إيران وروسيا وتغير المعادلة السورية

صادق الطائي

مع نهاية العقد الأول من عمر الحرب السورية، تبدو معطيات الصراع على الأرض وكأنها قد تغيرت، كذلك يبدو موقف حلفاء النظام على وشك التغير، بل والانقلاب نحو حالة من التصارع، إذ وصف بعض المراقبين الوضع بأنه صراع الحلفاء على تقاسم غنائم الحرب حتى قبل أن تعلن نهايتها الرسمية.

لعب الروس دورا محوريا في انقاذ النظام السوري من السقوط نتيجة ضربات المعارضة المسلحة التي سيطرت على ثلثي مساحة سوريا حتى باتت تحارب القوات الحكومية على أبواب العاصمة دمشق، ثم تغيرت معادلات الصراع على الأرض بتدخل الروس عسكريا في  30 أيلول/سبتمبر 2015، وبات الدعم الجوي الروسي يلعب دورا محوريا في انتصارات الجيش السوري المدعوم على الأرض من ميليشيا حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وعدد من الميليشيات الشيعية العراقية، وبات تقدم القوات الحكومية على الأرض متجليا في باسترجاع المدن والبلدات الواحدة تلو الأخرى، حتى لم يتبق اليوم خارج سيطرة النظام سوى محافظة إدلب التي ما تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى منطقة الإدارة الذاتية في كردستان سوريا أو إقليم “روج آفا” شمال شرق سوريا الخاضع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” الكردية.

تصاعد الانتقادات الروسية

تعالت في الآونة الأخيرة الأصوات الروسية المنتقدة لأداء نظام بشار الأسد، فقد ازدادت اتهامات الصحافة الروسية لنظام الأسد على خلفية استشراء صفقات الفساد التي نخرت الاقتصاد السوري المنهك أساسا، كما تم توجيه الاتهامات لبعض فرق الجيش السوري التي يسعى قادتها لفرض الحسم العسكري في محافظة إدلب بدون الالتزام بمقررات اتفاقية أستانا التي أقرها الروس والأتراك بالاتفاق مع النظام السوري سابقا.

ومن بين أعنف الانتقادات تلك التي كتبها الدبلوماسي الروسي المخضرم وخبير قضايا الشرق الأوسط، ألكسندر أكسينيونوك الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية، إذ كتب مقالا تحليلا مهما نشره في موقع نادي “فالداي” الحواري التابع عمليا للكرملين، بالإضافة إلى صحيفة “كوميرسانت” وقد وصف أكسينيونوك في مقاله حال الوضع السوري المعقد، وسلط الضوء على كثير من الزوايا الشائكة فيه.

فقد سلط الضوء على الجانب المتمثل بتوازن القوى على الأرض في الساحة السورية، إذ أشار إلى إن” سوريا تنقسم اليوم إلى مجالات نفوذ خارجي بين روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، وأن الحملة العسكرية في إدلب، رغم النجاحات التكتيكية التي حققتها، أظهرت حدود الممكن. كما أن خطابات وتهديدات المسؤولين السوريين باستخدام القوة، إذا لم تغادر القوات التركية والأمريكية سوريا، بعيدة عن الواقع”. وأضاف “روسيا من جانبها، وصلت إلى الحد الأقصى للتسوية عبر صيغة أستانا، والتي سمحت لدمشق من عام 2017 إلى عام 2019 باستعادة السيطرة على أراض في ثلاث مناطق لخفض التصعيد بالقوة والاتفاقيات المؤقتة”.

الصراعات الاقتصادية

انعكس تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد السوري ربما بشكل أكبر من بقية قطاعات الاقتصاد العالمي المتأثرة بأزمة كورونا، إذ نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، وتصاعد العقوبات والضغط العسكري على إيران، فإن إمدادات الوقود، والنفط  الخام الإيراني لسوريا باتت أمرا صعبا، أو مستحيلا، وللتخلص من هذه الأزمة يرى المحللون أن على نظام الأسد العمل على تفاهمات تقود لاستعادة السيطرة على مناطق النفط والغاز في شرق سوريا، والتي ما تزال تحت سيطرة القوات الأمريكية التي تتذرع بمختلف الذرائع للبقاء في المنطقة، أو على النظام السوري اللجوء لاستبدال النفط الإيراني بالروسي، وهذا أمر يعتبره خبراء الاقتصاد صعبا جدا في مثل هذه الظروف، بسبب انعدام رغبة الشركات الروسية التعرض للعقوبات الأمريكية.

إذ بات واضحا إن الخطر الجدي على الاقتصاد السوري اليوم يتمثل في حزمة العقوبات التي وقعها الرئيس ترامب في 20 كانون الأول/ديسمبر 2019 والتي حملت اسم “قانون قيصر” وأن هذه العقوبات ستجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بفرض عقوبات على الحكومات والشركات والأفراد من البلدان المتعاونة مع سوريا، وبالتأكيد أن مثل هذه الإجراءات ستؤثر على التعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا، إذ قد يفتح “قانون قيصر” إمكانية فرض عقوبات على البنوك التي تقوم بالتعاون مع البنك المركزي السوري، في حال أدين الأخير بتهمة غسل الأموال.

أما تجليات الصراع الاقتصادي الروسي الإيراني في سوريا فيمكن فهمه عبر التعرف على خطط كل طرف من طرفي الصراع وطريقة تعاطيه مع المشكلة، فالهدف الاستراتيجي الإيراني هو ربط محور نفوذها من طهران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان وموانئ البحر المتوسط، ما يعني الوصول إلى حقول الغاز العملاقة شرق المتوسط التي من المتوقع انها ستغير خريطة الطاقة العالمية في هذا القرن.

لقد دخلت إيران جولة مفاوضات لمد خط سكك حديدية يربط إيران وسوريا مرورا بالعراق، إذ ستكون نقطة انطلاق خط السكك العملاق من ميناء الإمام الخميني في إيران، مرورا بمدينة الشلامجة على الحدود العراقية، ومدينة البصرة العراقية، مرورا بالأراضي السورية عبر محافظة دير الزور وصولا إلى ميناء اللاذقية الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار السكة الحديدية.

ورغم أن إيران قد حصلت على الحق الحصري للتشغيل التجاري لمرفأ اللاذقية أواخر العام 2018 إلا إن الوجود الإيراني على البحر المتوسط يشكل مصدر قلق بالنسبة لروسيا التي تريد أن تكون صاحبة القوة الرئيسية على الساحل الشرقي للمتوسط الواعد بحقول عملاقة من الغاز غير المكتشف حتى الآن، وهو ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 عاما. كما إن وجود إيران هناك يشكل قلقا لروسيا من ناحية وجود القاعدة العسكرية الروسية بالقرب من المرفأ في حميميم، وهو ما قد يعرّض قواتها للخطر في حال تعرض الوجود الإيراني للضربات الإسرائيلية أو الأمريكية، لذلك تفيد بعض التسريبات إن الروس يضغطون على نظام الأسد ليكون استثمار مرفأ اللاذقية مناطا بشركات صينية بدلا من الشركة الإيرانية.

التوتر العسكري

كان التواجد الإيراني في الساحة السورية مبكرا، إذ دخلت منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الأهلية السورية ميليشيا حزب الله اللبناني ثم تبعتها قوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية الساندة لقوات النظام في مواجهته لفصائل المعارضة السورية المختلفة. وقد سعت قيادة فيلق القدس الإيرانية إلى إيجاد فصائل سورية شبه عسكرية مبنية على أسس ميليشياوية دربتها طهران وعولت عليها لتكرار تجربة حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.

وحسب المعلومات التي أوردتها بعض التقارير الصحافية، وصل عديد هذه القوات إلى أكثر من 15 ألف مقاتل عقائدي يوالون رأس النظام، وجرى تدريب هذه القوات وأصبحت لاحقا من قوات النخبة، وهنا تنبه الروس لخطر الجيش الموازي الذي يتم اعداده إيرانيا عبر تدريب هذه الميليشيا لأنه سيعني أن بقاء إيران في سوريا سيكون بلا سقف زمني حتى لو سحبت طهران ضباطها ومقاتلي حزب الله وكل الميليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامر جنرالات فيلق القدس.

فما كان من الروس إلا أن سحبوا البساط من تحت أقدام المخطط الإيراني، وذلك عبر دمج الميليشيات التي تشكلت كـ “قوة خاصة” تحت أمرة العميد سهيل الحسن المشهور بلقب النمر، والمتحدر من الطائفة العلوية مثل الرئيس الأسد، لتشكل منها الفرقة 25 قوات خاصة في آب/أغسطس من عام 2019 بعد أن كانت عبارة عن مجموعة ميليشيات رديفة تعرف باسم “قوات النمر”. وبعد أن تحولت قوات النمر إلى تشكيل عسكري رسمي، ينال الدعم الروسي الأكبر ذابت فيها عشرات المجموعات والكتائب التي تضم في صفوفها مجندين غير نظاميين وعناصر من العائدين من فصائل المعارضة عبر صفقات المصالحة مع النظام، والنتيجة اعتماد الروس على “قوات النمر” كرأس حربة في معارك الشمال السوري، لاسيما معارك إدلب، ليتحول بعد ذلك العميد النمر إلى رجل روسيا الأول في الجيش السوري، بدليل أن قيادة الأركان الروسية كرمته ثلاث مرات في 2016 و2017 و2018. كما إن تسريبات تحدثت عن ترشيح الروس للنمر كبديل محتمل للرئيس بشار الأسد إذا ما تم تنحيته في المستقبل القريب.

بالمقابل ينظر بعض المحللين إلى شقيق الرئيس السوري، اللواء ماهر الأسد، على إنه الآن يلعب دور رجل إيران الذي تراهن عليه وتعده لأن يأخذ دورا قياديا في حال خروج الرئيس بشار الأسد في انتخابات 2021 وماهر الأسد الذي يقود الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش العربي السوري مشهور بعنفه ومواقفه الحادة تجاه المعارضة السورية والطائفة السنية، ولطالما مثلت قيادة قوات “الفرقة الرابعة” التي يقودها الجهة المرشحة لأن تصبح المظلة الرسمية للميليشيات المدعومة من إيران. وبالرغم من أن الإيرانيين لم يطرحوا بشكل رسمي أو شبه رسمي مسألة البحث عن بديل للرئيس الأسد، لكن المراقبين يرون إنهم إذا اضطروا لذلك فعلى الأرجح سيكون ماهر الأسد هو البديل الطبيعي بالنسبة للإيرانيين.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى