دخلت تونس الجمعة مرحلة الصمت الانتخابي عشية الانتخابات التشريعية المبكرة التي تخيم عليها الأزمات السياسية وتهددها الدعوات المتزايدة الى المقاطعة.
ومنذ منتصف ليل الخميس 15 كانون الأول (ديسمبر) الموعد الرسمي لانتهاء الحملة الانتخابية وفق الجدول الزمني الذي كانت الهيئة العليا للانتخابات قد ضبطته، دخلت تونس مرحلة الصمت الانتخابي الذي يمنع المرشحين من القيام بأي نشاط دعائي.
ويتنافس في هذه الانتخابات المبكرة 1055 مرشحاً من أجل دخول البرلمان الذي سيتكوّن من 161 نائباً فقط وفق ما جاء في القانون الانتخابي الجديد.
ولم يتجاوز عدد النساء المرشحات 122 مرشحة ما سيضعف حضور المرأة في البرلمان، وفق الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء بعدما كان حضورها الزامياً في الانتخابات السابقة بناء على قاعدة التناصف.
وتفتح مراكز الاقتراع في تونس أبوابها يوم غد السبت في الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي على أن تعلن النتائج الأولية في أجل أقصاه 20 كانون الأول الجاري.
والخميس بدأت في الخارج عملية تصويت المقترعين في ثلاث دوائر فقط وهي فرنسا 2 وفرنسا 3 وإيطاليا، ووصفت وسائل الإعلام المشاركة فيها بالضعيفة جداً، في المقابل لم تجر انتخابات في الدوائر السبع الأخرى الخاصة بالمغتربين لغياب الترشحات فيما سيفوز المرشحون الثلاثة بمقاعدهم بالتزكية.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس السياسي حصل 10 من المرشحين على مقاعد في البرلمان بشكل آلي باعتبار أنهم المرشحون الوحيدون في دوائرهم.
وقالت هيئة الانتخابات إنه للمرة الأولى في تاريخ تونس يتجاوز عدد الناخبين التونسيين الـ 9 ملايين، وأوضح رئيس الهيئة فاروق بوعسكر الخميس أن الناخبين ينقسمون إلى 50,8 في المئة من النساء و49,2 في المئة من الرجال، لافتاً الى أنه يأمل بمشاركة 2.8 مليوني مقترع في عملية التصويت.
وتغيب استطلاعات الرأي عن هذه الانتخابات بعدما منعها القانون الانتخابي الجديد.
مناخ متوتر
وقبل ساعات من دخول فترة الصمت الانتخابي كشف البرلمان الأوروبي، في بيان صحافي، الخميس أنّه لن يراقب الانتخابات التشريعيّة التونسيّة، مشيراً إلى أنّه “لن يعلّق لا على سير العمليّة الانتخابيّة ولا على نتائجها”.
يأتي ذلك في وقت أكدت جمعيات مختصة في مراقبة الانتخابات أن المسار الانتخابي شابته اخلالات عديدة.
وكانت أحزاب معارضة دعت الأطراف الدولية الى عدم “منح الشرعية” لهذه الانتخابات التي دعت الى مقاطعتها.
واعتبرت “شبكة مراقبون” خلال مؤتمر صحافي الخميس أن مسار الانتخابات شابته العديد من الخروقات التي مسّت بصفة جوهرية قواعد العملية الانتخابية والممارسات الفضلى والمكتسبات التي كانت موجودة.
والسبت الماضي تظاهر حزب “النهضة” وعدد من الشخصيات والأحزاب المتحالفة معه في شارع بورقيبة للمطالبة برحيل الرئيس قيس سعيد.
ولن يشارك في هذه الانتخابات إلا بضعة أحزاب فيما أعلنت الأغلبية مقاطعتها لها، وقال أحمد نجيب الشابي، منسق “جبهة الخلاص” (تكتل أحزاب وشخصيات معارضة من بينها حزب “النهضة”) أنها لن تعترف بنتائج هذه الانتخابات.
حملة باهتة
ودارت الحملة الانتخابية على امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية في أجواء باهتة، وعلى خلاف كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة غابت الاجتماعات الشعبية للمرشحين، واكتفى أغلبهم بالتواصل المباشر مع الناخبين في المقاهي والأسواق والشوارع مع تكثيف الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كانت بعض الحملات الانتخابية وشعاراتها محل تهكم شعبي بسبب الطابع الفولكلوري الذي غلب عليها.
وذهب اتحاد الشغل صاحب التأثير الكبير في البلاد الى وصفها بأنها انتخابات “بلا لون ولا طعم”.
ويقول منسق “شبكة مراقبون” سيف العبيدي لـ”النهار العربي” إن الحملة الانتخابية الحالية ليست كسابقاتها، مضيفاً أن أغلب المرشحين اكتفوا بالتواصل المباشر مع الناخبين. وأرجع ذلك الى عدم وجود أحزاب تدعمهم إضافة الى منع التمويل العمومي.
ولا يولي التونسيون اهتماماً لهذه الانتخابات، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية حادة تثقل كاهلهم، ولا يعرف السواد الأعظم منهم أغلب المرشحين لهذا السباق بشكل مستقل بعيداً من القائمات الحزبية التزاماً بما جاء في القانون الانتخابي الجديد الذي ألغى نظام التصويت على القائمات وعوّضه بنظام الاقتراع على الأفراد، في خطوة أغضبت المعارضة التي رأت أنها تدخل في إطار سعي الرئيس سعيّد الى ترسيخ مشروعه السياسي القائم على “البناء القاعدي” وإلغاء أي دور للأحزاب السياسية.
ويتوقع كثير من المراقبين أن يكون المشهد البرلماني المقبل مشتتاً، خصوصاً أن الدستور التونسي الجديد الذي تم اعتماده بعد استفتاء 25 تموز (يوليو) الماضي نزع عنه الكثير من الصلاحيات وجعل دوره مقتصراً على التشريع.
لكن سعيّد ينفي هذه الاتهامات ويقول إنه سيطوي مع هذه الانتخابات “صفحة سوداء” من تاريخ تونس وسيذهب الى بناء “جمهورية جديدة”.
ويقول أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي لـ”النهار العربي” إن “نظام المجلس النيابي المقبل سيكون الأضعف”.
المصدر: النهار العربي