مساعدات دولية للسوريين بطعم الابتزاز الروسي والأسد هو الرابح

حسام محمد

مدد مجلس الأمن الدولي في التاسع من شهر كانون الثاني/يناير الحالي قرار العمل بآلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا ستة أشهر تنتهي في 10 تموز/يوليو 2023 وهو ما يتيح إيصال المساعدات لنحو 4 ملايين شخص، إلا أن القرار حمل في جعبته مخاوف لدى السوريين وانتقادات من بعض الجهات الحقوقية والإنسانية في سوريا، جراء نجاح روسيا في التحكم بالقرار عبر أروقة مجلس الأمن، ومساهمتها في تخفيض عدد المعابر الحدودية وتحقيق مكاسب لها ولصالح النظام السوري.

قرار تمديد إيصال المساعدات لمدة ستة أشهر، كشف عن انهيار في الأوضاع المعيشية في عموم سوريا إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عام 2011. حيث أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى ارتفاع أعداد السوريين الذين سيكونون بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية إلى 15.3 مليون.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اعتبر من جانبه أن تمديد العمل بآلية إيصال المساعدات للشعب السوري يبقى شريان حياة لا غنى عنه بالنسبة لـ 4.1 مليون إنسان في شمال غرب البلاد، خاصة مع معاناة السوريين من شتاء قارس وتفشي وباء الكوليرا.

غوتيريش، شدد كذلك على أهمية توسيع نطاق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، من خلال العمليات عبر الحدود وعبر خطوط الصراع، وتوسيع الأنشطة الإنسانية من خلال الاستثمار في مشروعات الإنعاش المبكر.

سلاح روسي بوجه السوريين

أجمعت غالبية المنظمات الإنسانية والحقوقية العاملة في سوريا على وجود مخاوف كبيرة من نجاح روسيا في تحجيم أكثر للمساعدات المقدمة للسوريين عبر المعابر، وربما الوصول إلى إيقافها في أوقات لاحقة، ما يهدد بجعل التمديد الأخير هو النهائي وممهدا إلى آلية جديدة لنقل المساعدات ستكون للنظام السوري حصة الأسد فيها وفي النتائج المترتبة عليها سياسيا.

الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» اتهم من جانبه روسيا باستخدام الملف الإنساني لتعويم النظام، واستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسساته.

«الابتزاز الروسي» وفق بيان الدفاع المدني، يأتي في وقت تزداد فيه معاناة السوريين في ذروة فصل الشتاء، وضعف البنى التحتية، وغياب مقوّمات الحياة خاصةً في المخيمات، وتهديد الكوليرا حياة السكان وعودة انتشار كوفيد-19 واستمرار الهجمات القاتلة من نظام الأسد وروسيا وتقويض الاستقرار المدنيين.

معتبرا، أن «مجرد قبول المجتمع الدولي بخضوع المساعدات الإنسانية للابتزاز من قبل النظام السوري وروسيا، هو شرعنة واضحة لاستخدام المساعدات كسلاح».

إخراج المساعدات من أروقة مجلس الأمن

رأت مصادر حقوقية سورية أن مجلس الأمن الدولي قام بتسييس مسألة المساعدات المقدمة للشعب السوري رغم تصنيفها كمساعدات إنسانية بحتة، وطرحها للتصويت في المجلس بوجود روسيا الداعمة للنظام السوري عسكرياً وسياسياً والتي تملك حق النقض، ما منحها فرصة لجعل موضوع المساعدات ورقة تفاوض وضغط لتحقيق مكاسب سياسية لها، سواء بما يتعلق في سوريا أو لاستخدامها في ملفات دولية أخرى.

وفي هذا الصدد، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ«القدس العربي»: «يعتمد سكان شمال غرب سوريا على المساعدات الأممية العابرة للحدود بشكل جوهري، في حين أن روسيا تستغل ظروفهم القاسية لتتخذ منهم رهائن، وتبتز المجتمع الدولي للحصول على مكاسب مادية وسياسية، وقد أكدنا منذ سنوات أنه يجب على المجتمع الدولي التخلص من الابتزاز الروسي للأبد، واتخاذ خطوة إدخال المساعدات الأممية الحيادية والضرورية من دون الحاجة لإذن من مجلس الأمن».

كما أشار إلى عدم وجود ضرورة لإدخال المساعدات إلى الشعب السوري بقرار يصدر عن مجلس الأمن، واعتبر أن قرار التمديد لمدة 6 أشهر من الناحيتين الحقوقية والقانونية لا معنى له، حيث إن مجلس الأمن فرض سيطرته على القرار وبات يتحكم به رغم أن الملف خارج نطاق سيطرته.

وبالتالي، فإن أي تحرك ضمن مجال المساعدات المقدمة للشعب السوري بات يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، وهنا تكمن اللعبة التي أدارها الروس ونجحوا في الوصول إليها، فالمساعدات لا تحتاج إلى قرار بالأصل، وفي المرة الأولى قال الروس «نسمح بإدخال المساعدات» وبالتي فإن كل مرحلة من مراحل إدخال المساعدات تستلزم انتظار الموقف الروسي حتى يقولوا «نسمح بإدخال المساعدات».

عبد الغني، اعتبر أن تمديد إدخال المساعدات لمدة ستة أشهر هو تمديد غير منطقي، فعلى سبيل المثال كان يمكن تمديد القرار لمدة عام لا نصف عام، ولماذا ننتظر بازارا روسيا جديدا بعد أشهر قليلة وابتزازا، خاصة أن برامج المنظمات المساهمة تحتاج إلى عام من التخطيط وأشهر قبل ذلك من المفاوضات، بهدف تحصيل مناخ مناسب للعمل واستقرار في تقديم المساعدات، وبالتالي فإن قرار التمديد لمدة ستة أشهر فقط، يساهم إلى حد كبير في عرقلة كافة هذه الإجراءات وبالتالي التضييق على الشعب السوري.

ورأى أن روسيا ومن خلفها النظام السوري هي الجهات المستفيدة من قرار مجلس الأمن حول تمديد المساعدات، حيث كان تعداد المعابر أربعة ثم انخفض إلى معبرين فقط، ثم تم تحجيم العدد إلى معبر واحد يتحكمون فيه من خلال المدة، كما أن إدخال المساعدات عبر نقاط التماس بين النظام السوري والمعارضة غير مجدي، حيث إن النظام ينهب المساعدات، في حين أن مسهلي المساعدات يحققون مكاسب سياسية، ويفاوضون على جوانب أخرى من خلال زيادة عمليات التعافي المبكر والسلل الغذائية في مناطق سيطرة النظام السوري.

ابتزاز روسي وفشل أممي

إن تمديد القرار 2672 لمدة 6 أشهر يشير وفق ما قاله المستشار الاقتصادي د. أسامة القاضي لـ «القدس العربي» إلى ابتزاز روسي قادم بعد انتهاء هذه الفترة المحددة، ما يعجل من ضرورة بحث المجتمع الدولي عن طرق جديدة لإيصال المساعدات للشعب السوري بعيدا عن الضغوط التي يمارسها الكرملين، خاصة أن هذه المساعدات لا تحتاج إلى قرارات أممية لإيصالها. فهي تُقدم للسوريين المنكوبين شمالي البلاد، وللذين يقطنون المخيمات بظروف معيشية بالغة الصعوبة.

ويرى المستشار الاقتصادي، وجوب الاستفادة من شهر العسل الحالي بين أنقرة وموسكو للعمل على اتفاقيات ثنائية لإدخال المساعدات للشعب السوري، خاصة أن المساعدات التي دخلت عبر معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا خلال عام 2021 لا تتجاوز قيمتها 155 مليون دولار أمريكي وهو رقم بسيط، قامت بإدخاله 14 دولة مجتمعة، في حين تجاوزت المساعدات الدولية المقدمة لأوكرانيا خلال أقل من عام واحد 100 مليار دولار أمريكي.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة فشلت في تطبيق أي قرار خاص بسوريا، رغم وجود أكثر من 10 قرارات دولية و6 بيانات أممية، أصبحت حبرا على ورق لا قيمة لها، وهذا ما يجعل تمديد قرار إمداد المساعدات لمدة ستة أشهر بهذه الصيغة ورقة ضغط مستمرة بيد روسيا بحق الشعب السوري المنكوب والمشرد، وهو ما يتوجب العمل عليه خلال الأشهر المقبلة لإيجاد حلول ناجعة للسوريين وتطبيق آلية الشفافية والمحاسبة لكل الإغاثات والإعانات الأممية، خاصة أن النسبة الكبرى منها تصل إلى يد النظام السوري عن طريق الأمم المتحدة التي تمتلك مكتبا لها في دمشق.

المساعدات في خطر

حذر فريق منسقو الاستجابة في سوريا من المساعي الروسية لإغلاق حركة القوافل الإنسانية في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وهو ما يؤكد أن الآلية خلال الأشهر الستة التالية هي الأخيرة في مضمون نقل المساعدات.

واعتبر الفريق أن نص مقترح المشروع على زيادة فعالية نقل المساعدات عبر الخطوط، إضافة إلى زيادة أنشطة التعافي المبكر والتي يستفيد منها بشكل أكبر النظام السوري وبالتالي العمل على شرعنة النظام الحالي وإعادة تمويل ما دمرته روسيا في حربها ضد السوريين.

مشيرا إلى أن المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع النظام غير كافية ولا تصلح لإمداد المنطقة بالاحتياجات الإنسانية، واستحالة تنفيذها خاصةً مع العراقيل الكبيرة التي يضعها النظام وروسيا على دخول القوافل الإنسانية عبر خطوط التماس، إضافة إلى استغلال المساعدات الإنسانية من قبل النظام السوري في تمويل عملياته العسكرية ضد المدنيين.

في حين تعاني المخيمات في الشمال السوري من غياب المياه النظيفة والصالحة للشرب عن 47 في المئة من مخيمات النازحين، حيث وصلت أعداد المخيمات غير المخدمة بالمياه أكثر من 658 مخيماً، وهو ما أدى إلى زيادة الأمراض الجلدية ضمنها نتيجة عوامل مختلفة أبرزها انتشار الحشرات واستخدامات المياه، حيث سجل أكثر من 22 في المئة من إجمالي المخيمات تحوي بين سكانها مصابين بأمراض جلدية.

إضافة إلى تزايد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا ومرض الكوليرا نتيجة ضعف توريد المياه النظيفة وارتفاع أسعار صهاريج المياه نتيجة انقطاع المحروقات.

الناشط السياسي في الشمال السوري عبد الكريم العمر، قال من جانبه لـ «القدس العربي» إن «استمرار تدفق المساعدات عبر معبر باب الهوى في ظل الظروف الإنسانية الصعبة إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية هو لا شك نقطة إيجابية ونقطة قوة في الوقت الذي دوما روسيا تهدد وتتوعد باستخدام الفيتو، ومع ذلك بالنهاية يمرر القرار وهو يشكل منفسا للذين يعيشون في شمال غرب سوريا.

كما أن نقطة الضعف تكمن في أن النظام السوري يستفيد من تمرير القرار، فروسيا تحاول تحصيل بعض المكاسب للنظام السوري من خلال تمرير القرار، وهي مكاسب مادية أو مشاريع كالتعافي المبكر وغيرها لصالح مناطق النظام في الوقت الذي تسعى فيه روسيا حتى لو لم تستطع أن تحصل أي مكاسب للنظام، لكنها لم تستطع استخدام الفيتو من أجل ألا تحرم النظام من المساعدات الواصلة له».

ورأى العمر، أن الشعب السوري لم يخرج بثورته من أجل الصراع الحالي حول المساعدات والمعابر، وعوضا عن إبقاء المساعدات الشغل الشاغل للمجتمع الدولي وكيفية إدخالها، لا بد من تفعيل الحل السياسي الشامل والنهائي في سوريا وفق بيان جنيف 30 حزيران/يونيو 2012 والقرار الدولي 2118 / 2254.

ورأى ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ووضع دستور للبلاد وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية لا يكون فيها لبشار الأسد ونظامه أي دور أو وجود.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى