيانات. انظر

, Thematic Analysis. Journal of Psychology. , Virginia, Braun Teaching Victoria , Clark

.                       The British Psychological Society, VOL 26 no 2 February. 2013.

[8] – تعد السوسيولوجيا البراغماتية، من أحدث النظريات التي ظهرت في الحقل السوسيولوجي المعاصر بفرنسا. فقد كانت انطلاقتها الرسمية مع لوك بولتا نسكي ولوران ثيفنو (Laurent Thévenot) من خلال صدور كتاب مشترك لهما بعنوان (Les economies de la grandeur) الصادر في سنة 1987، وأعيد تناول جزء أساسي منه في كتاب آخر بعنوان (De la justification) في سنة 1991، ليتم توسيع قاعدتها بمقالات ودراسات تم جمعها في مجلة اقتصادية في سنة 1992.

[9] – فؤاد غربالي، سوسيولوجيا المعاناة من خلال المعيش اليومي لشباب الأحياء الشعبية: شباب أحياء مدينة صفاقس مثالا، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية والإنسانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 16، المجلد 4، ربيع 2016، ص 80.

[10] – المرجع السابق، ص 80.

[11] – Didier Lapeyronnie, Ghetto urbain: Ségrégation, violence, pauvreté en France aujourd’hui, avec Laurent Courtois (Paris: R. Laffont, 2008), p. 58,

[12] – Jodi , Aronson , A programmatic View of Thematic Analysis, the Qualitative Report , Volume 2 , Number 1 Spring, 1994, p02.

[13] – للمزيد من الاطلاع على خصائص عينة الدراسة : انظر الملحق رقم (2) في الدراسة

[14] – هاني متري، عندما نحتاج الكهرباء نجد بأننا نفتقدها، الصفحة الرسمية لوزارة الكهرباء على فيسبوك https://bit.ly/3SCcj4s

[15] – السوريون يخوضون حروبا يومية لتأمين احتياجاتهم الاساسية،DW، 2012 https://bit.ly/3SHXo8F

[16] – انظر الملحق3 : اسباب التقنين

[17] – شركة محروقات ننتج كامل حاجتنا من البنزين ونستورد 60% لكل من الغاز والمازوت، سيريانديز،2012، https://bit.ly/3DUqcqi

[18] – 100 ألف اسطوانة لغاية الآن، آلية جديدة لتوزيع الغاز المنزلي في حلب، بزنس تو بزنس، 2014 https://bit.ly/3fjDT84

[19] – صدرت البطاقة الذكية عن شركة تكامل الخاصة التي أسست عام 2015، وهي شركة برمجيات تلعب دورًا وسيطًا بين القطاعين الحكومي والخاص https://www.facebook.com/Takamol.Co.Sy/ وهيمنت على توزيع المواد المدعومة، من الغاز والمازوت والبنزين والسكر والرز، ولا يمكن استلام أي مادة مدعومة الا بعد تلقي رسالة من شركة تكامل.

[20] – سوزان ماكديد، هدف التنمية المستدامة 7 والتنمية المستدامة للطاقة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، الأمم المتحدة، https://bit.ly/3yvskl9

[21] – كفاح الزين، قصص مؤلمة لرضّع ماتوا بمستشفيات سورية بعد قطع الكهرباء عنها، العربية، 2011 https://bit.ly/3zyB9dC

[22] – تخفيض فترة انقطاع الكهرباء في ريف دمشق 8 ساعات وفي المدينة 6 ساعات، سيريا ديلي نيوز، 2012 https://bit.ly/3RNXH0W

[23] – سليمان الخالدي، انقطاع الكهرباء ونقص وقود الديزل يزداد سوءًا في دمشق، رويترز، 2012، https://reut.rs/3dIvNW0

[24] – سلام السعدي، الكهرباء في سوريا: 20 ساعة تقنين، موقع المدن، 2013 https://bit.ly/3df3Moz

[25] – زيادة تقنين الكهرباء في سوريا بعد استيلاء تنظيم “الدولة” على حقول الغاز، اقتصاد مال وأعمال السوريين، 2014 https://bit.ly/3RSi0Kt.

