خاض عضو الكنيست المتطرف بن غفير حملته الانتخابية على وعد بتخفيف القواعد التي تحكم استخدام الذخيرة الحية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقال: “لقد حان الوقت لفك القيود عن أيدي جنودنا وضباط شرطتنا”. ومن المرجح أيضا أن يدفع باتجاه إلغاء القيود القليلة المفروضة على بناء المستوطنات في الضفة الغربية، التي كانت قد وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها في المحادثات مع إدارة بايدن. وبن غفير ومعظم أعضاء حزبه الآخرين هم أنفسهم من سكان في مختلف المستوطنات في الضفة الغربية.
* *
القدس- يستعد زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لعودة مذهلة إلى سدة السلطة بعد ما يزيد قليلاً على عام على الإطاحة به كرئيس للوزراء، على رأس ما يرجح أن يكون ائتلافا حاكما من أقصى اليمين ربما يكون الأكثر تطرفًا في تاريخ البلاد.
مع فرز ما يقرب من 90 في المائة من الأصوات بعد الانتخابات التي أجريت يوم الثلاثاء -وهي الخامسة في البلاد في أقل من أربع سنوات- كان حزب الليكود، بزعامة نتنياهو، وحلفاؤه اليهود الأرثوذكس المتطرفون والقوميون المتطرفون يتقدمون على مجموعة من الفصائل الوسطية واليسارية والعربية.
وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع صدور النتائج النهائية إلا في وقت لاحق من الأسبوع، إلا أن المحللين بدأوا يناقشون مسبقًا وبحماس مجموعة المتغيرات التي أدت إلى فوز نتنياهو، بما في ذلك نجاحه في إقناع قاعدة ناخبي الليكود التقليدية بالتصويت بطريق غير متوقعة؛ التماسك النسبي للتحالف المؤيد لنتنياهو، الذي اندمج في أربعة أحزاب فقط؛ وانقسام الكتلة المناهضة لنتنياهو، التي كانت تدير ما لا يقل عن ثمانية أحزاب.
وقد فشل اثنان من هذه الأحزاب -حزب “البلد” القومي الفلسطيني وحزب “ميرتس” اليساري الإسرائيلي- في تجاوز العتبة الانتخابية البالغة 3.25 في المائة اللازمة لدخول البرلمان، وفقًا للنتائج المبكرة، بحيث يتأكد بالتالي ضمان فوز نتنياهو. “إنه غباء. الفرق (بين المعسكرين) هو 3.700 صوت. خسر ’ائتلاف التغيير‘ (المناهض لنتنياهو) لأنه لم يتوحد”، قال كميل فوكس، الخبير الإسرائيلي البارز في استطلاعات الرأي، لصحيفة هآرتس يوم الأربعاء. (ارتفع هذا الرقم إلى 8.000 صوت، وهو ما يظل يشكل رقمًا متواضعًا في وقت لاحق).
سيكون الطريق الأوضح، وربما الوحيد، لنتنياهو حتى يتمكن من تشكيل حكومة هو مع من أسماهم “الشركاء الطبيعيين” له، بما في ذلك كتلة “الصهيونية الدينية” المتطرفة، التي ارتفعت أسهمها لتصبح ثالث أكبر حزب في البرلمان.
و”الصهيونية الدينية” هي تحالف من ثلاثة فصائل يمينية متطرفة، تمثل المستوطنين المتشددين؛ والقوميين المتطرفين؛ والناشطين الدينيين المناهضين للمثليين. وأبرز قادتها، إيتمار بن غفير، وهو تلميذ المنظر المعادي للعرب مئير كاهانا. وكان بن غفير قد أدين في الماضي بالتحريض على العنصرية. وقد عرض لسنوات وبفخر صورة على جدار غرفة معيشته لإرهابي يهودي سيئ السمعة مسؤول عن مذبحة العام 1994 التي راح ضحيتها 29 فلسطينيا في الضفة الغربية.
ومن المرجح أن يضم ائتلاف نتنياهو، الذي سيضم أيضا حزبين أرثوذكسيين متشددين، 10 نساء برلمانيات فقط (مقارنة بـ30 في الائتلاف الأخير)، وربما وزيرة واحدة فقط في الحكومة بعد شبه التكافؤ بين الجنسين في الحكومة المنتهية ولايتها.
وقال محللون إن السياسات الإسرائيلية يمكن أن تتغير بشكل كبير إذا تم تفعيل حتى ولو جزء بسيط من الوعود التي قطعها السياسيون المتشددون من اليمين المتطرف خلال الحملة الانتخابية. ويشمل ذلك إجراء إعادة تشكيل الجهاز القضائ وسيادة القانون في البلاد، فضلاً عن اتخاذ موقف عسكري أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية.و حتى علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة يمكن أن تتأثر.
في الحقيقة، لم تستهلك أي قضية اليمين الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة أكثر من أجندة طموحة من “الإصلاحات القانونية”، كما أسماها السياسيون. وهي تشمل اتخاذ خطوات سيكون من شأنها أن تقوض استقلال المحكمة العليا والمدعي العام، مما يجعل كليهما أكثر اعتمادًا على الحكومة ورهنًا لها.
وينبع الكثير من الغضب الموجه إلى هذه المؤسسات من المحاكمة المستمرة التي يواجهها نتنياهو بتهم الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة، والتي وصفها في الماضي بأنها “مطاردة ساحرات” تديرها “مؤامرة واسعة النطاق من الدولة العميقة”. كما طالب القوميون المتطرفون منذ فترة طويلة بالحصول على يد أكثر حرية في التعامل مع مجموعة من القضايا -مثل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وترحيل المهاجرين الأفارقة، والحد من حقوق الأقليات- من دون تدخل المحاكم ومسؤولي العدالة. ولن يكون من قبيل المصادفة أن مثل هذه “الإصلاحات” يمكن أن توقف أيضا محاكمة نتنياهو تماما، وفقا لمحللين قانونيين.
“قد تكون هذه نقطة تحول من حيث أخذ الأحقاد إلى النظام الديمقراطي الإسرائيلي”، تقول داليا شيندلين، وهي خبيرة استراتيجية سياسية وزميلة في مركز أبحاث مؤسسة القرن”. إنه إصرار شمولي أولي تقريبًا على أن القضاء هو عدو الشعب، وإنه باسم ‘الحكم الفعال’، يجب إزالة هذه الضوابط والتوازنات”.
وتضيف شندلين أن هذه المقترحات السياسية تسير جنبًا إلى جنب مع مبدأ “التفوق اليهودي” الذي يدعو إليه بن غفير وآخرون، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وداخل إسرائيل. (يشكل العرب الإسرائيليون خمس مواطني البلاد). وكان نتنياهو قد وصف مرارًا الحكومة المنتهية ولايتها، التي ضمت للمرة الأولى في التاريخ الإسرائيلي حزبًا عربيًا إسرائيليا إلى ائتلافها، بأنها مدينة بالفضل لـ”مؤيدي الإرهاب” و”الإخوان المسلمين”.
ويمكن تفسير شعبية بن غفير المتزايدة، في جزء منها، على أنها رد فعل عنيف على ضم حزب عربي إلى الائتلاف المنتهية ولايته. وغالبًا ما يركز خطابه على التهديد الأمني المزعوم الذي يشكله العرب الإسرائيليون، لكنه يمكن أيضا أن يكون خطابًا متأصلًا في الشوفينية بوضوح. وقد صاح بن غفير في خطاب النصر الذي ألقاه أمام أنصاره في وقت مبكر من صباح الأربعاء بالقول: “لقد حان الوقت لأن نعود إلى أن نكون سادة البيت على بلدنا”.
ووفقا لعاموس هرئيل، المحلل العسكري المخضرم في صحيفة “هآرتس”، فإن “الرسالة العنصرية التي روج لها اليمين والتي أوصلته إلى السلطة… ستأتي بنتائج عكسية وقد تمتد إلى الشوارع -خاصة الآن بعد أن أصبح بن غفير (والصهيونية الدينية) جزءا من الحكومة”.
لكن هرئيل ومحللين آخرين يتوقعون بعض الاستمرارية في السياسة الأمنية التي تأتي من نتنياهو. وقال هرئيل: “لن يكون الأمر مختلفًا 180 درجة… لقد أظهر نتنياهو في الماضي أنه حريص للغاية عندما يتعلق الأمر يتعلق باستخدام القوة”.
وشدد على أن شركاء نتنياهو القوميين المتطرفين يمكنهم أخذ السياسة الإسرائيلية إلى التطرف فيما يتعلق بالأماكن المقدسة الحساسة في القدس، والتصعيد المستمر للعنف المستمر منذ 8 أشهر في الضفة الغربية، وحتى “أخلاقيات القتال في الحرب” للجيش الإسرائيلي.
خاض بن غفير حملته الانتخابية على وعد بتخفيف القواعد التي تحكم استخدام الذخيرة الحية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقال يوم الأربعاء: “لقد حان الوقت لفك القيود عن أيدي جنودنا وضباط شرطتنا”. ومن المرجح أيضا أن يدفع باتجاه إلغاء القيود القليلة المفروضة على بناء المستوطنات في الضفة الغربية، التي كانت قد وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها في المحادثات مع إدارة بايدن. وبن غفير ومعظم أعضاء حزبه الآخرين هم أنفسهم من سكان مستوطنات مختلفة في الضفة الغربية.
لم يقم القادة في جميع أنحاء العالم بعد بتقييم التطورات السياسية في إسرائيل، مفضلين انتظار النتائج النهائية للانتخابات وتشكيل حكومة جديدة. ويبقى أن نرى ما إذا كان أي ميل نحو اليمين يمكن أن يؤثر على مكانة إسرائيل الدولية، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
وقبل الانتخابات، أعرب عضوان ديمقراطيان بارزان على الأقل في الكونغرس الأميركي معروفان بأنهما حليفان لإسرائيل عن قلقهما إزاء احتمال تشكيل حكومة تضم بن غفير. كما فعلت العديد من الجماعات اليهودية الأميركية أيضًا.
وغرد توماس نيديس، السفير الأميركي لدى إسرائيل، يوم الأربعاء، أنه يتطلع إلى “مواصلة العمل مع الحكومة الإسرائيلية بشأن مصالحنا وقيمنا المشتركة”. وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد نقل الرسالة نفسها في الأسبوع السابق -قبل الانتخابات الإسرائيلية، وبأقل قدر من العلنية- عندما زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ واشنطن في ذلك الوقت.
يمكن أن تظل علاقات إسرائيل المتنامية مع العديد من الدول العربية كما هي من غير تأثير. وكما قال وزير بحريني كبير لإذاعة الجيش الإسرائيلي عشية الانتخابات، عندما سئل عن إمكانية تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة: “إننا نبقي أعيننا على الصورة الأكبر. لقد استغرق الأمر منا أكثر من 70 عامًا للوصول إلى ما نحن عليه اليوم. ولا أعتقد أن تغييرًا (في الحكومة) سوف يجردنا مما استثمرناه في العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية”.
لكن شيندلين تجادل بأنه إذا سارت إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو الجديدة على طريق الدول الشعبوية القومية الأخرى -مثل المجر وبولندا وتركيا والهند- فقد تبدأ الحكومات الغربية في التعامل معها بشكل مختلف، على الأقل من الناحية الخطابية.
وتضيف: “كان من المسلم به أن إسرائيل تعد جزءا من عائلة الديمقراطيات الليبرالية الغربية، مع إخفاقات صغيرة فيما يتعلق باحتلال” الأراضي الفلسطينية. “الآن، قد تصبح الأمور أكثر وضوحًا”.
*نيري زيلبر Neri Zilber: صحفي يغطي سياسات الشرق الأوسط وزميل مساعد في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”. وهو مؤلف مشارك لكتاب “دولة بلا جيش، جيش بلا دولة: تطور قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، 1994-2018” State with No Army, Army with No State: Evolution of the Palestinian Authority Security Forces, 1994-2018.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Far-Right Party Will Push Anti-Arab Agenda in New Israeli Government
المصدر: الغد الأردنية/(نيولاينز)