دمشق – «القدس العربي» : اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، على نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي بين “زعماء تركيا وروسيا وسوريا”، وقال الرئيس التركي إن المقترح الذي طرحه على بوتين يقضي بتأسيس آلية ثلاثية، لتسريع المسار الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق.
يأتي ذلك تزامناً مع تسيير دورية عسكرية مشتركة، بين روسيا وتركيا ضمن مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمالي الحسكة للمرة الأولى منذ إطلاقها العملية العسكرية الجوية “المخلب – السيف” في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ضد قسد وحزب العمال الكردستاني.
وفي تصريح أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين أثناء عودته إلى تركيا قادماً من تركمانستان التي زارها أمس لحضور “القمة الثلاثية الأولى بين زعماء تركيا وأذربيجان وتركمانستان” التي عقدت في مدينة تركمانباشي، قال أردوغان: “عرضت على بوتين عقد لقاء ثلاثي بين زعماء تركيا وروسيا وسوريا، وتلقى العرض بإيجابية، وبهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات”.
لقاء ثلاثي
وأضاف قائلاً: “نريد أن نقدم على خطوة ثلاثية تركية – روسية – سوريا، ولذلك يجب أولاً عقد لقاءات بين أجهزة الاستخبارات ومن ثم وزراء الدفاع ثم وزراء الخارجية” لافتاً إلى أن آبار النفط في سوريا حالياً، تحت حماية قوات التحالف، مضيفاً: “يبيعون للنظام. التنظيم الإرهابي هو من يبيع. لقد صبرنا حتى الآن. لكن نفد صبرنا”.
وتابع بحسب وكالة الأناضول التركية “هناك مشكلة يجب التعامل معها بسرعة، وهي أن التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا تتحرش بتركيا من وقت لآخر… الإرهابيون يهددون ويستفزون بلدنا من هناك (شمال سوريا)، ووفقاً لاتفاقات سابقة سواء أستانة أو سوتشي، فإنه يحق لنا القيام بما يلزم ضمن ممرنا الأمني الذي يصل إلى عمق 30 كيلومترًا”.
اردوغان: لا أستأذن أحداً
وأشار إلى وجود جهات ترعى التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري، مبيناً أن التنظيم الإرهابي “واي بي جي YPG” يتلقى الدعم الأكبر من قوات التحالف الدولي، محذراً التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن دعم “واي بي جي”، قال الرئيس التركي: “إذا كنتم ستواصلون إمداد هذا التنظيم الإرهابي بالأسلحة والمعدات والذخائر، فإننا سنتدبر أمرنا بأنفسنا وسنقوم بما يلزم لإبعاد تهديد الإرهاب عن حدودنا”.
ورداً على سؤال صحافي حول تصريح المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري الذي قال إن واشنطن لا تنظر بإيجابية إلى لقاء الأسد، قال اردوغان: “أنا لا أستأذن عندما أريد مقابلة أحد، التقيت مع الرئيس المصري في قطر ولم أستأذن أحداً، وفيما يتعلق الأمر بسوريا، فإن مصالحنا الوطنية هي التي ستحدد ماهية الخطوات التي سنقدم عليها”. وترفض روسيا التدخل العسكري البري التركي في سوريا، خاصةً أنّ عين العرب ومنبج وتل رفعت التي قد تستهدفها العملية هي مناطق تنتشر فيها قواتها إلى جانب “قسد” وقوات النظام، لذلك فقد أخذت روسيا منذ بداية التصعيد التركي الأخير دوراً متقدماً في الوساطة بين تركيا و”قسد”، حيث أجرى قائد قواتها في سورية ألكسندر تشايكو زيارتين معلنتين على الأقل إلى مناطق سيطرة “قسد”، والتقى خلالهما بقيادتها وطرح عليها مقاربة بلاده للخروج من الأزمة.
ويرتبط مصير قسد في ظل التصعيد العسكري التركي بـ 4 سيناريوهات وفق دراسة حديثة لمركز جسور للدراسات الاستراتيجية:
1- إعادة هيكلة “قسد” برعاية أمريكية: في حال نجاح الوساطة الأمريكيّة بثني تركيا عن شن عمل عسكري بري ضدّ قسد في سوريا فهذا يعني غالباً وجود مساعٍ أمريكية جادة لإعادة هيكلة “قسد” بشكل كامل وإبعاد الكتل والشخصيات التي ترفض تركيا وجودها لارتباطها بحزب العمال، إضافة لزيادة المشاركة الحقيقية للمكون العربي وبقية المكونات في قيادتها. وسيؤدي هذا السيناريو غالباً لإعادة هيكلة “قسد” بشكل كامل أو جزئي وفصلها عن حزب العمال بما يضمن تبديد مخاوف الأمن القومي التركي، لكن دون أن يعني بالضرورة منع العمل العسكري البري التركي المحتمل في منطقة تل رفعت على وجه الخصوص. واعتبرت الدراسة أن تطبيق هذا السيناريو يبدو عسيراً؛ بسبب صعوبة عزل حزب العمال عن “قسد” وفكّ ارتباطهما.
2-انسحاب “قسد” لصالح النظام: يفترض هذا السيناريو نجاح روسيا في إقناع “قسد” وحزب العمال بالانسحاب كليّاً أو جزئياً من مناطق سيطرتهما التي تنتشر فيها القوات الروسية كما هو متفق عليه في مذكرة سوتشي (2019) مقابل انتشار قوات النظام والقوات الروسية مكانهما.
وقد يشمل هذا المقترح منح “قسد” بعض الخصوصية، كحفاظ بعض أجهزتها الأمنية والعسكرية على هياكلها ضمن قوات النظام في المناطق التي سيتم إخلاؤها، لكن في حال عدم منح “قسد” أي خصوصية قد يجعل من جهود الوساطة الروسية متعثّرة، مما يدفع روسيا للتنسيق بشكل أكبر مع تركيا وتسهيل عملية عسكرية برية محدودة في بعض المناطق التي تنتشر فيها القوات الروسية.
إنّ تطبيق هذا السيناريو يعني خسارة “قسد” لسيطرتها بشكل كامل أو جزئي على مناطق سيطرتها التي تنتشر فيها القوات الروسية، خاصةً عين العرب/ كوباني ومنبج، وانحسار سيطرتها إلى مناطق انتشار قواعد قوات التحالف والقوات الأمريكية في المناطق النفطية مع تراجع طبيعي في موقعها التفاوضي أمام روسيا والنظام في هذه المناطق.
استنزاف «قسد»
3- استنزاف “قسد” وحزب العمال: قد تستجيب تركيا للمطالب الأمريكية بالامتناع عن تنفيذ عمل عسكري بري شرط منحها امتيازات تتيح لها استمرار العمليات الجوية ضد أهداف حزب العمال و”قسد”، مع احتمال تنفيذ عمليات أمنية برية محدودة داخل سوريا لتصفية وتحييد قياديي وكوادر حزب العمال، مع وضع جدول زمني تلتزم خلاله واشنطن بإعادة هيكلة “قسد” وفك ارتباطها عن حزب العمال وتفعيل الحوار الكردي – الكردي وتعزيز مشاركة بقية مكونات المنطقة في إدارة شؤونها.
4- انسحاب “قسد” لصالح المعارضة: في حال عدم قبول تركيا بالعروض والمقترحات التي يتم تقديمها من روسيا والولايات المتحدة، من الممكن أن يتحوّل إصرارها على تنفيذ عملية عسكرية برية إلى واقع يتم القبول به واحتوائه من خلال تحديد بعض الإجراءات الأمنية والعسكرية مثل المدة الزمنية القصيرة لأي هجوم على غرار عملية نبع السلام، وعمق جغرافي محدود، وفصائل محدّدة من المعارضة يكون لديها استعداد للتعامل مع النظام مستقبلاً. لكن، يبقى هذا السيناريو مستبعداً.
واعتبرت الدراسة، أنّ الضغط الحالي الذي تتعرض له “قسد” يُمثّل المرحلة الأصعب التي تواجهها منذ تأسيسها. ويبدو هذا الضغط نتيجة طبيعية لارتباط “قسد” المباشر بحزب العمال والتنسيق المتزايد مع كل من إيران وروسيا والنظام، وبسبب الابتزاز المستمر للولايات المتحدة والتحالف الدولي، وإظهار مزيد من التحدي لسياسات تركيا الأمنية بنقل النشاط إلى أراضيها. ولفت المصدر، إلى أنّ خيارات “قسد” تبدو محدودة وقد يفضي أي منها إلى إعادة هيكلتها أو تقديم تنازلات جديدة ستكون لصالح بقية أطراف النزاع على حساب نفوذها وسيطرتها.
المصدر: القدس العربي