[26] – مُنحت خطوط معفاة من التقنين للأفراد والشركات، على أن يدفع المشترك 300 مليون ليرة ثمن المحولة، وثمن الأكبال من المركز الرئيسي إلى المنشأة المعفاة، وبحسب آخر ارتفاع وصل سعر كيلووات الكهرباء إلى 800 ليرة، لتصل مع رسومها وضرائبها إلى حدود الألف ليرة، وسُمّيت تلك الخطوط بالخطوط الذهبية، وبلغ عدد طلبات الإعفاء 382 طلبًا بما يعادل 160 ميغا وات، إضافة إلى 200 ميغا وات معفاة من التقنين نفذتها الوزارة، ومع انخفاض الإنتاج إلى 1900 ميغا وات، تصبح نسبة الخطوط الذهبية بحدود 18% من الكهرباء الكلية المنتجة حاليًا. انطر : https://bit.ly/3ChZdmo

[27] – سعر الغاز بسوريا تضاعف عشر مرات، موقع الجزيرة، 2012، https://bit.ly/3MgvWwO

[28] – شركة محروقات ننتج كامل حاجتنا من البنزين ونستورد 60% لكل من الغاز والمازوت، سيريانديز، 2012، https://bit.ly/3DUqcqi

[29] – أزمة بنزين خانقة في دمشق، عربي 21، 2013، https://bit.ly/3T199Yf

[30] – محروقات دمشق 15% من المسجلين على المازوت أجّلوا استلام المادة لارتفاع اسعارها، الاقتصادي، 2013، https://bit.ly/3SKUgc6

[31] – سنان حتاحت، كرم شعار، قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب تقييم شامل، مسارات الشرق الأوسط، 2021،  https://bit.ly/3BZYBBB

[32] – انظر الملحق رقم 4 النفط السوري بين الإنتاج والاستهلاك

[33] – “How are we expected to survive this?” The impact of Syria’s economic crisis on families, NORWEGIAN REFUGEE COUNCIL باللغة الإنكليزية. https://bit.ly/3UPddMN

[34] – لمحة عامة عن الاحتياجات الانسانية الجمهورية العربية السورية، اوتشا، 2022 https://bit.ly/3V4SFA6

[35] – يفضل الباحثان استخدام مصطلح التكيف القسري بدلًا من مصطلح التكيف السلبي الذي ورد في (لمحة عامة عن الاحتياجات الانسانية الجمهورية العربية السورية دورة برنامج العمل الإنساني لعام 2022، (ص 73)

.. وفي-“How are we expected to survive this?” The impact of Syria’s economic crisis on families, NORWEGIAN REFUGEE COUNCIL باللغة الإنكليزية، من الحرب إلى الجحيم كيف نتوقع الجاة من هذا

[36]، التقرير العالمي 2022، سوريا أحداث عام 2021، هيومن رايتس ووتش، https://bit.ly/3StcVsk

[37] – جوزيف ضاهر، خفض الدعم على المشتقات النفطية: تبعاته على سوريا، ميدل ايست دايركشن، 2021، https://bit.ly/3rjqdNc

[38] – ريان محمد، سوريون في العتمة… أزمة الكهرباء مستمرة في البلاد، العربي الجديد، 2021 https://bit.ly/3xeU78G

[39] – عامر فياض، الحياة اليومية في دمشق…دون كهرباء، صالون سوريا، 2022 https://bit.ly/3U0xxKx

[40] – شكلت البطاريات ومستلزماتها وتجهيزات الطاقة واحدًا من أهم المستوردات السورية الواردة عبر معبر نصيب خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من وجود بطاريات صناعة محلية، فإنها لا تكفي شدة الطلب كما أنها أقلّ جودة. انظر: https://bit.ly/3RSBDSF

[41] – روث الحيوانات وسيلة بديلة لمجابهة البرد في سوريا.. النقلة الواحدة بـ 300 ألف، صفحة موقع (بزنس تو بزنس) على الفيسبوك، 2022 https://bit.ly/3VdBbkS

