تتصفح المنشورات والتغريدات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي، لترى الجميع يشتكي من غباء البطاقة الذكية وصعوبة تأمين الخبز والمواد الأساسية، تمرر لأسفل فترى أن السوريين يتهيؤون لحرق أعصابهم والاستفادة من حرارتها لعدم وجود أي مادة قابلة للاشتعال تصلح للتدفئة خلال الشتاء، تمرر قليلاً لتتفاجأ أن الأمم المتحدة أنفقت ما يزيد عن 2.5 مليار دولار كمساعدات وعقود توريد أممية للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا. فتسأل نفسك تلقائياً، أين تذهب هذه المساعدات؟ أيعقل أن تكون عاملاً في زيادة سوء أحوال السوريين وإطالة أمد الأزمة الاقتصادية؟
أنت وكاتب المقال تعرفان الإجابة تماماً، لكن رئيس التحرير أوكله بمهمة إعداد مادةٍ كاملة وعليه التظاهر بالعمل عليها، ما دفعه للتوجه إلى الحكومة السورية بتلك الأسئلة وإرسالها عبر الحمام الزاجل لانقطاع الإنترنت في المراكز الحكومية، آملاً بالحصول على إجاباتٍ رسمية لا تلقي باللوم على إسرائيل والعقوبات الغربية والمؤامرة الكونية.
الحكومة بدورها رحّبت بطرح التساؤلات، مؤكدةً على حق الجميع في طرح الأسئلة، منوّهةً أن ذلك لا يعني بالضرورة حصولهم على إجابات، لكنها لم تترك الملف بلا إجابةٍ على أية حال، وأخذته على محمل الجد كأي معاملةٍ حكوميةٍ تحتاج موافقة أمنية للسير بها، لتحوّله إلى مكتب الأمن القومي لمعالجته والتحقق من خلفية صاحبه، ولكن نظراً لانشغال مديره سيادة اللواء علي مملوك في اجتماعاته مع قادة المخابرات الأتراك، أوكل المهمة إلى نجله السيد نزهت الذي استلّ مفتاح اللامبورجيني أفنتادور الجديدة التي اقتناها بعد توقيعه عقد الـ371 ألف دولار مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليأتي إليك بالإجابة من مزرعته الخاصة في منطقة يعفور.
وهذا ما جاء في ردّه الذي صوّره على هيئة “ستوري” على تطبيق إنستغرام أثناء طريق العودة:
بدايةً، من ادّعى أن أموال الأمم المتحدة “لا تحدث فرقاً”؟ لا نعلم إن كان هذا التساؤل ينبع عن جهلٍ أو تآمر أو جهل أو عمالة أو حسد أو خيانة، لكن على أية حال، علّمنا الدكتور القائد بشار الأسد أن نقرأ ما بين السطور، لذا، علينا أولاً أن نعرّف ما هو الفرق؟ أليس رفد خزائن الدولة ورجالها بـ 137 مليون دولار أمريكي فرقاً؟ أليس نقل إقاماتنا إلى دبي بدلاً من دمشق فرقاً؟ كل ذلك لم يكن يحدث لولا أموال الأمم المتحدة وحرصها على إحداث فروق حقيقية في المجتمع السوري.
ومن ثم، ألست أنا والأخ فادي صقر وآل حمشو وغيرنا من الزملاء حاملي الاقتصاد السوري على أكتافهم والفارّين به إلى الخارج سوريون أيضاً؟ يجب أن يعلم طارح تلك الأسئلة أن شركات “صقور الصحراء” و”الأمير للمنتجات الغذائية” و”شروق للخدمات الأمنية” وغيرها من الشركات القائمة على عقود الأمم المتحدة هي شركات وطنية مسجلة ومرخصة في سوريا، ويعمل فيها آلاف السوريين، حتى أن بعضهم يعمل في أكثر من واحدة من تلك الشركات لأن راتب الواحدة منها لا يكفي.
أما عن استمرار أزمات الوقود والخبز والكهرباء والمواصلات وشحّ المواد الاستهلاكية، فهذا، على عكس ما يظن السائل ضعيف البصر والبصيرة، ليس ركوداً أو استمراراً للأزمات القائمة؛ إذ بإمكان أيّ مراقبٍ أن يلحظ ازدياد حدة تلك الأزمات وتعقيدها على صعيدٍ سنوي، فهذا تغيير، والتغيير عكس الركود. كيف يحدث كل ذلك؟ نعم صحيح.. بفضل العقود الأممية مجدداً، فهي بدورها تكبر وتزداد سنوياً، ما يساعدنا على توسيع أنشطتنا التجارية واحتكار المزيد من السلع، ما يؤدي إلى زيادة حركة المستهلكين في الأسواق بحثاً عن تلك السلع.
المصدر: الحدود