يحاجج رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ابن عمته بشار الأسد بمنطقه نفسه، أنا أو الطوفان الاقتصادي، مستعيرا شعار الأسد “الأسد أو نحرق البلد”. وإن كانت دلالة “أو” تعني أحد الخيارين فإنها، وللأسف، في حالة الأسد تحققهما معا، أي بقاء النظام واحتراق سورية.
على الأرجح، سينتهي “مسلسل” مخلوف قريباً، وما سيبقى منه بضع شركات صغيرة مستترة في الداخل السوري وشركات وعمارات وأموال طائلة يملكها رامي وعائلته في دول عديدة، روسيا ورومانيا والمجر والإمارات وغيرها.
ما سيبقى أيضا غصّة وحسرة أيتام رامي مخلوف من حاشيته والمحسوبين عليه من طائفته (العلوية)، ومن الحزب السوري القومي الاجتماعي، مع تغيير ولائهم الظاهري لبشار وفريقه… لن يستطيع رامي البقاء في سورية، وسيكشف المزيد من أوراقه المستترة عبر الفيديو، وربما يؤسّس لاحقا تجمعا كالتجمع القومي لصاحبه رفعت الأسد وأبنائه.
عمل النظام في سورية وسيستمر ضمن حساباته السلطوية الجديدة، منذ ثلاثة أعوام تقريبا، على نزع أنياب مخلوف وأوراق قوته التي جمعها منذ صعوده كأكبر الذئاب الشابّة، مع تأهيل بشار الأسد بعد مقتل باسل عام 1994 تحت شعار “باسل المثل وبشار الأمل”، الذي أطلقه ضابط المخابرات بهجت سليمان في محاضرة له في مكتبة الأسد في دمشق. ومع انطلاق الثورة السورية في 2011، وهتاف المتظاهرين “لا شاليش ولا مخلوف.. ما بدنا نشوف”، وضع رامي ووالده محمد وشقيقه حافظ خطّة لاستمرار بقائهم ونفوذهم، ولا سيما بعد ملاحظة أن فريقا، ولو ضعيفا، من النظام يقبل تقديمهم كبش تضحية مع ابن خالتهم، عاطف نجيب. وتقوم الخطة ببساطة على مثلث الثروة والطائفة واستبدال حزب البعث بالحزب السوري القومي الاجتماعي.
– مضاعفة الثروة باعتباره خازن مال العائلة، وتبييض سمعة هذه الأموال بأن جزءا منها يعود للفقراء، وجزءا آخر منها لصالح حزب الله، وانتهى الأمر بإعلان مؤسسة راماك للأعمال الخيرية.
– تشجيع النظام على انتهاج الحل الأمني والعسكري من دون رحمة. وتنسب بعض دوائر “تقوم خطة رامي مخلوف على مثلث الثروة، والطائفة، واستبدال حزب البعث بالحزب السوري القومي الاجتماعي”النظام لآل مخلوف دورا كبيرا باعتماد الحل الأمني، ونبذ الحل السياسي الذي كان يشجعه بعض أركان النظام، وفي مقدمتهم نائب الرئيس آنذاك فاروق الشرع ومعاون نائب الرئيس العماد حسن توركماني، بل وحتى معارضة طرح نائب رئيس الأركان، العماد آصف شوكت، بالاعتماد على الحزب والأمن، من دون إقحام الطائفة كاستنساخ لتجربة حافظ الأسد في الثمانينيات خلال الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين.
هنا ظهرت “خطة بندر” و”الياسمينة الزرقاء”، واللتان وضعتا في قسم الأربعين (التابع لفرع الأمن الداخلي في إدارة المخابرات العامة)، وأشرف عليهما حافظ مخلوف من مكتبه في منطقة العفيف بدمشق. وفي هذا الإطار، تم تسليح وتمويل مجموعات طائفية في حمص ومجموعات شبيحة في حلب، وغدت جمعية البستان تدير من موقعها في حي المزة 86 مناطق التوتر الطائفي في حمص ومدينة حلب، عن طريق وكيلها أبو علي قزق، وهو ضابط متقاعد من ريف جبلة مقيم في حلب، بالتعاون مع مليشيا آل بري.
– إعادة الصلة التاريخية بين آل مخلوف والحزب السوري القومي الاجتماعي، فبعد أيام من إعلان رامي التخلي عن النشاط الاقتصادي للعمل الخيري، أقسم يمين الانتساب أمام عصام المحايري، وهو رمز مهم للحزب، وزعيم ما عرف لاحقا بحزب الأمانة العامة، أي حزب رامي القومي الاجتماعي.
– دعم تشكيل مرجعية دينية للطائفة العلوية، بالاعتماد على التقارب مع الشيعة الإمامية، ولا سيما في مجال العبادات والمعاملات. ومن الطريف هنا أن أذكر حضور رامي مع والديه محاضرات الشيخ العراقي (الشيعي)، عبد الحميد المهاجر، في مقام السيدة رقية في رمضان 1999، ورعاية عمته أنيسة برنامج المهاجر على الفضائية السورية، والذي أوقف بشكوى من الشيخ محمد سعيد البوطي لحافظ الأسد من أن المهاجر يثير نعرات طائفية، عندما قال في البرنامج إن النبي محمداً عليه السلام لم يعقب من خديجة إلا فاطمة، أما البنتان الأخريان، رقية وأم كلثوم فهما ربيبتا النبي، وليستا ابنتيه.
حاول رامي مخلوف أن يبني نظامه الخاص على مثلث الطائفة واستبدال حزب البعث بالحزب السوري القومي الاجتماعي والثروة، وهذه أوراق يعرف بشار الأسد أنها ضمان استمراره… لن يغير الصراع المحدود بين الأسد ومخلوف شيئا من آلية الفساد والنهب، وإنما ستتم إدارة النهب من الأسد وعقيلته بشكل مباشر.
المصدر: العربي الجديد