بينما بدأ الجيش الأوكراني بدخول خيرسون، الجمعة، وهي مدينة رئيسية في جنوب البلاد، إثر انسحاب القوات الروسية منها، بعد قرابة تسعة أشهر، يتساءل متابعون إن كان الانسحاب الروسي تكتيكيا أم انتكاسة أخرى لموسكو، لا ترغب بالاعتراف بها.
وانسحب أكثر من 30 ألف جندي روسي من المنطقة التي تقع في جنوب أوكرانيا، تاركين الضفة الغربية لنهر دنيبرو للانتشار على ضفته الشرقية، كما أعلن الجيش الروسي، الجمعة.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان “سحب أكثر من 30 ألف جندي روسي وحوالى خمسة آلاف وحدة تسليح ومركبة عسكرية” من الضفة الغربية لنهر دنيبرو.
في المقابل، كتبت وزارة الدفاع الأوكرانية في فيسبوك “خيرسون تعود إلى السيطرة الأوكرانية، وحدات من القوات الأوكرانية تدخل المدينة”.
وكتب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على تويتر “أوكرانيا تسطر نصرا مهما آخر في الوقت الحالي وتثبت أن مهما تقول روسيا أو تفعل، أوكرانيا ستنتصر”.
وفي مواجهة هجوم مضاد أوكراني قوي بدأ نهاية الصيف، أعلن الجيش الروسي، الأربعاء، الماضي، أنه سينسحب من الجزء الشمالي لمنطقة خيرسون، بما فيه عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه والواقعة على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو “من أجل تعزيز مواقعه” على الجانب الآخر من النهر.
ورغم ذلك، ستبقى منطقة خيرسون “تابعة لروسيا الاتحادية” على ما قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف الجمعة.
وأضاف بيسكوف في أول تعليق للرئاسة الروسية على انسحاب قواتها من خيرسون “لا يمكن أن يكون هناك تغيير”.
“ليست خطة”
الخبير العسكري الأميركي، مارك كيميت، يرى أن روسيا انسحبت لسبب واحد “وهو عدم قدرتها على إيصال الإمدادات لجنودها على الضفة الأخرى من نهر دنيبرو”.
كيميت الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية (2008-2009) في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، لفت أيضا إلى النقص الفادح في العتاد الذي يشتكي منه الجنود الروس، وعدم تمكن القائمين على الجيش الروسي من إعادة تموين الأعداد المرابطة على ضفتي النهر.
وفي اتصال مع موقع الحرة نفى كيميت أن يكون قرار الانسحاب خطة عسكرية أو “خدعة” -كما قالت بعض الأوساط في كييف- بقدر كونه حاجة ملحة اقتضتها ضراوة المعارك الجارية في أوكرانيا عموما وخيرسون، وما جاورها، على وجه التحديد.
وكانت أوكرانيا حذرة خلال اليومين الماضيين بشأن الانسحاب الروسي من خيرسون خشية أن يكون في الأمر خدعة أو أن يقوم الجيش الروسي بتلغيم المنطقة لتصعّب عودة القوات الأوكرانية.
وقصفت القوات الأوكرانية جسر أنتونوفسكي الممتد فوق نهر دنيبرو لأسابيع، وهو الوحيد في مدينة خيرسون، لتصعّب على القوات الروسية عبوره، وبالتالي قطع خطوط الإمداد الروسية وإجبار موسكو على الانسحاب.
وهذا المعطى الذي “عجّل بانسحاب القوات الروسية” وفق كيميت الذي أكد في سياق حديثه على قوة الضربات المستمرة من الجانب الأوكراني ودورها في إنهاك القدرة القتالية للجيش الروسي.
تغيير تكتيكي؟
لكن المحلل الروسي، فيتشيسلاف موتازوف، يرى أن الانسحاب لا يدل على ضعف القوات الروسية، بل هو تغيير تكتيكي عمدت إليه موسكو بالنظر إلى معطيات ميدانية استنتجها القائد الجديد لما وصفه بـ”العمليات العسكرية في أوكرانيا”.
وفي حديث لموقع الحرة، شدد موتازوف على أنه “لا مجال للحديث عن هزيمة عسكرية” وقال “هل سمعتم أحدا من القادة الروس تحدث عن استسلام أو تراجع بسبب فقدان القوة؟ هل سمعتم أن أوكرانيا تغلبت على الروس خلال المعارك في خيرسون؟”.
موتازوف قال في المقابل إن السؤال الذي يجب أن يطرح هو “هل الانسحاب خطة عسكرية أم قرار سياسي؟”
يقول الرجل إن رؤيته تنبني على ما قالته صحف أميركية عن تشجيع واشنطن لكييف لفتح قنوات اتصال مع موسكو، في سبيل الوصول إلى مفاوضات بين الطرفين لإنهاء الحرب، وهو ما قد يكون وراء قرار الانسحاب المفاجئ وفقه.
وكانت صحيفة واشنطن بوست، كشفت قبل نحو أسبوع أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، شجعت قادة أوكرانيا على التعبير عن انفتاح للتفاوض مع روسيا والتخلي عن رفضهم العلني للانخراط في محادثات السلام ما لم تتم إزالة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين من السلطة، وفقا لأشخاص مطلعين على المناقشات.
يُذكر أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أشاد الجمعة بـ”يوم تاريخي” وقال إن قوات عسكرية خاصة أصبحت داخل مدينة خيرسون في جنوب البلاد بعد إعلان روسيا انسحاب قواتها منها.
وكتب زيلينسكي على تلغرام “اليوم يوم تاريخي.. نحن نستعيد خيرسون”.
وأوضح “في الوقت الراهن، مدافعونا موجودون في ضواحي المدينة، لكن قوات عسكرية خاصة موجودة في المدينة”.
وأضاف “شعبنا لنا .. خيرسون لنا” إلى جانب رمز تعبيري لعلم أوكرانيا ومشاهد التقطها هواة من المدينة تظهر القوات الأوكرانية تتجمع مع سكان المدينة.
لكن موتازوف يصر على أن الانسحاب له أسباب تقنية أبرزها رؤية جديدة حملها قائد القوات الروسية الجديد الذي تم تعيينه.
وقبل نحو شهر، عين بوتين قائدا جديدا للقوات الروسية في أوكرانيا، وهو الجنرال سيرغي سوروفيكين.
“سوروفيكين رأى أن الخطة السابقة التي اعتمدها الجيش لم تجد نفعا لذلك أخذ جملة من القرارات ومن بينها قرار الانسحاب هذا” يُصر موتازوف.
الرجل أضاف قائلا “أنا أعرف شخصية سوروفيكين.. لا يمكن أن يقبل بالاستسلام” ثم تابع “تعيينه جاء لمتابعة الحرب حتى تحقيق كل الأهداف، وهو رأى ضرورة الانسحاب لتحقيق تلك الأهداف”.
هل تغيرت استراتيجية روسيا؟
“لا يمكن أن يتيغر شيء” أو هكذا يرى موتازوف، الذي وإن اعترف بتغير بعض التكتيكات خلال تسعة أشهر من بداية الحرب، رفض الحديث عن تغير الاستراتيجية التي رسمها بوتين بدايةً، في 24 فبراير الماضي.
إلى ذلك، لم ينكر موتازوف أن أهم الأهداف التي سطرها الكرملين من خلال غزو أوكرانيا لم تتحقق وخص بالذكر تغيير النظرة العامة لروسيا في الداخل الأوكراني، باستمالة الناطقين بالروسية ونزع سلاح كييف.
وقال في الصدد: “زاد إحساس الكراهية بفعل البروباغندا الغربية والأوكرانية، وتضاعف تسليح أوكرانيا بفعل العتاد الذي يوفره لها الغرب” ثم استدرك قائلا: “لذلك الحرب مستمرة”.
المصدر: الحرة. نت