لماذا يصدق الناس نظريات المؤامرة عن الوباء

ديفيد فون دريلي*    ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إذا كان ثمة شخص يجب أن يكون لديه كاشف الأخبار الكاذبة الجديد “بي. أس. ديتكتور”، ربما يفكر المرء في آرثر كونان دويل. ولعل إبداعه الذي لا يموت، شيرلوك هولمز، هو العقلاني الأكثر إقناعاً على الإطلاق. قد يقع الآخرون فريسة للارتباك أو المصادفة أو التحيز أو التفكير المتمني. ولكن، ليس هولمز. يرى المحقق العظيم كل ما هو ذو صلة، ويتجاهل كل شيء فائض ويتبع الحقائق باتباع خريطة المنطق البارد.

ومع ذلك، قبل 100 عام، عندما كانت شهرة السير آرثر في حالة طوفان كامل في جميع أنحاء العالم الناطق باللغة الإنجليزية، أسرته بالكامل تلميذتا مدرسة في يوركشاير زعمتا أنهما التقطا صوراً للجنيات والعفاريت.

حتى العقلاني يمكن قيادته أو إغرائه أو خداعه لتصديق ما لا يصدق. والتعليم لا يشكل دفاعاً. مثل والده الشهير، امتلك روبرت ف.كينيدي الابن نسباً لهارفارد وشهادة في القانون من جامعة فيرجينيا، مع فترة في مدرسة لندن للاقتصاد بينهما. لكن أياً من ذلك لم يكن نداً للشد المغناطيسي الذي يصنعه الوهم المضاد للقاح.

هل نحن سُذج سهلوا الانخداع بطبيعتنا؟ يقول البحث، كلا: معظم البالغين لديهم آليات تعمل بشكل جيد للكشف عن الهراء، لكن ثمة خللاً برمجياً في هذا الجهاز. في مواجهة فكرة جديدة أو ظروف جديدة، عادة ما ننجذب إلى المعلومات التي تناسب معتقداتنا الموجودة سلفاً. وكما طرح شيرلوك هولمز المشكلة، فإنه “بطريقة غير معقولة يشرع المرء في تحريف الحقائق لتناسب النظريات، بدلاً من جعل النظريات تناسب الحقائق”. ولطالما استغل هذا الخلل البرمجي أشخاصٌ يبحثون عن المال أو السلطة -أو كليهما. ولكن، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، يجد دعائيو العالم، وفنانو الاحتيال والمفسدون بحثهم عن المغفلين أسهل من أي وقت مضى.

شاهد التمرين الوضيع المعروف باسم “#Plandemic”. هذا الفيديو المضحك هو عمل مخرج سينمائي انتهازي على الإنترنت والذي تتضمن مشاريعه مقطعًا عن اكتشاف ابنه البالغ من العمر 5 سنوات “الحقيقة” عن مرتكب الجرائم الجنسية الثري جيفري إبشتاين. في فيلمه الأخير، يقدم نظرية مؤامرة تقول إن أنتوني فوشي من المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، والملياردير بيل غيتس والعديد من العوامل الخبيثة الأخرى ينشرون فيروس كورونا جديد من صنع الإنسان لأنهم يستمتعون بجعل الناس مرضى، ويأملون في الاستفادة من لقاح نهائي. أو شيئاً من الهراء المماثل على هذا المنوال. وهناك المزيد: لقد تم إغلاق الشواطئ من أجل إبقاء الأميركيين بعيدين عن “الميكروبات” الموجودة في مياه البحر والتي تحمي من “كوفيد-19”.

لن أتجاهل هذا وأهز كتفيّ وأقول: حسناً، لن يصدق أحد ذلك. ليس عندما يؤمن مبدع شخصية شيرلوك هولمز بالجنيات والعفاريت. إن مؤامرة فيروسات كورونا هذه تظل أخباراً زائفة خفيفة مقارنةً بنظرية المؤامرة الكبرى للعام 2016، ذلك الهراء بدرجة الأسلحة المعروف باسم “بيتزاغيت” #Pizzagate. في تلك الدراما المثيرة الفيروسية، يُفترض أن شخصيات سياسية مهمة تدير حلقة اعتداء على الأطفال من الطابق السفلي لمطعم بيتزا، والذي، بالمناسبة، ليس له قبو.

يؤمن الناس بوجود مؤامرة في الوباء لأن ذلك يتناسب مع قناعات قائمة. يعتقد الكثير من الناس مسبقاً -وليس من دون سبب- أن شركات الأدوية تستفيد وتربح من المعاناة. وقد سمع الكثير من الناس أن المختبرات الحكومية تجري أبحاثاً على الأسلحة البيولوجية. وكل هذا صحيح. وقد نزفت الحكومة المصداقية في السنوات الأخيرة -حتى عندما يتعلق الأمر بالموظفين الحكوميين المخضرمين مثل فوشي. وكل هذه النوعية من العقليات هي ناقلات محتملة لفيلم نظرية المؤامرة عن الفيروس.

بعد أن تعلمت من “بتزاغيت” في العام 2016، عندما كان عمالقة الوسائط الرقمية نائمين بينما تنشر منصاتهم الجنون، قامت شركات “فيسبوك” و”يوتيوب” و”فيميو” بإغلاق الوصول إلى فيلم #Plandemic، وقامت بعد ذلك بتطهير مواقعها الإلكترونية من آثاره السامة. وبحلول الوقت الذي قاموا فيه بسحبه، كان أكثر من 8 ملايين شخص قد شاهدوا الفيديو أو شاركوه.

وهذا مقلق، لأنه يشير إلى أن عمالقة التكنولوجيا -على الرغم من كل خوارزمياتهم- غير فعالين عندما يتعلق الأمر بفلترة الأخبار الكاذبة من هواء الأمة. وبحلول الوقت الذي قلبوا فيه وجهة مفتاح القتل، كان الفيديو ومحتوياته قد دخلت الأثير منذ فترة طويلة، حيث استمر الانتشار من خلال النسخ والتلميحات حتى يمكن تمرير فيديو جديد من حراس البوابات.

إذا كانت أمثال “فيسبوك”، بمواردها الهائلة، لا تستطيع التعامل مع الهذر الذي يتكاثر من خلال وسائل التواصل الاجتماعية، فماذا تفعل أمة؟ يمكن أن تكون القوانين التي تقيد حرية التعبير منحدراً زلقاً؛ ولا أعتقد أننا يجب أن نسير في هذا الاتجاه. لكننا نحتاج بدلاً من ذلك جمهوراً أكثر قدرة على التمييز وأفضل اطلاعاً ليستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية. ويحتاج الأميركيون إلى فهم أنهم مستهدفون بنشاط من حملات التضليل التي يشنها أشخاص وقوى يعملون لتحقيق أجنداتهم الخاصة. يريد مؤسس التآمر، أليكس جونز، بيعهم مكملات غذائية باهظة الثمن. ويبيع مناهضو اللاحقات عليهم كتب وعقاقير المعجزات. ويدفع فلاديمير بوتين والمندريين في بكين نحو أفول الولايات المتحدة وموت التحالف الغربي.

البعض يريد أموالك. والبعض يريد عقلك. ولذلك تتطلب المواطنة في عصر الإنترنت التزامًا متزايدًا بالنظافة العقلية والشك. علينا أن نتعلم أن المعلومات التي تتناسب بدقة مع تصوراتنا المسبقة هي بالضبط المعلومات التي يجب أن نكون حذرين منها. وحتى في هذه الأوقات العصيبة، يجب علينا أن نستمع إلى الراحل كارل ساغان، الذي بشر بأن “المزاعم الاستثنائية” -مثل المؤامرات الكبرى والميكروبات العلاجية- “تتطلب دليلاً استثنائياً”.

*كاتب عمود يركز على الشؤون الوطنية والسياسة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why people believe in a ‘plandemic’

المصدر: (الواشنطن بوست) / الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى