تمتلك قوات الدعم السريع في السودان، أداة إلكترونية للتجسس، قدمتها شركة تقنية خاصة مملوكة لإسرائيلي بالاتحاد الأوروبي، حسب تحقيق صحفي نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، إلا أن القوات السودانية نفت ذلك.
وقال التحقيق الذي أجري بالتعاون مع وسائل إعلام أجنبية، إن شبكة الشركات الإسرائيلية تصدّر معدات تكنولوجية تُستخدم في التجسس سراً من أوروبا إلى أفريقيا.
وفي وقت سابق من العام الحالي، هبطت طائرة خاصة في الخرطوم، وانتظرت تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة 45 دقيقة، حيث كانت سيارتان تابعتان لقوات الدعم السريع في استقبالها.
ووفقا لثلاثة مصادر مستقلة، كانت الشحنة التي تنقلها الطائرة الخاصة القادمة من قبرص عبارة عن تقنية مراقبة متطورة تطورها شركة “أنتيللكسا” التي يملكها عميل استخبارات إسرائيلي سابق.
وقالت “هآرتس” إن هذه الأداة تجعل من قوات الدعم السريع، التي يقودها “محمد حمدان دقلو” المعروف باسم (حميدتي)، قادرة على قلب ميزان القوى في السودان بفضل قدرتها على تحويل الهواتف الذكية إلى جواسيس ترصد صورة وصوت أصحابها.
ويعيش السودان أزمة سياسية طاحنة بعد مرحلة انتقالية هشة بين العسكريين والمدنيين جاءت بعد 33 عاما من حكم الرئيس السابق “عمر البشير”.
وأسفرت موجات الاحتجاجات الشعبية في الخرطوم عام 2019 التي أطاحت بحكم “البشير” عن مجلس مدني يتقاسم السلطة الجيش، إلا أن الأخير بقيادة الفريق “عبدالفتاح البرهان”، انقلب في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021 على المكون المدني.
و”حميدتي” قائد قوات الدعم السريع هو الرجل الثاني في القيادة بعد “البرهان” القائد العام للقوات المسلحة السودانية.
لكنه في الواقع، يتنافس من أجل السيطرة الكاملة على البلاد، إذ يقود صناعة الذهب في السودان وجنوده يقاتلون من أجل الحصول على ثمن في الصراعات الخارجية، وقد أقام علاقات مع مجموعة المرتزقة الروسية “فاجنر”، حسب الصحيفة العبرية.
وفي العام الماضي وحده، تورط مقاتلو قوات الدعم السريع في عمليات الاخفاء القسري للمتظاهرين في الخرطوم وإطلاق النار العشوائي على المدنيين، بمن فيهم الأطفال في دارفور.
وفتحت رحلة الخرطوم نافذة نادرة على عمل سري ومربح، حيث ربطت الميليشيا السودانية الملطخة بالدماء بمجموعة من أصحاب النفوذ في اليونان، وشبكة شركات تمتد عبر قبرص وجزر فيرجن البريطانية وأيرلندا.
وفي التحقيق، تم تسليط الضوء على أنشطة “انتيللكسا”، وهي شركة برامج تجسس انتشرت أنشطتها من أوروبا إلى معظم أنحاء جنوب الكرة الأرضية.
وكشفت عدة أشهر من البحث في سجلات الشركة والمقابلات مع مصادر سرية في عدة بلدان، عن شبكة من الشركات المرتبطة بمالك الشركة، “تال ديليان”، وهو عميل استخبارات إسرائيلي سابق، اشترى مجموعة من تقنيات المراقبة المتطورة وأسس موطئ قدم بالاتحاد الأوروبي في اليونان وقبرص.
وعملت “لايتهاوس ريبورتس”، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها في هولندا بتحليل المئات من سجلات الرحلات الجوية ومراجعتها، وربط الطائرة الخاصة بالمواقع الرئيسية في أعمال “انتيللكسا”.
وتربط النتائج بشكل قاطع الطائرة بديليان وشركائه والموظفين المعروفين في شركته – بما في ذلك، ميروم هارباز، الشخصية المركزية في شبكة أعماله.
قالت “أنيت هوفمان” باحثة أولى بمعهد “كلينجينديل” لهذا التحقيق، إن “تزويد قوات الدعم السريع بتكنولوجيا مراقبة متطورة لن يؤدي فقط إلى تفاقم القمع الوحشي وقتل المتظاهرين السودانيين الشجعان بشكل ملحوظ، بل يقضي على آمال الديمقراطية في المنطقة”.
وأضافت أن “برامج التجسس المتقدمة هذه في أيدي قوات الدعم السريع ستقلب ميزان القوى لصالح ميليشيا سابقة لا تعرف الرحمة وحليف لروسيا، مما يقرب السودان خطوة واحدة من مواجهة مفتوحة مع القوات المسلحة في البلاد ويزيد من خطر اندلاع حرب أهلية”.
وتظهر الوثائق السرية التي اطلعت عليها مؤسسة “لايتهاوس ريبورتس” وشركائها في التحقيق أن الشركة كانت تضغط بشدة أيضًا من أجل عقد صفقات في أفريقيا، وقد أشركت شبكة من تجار الأسلحة المعروفين لتقديم منتجاتها في جميع أنحاء القارة.
بالإضافة إلى السودان، تضمنت قائمة العملاء المستهدفين موزمبيق وأنغولا وكينيا وغينيا الاستوائية.
ومن المفترض أن تنظم الحكومات داخل الاتحاد الأوروبي أي مبيعات لتكنولوجيا المراقبة إلى دول أخرى.
لكن السلطات في اليونان وقبرص عند الاتصال بهم لهذا التحقيق، رفضتا الكشف عما إذا كانت “انتيللكسا” أو الشركات المرتبطة بها قد تقدمت بطلب أو تلقت الأوراق القانونية المطلوبة لتنفيذ أي مبيعات خارج الاتحاد الأوروبي.
وفي السودان، تؤكد المصادر أن نظام المراقبة، الذي تم شراؤه من شركة مقرها في الاتحاد الأوروبي يعمل الآن.
وبعد ساعات من نشر التقرير، نفت قوات الدعم السريعن صحة هذه التقارير، وقال في بيان: “تداولت بعض وسائل الإعلام تقارير كاذبة، تزعم أن قوات الدعم السريع حصلت على شحنة أنظمة وتقنيات متطورة وقامت بترحيلها إلى دارفور”.
وأضاف البيان: “تؤكد قوات الدعم السريع وبشكل قاطع أن جميع المعلومات التي وردت في التقرير غير صحيحة ولا تمت للحقيقة بصلة”.
وذكر بيان القوات السودانية، أن “هناك محاولات متكررة من بعض الجهات (لم تسمها) تنسج أكاذيب وتروجها على أنها حقائق لتشويه صورة قوات الدعم السريع”.
وأكد أن “الدعم السريع تحتفظ بحقها في ملاحقة مروّجي الأكاذيب قانونيا”.
و”الدعم السريع” قوة مقاتلة جرى تشكيلها لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لحماية الحدود لاحقاً، وحفظ النظام، تأسست في 2013 كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا توجد تقديرات رسمية لعددها، إلا أن المؤكد أنها تتجاوز عشرات الآلاف.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، أن السودان وإسرائيل اتفقا على تطبيع العلاقات بينهما.
المصدر: الخليج الجديد