للحكومات ضروراتها وللشعوب خياراتها

أحمد طه

شهدت الأشهر الأخيرة من العام الماضي بدء موجات من التصريحات التركية بخصوص التقارب مع نظام الأسد، ربما كان أولها تصريح وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو في 11 آب /أغسطس الماضي حين دعا إلى “تحقيق المصالحة بين النظام السوري والمعارضة بطريقة ما” ثم وبعد شهرين من ذلك صرح أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد ذلك توالت التصريحات التركية التي عبرت عن رغبة في إنهاء القطيعة مع النظام السوري وصولًا إلى تطبيع العلاقات. انتهت فترة التصريحات التمهيدية بزمن قياسي حيث التقى وزيرا الدفاع السوري والتركي في 28 كانون الأول/ديسمبر الماضي أي بعد حوالي أربع أشهر من أول تصريح، وكان على أجندات الوزير التركي مطلبين أساسيين تمثل الأول في إبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن الحدود التركية وتعديل اتفاق أضنة ليصبح بإمكان الجانب التركي التوغل في الأراضي السوية مسافة 32 كم بدل 5 كم، والثاني العودة الآمنة لللاجئين السوريين، الذين شكلوا في الآونة الأخيرة عبئاً انتخابياً كبيراً على حزب العدالة والتنمية.

هل تغيرت قواعد اللعبة ؟

التغيير المفاجئ في السياسية التركية تجاه النظام السوري يبدو أنه يستند إلى عدة عوامل يمكن أن تكون تطورات الحرب الروسية الأوكرانية ومحورية دور تركيا ولعبها دور الوسيط في صفقات القمح والغاز أحد أهم تلك العوامل حيث أتاح هذا الدور لتركيا لعب دور إقليمي جديد وهو ما يتوافق مع الرؤية التي عبر عنها الرئيس التركي بمقولته الشهيرة العالم أكبر من خمسة.

وربما ضعف الشريك على الضفة الأخرى للمفاوضات هو عامل آخر فالنظام السوري في أضعف أوقاته، فالداعمين الأكبر له في مأزق لا يحسدان عليه أبداً فالروسي غارق في وحل أوكراني كان يعتقده نزهة تستغرق منه أسبوعًا أو شهرًا على أبعد تقدير، والإيراني مهدد داخليًا بثوره شعبية تكاد تقوض أركانه أو تجعله منشغلاً بها عن سواها بأحسن تقدير، وهذا التوقيت وبهذه العوامل هو الوقت الأنسب للجانب التركي لتوقيع اتفاق هو أقرب إلى فرض الشروط.

قد يعطي توقيع هذا الاتفاق مع النظام السوري في دمشق مخرجاً للجانب التركي، في إبعاد حزب العمال الكردستاني عن حدوده الجنوبية وتجنب مواجة عسكرية قد تزعج الراعي الأميركي الذي يحمي قسد  ومن وراءها حزب العمال الكردستاني.

قد يبدو أن محاولات إعادة العلاقات أو التطبيع مع نظام الأسد سواء من قبل الجانب التركي مؤخراً أو من الجانب الأماراتي والبحريني و السعودي سابقًا، أنها لا تنسجم مع الرؤية الأميركية ظاهرياً والتي تصرح بين الحين والآخر أنها لا تدعم التقارب مع الأسد، لكنها من مقلب آخر تنسجم مع التوجه الأميركي الذي يريد تغيير سلوك النظام لا أكثر، وإلا لما تجرأت الإمارات وبعض دول الخليج وأعادت علاقاتها معه – بذريعة فك ارتباط دمشق بطهران- وهي دول لا تفتح هذا الباب بدون الرضى الأميركي أو على الأقل غض الطرف من قبله، وليس قانون قيصر وبعده تصنيف سورية بدولة مخدرات، إلّا أدوات ضغط على النظام لتهيئته لتغيير سلوكه، ثم قنوات خلفية عبر هذه العلاقات للتخلي عن سلوك قديم منبوذ وتبني السلوك الجديد المقبول.

هذا على الجانب الدولي والإقليمي، أمّا على الجانب الشعبي فالأمر مختلف تماماً فالأسد بالنسبة للسوريين هو أكثر من حزب العمال الكردستاني بالنسبة للحكومة التركية، فهو مجرم حرب وقاتل، تسبب في مقتل أكثر من 606 آلاف سوري حسب المرصد السوري لحقوق الانسان  وتشريد ما يزيد عن 13 مليون، عدا عن حوالي 160 ألف معتقل حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لذلك فلا مجال هنا لتكتيك أو مناورة، ولا مجال أيضًا لتغيير سلوك قديم و تبني سلوك جديد، وإن كان لدول المنطقة ضروراتها التي تنطلق منها لتحقيق مصالحها الآنية منها أو الاستراتيجية، فإن للشعوب أيضًا خياراتها المحقة في أن ترفض الصلح مع قاتل أبنائها، وأنها لا يمكن أن تقبل يومًا ما بإعادة تدوير هذا النظام، ليس لأن إعادة تدويره خلل أخلاقي وحسب، بل لأنها زعزعة للاستقرار العالمي، وكرت أخضر لأمثاله لارتكاب جرائم القتل والتهجير بدون حسيب أو رقيب، ويبقى على المعارضة السورية ممثلة بهيئة التفاوض أو اللجنة الدستورية أن تستفيد من هذا الرفض والحراك الشعبي، ليكون لها مخرجًا من أي ضغط دولي أو إقليمي يمارس عليها فهل من مجيب؟

المصدر:إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى