هل من تهجير جديد للسوريين؟

د-محمد مروان الخطيب

خلال الأيام الماضية عمّت مناطق شمال وجنوب سورية مظاهرات عارمة استنكاراً لما تردد من تصريحات حول قرب تطبيع تركيا علاقاتها مع الأسد، وذلك في إطار خطوات توجت في الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع وقادة المخابرات لكل من روسيا وتركيا والأسد في موسكو، والذي يتوقع أن يليه اجتماع لوزراء الخارجية لاستكمال نتائج المحادثات، للوصول إلى ترتيبات مشتركة برعاية روسية في الشمال السوري، بدءاً من منطقة شرق الفرات.

وكان الرئيس التركي الذي دعا الأسد مراراً إلى التنحّي عند اندلاع الثورة السورية، ووصفه بالقاتل، قد صرح مؤخراً، بأنه لا يستبعد الاجتماع بالأسد شخصياً لتحقيق السلام في المنطقة والقضاء على “الإرهاب”، بعد إنجاز خطوات وصفت بــ “خريطة طريق” وضعت بالاتفاق مع موسكو، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو المقبل، هذه الانتخابات التي يكثر الحديث عن آثارها على حزب العدالة والتنمية، حيث يسعى الحزب إلى توفير مناخ سياسي واقتصادي لمعركته الانتخابية، عبر وضع ملف اللاجئين السوريين على طريق الحل، بعدما نجحت أحزاب المعارضة التركية في تحويله إلى ورقة انتخابية في غير صالحه بربطه بالمشكلات الاقتصادية.

وبالرغم من تصريح وزير الخارجية التركي بأن تركيا لن تُطبّع علاقاتها مع النظام رُغماً عن المعارضة السورية، لأنها هي الضامنة لها، إلا أن نظرات تشاؤمية تسود في أوساط المهجرين في مناطق الشمال السوري، تتلخص في فقدان الثقة فيما يخص حماية المعارضة أثناء عملية التطبيع مع عصابة الأسد الكيماوي، فقلّما يتذكر السوريون في الآونة الأخيرة موقفاً لم يمارس عكسه عملياً، سواء في الخطوط الحمر التي وضعت أمام عصابة الأسد وصولاً إلى اعتبار السوريين في تركيا مهاجرين إلى بلاد الأنصار.

وإن كانت المعارضة الرسمية الممثلة بالائتلاف وهيئة التفاوض في حالة انقسام الآن بين موقفين، جهة ترى أن التوجه التركي الجديد أصبح شديد الخطورة ولا يمكن مجاراته أكثر، بينما يرى آخرون أن القضية السورية يجب أن تخرج من هذا الاستعصاء وأن تعجل بالوصول إلى حل سياسي يُنهي معاناة الشعب بأي وسيلة، وبالتالي لا بد من المضي في هذا المسار من أجل تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه، لكن كلا الفريقين لا يجرؤ على التعبير عن مواقفه. وهذا ما يُزيد اليقين بضرورة إعادة هيكلة مؤسسات المعارضة الرسمية بشكل جذري أو إنتاج بديل عنها.

وإن كنا نعي بأن المصالح التركية تدور حول عاملين رئيسين: الأول مرتبط بالحاجة إلى تعاون الأسد في حل أزمة اللاجئين، عبر تأمين عودة آمنة للجزء الأكبر منهم، إلا أننا نرى، بأن الأسد لا يستطيع الانخراط في ترتيبات جدية تساعد في عودة اللاجئين من تركيا، هذا لو افترضنا أنه يريد ذلك أصلاً، فهل يريد عودة ملايين من بينهم كثيرون معارضون له، ما يزيد من أعبائه الأمنية والاقتصادية. أما الثاني فهو الحاجة إلى تقويض مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، إذ إنها تعتبر تهديداً وجودياً لسورية وتركيا، علماً بأن أميركا قد أقامت في تلك المنطقة قواعد عسكرية تعطيها أوراقاً تفاوضية أساسية ضد روسيا، ولضبط وجود إيران وتقديم دعم لوجستي لإسرائيل، وبالتالي فإن المنطقة تمتلك فيها أميركا اليد العليا بما في ذلك توجيه الصراع وضبط حركة الفاعلين ضمن الحدود التي اعتمدتها.

مهما يكن الأمر، سيكون “التطبيع” بين وتركيا والأسد عمليةً صعبة ومعقّدة، ومهما كانت مخرجات الاجتماعات المجدولة بشأنها، لكن السؤال الذي تطرحه الحاضنة الشعبية للثورة، هل النظام السوري المأزوم اقتصادياً وأمنياً ومعيشياً، والذي يقف على حافة الانهيار، هل يمكنه أن يفيد تركيا بشيء أو يعطي أي قرارات جدية؟، إننا نعتقد بأن تركيا لن تحصل على أي مكاسب استراتيجية أو اقتصادية من نظام مشلول ومسلوب الإرادة يفتقد أدنى مقومات الدولة الفاشلة، إلا أنها قد تعزز علاقاتها مع موسكو في سياق المناكفة مع الغرب، لكنه باعتقادنا مكسب قليل جداً بالمقارنة بما تقدمه من إعطاء شرعية لنظام فقد كل مقوماته، إضافة لكونها إثبات صوابية الرؤية والرواية التي تتبناها المعارضة التركية تجاه الصراع في المنطقة، وفي النتيجة قد يؤدي كل ذلك إلى إعادة تهجير السوريين، ولكن إلى مكان غير محدد بعد ليواجهوا المصير المجهول.

المصدر: إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى