قراءة في رواية: المحافظة التاسعة عشر – خلف الأكياس الترابية

أحمد العربي

عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول صدرت رواية المحافظة التاسعة عشر…

 للكاتبة الكويتية ورود مثال، هذا أول عمل روائي أقرؤه لها.

المحافظة التاسعة عشر – خلف أكياس الرمل رواية تعتمد في لغة السرد على لسان الراوية، كما أنها تخوض في موضوع جزء منه يعود لوقائع حدثت فعلا مثل الاحتلال العراقي للكويت في عام ١٩٩٠م. ووقائع أخرى تخترعها الكاتبة لتاريخ وأحداث تنتمي لابداعها الروائي.

 من هنا نجد أنفسنا منغمسين في أحداث لم تحصل، ويزيد من غرابة الأمر أن الزمن الروائي يبدأ في عام ٢٠٢٢م، زمن نشر الرواية وينتهي في عام ٢٠٢٥م ، وهذا يعني أن أحداث الرواية تحصل في المستقبل.

مع ذلك يحق للروائي أن يكتب ما يراه والنقاد لهم آراؤهم.

تبدأ الرواية في العام ٢٠٢٢م في منزل كبير العائلة جاسر في الكويت – المحافظة التاسعة عشر من العراق  حيث تلتئم العائلة كلها في صباح الجمعة في طقس جماعي يتوّج بالذهاب إلى صلاة الجمعة. العائلة مكونة من الأب جاسر والام سارة والأولاد علي وصلاح ومحمد و… وزوجات البعض واحفادهم، اضافة للابن فراس المسجّى في حالة موت سريري غائب عن الوعي يعيش على السوائل واهتمام امه المطلق، الذي زاد زمنه على ثلاث عقود، أي منذ احتلال العراق للكويت . الحاكم في زمن الرواية هو عدي صدام حسين الذي استلم الحكم بعد وفاة والده صدام حسين. ومازالت الكويت تحت حكم العراق و بصمت دولي واستسلام شعبي كويتي وان كان على مضض، و جمر تحت الرماد.

 لم يقبل الكويتيين باحتلال بلادهم من قبل العراق، ولم تغرهم ادعاءات العروبة والقومية التي ادعاها العراقيون، فقد كانوا ضحية ظلم نظام مستبد يظلم العراقيين أنفسهم. ولم يشاهدوا منه غير ذلك. لقد واجهوا المحتل العراقي عبر المقاومة ومنذ بداية الاحتلال لكنهم لم ينجحوا، استشهد من استشهد وخنع الجميع لواقع الاستبداد والقمع، مجبورين على ذلك. كان فراس ابن جاسر أحد المقاومين حيث أصيب وقتها وبقي فاقدا للوعي وتحت رعاية والدته والكل يائس من عودته للحياة.

أحد الاحفاد كان يلعب في غرفة عمه المسجى على سريره، حصل على شريط تسجيل، وضعه في مسجلة قديمة عند العائلة لتصدح اغاني ثورية كويتية من مرحلة المقاومة، ويسارع الجميع لإسكات المسجلة قبل ان يصل الصوت الى المخبرين الكثر وتحضر الجهات الأمنية العراقية ويبدأ التنكيل…

حصلت المعجزة ، استيقظ فراس المقاوم من سباته وانقلبت حياتهم رأسا على عقب.

لم يكن كل أهل البيت على رأي واحد تجاه العراق، فالأب جاسر وابنه صلاح وعلي كانوا يرونه محتلا ولم يقبلوا بالأمر الواقع، وعاشوا في الدولة بدون اي حقوق مواطنة فهم لم يثبتوا ولاءهم للعراق ولم يسجلوا أنفسهم في سجلاته. في داخل البيت كان هناك اراء اخرى يمثلها ابنهم محمد الذي يريد ان يكمل دراسته وينطلق لمستقبل أفضل في العراق الكبير، كان يرى عدم تكيف أهله مع واقع الحكم العراقي سوء تصرف جعلهم فقراء وعالة على معونات الغير من خارج البلاد ولا افق حياتي مستقبلي لهم. كذلك كان هذا هو واقع الكويتيين الآخرين بين رافض للحكم العراقي وبين متكيّف معه يبحث عن مصالحه من خلاله، كما حال بعض جيران العائلة.

 كان على رأس الجهات الامنية العراقية الضابط  عصام ، عصام ابن الكويت، الذي كان أحد قيادات المقاومة الكويتية سابقا، الذي خضع لتعذيب شديد وغسل دماغ وإغراءات كثيرة سقط اخيرا تحت تأثيرهم واستجاب لمصلحته الخاصة بحيث أصبح ضابطا في الأمن العراقي، تزوج من سعاد ابنة الحي التي كانت قد شاركت في المقاومة، أخرجها من السجن و تزوجها رغما عنها. حضر الى بيت جاسر وتساءل عن مصدر الاناشيد الثورية، اخفى اهل البيت الشريط وأنكروا أن يكون مصدر الصوت من بيتهم، وعلم أن فارس قد شفي من ثباته، تذكر أيام المقاومة، تتصارع داخل نفسه، مصالحه الآنية ومنافعه، في مواجهة انتمائه الوطني وتنتصر دوما مصالحه وانانيته ولو على حساب الشعب الكويتي.

تعب المحيطين مع فارس حتى اخبروه بمجمل ما حدث منذ اصابته حتى استيقاظه ، لقد استكان الناس، استشهد الكثير من المقاومين، واعتقل البعض ومازالوا معتقلا منذ عقود، واكثر فعل مقاوم عند الناس هو نضالهم السلبي بعدم التحاقهم بمؤسسات الدولة بحيث أصبحوا “بدون” كما هو واقع بعض اهل الكويت قبل الاحتلال، في اشارة لمظلومية اجتماعية كانت سائدة وما زالت مستمرة. واقع الكويت السابق الذي يرجعه فارس وأمثاله المقاومين إلى النظام الوراثي في الحكم وعدم الاحتكام للدستور وعدم تحقيق الملكية الدستورية ، وعدم تطبيق النظام الديمقراطي بكل قواعده في الكويت قبل الاحتلال العراقي.

مع ذلك كان لعودة فارس من ثباته ادت الى العودة الى ضرورة المقاومة مجددا. وهكذا تم تجميع المقاومين القدامى مع كثير من جيل الشباب الجدد التواقين للتحرر من ظلم النظام العراقي وبدأوا يفكرون بعمل مقاوم يحرر الكويت من حكم و ظلم النظام العراقي. بدؤوا بالتخطيط للقيام بعمل عبوات ناسفة يضعونها في اماكن تواجد الرئيس العراقي عدي صدام حسين في ثلاث اماكن محتمل ان يتواجد فيها في ذكرى احتلال الكويت عام ٢٠٢٥م حيث سيحضر الاحتفال في المناسبة. وزعوا المهام ومناطق التفجير والمسؤولين عن ذلك وتجهزوا للتنفيذ. احس الضابط عصام بأن هناك امرا ما يعده فراس واهله ومن حولهم، لم يستطع معرفته عبر مخبرية ولا بالتحقيق مع البعض. قرر ان يحتجز الأب و أحد الاحفاد بجوار الرئيس العراقي قصي وأخوه عدي، وكادت تفشل الخطة لولا أن تم احتجاز زوجة عصام بالاتفاق معها ليفرج عن الأب والحفيد ويذهبون الى منزلهم ، حفاظا على حياتهم من التفجير القادم. وليتم بعدها تفجير الاستاد الرياضي حيث كان المسؤولين العراقيين يتابعون لعبة كرة القدم. تدمر الاستاد وقتل أغلب من فيه، ماذا عن حياة هدر ارواح الناس الابرياء في الملعب ؟! . نجى فراس وصلاح من المقاومين المنفذين وقتل أغلب المسؤولين ودبت الفوضى بالمكان. كما نجا الضابط عصام الذي اعتقل صلاح وفراس واستجوبهما حول ما حصل، في الوقت الذي بدأ التذمر والحراك الثوري ضد نظام عدي واخيه في العراق والكويت، لكن عصام استمر في تحقيقه معهم رغم انهم اغروه بغفران اخطائه ومحاكمته محاكمة عادلة ان هو أفرج عنهم. خاصة وأن الحراك الثائر بدأ خارج المعتقل، لكنه كان يتحرك بوحي المصلحة الشخصية والانتقام من زوجته سهام التي خانته وعادت الى حبيبها عمر، رغم انها ماتت مع عمر أيضا في التفجير. لذلك  قتل الضابط  عصام صلاح اخو فراس وابن جاسر، كان هذا الفعل انتقامه الأخير قبل ان يحاول الهروب من السجن، ولكن تم القبض عليه من الثائرين واعدم مع أمثاله من الظالمين والخونة، مع ظهور احتمال سقوط نظام عدي وقصي اولاد صدام حسين وتحرير الكويت.

تنتهي الرواية عندما توضح الكاتبة ورود مثال ان روايتها مهداة الى روح أخيها صلاح جاسر المطيري الذي استشهد مقاوما الاحتلال العراقي للكويت.

في التعليق على الرواية اقول.

  • كما أغلب الروايات التي تدونها

النساء، الجانب النسوي حاضر في الرواية بقوة. فهي الأم التي رعت المقاوم لثلاثين عاما دون كلل وملل بجهاد وامل كبيرين حتى عاد للحياة وقام بدور بطولي. وكذلك زوجة الابن التي ربّت اخو زوجها وكأنه ابنها، وحافظت عليه بكل كيانها. الحبيبة التي لم تخن حبها وخدمت الناس وساعدت في تنفيذ العمل المقاوم…الخ.

  • توقفت كثيرا عند الخلط بين حدث

حصل فعلا في الواقع وهو احتلال العراق للكويت ضمن حيثيات تاريخية مدونة ومعروفة عند الجميع. لم تتحدث عنها الكاتبة ابدا. والتي يعني مختصرها أن الحكم الكويتي لم يكن بريء من جريمة احتلال الكويت من نظام صدام حسين المستبد الظالم. فقد كان السبب المباشر للاحتلال ان الدول الخليجية وبتوجيه أمريكي قد دعمت صدام حسين بالمال والسلاح طوال سنوات الحرب العراقية الايرانية. وعندما توقفت الحرب طالبوه بالأموال بكونها ديون يجب تسديدها، كان ذلك جواب الكويتيين لطلب صدام المال منهم وردهم ذاك عليه مع بعض الاهانات التي أثّرت في صدام المسكون بجنون العظمة وقام باحتلال الكويت كأسوأ عمل جنوني قام به في حياته. لكن ماذا فعل الحكام الكويتيين؟!. طلبوا النجدة من أمريكا والغرب وحصل التحالف الدولي وتجمعت دول الأرض وقاتلت الجيش العراقي الذي وقع ضحية قائد ظالم أخرق وغرب لم يتورع عن قتل مئات الآلاف من الجنود العراقيين سواء داخل الكويت او عند انسحابهم مهزومين، والتآمر الامريكي مع ايران والاحزاب الشيعية التابعة لها ليقوموا بحركة ضد الحكم العراقي في جنوب العراق جابهها صدام في دموية، حيث أدت هذه الحرب المجنونة الى موت ما يزيد عن مليون عراقي في كارثة انسانية تمثل عار على صدام حسين والتحالف الدولي وكل من والاهم.

  • أما الحدث التاريخي الذي ابتدعته

الكاتبة وان الاحتلال استمر لثلاثة عقود وأن المقاومة الكويتية وجدت واستمرت وحررت، هي برأيي ليست فقط وفاء لأخيها الشهيد في تحرير الكويت بل هي تغطية لواقع تاريخي مؤلم وتعويض عن تأنيب ضمير مما حصل. نعم أنما أصاب الشعبين الكويتي والعراقي كان سببه ظلم نظام صدام حسين والتحالف الدولي الذي استباح أرواح الكويتيين والعراقيين ليحقق مصالح أمريكا والغرب. حيث أعادت حكم الكويت بكل عيوبه التي أشارت إليه الكاتبة، رغم أننا كعرب نعترف ان الكويت ومنذ عقود كان الأقرب للممارسة الديمقراطية عبر المجلس النيابي وكان منارة للعرب في التنوير والنشر الفكري. كما تابعت امريكا و الغرب صراعهم مع صدام حسين واسقطوا حكمه واعدموه، واحتلوا العراق وخرجوا منه بعد ذلك، ليستمروا بالسيطرة عليه بتناغم بين الامريكان والايرانيين والميليشيات الطائفية التابعة لإيران والتي قسمت العراق وحولته إلى مسرح صراع طائفي اثني:  شيعي داعشي كردي…

  • وايضا ليس من الصحيح النكأ بجراح

الماضي والمقصود هنا الاحتلال العراقي للكويت ومن ثم تحريرها وما صاحبه من مصائب على العراقيين والكويتيين. بل نحن بأمس الحاجة للانتصار لقيم الإخاء والتصالح الشعبي العربي والنضال لاسقاط الاستبداد وتحقيق الحياة الحرة الكريمة وان تكون العدالة والمشاركة السياسية والديمقراطية قاعدة الحكم تحمي البلاد والعباد.

  • اخيرا ليس سهلا ان لا نسترجع وجعنا

نحن السوريين من الاستبداد الظالم الوحشي الذي قتل الشعب الذي ثار في رببع ٢٠١١م، وان نظام صدام حسين العراقي والنظام السوري الظالم يستمدوا مرجعيتهم من نفس المشرب الاستبدادي الذي عاد على العراقيين والسوريين بالقتل والتشريد والخراب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى