نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) تحليلاً حول أبعاد ودلالات انسحاب روسيا من مدينة خيرسون الاستراتيجية في جنوب أوكرانيا، أكد فيه أن الانسحاب سيؤدي إلى تحويل القتال إلى الجبهة الشرقية، كما أن ذلك سيجعل من الصعب على الكرملين تبرير استمرار الحرب أمام الشعب الروسي، وقد يحفز ذلك استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار مع كييف.
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أمر وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بسحب القوات المتمركزة في خيرسون التي احتلتها روسيا في الأيام الأولى من الحرب.
واتخذ شويغو القرار أمام وسائل الإعلام الحكومية الروسية أثناء حوار مع الجنرال المسؤول عن الحرب سيرجي سوروفيكين الذي أوضح أن القصف الأوكراني جعل من المستحيل إمداد قواته على الضفة الغربية لنهر دنيبر بشكل صحيح.
وبحسب التحليل فقد يكون الانسحاب من خيرسون مقدمة لاستراتيجية الأرض المحروقة. ومن المرجح أن يتم إعادة نشر القوات الروسية المنسحبة من الضفة الغربية لنهر دنيبر شرقًا إلى منطقتي زابوريجيا ودونباس حيث تنشر أوكرانيا مؤخرًا المزيد من القوات.
وبحسبه فمع التركيز المتزايد لقوات الجانبين في تلك المناطق فإن حدوث اختراق كبير في الحرب ليس مرجحا.
وبتحليل “سترافور” تنظر موسكو إلى خسارة المدينة الجنوبية الاستراتيجية كدليل إضافي على عدم قدرتها على كسر مقاومة الجيش الأوكراني، ما يدفعها للتركيز على كسر إرادة الشعب الأوكراني والغرب بدلاً من ذلك عبر استخدام شن هجمات تؤدي إلى وقوع إصابات كبيرة في صفوف المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية الحيوية بما في ذلك شبكة الكهرباء ومرافق الاتصالات ومراكز صنع القرار.
في غضون ذلك، ستؤدي خسارة خيرسون إلى مزيد من خيبة الأمل والقلق بين المواطنين الروس بشأن مسار الحرب في أوكرانيا. لكن الانسحاب لن يمنع موسكو من الاستمرار في تأطير عمليتها العسكرية الخاصة على أنها ناجحة، بالرغم من تناقص مساحة الأراضي الأوكرانية التي لا تزال تحت السيطرة الروسية.
وبحسبه لا يشكل الانسحاب مفاجأة للروس، بالنظر إلى أن إعلان 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري جاء بعد أسابيع من التقارير التي تفيد بأن القوات الروسية بدأت الانسحاب من المدينة بالفعل.
وسيؤدي تراجع الشعور بالصدمة إلى التخفيف من رد الفعل العام في روسيا من جانب كل من الفصائل المتشددة والليبرالية التي تعتبر الانسحاب أمرًا محرجًا. لكن خسارة خيرسون ستلقي بظلال من الشك في أذهان الروس حول إمكانية تحقيق نصر في أوكرانيا.
ويرى المركز أنه لتبرير تكاليف الغزو التي يتحملها الشعب الروسي، سيكون من الضروري أن يحتفظ الكرملين بالسيطرة على المناطق الأوكرانية التي لا تزال تحتلها القوات الروسية، مع اعتبار الممر البري المؤدي إلى شبه جزيرة القرم هو الأهم، يليه المناطق التي تم الاستيلاء عليها حديثًا في دونباس.
ويعني هذا أنه من المرجح أن تدفع القيادة الروسية بمزيد من القوات والمعدات لمنع المزيد من التقدم الأوكراني نحو هذه الأراضي التي تم ضمها.
وقد يؤدي انسحاب روسيا من خيرسون إلى زيادة الدعوات الغربية لاستئناف المفاوضات مع روسيا ووقف إطلاق النار المحتمل خلال الشتاء، لكن من غير المرجح حاليًا أن تنضم أوكرانيا إلى المحادثات.
وقد أفادت شبكة “إن بي سي” أن بعض المسؤولين الغربيين باتوا يعتقدون أنه لا يمكن لأي من الجانبين تحقيق أهدافهم من الحرب وأن التباطؤ المتوقع في القتال خلال الشتاء يمثل فرصة لاستئناف المحادثات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا.
ومن المرجح أن تزداد هذه القناعة بين المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين الذين بدأ قطاع كبير منهم يلمح بشكل غير رسمي إلى المفاوضات أو يدعو إليها علنًا وسط الجمود المحتمل على الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا.
لكن من غير المرجح أن تعود كييف إلى المفاوضات، حيث من المحتمل أن تواجه مرة أخرى مطالب من موسكو بالتخلي بحكم الواقع عن السيطرة على جميع الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا حاليًا، وهو أمر لا يمكن الدفاع عنه سياسيًا بالنسبة لكييف.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يهدد وقف إطلاق النار موقع أوكرانيا المتميز حاليًا في ساحة المعركة من خلال منح روسيا الوقت لإعادة تسليح القوات وإعداد القوات لهجمات مستقبلية.
المصدر: “القدس العربي”