أيّة أخبار مشؤومة تسّاقط كما الملح على جراح جسدك الناحل أيّها السوريّ، وأيّة رؤيا يزفّها إلى روحك المثخنة حرّاس الحقيقة وعرّافة الريح؟؟
شتاء استثنائي ينتظر السوريين.
تخبرنا مواقع الرصد وصفحات التنبؤ الجوّي بأنّ شتاء 2023 سيشهد ظروفاً أقسى من تلك التي عاشتها المنطقة في السنة التي سبقتها، فالأيام الصقيعية الجافة التالية للهطولات المطريّة الغزيرة قد تمتدّ لأسابيع، كما أن الثلوج المتساقطة ستتفوق على مثيلاتها في السنوات المنصرمة، ثمّ إنّ المناخ سيكون متقلباً تتخلله فوارق كبيرة في درجات الحرارة فيما يمكن تسميته، بحسب موقع طيف بوست، بالهبّة الباردة والهبّة الساخنة.
إذاً ما عليك إلاّ أن تستعدّ أيها السوريّ لهذا الطقس الاستثنائي في قسوته، ولموسم آخر من الموت فريدٍ ومختلفٍ، بما يحمله إليك من “بشاراتٍ”، سيجد له متسعاً في ذاكرتك المزدحمة بالتوابيت وشاهدات القبور والخيبات.
أمّا كيف يكون الاستعداد لهذا الموت الموسميّ فهذا ما لا يحتمل الحيرة ولا ينبغي للنسيان أن يبدّد إمكانية معرفته وإدراكه. كلّ ما ينبغي عليك فعله هو القبول بما تحمله لك الأقدار، وأن تحفر فيما تبقى لك من وقتٍ وأرضٍ قبوراً جديدة، ما عدا ذلك لا شيء مما يستحقّ جهدك وتفكيرك، بل وليس من شأنك.
قلق أمميّ
نعم أيّها السوريّ. لا شأن لك بصانعي قدرك ولا بمسببات موتك، وليس مقبولاً منك التفكير وبذل الجهد فيما يدرأ عنك الألم ويبرئ جراحك، يكفي أن تطأطئ وتحفر وتنتظر، وأن تطمئنّ لنوايا من سلمته مفاتيح جنتك وأن توقن بقوته وضعفك، ولا تقلق ولا تتكهّن، فهذا الترف أيضاً مما لا يستحق عناءك وهو حقيق بالأمم المتحدة ومجالسها ومنظماتها، فها هي تتوقع لك أن تشهد واحداً من أقسى فصول الشتاء هذا العام، وتعدّد الأخطار التي ستواجهها بدءاً من انخفاض درجات الحرارة إلى درجة التجمّد، مروراً بغرق خيام النازحين أو احتراقها، وصولاً إلى الأمراض ونقص الوقود ومواد الإغاثة والأدوية ما سيؤدي إلى تقويض القدرة على التكيّف..، ثمّ إنها تبدي قلقها من نقص حاد في التمويل في جميع القطاعات، وتتسوّل من أولياء نعمتها سدّ الفجوة بين الاحتياج والمتاح الذي لا يتجاوز26.6 في المائة فقط مما هو مطلوب لإنقاذ الحياة خلال الشهور الخمسة الآتية.
أين الاستثناء وما الذي اختلف؟
ولكن ما الذي سيميّز شتاء 2023 عن شتاء السوريين الطويل والأشدّ ضراوة الممتدّ والمستمرّ منذ قيام ثورتهم على الاستبداد والطغيان عام 2011؟ هل صمدت بيوتهم الإسمنتية وخيام النازحين والمهجرين أمام البراميل والقذائف الصاروخية وطوفان الدمار الذي أحدثته آلات العدوان الأسديّ وشركائه الروس والإيرانيين، وحلفائه من الأمم المتحدة ضدّ إرادة الشعوب في التحرّر والعدالة واستعادة كرامة الإنسان؟ هل استطاعت أجساد أطفالهم الغضّة مقاومة النابالم والسارين والقنابل العنقودية والفوسفورية؟
ثمّ ألم يكن المناخ الدوليّ والإقليميّ مرواغاً ومخادعاً وكان الطقس الأمميّ متقلباً بين هبةٍ ساخنة وأخرى باردة وكانت الفروقات الحرارية بين الهبتين هائلة وقاتلة؟
وأخيراً هل خرجت منظمات الأمم المتحدة عن دورها المرسوم والمحدد بين خانات التسوّل والتسويف والتذبذب والقلق؟
الطبيعة ليست متوحشة
بكلّ شغبها وعنفوانها تستلقي الطبيعة بين ذراعي الإنسان، كمهرة برّية تستسلم ليده الحانية وعقله المبدع كيما يسرّح شعرها الغجريّ ويروّض جموحها ويؤنسن جمالها، لم تكن الطبيعة لتتنكر لصلصالها أو لتتمرّد على فطرتها كما هو حال البشر، وحده الإنسان بالعمى الذي أصاب حواسه، وبافتتانه بالسلطة انقلب على حقيقة ضعفه وتملكته شهوة القتل فتحوّل إلى وحشٍ مدمّرلكلّ ما حوله. الطبيعة ليست شرّيرة ولا متوحشة، لقد مكنت الإنسان من نفسها ومنحته كل أسباب الرفاه والرغد والحياة السعيدة، لكنها عجزت عن حمايته من نفسه. الفصول أدوات الطبيعة للدفاع عن ذاتها ولاستعادة التوازن الضروري لاستمرار الحياة، لا بدّ للطبيعة من أن تتعرّى وتستحمّ قبل أنّ تتزيّا بثوبها الجديد وتمنح فتنتها للشمس.
المصدر: إشراق