الديمقراطية: وجهة نظر

محمد نور الموسى

تعدد تعريف الديمقراطية منذ نشأتها حتى اليوم , و كان التعريف في كل مرة يتم صياغته في ظروف مختلفة منها سياسية و منها دينية و كل صاغ حسب وجهة نظره و حسب ظروفه .

بالشكل العام وبالصياغة بالخط العريض عُرِّفت الـديمقراطية على أنها: حكم الشـعب نفسه بنفسه.

و لكن هنالك الكثير ممن تأثر بتعريف الديمقراطية , و لو فهموا مصطلح الديمقراطية في سياقه الإجرائي و الإداري لما تحسسوا منه , و لكنهم يفهمونه في سياق إيديولوجي و يصنفونه على أنه مصادم للدين لأن الحاكمية لله و ليس للشعب ، ففي الديمقراطية الشعب مصدر التشريع ، فلو قرر الشعب أموراً حرمها الله سبحانه و تعالى كالخمر أو الزنا أو المثلية أو غيرها فعلينا إقرار ذلك و القبول بإباحته .

بينما الديمقراطيون المسلمون ينقسمون إلى هذه الأقسام :

١_ قسم يرى مصطلح الديمقراطية من الجانب الإجرائي الإداري و ليس من جانبه الإيديولوجي , فمثلاً يربطون الديمقراطية بالآلية الانتخابية لرئاسة المؤسسات ، و لتداول السلطة و عدم إحتكارها من شخص أو حزب ( لمنع الديكتاتورية ) ، و يربطون المصطلح بمفاهيم حرية الكلمة و الشفافية و إحترام الآخر و تفهم وجهة نظر المخالف .

٢_ قسم من الديمقراطيين المسلمين يدرك تماماً أن الحاكمية لله و ليس للشعب ، و أن القرآن و السنة هما مصدر التشريع و ليس الشعب ، و لكنهم يراهنون على أن الشعب المسلم إذا كان مصدر التشريع فلن يختار تشريعات تخالف التشريع الإسلامي ، و خاصة في البلدان ذات الأغلبية السنية مثل مصر و سورية .

٣_ قسم يرى أن الدين مسألة عبادية شخصية لا دخل لها في قيادة المجتمع ، فالمسلم يصوم و يصلي و لا أحد يمنعه ، و لكن لا يحق له تطبيق الجانب المجتمعي من الدين الذي يخص السياسة و التشريعات و القوانين ، ويؤمن أن الحدود غير مطالبين بتطبيقها ، و يحصر الدين فقط بالعلاقة بين الإنسان و ربه .

فنحن إذن أمام مفاهيم عديدة للديمقراطية عددت منها آنفاً أربعة .

لنأتي الآن إلى تأثير ذلك على العمل الثوري

هذه المفاهيم خلقت تبايناً إيديولوجياً حاداً في الحالة الثورية السورية

وكما أسلفت آنفاً ، فالذين تأثروا بفهم المصطلح بحسب تعريفاته العلمية ( حكم الشعب) و رفضوه هم كثيرون , و للأمانة فهم ثوار حتى نخاع العظم ، و يريدون بشدة إسقاط نظام بشار الأسد .

هذا الاستقراء يجعلنا نفكر في حل يؤدي إلى تعاون كلا الطرفين ( الرافضين للمصطلح و المطالبين به ) ليتعاونا في الثورة معاً لإسقاط النظام ، و ليستفيد كل طرف من جهود الطرف الآخر ، فتقوى الثورة بدلاً من تفرقها و ضياع جهودها كما هو حاصل اليوم ، و صرف طاقاتها في صراع إيديولوجي ( ثوري _ ثوري) .

ما هي الحلول ؟!

في الحقيقة لدينا حلان اثنان و ليس حل واحد

_ الحل الأول :

ضبط المصطلح وهذا معروف عند أهل العلم جميعاً المتدينين و غيرهم , أي أن نضع تعريفاً للديمقراطية في كل نشرة و في كل بيان و في كل ميثاق حتى يفهمه الناس في سياقه الإجرائي الإداري .

فيكتب كلما تم ذكر مصطلح الديمقراطية :

الديمقراطية نقصد بها الإجراءات التي تعتمد في الانتخابات و الترشيح و حرية الرأي و تداول السلطة و لا نقصد بها الجانب الإيديولوجي …

و هذه عملية صعبة و غير عملية

وقد لجأ بعض المفكرين الإسلاميين إلى تعديل هذا الحل

فقالوا :

بدلاً من وضع تعريف للمصطلح في كل مرة ، نقوم بتقييده  و نربطه بمفهومه الإجرائي , فصاروا لا يقولون ( ديمقراطية ) هكذا بالإطلاق ,  بل يقولون ( بآليات ديمقراطية.. أو بوسائل ديمقراطية)

وهذا خلق إشكالاً جديداً

فصار يفهم هذا المصطلح المقيد فقط المثقفون إسلامياً ثقافة عالية , و بقيت الشريحة الأكبر تتحسس منه و لا تفهم معناه و لا ترى منه إلا الجانب الإيديولوجي للديمقراطية .

فكان الحل الثاني هو البديل

٢_ الحل الثاني :

استبدال المصطلح و الحفاظ على مضمونه , وقد لجأ إلى هذا الحل الديمقراطيون المسلمون الذين يرون في الديمقراطية الجانب الإجرائي لا الإيديولوجي , فقالوا نحن مؤمنون بآليات الديمقراطية كالانتخابات و تداول السلطة , فلنحافظ على هذا المضمون و لنترك القشرة فنحن نريد العنب .

فأطلقوا مصطلحات بديلة مثل ( العدالة الاجتماعية ) و مثل ( تداول السلطة ) و مثل ( العملية الانتخابية ) … إلخ .

واستطاع هؤلاء الحفاظ على المضمون الذي يريدونه و ممارسة العمل السياسي و إزالة الحواجز بينهم و بين الذين يتحسسون من مصطلح الديمقراطية , و لكن التيارات الديمقراطية المتشددة و التي ترى في الديمقراطية أبعد من الآليات ، و تعتبرها بمعناها الاصطلاحي الحرفي ( حكم الشعب) و ترفض أن يكون للدين أي دور في التشريع ، و تربط الدين فقط بالشخص لا بالمجتمع ، هؤلاء اعتبروا عدم ذكر كلمة الديمقراطية هو دعوة للدين و رفض للحريات و نكوص إلى التخلف و الرجعية .

نعم هو إذن مصطلح يحمل إشكالية عميقة في جغرافيتنا

و في هذه الحالة فليس أمامنا سوى أن نختار من هذه الحلول ما هو أقرب لشعبنا و ثقافتنا .

فإذا كانت الحلول هي :

١_ تعريف المصطلح كلما ورد ذكره .

٢_ تقييد المصطلح بالآليات الديمقراطية .

٣_ استبدال المصطلح و الحفاظ على المضمون المراد منه .

فإن الترتيب الأنسب لشعبنا و ثقافتنا الثورية هو الترتيب المعكوس

الحل الثالث ثم الثاني ثم الأول و هذه وجهة نظري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى