قراءة في رواية: فتح الاندلس|| ورحلة الأميرة سارة من قرطبة إلى دمشق

أحمد العربي

بالتعاون بين دار كتاب سراي ودار افكار معاصرة للنشر صدرت رواية فتح الأندلس … للكاتب المتميز إبراهيم كوكي، الذي قرأت له سابقا روايته الاجندة و كتبت عنها.

تعتمد رواية فتح الأندلس السرد على لسان الراوي وفق زمن متتابع يلاحق الحدث الذي يوثق له، فتح الأندلس، حيث تعتمد الرواية على الخلط الناجح بين العام وهو توثيق مرحلة تاريخية تمتد لسنوات في أواخر القرن الهجري الأول حيث يتوسع الفتح الاسلامي الى كل العالم، بحيث أصبحت الخلافة الاموية في عصر عبد الملك بن مروان وأولاده بعده الوليد بن عبد الملك وأخوه سليمان… حكما لا تغيب عنه الشمس، حيث نرى وكأننا أمام كتاب يوثق مرحلة تاريخية لدخول الإسلام الى الأندلس في سنوات عدة ليستمر هناك لثمانية قرون.

 أما الجانب الآخر في الرواية هو الغوص عميقا في نفسيات الشخصيات الاساسية في الرواية من المسلمين الفاتحين او من حكّام الأندلس وعائلاتهم، بحيث نجد أنفسنا كقراء أمام رواية فيها الحب والحرب والصداقة والوفاء والإيمان والالتزام والجسارة والتواضع والصبر والحنكة والرسالية في أداء المسلمين الذين يفتحون الأندلس ويبنون دولتهم الإسلامية هناك.

تبدأ الرواية من لحظة تاريخية فارقة حيث استولى جيش المسلمين على طنجة عام ٩٤هجرية وحررها من حكم الأسبان الذين كانوا قد ارتدوا على فتح الأندلس الأول بقيادة عقبة بن نافع قبل عقدين من ذاك الزمن. كان طارق بن زياد قائد الجيش الفاتح وهو يتبع لقائد الحملة الاسلامية  في شمال إفريقيا موسى بن نصير. لقد ارتد البربر على الحكم الإسلامي الذي كان قد حصل زمن عقبة بن نافع وادى ذلك لعودة حكام الأندلس السابقين إلى حكمهم مما استدعى هذه الحملة الى شمال افريقيا ومنها الى الأندلس.

طارق بن زياد وقائده موسى بن نصير، يتبعون توجيهات الخليفة الأموي في دمشق الوليد بن عبد الملك.

فتحت طنجة وحاصر جيش طارق سبتة توطئة لفتحها. لكن حاكم سبته سياسي محنك كان قد عقد صلحا مع عقبة بن نافع قبل عقدين، وأراد أن يحصل ذلك مع طارق بن زياد وقائده موسى بن نصير. استشار موسى بن نصير الخليفة وكان الرأي ان يقبل الصلح ويخطط لطريقة يفتح بها سبتة وينطلق بعد ذلك عبر المضيق الفاصل بين شمال افريقيا والاندلس الذي سيسمى بعد ذلك مضيق جبل طارق نسبة لطارق بن زياد.

كانت بلاد الأندلس عبارة عن مملكة يحمها أمراء على مقاطعات ومدن كبيرة ومحصنة وشبه مستقلة، لم يكن امراء الحكم في تلك البلاد على قلب واحد، لكنهم متفقون فيما بينهم على تقاسم البلاد واستغلال ثرواتها، بلاد غنية وشعب مظلوم محكوم بطبقة من الإقطاعيين المالكين النبلاء المتميزين عن الناس عنصريا بدمهم الأزرق ، كما يدعون..؟!،  وهم الحكام أيضا، لدى كل امير حاكم منهم جيش كبير لحماية الحكم والمقاطعة وغزو الاخرين ان الزم. كما كان يتعاون مع الأمراء الحكام طبقة من رجال الدين المسيحيين الذين يتبادلون المصالح والدعم المتبادل مع الحكام. كانت طبقة الأمراء والكهنة تمثل الثراء الفاحش والسيطرة المطلقة على الناس سواء بقوة الأمراء وجيوشهم، أو التجييش العقائدي الديني عبر الكهنة.

كانت قد توافقت المقاطعات كلها على ان تجعل اكبر المقاطعات عاصمة لها، كانت طليطلة تلك المدينة، وكان أميرها يلقب ملكا وكانت زوجته الملكة، وكان من عادة الأمراء في المقاطعات إرسال ابنائهم وبناتهم إلى قصر الملك في طليطلة ينشئوا نشأة أميرية مميزة وليجدوا عبر تواصلهم مع اولاد الامراء الاخرين كل يجد المناسب له من امير واميرة ليحصل تزاوج بين طبقة الأمراء فيما بعد، وهكذا يستمر الحكم لهؤلاء الأمراء واولادهم بعدهم.

كان لدى أمير سبتة  فلورندا ابنته كبرت، بعث بها الى  طليطلة تنشأ بين الأمراء وتجد لها الزوج المناسب وتتزوج به بعد ذلك.

تميز ملك طليطلة وقتها بالعدل بحيث حاصر طبقة الحكم والكهنوت وأضر بمنافعهم الكبيرة، فبدؤوا يعملون على التخلص منه، عبر البحث عن أمير يلتفوا حوله ليتخلصوا من الملك. وتواجد في ذلك الوقت رودريك قائدا عسكريا طموحا لكنه ليس من طبقة الأمراء النبلاء، وغير مؤهل ليكون حاكما او ملكا. لكنه ركب طموحه وعمل ليستولي على الحكم وبالقوة، لم يستطع أن يقنع الكهنة الذين لا يقبلون بحاكم من غير طبقة الأمراء النبلاء، رغم عدم محبتهم للملك، ومع ذلك استمر يجمع حوله الجنود بحيث صار هو القوة الاقوى في طليطلة.

رودريك هذا كان قد شاهد فلورندا ابنة جوليان امير سبتة اكثر من مرة واعجب بها، ولأنه واثق من قدرته وانه يحصل على ما يريد. فقد راقب فلورندا ودخل غرفتها الخاصة في القصر الملكي واغتصبها. ادى هذا الى  تغير جذري في حال فلورندا ووالدها الأمير جوليان بعد ذلك حين علم بما حصل مع ابنته.

استمر رودريك في عمله ليستولي على حكم طليطلة بالقوة خاصة بعدما مرض ملكها وأصبح على فراش الموت، وهكذا استولى رودريك على الحكم بعد قتل الملك، أما فلورندا فقد أخبرت والدها ما حصل معها وجاء الى طليطلة واستطاع إخراجها من هناك بحيلة على رودريك الذي احب فلورندا ووعدها انه سيتزوجها ويجعلها الملكة لاحقا.

تغير تفكير جوليان حاكم سبتة بالكامل فقد أصبح مستعد لأن يقدم كل تسهيل لجيش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، تواصل معهم وأخبرهم بما حصل مع ابنته وأنه لن يكون وفيا لمن تعدى على عرضه وأنه منذ الآن سيكون معهم مساعدا ووفيا لفتح الأندلس كلها أمامهم، حتى يقضوا على هذا النمط من الحكام وعلى الكهنة المتحالفين معهم ورفع الظلم عن الشعب الأندلسي كله.

وبالفعل فتح جوليان سبتة أمام جيش طارق ومن هناك عملوا لبناء سفن تساعدهم للانطلاق الى الطرف المقابل من المضيق واعطاهم جوليان سفنه ليعبروا فيها أيضا، دخلت كتيبة منهم لتتعرف على واقع البلاد وعادت بالمعلومات المطلوبة، طلب منهم الخليفة الوليد التريث لكي لا يحصل معهم كما حصل مع عقبة بن نافع، دخل جيش طارق الأندلس عبر البحر وبدأ يفتح المقاطعات واحدة تلو الاخرى. كان قد أرسل الخليفة مولاه مغيث الرومي عينا له تخبره بكل شيء. كان قائدا لفصيل من جند المسلمين. يخبر الخليفة اول باول كل شيء. يضمر في نفسه أن يوغر صدر الخليفة على طارق وموسى أنهما لا يلتزمان بالأوامر القادمة من الخليفة ويعملون لأنفسهم. بحيث يبعدهم الخليفة ويكون هو حاكم الاندلس لاحقا بعد الفتح.

نعم لم يلتزم طارق لأوامر قائده موسى بالتريث بعد الفتح. لأن كل مقاطعة يفتحها يهرب الجند منها فإن لم يتبعهم لمقاطعة أخرى ويهزمهم قبل التجمع والتجهيز لمواجهته مجددا، سيكون صعبا عليه مواجهتهم. كان يترك في كل مقاطعة يفتحها بعض جنوده لكي لا يتمرد أهل المدينة بعد مغادرته.

كان جيش طارق صغيرا يصل الى حوالي السبعة آلاف مقاتل راجلين وليس لديهم الاحصنة بحيث لا يتواجد بينهم فرسان. أما جيوش المقاطعات فهم دائما أكثر عدة وعددا، لكن البعد العقائدي الديني الايماني الاسلامي وأن الجهاد فرض وأن الموت شهادة وأن الجنة هي المنتهى جعلتهم مقدمين على القتال ومتفوقين على أعدائهم دائما. هذا غير التخطيط الصحيح واستغلال الفرص وإدراك فن المناورة والحرب في كل معركة كما تتطلب.

وصلت الأخبار للملك الجديد رودريك وجمع جيشا يصل الى مئة الف لمواجهة جيش المسلمين، وكان طارق قد اختار مكانا للقتال يستفيد من قلة عددهم وعدم قدرة الملك استخدام كل جيشه. وفي نفس الوقت طلب المدد من قائده موسى الذي جمع خمسة آلاف مقاتل والتحق بطارق يقودهم الى ان وصل إليهم قبل وصول جيش الملك القادم من عمق الأندلس حيث كان يحارب أحد حكام المقاطعات حتى يفرض عليهم الولاء والطاعة والتبعية له كونه ملك جديد.

اعتمدت إدارة المعركة الفاصلة مع الملك على التدريب والتجهيز والتجييش العقائدي الإيماني للمسلمين من القادة موسى وطارق. كما اعتمدوا على الحيلة والدهاء وتأليب جيش الملك بالاستعانة بجوليان الذي يعمل حتى ينتقم لشرف ابنته. لقد هزم جيش الملك في يومين متتاليين وسقط له قتلى كثيرين. مما جعل امكانية التفاهم بين جوليان وطارق والقادة المتحالفين مع الملك، أحدهم كان يقاتله ليستولي على حكمه قبل مجيء جيش المسلمين. والآخرين اولاد الملك السابق الذي قتله هذا الملك وسلب كل أملاكه وسلب حق اولاده ان يحكموا ورثة لحكم ابيهم.

لقد كانت اخبار فتوحات طارق وموسى تؤكد عدالة هؤلاء الفاتحين الجدد وأنهم لا يسفكون الدماء الحرام، وأن من يسلم يحافظ على حقوقه كاملة ومن يسالم يدفع الجزية وإن الكنائس مصانة ولا يتم سلب احد ماله أو ملكه، إلا ما يحصله الفاتحين من المحاربين والحكام المقاتلين بعد النصر عليهم من غنائم مباحة لهم.

كل ذلك جعل الناس يستبشرون بالفاتحين المسلمين و يتوقون إلى العيش في ظل عدالتهم. وجعل الكثير من جند الملك ينسحبون من المعركة ويتركونه مع عدد أقل بمعنويات هابطة، سواء لهزائم الأيام الاولى التي منوا بها، أو انسحاب الكثير من المقاتلين من المعركة. كان قرار طارق وموسى ان يقاتلوا حتى يقتلوا الملك و بمقتله ينهزم الجيش مهما كان عددهم كبيرا. وهكذا حصل.

استمر القتال مع من هرب كان بينهم قائد أصرّ على اعتبار الحرب بين المسلمين الفاتحين وبينهم صراع بين المسيحية والاسلام. وان النصر يأتي لهم عندما يعودون لدينهم المسيحي و يلتزموا به ويقاتلون لأجله عندها سينتصرون ليستعيدوا الأندلس من يد المسلمين ولو بعد مئات السنين، في اشارة لقادم الايام.

قتل طارق الملك في المعركة وهزم جيشه، وبدأ بعد ذلك طارق وموسى وعبد الله بن موسى و مغيث الرومي يتوسعون في الفتوحات داخل الأندلس حتى دانت كلها للمسلمين.

في ذات الوقت كانت رسائل مغيث الرومي تصل للخليفة وتزيد الغل على طارق وموسى في نفسه. فأرسل لهم من جلبهم إليه في الشام. وتأمل مغيث أن يكون الحاكم للأندلس. وصل طارق وموسى الى فلسطين التي كان يحكمها سليمان بن عبد الملك ولي عهد الخليفة الوليد، وطلب من موسى وطارق التريث بالذهاب إلى دمشق حتى ما بعد وفاة الخليفة الوليد ويستقبلهم هو ويكون له مجد استقبال فاتحي الأندلس. لكنهم رفضوا التأخر عن الخليفة، وهذا أدى لانزعاج سليمان منهم وتوعدهم بحساب قادم. وعندما وصلوا إلى الخليفة المريض تحامل على نفسه وحاسبهم عن عدم الاستجابة لطلبه التريث وعن كونهم يعملون لأنفسهم دون طاعة الخليفة، أوضحوا له ضرورة استمرار الهجوم على الاعداء لكي لا يأخذوا فرصة بالتجمع مجددا ومهاجمة المسلمين. كما علم طارق بأن موسى قائده كان قد اشتكاه الى الخليفة سابقا أنه لا يلتزم بأمره له بعدم التوسع بالفتح. وتركت في نفسه غصة. تفهم الخليفة الأمر لكنه منعهم من مغادرة دمشق حتى يبت في أمرهم.

مات الخليفة الوليد وجاء الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي التقى بطارق وموسى وحاسبهم ومن بعد ذلك هدأت نفسه وسامحهم. وجعل موسى من اخصّائه وبحث عن طارق في دمشق ولم يجده طارق الذي قرر الاختفاء والاعتكاف.

 رافق موسى بن نصير الخليفة في رحلة الى الحج فمات هناك ودفن في البقيع في مدينة رسول الله. أما موسى فقد تنكر واعتكف في الجامع الأموي الكبير في دمشق واستمر فيه حتى توفي ودفن في مدفن الباب الصغير في دمشق.

أما مغيث الرومي الذي كان يعمل لنفسه ويوغر قلب الخليفة على طارق وموسى فقد أبعده الخليفة الجديد عن اي دور، وهكذا يحيق المكر السيء بأهله.

كان للفتوحات هوامش تدل على عمق الدخول الإسلامي في مجتمع الأندلس وحياة ناسها وحكامها.

الاميرة فلورندا ووالدها وعائلتها يسلمون… الملكة التي عملت لتنتقم لزوجها اولا ثم ضد المسلمين الفاتحين يتزوجها القائد عبد الله بن موسى بن نصير. الأميرة سارة ابنة الملك الذي قتله رودريك التي جاءت الى دمشق مع اخوتها تطالب بحقوقهم بالملك والأملاك. واعطاهم طارق وموسى الأملاك وأقر الخليفة بذلك واكد ان الاندلس صارت إسلامية ولا حكم لهم بعد ذلك. عادت لدمشق ثانية تشتكي للخليفة مجددا لعلها تحصل على حق ما. وهناك تسلم وتتزوج من صحابي  وتستقر هناك…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

نحن أمام رواية  تضعنا في لحظة تاريخية مهمة وتركز الضوء عليها، انها لحظة فتح الأندلس التي جعلت المسلمين حكاما لها لقرون ثمانية، هذا ونحن نعلم أن الرواية اصلا  سيناريو أصبح مسلسلا يحمل نفس العنوان ويصور ذات الأحداث ويوثق هذه اللحظة التاريخية بكل معانيها.

الرواية تعيدنا إلى ماض نرى من خلاله أننا كنا قادة العالم حاملين مشعل التنوير والعدل والإسلام. واننا فيما نحن فيه الآن من تخلف وتبعية واستعمار وضحية استعباد واستبداد الأنظمة، لسنا هكذا بالاصل بل نحن ضحايا هذه الحال واننا ان ادركنا ما يتوجب علينا فإننا سنعود امما قائدة للتنوير والعدل والخير وبناء الحياة الأفضل.

في الرواية رسائل كثيرة متضمنة تُقال لتصل الى الناس الذين يقرؤون الرواية أو يشاهدون المسلسل حول العدل والحرية والثورة على الظالمين كما هو حالنا في الربيع العربي، والرسالية في الحياة، حول التضحية والقيام بالواجب والتفكير بالقيام بالدور المطلوب وانتظار المثوبة من ربّ العباد وليس العباد.

الرواية جاذبة نقرأها بشغف نصبح جزءا من سياقها، وجزء من الحالة المعاشة، تذكرنا برواية الأجندة التي عشنا في أجوائها بحميمية وانجذاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى