نجحت اللجنة المركزية في درعا جنوبي سورية إلى حد ما في إبعاد خطر العملية العسكرية التي كانت قوات النظام والمليشيات الموالية تنوي تنفيذها مستهدفة منطقة التسوية في الريف الغربي.
ورغم انسحاب جزء من التعزيزات العسكرية للنظام في المواقع التي احتشدت فيها حول المنطقة المستهدفة بضغط روسي إلا أن عودة التصعيد والتهديد بالاجتياح ما تزال واردة، وهذا باعث قلق بالنسبة لأهالي المنطقة الغربية في ظل التوتر الأمني المستمر في مناطق التسوية في الجنوب عموماً، والتي تشهد عمليات اغتيال شبه يومية.
بدء الانسحاب
بدأت قوات النظام والمليشيات الموالية بالانسحاب تدريجياً من مناطق تمركزها في محيط المنطقة الغربية بريف درعا، وأهمها، معسكرات المليشيات في أزرع، واللواء 52، والمطار الزراعي قرب بلدة اليادودة، وأطراف داعل وتل الخضر العسكري القريب منها. الانسحاب شمل أيضاً مواقع وحواجز عسكرية تم إنشاؤها بداية التصعيد أوائل شهر أيار/مايو في الريف المحيط بمدينة طفس.
وقالت مصادر محلية في طفس ل”المدن”، إن “انسحاب قوات النظام والمليشيات الإيرانية ما يزال شكلياً حتى الآن، والجزء الأكبر من التعزيزات العسكرية التي طوقت المنطقة الغربية في ريف درعا ما تزال متمركزة في مواقعها حتى الآن، ومنها قوات الرضوان التابعة لحزب الله، والفرقة 15 قوات خاصة، والفرقة الخامسة والفرقة الرابعة، وهو ما يثير شكوك الأهالي حول جدية تخفيف التصعيد وعدول النظام عن قرار الاجتياح”.
وأوضحت المصادر بأن “الطوق العسكري الذي فرض مؤخراً على المنطقة الغربية سيبقي النظام محتفظاً بالجزء الأكبر من أعداده وعتاده الحربي لخنق المنطقة والتوغل فيها متى كانت الفرصة مواتية. الآن يمكننا القول بأن الجهود التفاوضية التي قامت بها اللجنة المركزية مع اللجنة الأمنية التابعة للنظام قد نجحت في تأخير العملية العسكرية لكنها لم تنهِ التوتر بشكل كامل، والوضع قابل للانفجار في أي لحظة”.
وقال الناشط الإعلامي ربيع أبو نبوت ل”المدن”، إن “الضغط الروسي أوقف العملية العسكرية التي كان من المفترض أن تشنها قوات النظام والمليشيات ضد مناطق ريف درعا الغربي، وكان لموقف اللجنة المركزية الجدي أثرٌ كبيرٌ في دفع الجانب الروسي للتدخل بشكل أكثر فاعلية”.
ولم يصرح طرفا التفاوض، اللجنة المركزية واللجنة الأمنية التابعة للنظام عن أي اتفاق توصلا إليه مقابل الانسحاب العسكري وإلغاء العملية مؤقتاً على الأقل. وفي حال كان الانسحاب جدياً فهو حتى الآن من دون مقابل ملموس، أي أن المفاوضات مستمرة، وقائمة الأسماء التي طالب بها النظام وبينهم قاتلو عناصر الشرطة لم يتم تسليمهم، وغالبيتهم مختفين عن الأنظار.
تهديدات اللجنة المركزية
ظهر القيادي السابق في فصائل المعارضة في درعا، والمتحدث الرسمي باسم اللجنة المركزية، أدهم الكراد، في فيديو مسجل حذر فيه من مخاطر التصعيد في الجنوب السوري، داعياً القوات الروسية الى الوفاء بالتزاماتها باعتبارها راعياً لاتفاق التسوية مع النظام.
وتابع الكراد: “أهالي الجنوب السوري لا يسعون إلى الحرب وسفك مزيد من الدماء، في حين يدق الطرف الآخر طبول الحرب بحجة مكافحة الإرهاب، هناك من يهدد ويتوعد ويريد أن يثأر، حوران لا تسعى لسفك الدماء، ولكن إن فرضت علينا الحرب فنحن لها”. وكشف بأن “اللجنة المركزية قد أرسلت كتاباً إلى موسكو عبر الطرق الدبلوماسية طرحت من خلاله مبادرة تنص على رعاية الجانب الروسي لجهود يتم خلالها معالجة الملفات العالقة والضغط لوقف الآلة العسكرية.
أدهم الكراد، شغل منصب قائد “كتيبة الهندسة”، في غرفة عمليات “البنيان المرصوص” التابعة للمعارضة في الجبهة الجنوبية، في أثناء سيطرة فصائل المعارضة السورية على المنطقة قبل اتفاق التسوية في تموز 2018، والذي كان جزءاً منه باعتباره عضواً في المفاوضات، ويشغل الآن منصب المتحدث باسم اللجنة المركزية.
وكشفت تصريحات الكراد الأخيرة والتي تعبر عن موقف اللجنة المركزية عن استياء من الدور الروسي الضعيف في الأزمة التي تمر بها المنطقة الجنوبية، وحملت اللجنة روسيا مسؤولية التصعيد من جانب النظام والمليشيات الإيرانية باعتبارها ضامن لاتفاق التسوية.
تهديدات اللجنة المركزية بأن حوران مستعدة للمواجهة في حال فرضت عليها دفعت القوات الروسية لاتخاذ موقف جاد وتخفيف التوتر ودفع جزء من قوات النظام الى الانسحاب من المنطقة، لكنها، كشفت في الوقت نفسه عن دور روسيا في التطورات الأخيرة في حوران، وبدا أن موقفها المتردد من العملية العسكرية كان مقصوداً، فهي تسعى لتعديل بعض بنود اتفاق التسوية الموقعة منتصف العام 2018، بشكل يسمح لها بإحكام قبضتها الأمنية والعسكرية وإلغاء هامش القرار الذي تركه اتفاق التسوية للفصائل المعارضة السابقة في الجنوب السوري. وكتاب المقترحات الذي أرسلته اللجنة للقيادة الروسية بحسب ما كشف الكراد، يؤكد الفرضية وقد تكون مبادرة اللجنة الأخيرة ثمناً لمنع الاجتياح في الوقت الحالي.
احتمال عودة التوتر
تعيش مناطق التسوية في درعا حالة من الغليان بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة، وضعف مختلف قطاعات الخدمات العامة التي من المفترض أن يقدمها النظام، بالإضافة إلى الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه المنطقة منذ توقيع اتفاق التسوية في العام 2018. وتشهد تلك المناطق حوادث تفجير واغتيالات وخطف شبه يومية بسبب تغلغل الخلايا الأمنية التابعة للمليشيات الإيرانية والفروع الأمنية التابعة للنظام، أبرزها الأمن العسكري، ومكتب أمن “الفرقة الرابعة”، ضمن مناطق التسوية.
وفي آخر 48 ساعة وقعت ثلاث عمليات اغتيال في مناطق درعا. اغتال مسلحون مجهولون مقاتل سابق في صفوف المعارضة يدعى أنس محمد العاقل، أمام منزله في حي الأربعين بمدينة درعا. وعثر أهالي منطقة الشياح جنوب درعا البلد على جثة معارض سابق ويعمل في فرع الأمن العسكري. وعُثر أيضاً على جثة شاب في محيط بلدة جلين بريف درعا الغربي.
الناطق باسم “تجمع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني، قال ل”المدن”، إن “الوضع الأمني والاقتصادي المتردي الذي تعيشه حوران يجعلها قابلة للانفجار في أي لحظة”. وأضاف أن “المنطقة تتعرض لحوادث اغتيالات وقتل متكررة، ويعيش الأهالي في قلق مستمر بسبب اختراق الخلايا الأمنية التي يديرها مكتب أمن الفرقة الرابعة الذي يتزعمه، المقدم محمد وسيم عيسى، وفرع الامن العسكري في درعا، بزعامة، لؤي العلي. هذان الرجلان استطاعا تجنيد العملاء وإبقاء المنطقة في حالة توتر دائم، وبالتالي عودة التصعيد وامتداده لمناطق جديدة ممكن جداً”.
المصدر: المدن