منظمة الدول التركية.. فرصة فريدة لزيادة نفوذ أنقرة في آسيا الوسطى

ما هي الدلالات السياسية التي قدمها انعقاد اجتماع مجلس رؤساء دول منظمة الدول التركية، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسمرقند وسط صراع مستمر بين روسيا والغرب حول النفوذ في آسيا الوسطى؟

يجيب المحلل السياسي “أخاس تازوتوف” عن هذا السؤال في تقرير نشره موقع “أوراسيا ريفيو” وترجمه “الخليج الجديد”.

وانطلق “تازوتوف” من تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو”، في اجتماع مع الشباب بجامعة باموكالي، في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، حين أكد أن تركمانستان ستصبح عضوًا في المنظمة.

وقال “جاويش أوغلو” حينها “أود أن أشارك أخبارًا رائعة. تركمانستان، التي كانت في السابق مراقبًا بالمنظمة، ستصبح أيضًا عضوًا كاملاً في قمة منظمة الدول التركية التي سنعقدها في سمرقند في 11 نوفمبر/تشرين الثاني. وبهذه الطريقة، سنكمل صورة العائلة”.

لكن توقعات الوزير التركي لم تتحقق، وامتنع الرئيس التركماني “سردار بردي محمدوف” عن الذهاب إلى سمرقند في قمة منظمة الدول التركية لعام 2022، ومثل تركمانستان بدلاً منه رئيس مجلس الشعب “قربانقولي بيردي محمدوف”، ما اعتبره “تازوتوف” دليلا على أن “عشق أباد أنها لم تكن مستعدة بعد للانضمام إلى النادي التركي كعضو كامل”.

غير أن “جاويش أوغلو” عاد، خلال استضافته وزير خارجية تركمانستان “رشيد ميريدوف”، إلى التصريح بشأن الأمر ذاته، قائلا: “يسعدنا أن تركمانستان عضو مراقب في منظمة الدول التركية. أمنيتنا الأكبر هي أن تصبح تركمانستان عضوا كاملا بالمنظمة وأن تستضيف قممها”.

والتقى الوزيران مرة أخرى بعد أسبوعين فقط، في الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وأذربيجان وتركمانستان الذي عقد قبل “قمة منطقة أفازا السياحية” على ساحل بحر قزوين في 14 ديسمبر/كانون الأول، وركز جدول أعمال القمة على ملفات: الطاقة والنقل والتجارة والعلاقات الاقتصادية.

وتزامنت القمة مع توقعات بإعلان عن مورد جديد للغاز الطبيعي إلى أوروبا، وأعطى حضور الرئيس التركي “رجب طيب أدروغان” للقمة زخما لذلك، حيث قال قبل مغادرته متوجها إلى “أفازا” إن القمة الثلاثية بين تركيا وتركمانستان وأذربيجان ستركز على خطط الجانب التركي لنقل الغاز التركماني إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، في ظل خفض الإمدادات الروسية.

وبعد وصوله إلى هناك، قال “أردوغان” لنظيريه التركمانستاني “سردار بيردي محمدوف” والأذربيجاني “إلهام علييف”: “إننا ننقل غاز بحر قزوين إلى أوروبا. نحتاج أن نبدأ العمل على إيصال الغاز الطبيعي التركماني إلى الأسواق الغربية”.

وفي المقابل، بدا “محمدوف” أكثر حذرًا عندما تناول موضوع الاهتمام الخاص لضيوفه، وشدد على أن “تنويع طرق إمداد الغاز وعملها يجب أن يستند إلى معايير واضحة ودقيقة تأخذ في الاعتبار المصالح متعددة الأطراف، فضلاً عن ضمانات الموثوقية والأمن”.

وأضاف: “من هذا المنطلق ينبغي النظر في المبادرات المشتركة لإقامة تعاون لتوريد الغاز الطبيعي من تركمانستان وأذربيجان إلى تركيا وإلى الأسواق العالمية كذلك”.

وكشفت تصريحات “محمدوف” بأنه يرى الحديث عن الحاجة إلى “البدء الفوري في العمل على توصيل الغاز الطبيعي التركماني إلى الأسواق الغربية” سابق لأوانه، ويرغب في تخفيف الانطباع الذي أعطته تصريحات “أردوغان”.

وإزاء ذلك، انتهت مناقشة شحن الغاز التركماني إلى تركيا وأوروبا بقمة أفازا دون تحقيق اختراق.

لكن “أردوغان” بدا غير مهتم على الإطلاق بهذه النتيجة، وبدأ بعد عودته إلى تركيا في الحديث مجددا عن خطط لتحديد خارطة طريق مع قادة أذربيجان وتركمانستان لتزويد تركيا بالغاز التركماني.

وقال الرئيس التركي: “تم إعطاء التعليمات ذات الصلة إلى وزارة الطاقة التركية، التي ستنفذ الأعمال التحضيرية مع نظيرتها في أذربيجان وتركمانستان. وبعد هذا العمل التمهيدي، سنلتقي مرة أخرى ونحدد خارطة الطريق ونتخذ قرارًا”. وأضاف: “توريد الغاز من تركمانستان إلى بلادنا عبر أذربيجان سيسهل عملنا وحياتنا”.

يشعر المراقبون بالحيرة من سبب عدم تحديد “أردوغان” في البداية لمثل هذا التسلسل من الإجراءات بدلاً من الذهاب إلى أفازا مع تعهدات بتقديم “اختراق حاسم” بشأن ضمان إمدادات الغاز التركماني للمستهلكين الأتراك والأوروبيين. ولم يتضح بعد ما الذي تفكر فيه أنقرة بالضبط.

لكن الأمر، على ما يبدو لـ “تازوتوف”، هو أن القيادة التركية لديها مجموعة واسعة من المهام الملحة المتعلقة بآسيا الوسطى مما قد يبدو للوهلة الأولى، وهو ما صاغه “جاويش أوغلو” بقوله: “أمنيتنا الأكبر هي أن تصبح تركمانستان عضوًا كامل العضوية في منظمة الدول التركية”.

إن انضمام تركمانستان كعضو كامل في المنظمة أمر مهم لأنقرة، ليس فقط في حد ذاته، ولكن لأنه يفتح الطريق أمام “استكمال صورة العائلة”، بحسب تعبير وزير الخارجية التركي،  وتجسيد شعار مفاده أن الدول التركية هي “6 ولايات لأمة واحة بأرض مشتركة وشعب واحد”.

وهنا يعلق “تازوتوف” قائلا: “إذا تحدث المرء من الجانب العملي للأشياء، فعليه أن يلفت الانتباه إلى حقيقة أنه حتى الآن، فإن منظمة الدول التركية ليست كتلة تجارية محددة، ولا تحالفًا عسكريًا وسياسيًا”.

فاقتراح تكتل المنظمة طرحه لأول مرة رئيس كازاخستان السابق “نور سلطان نزارباييف” في عام 2006، ليتم تأسيسها في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2009، في ناختشيفان، باسم المجلس التركي آنذاك أو مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية.

وخلال العقد الأول من وجود المنظمة (2009-2019) لم ينضم إليها سوى 4 دول، هي: أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا، ولم توافق أوزبكستان وتركمانستان لفترة طويلة على الانضمام إلى النادي التركي، ولم يقتنع المسؤولون في البلدين آنذاك بأن هناك فائدة كبيرة في أن يصبحوا جزءًا منه.

لكن يبدو أن الأمور بدأت تتغير بحلول نهاية العقد الأول من عمل المنظمة، إذ تقدمت أوزبكستان رسميًا بطلب العضوية في 12 سبتمبر/أيلول 2019، وحصلت تركمانستان على صفة مراقب في عام 2021.

غير أن ما يقدمه النادي التركي هو “وحدة رمزية حول الهوية التركية المشتركة”، ولا شيء غير ذلك، حسبما يرى “تازوتوف”، مشيرا إلى أن “ما يجري حاليا بين الدول الأعضاء من شراكات تجارية هو مجرد نتيجة لاتفاقيات ثنائية بين تلك الدول ورجال الأعمال فيها”.

ولذلك، فليس من المستغرب أنه لا توجد فوائد ملموسة كبيرة يمكن للنادي التركي أن يجلبها إلى دوله الأعضاء في آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان) في حالته الحالية.

بل إن النادي يمكن أن يتسبب في مشاكل لأولئك المتحمسين “لحماقة الإفراط في الانخراط بقضية النادي التركي” حسب تعبير “تازوتوف”.

في عام 2021، قدم الرئيس الكازاخستاني السابق “نور سلطان نزارباييف” اقتراحًا بإعطاء اسم جديد للمجلس التركي أو مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية. لذلك اكتسب شهرة باعتباره الأب المؤسس لمنظمة الدول التركية.

وفي ضوء ما سبق، فإن أنقرة بحاجة إلى “استكمال صورة العائلة” في آسيا الوسطى والمضي قدمًا في إعطاء منظمة الدول التركية شكل كتلة تجارية و تحالف عسكري وسياسي.

وفيما يتعلق بالمصالح التركية، يبدو الأكثر أهمية الآن هو “العمل على إيصال الغاز الطبيعي التركماني إلى الأسواق الغربية”.

فأنقرة تتمتع حاليًا بفرصة فريدة لزيادة نفوذها السياسي بشكل حاد في آسيا الوسطى، مستفيدة من انشغال روسيا بالحرب ضد أوكرانيا. ويمكن أن تكون منظمة الدول التركية بمثابة أساس ممتاز لهذا الغرض.

 

المصدر | أوراسيا ريفيو – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى