بعد قطيعة استمرت سنوات.. لماذا زار وفد “العدالة والتنمية” حزبا مواليا للأكراد؟

إبراهيم العلبي

لم يكد يعلن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم إجراء زيارة لحزب الشعوب الديمقراطي ذي الخلفية الكردية، الذي تربط الحكومة بينه وبين ما تصفه بـ”الإرهاب”، حتى انهالت التوقعات بتصدع التحالف الذي يجمع الحزب الحاكم بشريكه حزب الحركة القومية.

وبرزت تكهنات، على إثر الزيارة تتحدث عن تغيير محتمل في خريطة التحالفات قبيل الانتخابات، مما قد يؤدي لعودة القضية الكردية إلى الأجندة الداخلية، في حين استذكر مغردون مواقف الرئيس رجب طيب أردوغان من قادة حزب الشعوب، وهي مواقف يعتقد خبراء ومحللون أنها لم تتغير بشكل فعلي، وإن كانت الزيارة تحمل في ثناياها -من وجهة نظرهم- “رسائل سياسية”.

وأجرى وفد من “العدالة والتنمية” برئاسة وزير العدل بكر بوزداغ، الاثنين الماضي، زيارة إلى مقر “الشعوب الديمقراطي”، ضمن سلسلة زيارات أجراها الوفد إلى مقار الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي، بهدف مناقشة مقترح التعديل الدستوري الذي يقوم الحزب الحاكم بإعداده لـ”حماية الأسرة وضمان حرية ارتداء الحجاب”.

ويتطلب تعديل الدستور التركي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أو إجراء استفتاء شعبي بعد موافقة 60% من الأعضاء على ذلك.

مفاجأة سياسية

ورغم أنه من المألوف في العرف السياسي التركي أن يقوم الحزب الحاكم بإجراء مشاورات سياسية مع الأحزاب المعارضة في أحوال مثل اقتراح تعديلات على الدستور، إلا أن التواصل بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي بعد قطيعة استمرت سنوات، فجر مفاجأة في الوسط السياسي، في حين توقع مراقبون أن يؤدي هذا التواصل إلى ردة فعل سلبية من حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية.

وغذت هذه التوقعات تصريحات لبولنت توران نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية ذكر فيها أن “كل الأعمال المهمة التي تتعلق بتحالف الجمهور نجريها معا، لكن هذه الزيارة تقع تحت إدارة الحزب”، ما قد يفهم بأن رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي لم يكن على علم بالزيارة.

غير أن بهتشلي -وعلى عكس التوقعات- اعتبر في تصريحات لاحقة أن “الزيارة خطوة طبيعية وصحيحة إلى أقصى درجة”، مؤكدا في الوقت نفسه عدم تغيير موقف حزبه من حزب الشعوب، وقال “حزب الشعوب الديمقراطي يمثل حزب الشعب الجمهوري في نظرنا”.

تصريحات أثارت ردود فعل عديدة في أوساط المعارضة، لعل أبرزها ما عبر عنه أحمد داود أوغلو رئيس حزب “المستقبل” (أحد أحزاب الطاولة السداسية المعارضة)، حيث رأى أن الزيارة وموقف بهتشلي منها “ليست إلا نفاقا وسياسة ذات وجهين”.

واعترض مغردون عبر تويتر على موقف الزعيم القومي، وقارنوا بين مواقفه السابقة من مجرد التواصل مع حزب الشعوب والتي اعتبر أنها تواصل مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا، وبين موقفه الجديد. في حين رد آخرون بأن الزيارة شملت جميع الأحزاب ولهدف وحيد هو مناقشة التعديل الدستوري.

لا تحالف

وفي حين وضع العديد من المعارضين الزيارة في خانة التحركات المرتبطة بالانتخابات، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج أن الخطوة التي قام بها حزب العدالة والتنمية هي “زيارة سياقية لا يفهم منها السعي لتحالف انتخابي”.

وقال الحاج -للجزيرة نت- إن زيارات حزب العدالة والتنمية جاءت لحشد الدعم والتأييد للتعديل الدستوري، خاصة أن حزب الشعوب الديمقراطي كان قد أبدى موافقة ضمنية على هذا الأمر.

وبما أنه لم تصدر تصريحات عن مسؤولي “العدالة والتنمية” تفيد بتغير موقفه من حزب الشعوب، فإن المحلل السياسي لا يعتقد بأن هناك “تغييرا جذريا”. كما لفت إلى أن اقتراب الانتخابات المقبلة في يونيو/حزيران “لا تحتمل قفزة كبيرة أو تغيرا جذريا في موقف العدالة والتنمية بالذهاب إلى تحالف انتخابي مع الشعوب”.

ورغم ذلك، فإن الزيارة التي أثارت الجدل تحمل في ثناياها “رسالة ضمنية”، ليس لحزب الشعوب بل للقاعدة التصويتية له، أي الأكراد تحديدا، بحسب الحاج. وتابع أن الزيارة تهدف إلى كسب موقف الشعوب الديمقراطية في دعم مقترح تعديل الدستور المتعلق بالحجاب وحماية الأسرة.

بيضة القبان

واستبعد الكاتب والخبير بالشأن التركي محمود عثمان أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحالف سياسي أو انتخابي، إلا أنها “تحمل رسالة”، على حد قوله. وذكّر عثمان في حديثه مع الجزيرة نت، بأن حزب العدالة والتنمية حظي -منذ تأسيسه- بتأييد الشارع الكردي “الذي لا يرضى حاليا عن تحالفه مع حزب الحركة القومية”، مؤكدا أن زيارة وفد من العدالة لحزب كردي بمثابة إعلان أنه ليس ضد الأكراد وليس متطرفا قوميا.

لكن عثمان لا يستبعد إمكانية “التعاون السياسي” خاصة في مرحلة لاحقة من الانتخابات الرئاسية، مرجحا -في الوقت نفسه- أن تلجأ الطاولة السداسية إلى خيار تقديم عدة مرشحين للوصول إلى الجولة الثانية في الانتخابات، وأن حزب الشعوب الديمقراطي سيلعب حينها دور بيضة القبان، باعتباره أقرب إلى تحالف المعارضة.

 

المصدر: الجزيرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى