رجال دين عارضوا الخميني ورفضوا “جمهورية الوليّ الفقيه”.. (فضل الله/ (7)

محمّد حمّود

السيد فضل الله”: أستاذنا أبو القاسم الخوئي 
ينكر شرعية الولاية العامة للفقيه ونحن نوافقه على ذلك

 رفض العديد من علماء وفقهاء أهل “المذهب الشيعي”، في إيران وخارجها، توجهات الإمام الخميني، وإصراره على تطبيق “نظرية الوليّ الفقيه” في إيران، وانتقدوا “مصادرته” “الثورة الشعبية” في إيران، وفرض “جمهورية ولاية الفقيه”، عقب إنتصارها في البلاد، وفرار حاكمها الشاه محمد رضا بهلوي إلى مصر (في عهد صديقه الرئيس الراحل أنور السادات).
وكان أحد أبرز الرافضين لـ”ولاية الفقيه”، من خارج البيت الإيراني، العلّامة المرجع اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، الذي تأثر منذ بدايات تفتّح وعيه الفكري والفقهي، بتوجهات والده آية الله السيِّد عبد الرؤوف فضل الله، الذي يعتبر من أبرز كبار علماء الشيعة في منطقة “جبل عامل”، الواقعة جنوب لبنان، كما تأثر بعمّه آية الله السيّد محمد سعيد فضل الله، الّذي كان يعدّ أيضًا من كبار العلماء والفقهاء في ذلك الوقت.
ولد السيد محمد حسين فضل الله في مدينة “النجف الأشرف”، في  2/ 11/ 1935 م. وتوفي في 3/ 7/ 2010 م، في “مستشفى بهمن” في محلّة حارة حريك/ في لبنان، جرّاء نزيف قويّ في معدته، بعد معاناته الطويلة مع المرض.
بدأ السيد فضل الله، دراسته للعلوم الدينية في التاسعة من عمره، عند والده السيد عبد الرؤوف فضل الله في “الحوزة العلمية” في “النجف الأشرف”، درس في “الكتاتيب”، واجتاز فيها مرحلة قراءة القرآن الكريم، وتعلُّم القراءة والكتابة، وبعض قواعد الحساب البسيطة. وعندما وصل إلى سنّ السادسة عشر، بدأ في متابعة دروس “البحث الخارج”. وبقي في العراق لغاية العام 1966، قبل عودته الى موطنه لبنان، وبدأ في القاء الدروس والمحاضرات في الفقه والأصول، كما شرَع في تدريس “الخارج” في مكتبه الخاص في منطقة السيدة زينب في العاصمة السورية دمشق، يوميّ السبت والأحد من كل أسبوع، حيث درّس العديد من طلاب العلوم الدينية، وأساتذة الحوزة، من العراقيين والخليجيين الوافدين الى سوريا، كما درّس في أبواب مختلفة من الفقه، وأصدر كتاب: “فقه الإجارة”، و”فقه الشركة”، وفقه “مناسك الحج”.
كما تابع فضل الله، الدَّرس الدّينيّ العالي “البحث الخارج” على أيدي علماء كبار، كالسيِّد “أبو القاسم الخوئي”، والسيِّد محسن الحكيم، خال والدته، والّذي كانت حركة مرجعيّته منفتحةً على الواقع الإسلاميّ العام، في الوقت الّذي كانت أغلب المرجعيّات تعيش في دائرة مغلقة خاصَّة”.
تميّز فضل الله، بحبّه الشّديد لطلب العلم، والتزوّد بالمعرفة، وتحصيل الثقافة المتنوّعة، وإضافةً إلى نشاطه الأدبيّ، تأثّر بمحيطه، إذ إنَّ عائلة فضل الله هي عائلة شعريّة. وقد لمعت شاعريّته في وقت مبكر، ونظم أولى قصائده وهو في العاشرة من عمره، وكان منفتحاً على الأجواء الثّقافيّة والسياسيّة، ما انعكس على شخصيَّته مستقبلاً كعالم مصلح، وأديب شاعر، ومجتهد مبدع، واطّلع على تجارب الشّعر القديم والشّعر الحديث، كما تعرّف إلى تجارب ما يسمّى الشّعر الحرّ في الخمسينات.
