الانهيار المتسارع الذي تسير به الليرة السورية يوماً بعد يوم، تتزايد معه معاناة المواطن من الغلاء الفاحش وغياب السلع عن السوق لصعوبة استيرادها ولندرة الدولار بالأسواق وارتفاع سعره وتباطؤ المسؤولين باتخاذ القرارات الملائمة إن كان بحماية السلعة المحلية أو بقمع المضاربات يساراً ويميناً، هذا الموضوع بات شاغل الموالي والمعارض وإذا استمر الوضع على ما هو عليه سيقود إلى تحول الثورة السورية من ثورة حرية وكرامة ولقمع الفساد الى ثورة جياع والتي يعرف عنها أنها تأكل الأخضر واليابس.
كلنا يعلم أن مقومات العنف مستمرة مع تراكم الخسائر البشرية والمادية وتفاقم الظلم والاحتياجات الإنسانية وهو حوَل الوضع في سورية إلى بلد يعاني سكانه من أزمة غذائية حادة في مجالات التوفر والنفاذ والاستخدام والاستدامة وعدالة التوزيع.
بعد انتهاك حق الإنسان بحرية الكلمة والتعبير والقتل نرى اليوم أن أمنه في الغذاء بات أحد الجوانب المظلمة للواقع، حيث استخدم حرمان الناس من الغذاء بشكل ممنهج كأداة من أدوات الحرب من قبل القوى المتسلطة، فالحق في الغذاء، بالإضافة لكونه حاجة أساسية من حاجات الإنسان، فهو أساس لحفظ تلك الحياة كريمة بعيدة عن الاستغلال، حيث تنص حقوق الإنسان إضافة الى حريته وأمنه على حق الإنسان بالغذاء الكافي والصحي حيث يجب توفيره للمواطنين كافة، وذلك بتوفير البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الملائمة.
إذا عدنا لمقومات الغذاء في سورية، الكل يعلم أن سورية كانت قديمًا من أولى الدول بتكامل أمنها الغذائي حيث كانت تكفي سهولها وزراعتها بلاد الشام وتمون الدولة العثمانية بحد ذاتها حتى أطلق عليها اسم بيت المونة، أما اليوم فنجد أن الأمور عكس ما كانت عليه بل باتت المنظمات الدولية تنذر بكارثة إنسانية مشيرة أنه حيث نقص الغذاء كما هو معروف يقود الى عواقب عدة منها الانحراف وتضخم الجريمة وانتشار الفساد أكثر فأكثر وكلنا يعلم أن المواطن من الاساس نزل للشارع ليطالب بحريته، أما اليوم فيرى المواطن نفسه أمام مجاعة كبيرة أنسته مطالبه الأولى لترتكز مطالبه على الغذاء، حيث وصلت نسبة الفقر في سورية الى أكثر من 80% وهذا ناتج عن غياب كلي لموضوع الأمن الغذائي، بل على العكس أصبح وسيلة وسلاح.
الكل تابع المواقع الاعلامية والتواصل الاجتماعي التي تحدثت عن حالات الانتحار اوهي تحدث يوميا بسبب العجز عن تأمين لقمة العيش الكريمة، وحالة بيع الأشخاص لأعضائهم كي يؤمنوا لقمة يقتاتون بها اولادهم، متى كان السوري بهذه الحالة المزرية، هل هو ناتج صراع دولي أم أسلوب أسدي ممنهج بتطبيق سياسة (الجوع أو الركوع).
إن أهمية الأمن الغذائي الذي يعتبر عاملا أساسيا لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، فإنه من المهم أن تركز أي عملية مستقبلية لإعادة إعمار سورية على الأمن الغذائي الذي يحتاج الى إعادة النظر بالموارد المائية وترشيد استعمالها إضافة إلى التوجيه الصحيح باستصلاح الأراضي التي عانت الكثير من الاهمال ومخلفات القصف والحرائق المستمرة لليوم حيث يتم حرق المحاصيل الزراعية وهذا ما حدث يوم الأمس بعدة مناطق في سورية وخاصة الجزيرة ، إذا معركة اليوم ليست فقط تطوير وتحسين أساليب الزراعة والري بقدر ما هي البحث عن حلول تبعد الغذاء للمواطن عن الصراعات لكي نحفظ له استمرارية الحياة بالدرجة الأولى وكما بينت لتفادي سقوط تدريجي للخلقيات وانتشار العنف والسرقة وبذلك نكون قد رسخنا قواعد أساسية للسلام الذي ينتج عنه استدامة للأمن الغذائي، وبالشكل الخاص معالجة دخل الفرد ليتماشى مع تسارع ارتفاع أسعار السلع ولكن بشكل علمي وفق مفاهيم ونظم اقتصادية وليس بشكل عشوائي مما قد يقود الى زيادة في التضخم وهيجان بالسوق لا تحمد عواقبه وتبقى هذه المسائل من ضمن مسؤوليات وصلاحيات أصحاب القرار بسياسة النقد والمراسيم الاقتصادية بعيدة عن الشخصنة والمصلحة الشخصية، لأن ما ضرب البلد واقتصادها هو الشخصنة والاستثناءات وأدخل بالتدريج آفة الجشع التي نتج عنها هذا الجوع وغياب مفاهيم الأمن الغذائي بالمعنى المطلق.