[42] – بسبب غياب الكهرباء.. مكواة الفحم الأثرية تظهر من جديد في سوريا، موقع تلفزيون سوريا، 2022، https://bit.ly/3LYV4Ib

[43] – للمزيد حول الموضوع يمكن الاطلاع: ازدياد التحطيب الجائر بعد ارتفاع سعر الطن إلى 1.5 مليون في سوريا، تلفزيون سوريا، النشر 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، الرابط: https://2u.pw/iDOzXo

[44] – “وحذّر رئيس جمعية الأجبان والألبان عبد الرحمن الصعيدي، في تصريحات إعلامية محلية، من أن عدم تسليم مخصصات المحروقات لمعامل الألبان والأجبان سيوقف 80 في المئة منها، بعد أن توقف 25 في المئة منها بسبب عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي الكبير”، عبد الرحمن خضر، 80% من معامل الألبان قد تتوقف عن العمل في مناطق النظام السوري، العربي الجديد، 2021، https://bit.ly/3BwZ4Lh

[45] – عامر فياض، الحياة اليومية في دمشق… بلا كهرباء، صالون سوريا، 2022 https://bit.ly/3BAj7se.

[46] – جوان القاضي، أزمة الكهرباء تجبر اصحاب المصالح في دمشق على ترك مصالحهم، تلفزيون سوريا، 2021 https://bit.ly/3xDBMSO

[47] – زينة شهلا، سنوات حرب ثقيلة.. سوريا تخسر موردها البشري ببطء وصمت، رصيف 22، 2021 https://bit.ly/3T9OIIA

[48] – محمد راكان مصطفى، عاصي: خسارة كبيرة والذين يهاجرون الآن النخب الاقتصادية … رئيس اتحاد الحرفيين: زيادة في طلب شهادة الخبرة لغاية السفر … يوسف: عامل جذب من الخارج وتنفير من الداخل، الوطن السورية، 2021 https://bit.ly/3fs2IyN

[49] – طلال ماضي، تكلفة إصلاح الأدوات الكهربائية تساوي نصف ثمنها، أجرة ساعة “الكهربجي” أعلى من “يومية” الأستاذ الجامعي، الوطن السورية، 2022، https://bit.ly/3RYTkBa

[50] – تراجع مستويات الأمن الغذائي سورية بين أكثر عشر دول في العالم تعاني. (جيل ضائع) ص24 باللغة الإنكليزية https://bit.ly/3T6YZoL

[51] – تباع ب 250 ألف ليرة.. سرقات يومية لأغطية ريكارات الصرف الصحي في دمشق، موقع تلفزيون سوريا، 2022 https://bit.ly/3UP4ryv

[52] – اللاذقية… عمليات السرقة تصل إلى البنزين من سيارات المدنيين، غين على سوريا، 2022/ https://bit.ly/3dDFS6F

[53] – ريتا علي، في مناطق حكومة دمشق السرقات تطال كل شيء حتى الأحذية، نورث برس، 2021 https://bit.ly/3UAf6ge

وللمزيد حول أنواع السرقات السائدة في سورية، يمكن الاطلاع على موقع وزارة الداخلية السورية: https://www.facebook.com/syrianmoi/

[54] – قضى على زيجات استمرت 50 عاما.. حديث عن انتشار “طلاق الكبار” في سوريا، موقع تلفزيون سوريا، 2022 https://bit.ly/3TQguuk

[55] – “طلاق الكبار” في سوريا يتصاعد مع مجتمع الحرب والكساد الاقتصادي، الشرق الأوسط، 2022،

 https://bit.ly/3raJEYh

[56] – دمشق: ازدياد حالات الطلاق في سوريا مقارنة بالسنوات السابقة، نورث برس، 2022، https://bit.ly/3DkKxU0

[57] – تقرير، سوريا أحداث عام 2021، هيومان رايتس ووتش، https://bit.ly/3LIlHkt

[58] – تقرير صندوق الامم المتحدة للسكان، لمحة عامة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في سوريا، 2021 https://bit.ly/3DQbyR8

[59] -على سبيل المثال: منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر2022 ، أقدم رجل على قتله طفله الصغير البالغ من العمر تسعة أشهر ودفنه في المزرعة التي يعمل فيها مع زوجته في قرية المتن باللاذقية، والأب متزوج منذ ثلاث سنوات ولديه طفلان، وتوجد خلافات كثيرة بينه وبين زوجته، وبينما كانت زوجته تنظف حظيرة الأبقار وكان الطفلان يصرخان وبسبب غضبه من زوجته، ضرب طفله ووضع وسادة على وجهه وضغط عليها بقصد إسكاته ما أدى إلى وفاته، مصدر الخبر صفحة وزارة الداخلية على (فيسبوك)

https://www.facebook.com/syrianmoi/

[60] – نظام الأسد يكشف عدد جرائم القتل في مناطق سيطرته منذ بداية العام، موقع تلفزيون سوريا، 2022 https://bit.ly/3dHuU06

[61] – محمد الأزن، آيات الرفاعي قُتلت بسبب “مفك براغي” و “إبريق ماء ساخن”.. اعترافات صادمة للمتهمين، aeabic cnn، 2022، https://cnn.it/3DTOr8k

[62] – النشرات السنوية والنصف سنوية الصادرة عن موقع نومبيو المختص بمعدلات الجريمة ونسب السلامة العامة والأمان، https://bit.ly/3UzMHXw

[63] – صوت العاصمة، مسؤول طبي: انتشار المخدرات بين اليافعين بدمشق صوت العاصمة، 2022 https://bit.ly/3UJdRv6

[64] – رسلان عامر، الزواج في سوريا.. الحلم المعضلة، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 2021،

 https://bit.ly/3fm8G4j

[65] – بلغ عدد المصابين بوباء الكوليرا الذي ضرب سوريا عام 2022/ 338 شخصًا حتى 25/9/2022، كما بلغ عدد الوفيات 29 حالة، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية سانا، نقلًا عن وزارة الصحة السورية https://bit.ly/3dP4DwH.

[66] – “How are we expected to survive this?” The impact of Syria’s economic crisis on families, NORWEGIAN REFUGEE COUNCIL باللغة الإنكليزية،2022 https://bit.ly/3UPddMN

[67] – مدير مستشفى دمشق: زيادة في الإنتانات المعوية والسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، صاحبة الجلالة، 2022، https://bit.ly/3CX8GQh

[68] – سمير عبد الله، الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري بعد عام 2019 (الدوافع- الوجهات- الآثار)، 12 أيلول/ سبتمبر 2022. الرابط: https://bit.ly/3d1T2u5

[69] – محمود عثمان، النفط السوري.. من سرقات النظام والميليشيات إلى الصراع الدولي (انفوغرافيك)، 2019، https://bit.ly/3Si1PXV

[70] – سمير العيطة، العواقب غير المنتظرة للتدابير الأحادية الجانب المفروضة على الاقتصاد السوري وشركاته الصغيرة والمتوسطة، the carter center,2020 https://bit.ly/3dS6AIK

[71] -سمير سعيفان، الاقتصاد السياسي تحت حكم العسكر الحالة السورية بين 1963 -2010) 06 أيلول/ سبتمبر 2020..

[72] – عدنان عبد الرزاق، ازدياد اعفاءات ناقل النفط إلى نظام الاسد من رسوم الحواجز السورية، العربي الجديد، 2022 https://bit.ly/3V7tNaK

[73] – ماذا يعني الخط الائتماني الإيراني الجديد لدمشق، اقتصادي، 2022، https://bit.ly/3RM8hFx

[74] – محروقات استهلاك سوريا من الغاز المنزلي بحدود 1200 طن يوميا.. والإنتاج المحلي يغطي 35% منها، سيريان أويل، 2022، https://bit.ly/3edw6st

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى