تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، وتقارير إعلامية عدة، رسائل نصية وصلت إلى هواتف عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان، تبلغهم توقف حصولهم على مساعدات مالية وغذائية في العام 2023، وتخفيضات لمساعدات أخرى، بسبب “محدودية الموارد” و”إعطاء الأولوية لأسر أخرى.”
أثارت الرسائل موجة ذعر في صفوف اللاجئين السوريين في لبنان، لاسيما وأن الكثير من العائلات تعتمد على هذه المساعدات بشكل رئيسي من أجل تأمين الحد الأدنى من مقومات صمودها وحفظ أمنها الغذائي، في حين يعتبر اللاجئون السوريون في لبنان الفئة الاجتماعية الأضعف والأكثر هشاشة وتأثرا بتداعيات الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ العام 2019.
وكانت قد أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف، في تقرير عام 2021 عن قلقهم البالغ إزاء أوضاع اللاجئين السوريين الذين باتوا “عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.”
وشرح التقرير أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يشهدها لبنان، أثّرت بشكل خاص على العائلات اللاجئة الأكثر فقرَا، إذ كشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2021، “عن وضع بائس يُرثى له”، وأضاف أن تسعة من أصل كل عشرة لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع.
وجاء في نص الرسائل الموجهة من المفوضية للنازحين، أنه “نظرًا لمحدودية الموارد، لن تتلقوا المساعدة الشهرية المحددة بمليون ليرة لبنانية من المفوضية، ابتداء من كانون الثاني 2023″، داعية من يطلب إعادة النظر في تقييم مساعدته إلى تقديم طلب لها عبر رابط محدد أو الإتصال بأرقام المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي.”
خطر الترحيل القسري
وسرعان ما تم الربط بين وقف المساعدات الأممية، وإطلاق لبنان في 26 أكتوبر الماضي لخطة “الإعادة الطوعية للنازحين السوريين” إلى سوريا، التي تلقى اعتراضات واسعة من ناحية المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، ومن نسبة كبيرة من النازحين السوريين أنفسهم الذين لا يرون الوضع القائم في سوريا مناسباً لعودتهم.
ومنذ استعادة جيش النظام السوري السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة سوريا، تمارس بعض الدول ضغوطا لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدة المعارك. إلا أن ذلك، وفق منظمات حقوقية ودولية، لا يعني أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية لا تزال قائمة.
وحذرت تقارير دولية عدة من خطر الإعادة القسرية للاجئين السوريين، وفي تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، تم التطرق إلى ما واجهه اللاجئون السوريون، الذين عادوا إلى سوريا بين عامي 2017 و2021 من لبنان والأردن،من انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاد على يد النظام السوري والميليشيات التابعة له.
واعتبرت أن أي إعادة قسرية إلى سوريا ترقى “إلى مصاف انتهاك لبنان للالتزامات بعدم ممارسة الإعادة القسرية – أي إجبار الأشخاص على العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطرا واضحا بالتعرض للتعذيب أو باقي أنواع الاضطهاد”.
بدورها اتهمت منظمة العفو الدولية في بيان لها السلطات اللبنانية بـ “تعريض اللاجئين السوريين، عن قصد، لخطر المعاناة من انتهاكات شنيعة والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا، من خلال تسهيلها بحماسة عمليات العودة هذه.”
وتنظر السلطات اللبنانية إلى ملف اللاجئين السوريين على أراضيها بوصفه عبئا كبيراً، وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي في البلاد.
ويستضيف لبنان حوالي المليون ونصف المليون لاجئ، بينهم 880 ألفا مسجلين في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و400 ألف عامل.
وبحسب المفوضية، لا يزال لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه الإجمالي حوالي 6.7 مليون نسمة، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع.
واعتُبِرت رسائل وقف المساعدات الأممية بمثابة ضغوط إضافية لدفع النازحين السوريين مرغمين إلى مغادرة لبنان، وتنسجم مع ممارسات متعمدة في لبنان وضغوط رسمية تمارس من أجل إجبار السوريين على العودة إلى سوريا، وهو ما تنفيه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، وتعتبر أنه يتم استثمار هذه الرسائل لأهداف سياسية.
المفوضية توضح: إجراء سنوي
وفي تصريح لموقع “الحرة” أوضحت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، دلال حرب، أنه “لمّ يتمّ تخفيض أو توقيف قيمة المساعدة الشهرية التي تقدمها المفوضية للاجئين، (المساعدة النقدية من المفوضية = مليون ليرة لبنانية للعائلة في الشهر الواحد، المساعدة الغذائية من برنامج الأغذية العالمي WFP = 500 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد في الشهر) وبالتالي فهي لا تزال كما هي.”
وتشرح حرب أن المفوضية حالياً تقوم وشركاؤها بإعداد برنامج المساعدة النقدية لعام 2022/23، إلا أنه “ونظرًا لمحدوديّة التمويل لا تشمل المساعدة النقدية كلّ العائلات، وبالتالي، يتعين على المفوضية والشركاء إعطاء الأولوية للعائلات التي تم تحديدها على أنها الأكثر ضعفًا اقتصاديًا.”
وتصف المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين القرارات المتخذة بـ “الصعبة”، والناجمة عن “محدوديّة التمويل وعدم قدرتنا على توفير المساعدة بشكل أشمل. ولهذا فنحن ندعو باستمرار إلى دعم إضافي لدعم العائلات الأكثر ضعفًا.”
حرب تشير إلى أن هذا الإجراء ليس بالجديد، “في كل عام، تقوم المفوضية وشركاؤها بمراجعة نقاط الضعف لدى عائلات اللاجئين لتحديد من هم الأكثر ضعفاً من بينهم وإعطائهم بالتالي الأولوية في نيل المساعدة النقدية.”
وعن المعايير المعتمدة من أجل تحديد الأولويات وتصنيف الأكثر حاجة، تقول حرب “تتوافق المعايير التي نستخدمها في هذه المراجعة مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وتأثيره على الأكثر ضعفاً من اللاجئين.”
وتتابع “تبعاً لنتائج المسح السنوي للعائلات اللاجئة وأوضاعهم المعيشية، تحدّد للمفوضية وشركاؤها الأسباب التي قد تدفع بهذه العائلات إلى وضع اقتصادي غير مستقر. وبالتالي يتمّ تصنيف العائلات الأكثر حرماناً من الناحية الاقتصادية كما تلك الأقلّ. وبناءً عليه، يتمّ اختيار العائلات التي ستتلقّى مساعدات نقدية و/ أو غذائية.”
وبحسب التقييم الأخير لأوضاع اللاجئين في لبنان، ستتوقف بعض العائلات عن نيل المساعدة النقدية في العام المقبل، في حين تأهّلت عائلات لاجئة أخرى في الوقت نفسه لنيل المساعدة التي لم يتلّقونها العام الماضي مثلاً، وفق حرب، التي تلفت إلى أنه قد يظل اللاجئون الذين تم إخطارهم بعدم تلقيهم مساعدات نقدية أو غذائية، مؤهلين لأن ينالوا مساعدات من برامج إنسانيّة أخرى.
المصدر: الحرة. نت