صدر له أربعة دواوين من الشّعر، وهي “يا ظلال الإسلام”، “قصائد الإسلام والحياة”، “على شاطئ الوجدان”، وأخيراً “في دروب السبعين”، تضمنت هذه الدواوين قصائد كتبها في النجف وفي لبنان، والتي تنوعّت بين الشّعر الموزون والشّعر الحرّ، وأوَّل نشاطٍ ثقافيٍّ له، كان إصدار صحيفة خطيَّة بالتَّعاون مع بعض الزّملاء، وقد انتخب عضواً في المجمع الثقافي “لمنتدى النشر”، وشارك أيضاً في النجف في العمل الصّحافي، عندما أصدر جماعة العلماء في النّجف الأشرف مجلّة “الأضواء”، بعد الانقلاب على العهد الملكي، وهي مجلة ثقافيَّة إسلاميَّة ملتزمة، وكان أحد المشرفين عليها هو والسيّد محمّد باقر الصّدر، و(الإمام الراحل) الشّيخ محمد مهدي شمس الدين، وبعض العلماء من النّجف، فكان السيّد محمد باقر الصَّدر، في سنتها الأولى، يكتب افتتاحيّتها بعنوان “رسالتنا”، والسيّد فضل الله يكتب الافتتاحيّة الثانية بعنوان “كلمتنا”.
عاد إلى لبنان في العام 1966 م، واسهم في العمل الثقافي والعلمي والسياسي والجهادي والتبليغي والدّيني في لبنان، ملقياً الخطب والمحاضرات والدّروس، ودرّس الفقه والأصول، وكان أستاذاً صاحب شخصيّة ناقدة وجريئة ومعاصرة، لا تسلّم من دون تأمّل وفحص وتدقيق، حتى ولو كان الموضوع مشهوراً بين الفقهاء، فمزج بين الأصالة والمعاصرة، منطلقاً من فهم واسع للظّروف الاجتماعيّة لحركة المجتمع، ومتسلّحاً بثقافة لغويّة وقرآنيّة عالية، وأسّس حوزةً علميّة، وهي “المعهد الشّرعي الإسلاميّ”، وكان يدرّس الرّسائل والمكاسب والكفاية، و”أجود التّقريرات” للسيّد الخوئي، كما درّس “بحث الخارج” لأكثر من خمس وعشرين سنة، وفي العام 1995 م . أعلن مرجعيّته، نتيجة تمنّي من أكثر من جماعة في كلِّ أنحاء العالم لإصدار رسالته العمليَّة.
كما كانت الدّعوة إلى الإسلام، همَّه الدّائم، وازداد نشاطه وحركته في لبنان، وتشهد على ذلك نشاطاته المتعدّدة في حيّ النّبعة ومختلف الأراضي اللّبنانيّة، وكان له الفضل الأكبر في رعاية المجاهدين والمقاومين، وكان يعتبر الأب الروحي لـ”حزب الله”، وتعرّض لعدة محاولات اغتيال، أخطرها متفجّرة بئر العبد العام 1985 م، الّتي أودت بالعشرات.
كان فضل الله صاحب مشروع إصلاحي تجديدي على مستوى الفكر الديني، والفكر بوجه عام، مواجهاً التخلّف والخرافة، مقدّماً الدين بشكل حضاريّ، بكلِّ أبعاده الفكرية والسياسية والاجتماعية والعقديّة، كما حرص على الوحدة بين المسلمين، وتبرز في هذا السياق، فتواه المتعلقة بحرمة سبّ الصحابة، ودعوته الدائمة للابتعاد عن الفتنة المذهبيّة التي كانت وما تزال تستهدف إضعاف المسلمين، داعيًا الى مناقشة الخلافات بين المسلمين بأسلوب علميّ بعيد من الإثارة، ووقف بقوة الى جانب قضايا المرأة وحقوقها المشروعة، محاولاً رفع ما لحق بها من سلبية استحكمت بالذهنيّة الإسلاميّة، مبرزًا رأيه المستند إلى الفهم القرآني السّليم والدقيق في كلّ ذلك، وشارك في العديد من المؤتمرات الإسلامية والفكرية والوحدوية والدينية خارج لبنان، في أوروبا وأميركا وإيران والهند وغيرها.

فضل الله: أغلب علماء الشيعة
لا يقولون بنظرية “ولاية الفقيه

وعن ولاية الفقيه، أكد العلامة المرجع فضل الله، أنه على “الولي الفقيه”، أن “يثبت له ما ثبت للإمام، وأن الولاية الخاصة، هي ثبوتها في بعض الأمور الحسبية، كالولاية على القصّر والأوقاف، والتصدي للأمور العامة على قاعدة حفظ النظام العام، وأن للفقيه ولاية، كما يعتقد بعض العلماء، الذي اختلفوا على حدود تلك الولاية وبعض تفاصيلها”، مشيرا الى أن “نظرية ولاية الفقيه، اختلف فيها الفقهاء، واغلب علماء الشيعة لا يقولون بها، فلا يرون للفقيه ولايةً عامة على مستوى ما يقرب من الإمامة والخلافة”، لافتًا الى أن “أستائنا السيد أبو القاسم الخوئي، كان ينكر شرعية الولاية العامة للفقيه، ونحن نوافقه على ذلك”.
وأكد فضل الله، أن “ولاية الفقيه، من المسائل العقائدية، وكونها من فروع الإمامة، لا يحعلها مسألة عقائدية”، مضيفا “ولاية الفقيه، تعني أن للمجتهد الولاية والسلطة على إدارة شؤون الناس العامة، مما يحتاج فيها الى ولايته، والشؤون العامة، هي ما يرجع الى النظام العام، الذي يتوقف عليه توازن حياة المسلمين وغيرهم، بما يحفظ مصالهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية، بما يحفظ نظام حياتهم كمجتمع”.
ويتابع فضل الله: “يدخل تحت ولاية الفقيه، ما يعرف بالأمور الحسبية، كولاية الفقيه على الأفراد الذين فقدوا وليّهم، كالقاصرين والمجانين، وعلى الغائب والممتنع،  وحيث إن ولاية الفقيه، لم تثبت عندنا بالنصوص الشرعية في الكتاب والسنَّة، فإنها مقتصرة على خصوص ما يتوقف عليه حفظ النظام”، لافتا الى ان “ولاية الفقيه كانت موجودة في الأبحاث الفقهية، وبعض الفقهاء الكبار، كان يرى ولاية الفقيه، ولكن الإمام الخميني أعطاها حركية وحيوية، واستفاد من الظروف المحيطة به لتنفيذ اجتهاده في هذا المجال. وقضية اختلاف الأفكار أمرٌ صحيح، قد يقول بعض الناس أنّه يدلُّ على عافية وليس على مرض”.

فضل الله: لا ولاية عامة للفقيه على المسلمين
وعليه أن يستشير أهل الخبرة في شؤون السلطة 

أضاف: “لا نرى أنَّ للفقيه ولايةً عامةً على المسلمين، إلا إذا توقَّف حفظ النظام العام للمسلمين على ولايته، ومع ذلك، لا بدَّ للفقيه من أن يستشير أهل الخبرة (الشورى) في كلِّ شؤون السلطة والحياة، لأنّه لا يجوز له أن يحكم من دون علمٍ ومن دون خبرة”، مشيرا الى انه “لم يثبت عندنا ولاية الفقيه العامة نصا،ً ولكن من الممكن الاستدلال على ذلك، عقلاً إذا توقف عليها حفظ النظام العام للمسلمين، دون ما إذا لم يتوقف على ذلك، لأن حفظ النظام واجب شرعاً وعقلاً، ونظرية شورى الفقهاء المراجع من الناحية النظرية أمر مستحسن، ولكن يصعب الأخذ بهذه النظرية، وذلك لا يمنع بناء على نظرية ولاية الفقيه، من التشاور مع الفقهاء الآخرين، وأهل الخبرة، ولا بد أن يكون حكمه مبنياً على مشاورة أهل الخبرة لئلا يكون استبدادياً عندئذ”.
ولفت الى أن “الوليّ الفقيه عندما يحكم من موقعه كوليٍّ يكون حكمه ملزماً لغيره، بمن فيهم المراجع والفقهاء، لأنهم في دائرة الحكم الصادر عنه، ولأنهم غير معنيين بإصدار حكم ولايتي فيها، بل هم كسائر أفراد الأمة، ينقادون له، ما دام ليس مخطئاً قطعاً فيما تصدى له مما تجب طاعته فيه”.
ويختم العلامة المرجع السيد فضل الله: “إن الولي الفقيه سواء كان الإمام الخميني، أو من جاء بعده، لم يستعملوا مسألة التفويض المطلق، بل كانوا في كُلّ ما تنتجه الاستفتاءات الشعبية، يوافقون عليها من دون تحفظ”.

المصدر: المدارنت”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى