بستان بوريل وبستان هشام

ابراهيم الجبين

“بستان بوريل” ينهار تماماً، اقتصادياً واجتماعياً، في مواجهة فايروس كورونا، قبل أن نكتشف أنه تحت الاستعمار الروسي عبر الغاز.

لم تنهضم معنا نحن العرب قصة الغابة والبستان التي بشرنا بها السيد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، رغم اضطراره إلى الاعتذار والنفي، بعد أن استدعت دولة الإمارات، بشجاعة واحترام للذات، القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لديها طالبة تفسير ما اعتبرتها تصريحات عنصرية أدلى بها بوريل.

قال بوريل خلال افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة في بروج في بلجيكا قبل أيام، إنه يرى أن أوروبا والولايات المتحدة “بستان” ومعظم العالم “غابة” يمكن “أن تغزو البستان”.

وشرح لنا فلسفته الجديدة بالقول “إن اتساع هذا العالم الذي لا يتقيد بقوانين، وتفشي هذه الحالة من الإخلال بالقواعد هو ما قصدته عندما تحدثت عن ‘الغابة’. وحديثي عن ‘الغابة’ ليس له أي دلالة عنصرية أو ثقافية أو جغرافية، وقد أساء البعض تفسير الاستعارة على أنها اعتناق لفكرة المركزية الأوروبية الاستعمارية. أنا آسف إذا شعر البعض بالإهانة”.

تعالوا نتحدث عن “البستان” الذي يصفه بوريل، والذي ينشغل حتى مساء الأربعاء باستصدار قوانين تتيح المخدرات والحشيش للشباب فور بلوغهم الثامنة عشرة من العمر، والذي يقيم الحملات من أجل دعم المثلية الجنسية وشرعنتها، “بستان بوريل” ينهار تماماً، اقتصادياً واجتماعياً، في مواجهة فايروس كورونا، قبل أن نكتشف أنه تحت الاستعمار الروسي عبر الغاز.

“بستان بوريل” الذي يتظاهر بالحداثة والتقدّم، يرفض وهو في أحلك الظروف تنمية الدول النفطية في أفريقيا وبقية أنحاء العالم، في الوقت الذي يستجدي منها الغاز لتعويض الإمدادات الروسية، كي تبقى “الغابة” متخلفة ويستفيد سكان “البستان” من ثرواتها.

“بستان بوريل” يفضّل فيه الشباب، من أهل البستان الأصليين لا من أولئك الغزاة القادمين من الغابة، الاعتماد على مساعدات الدولة المالية، بدلاً من العمل، لأن تلك المساعدات تتساوى تقريباً مع دخل الموظفين في سوق البستان إياه.

ولم يكذب بوريل، بل قال فقط بعفوية ما يتكتم عليه الدبلوماسيون وقادة الرأي في الغرب. ولم أتذكر حين سمعت كلمة “بستان” من بوريل، سوى قصيدة الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل، حين وصف ما فعله العرب في فتوحاتهم التي ما يزال بعض المتهافتين يعتبرونها غزواً واحتلالاً. قال عقل في بيته الشهير “أمويون فإن ضقتِ بهم، ألحقوا الدنيا ببستان هشام”.

تلك المنطقة المعروفة حتى اليوم في دمشق بـ”ؤء” صارت حينها فضاء واسعاً للجميع من حدود الصين إلى الأندلس التي انتقلت عبرها العلوم والثقافة والجامعات إلى “بستان بوريل”، وحين فعلنا ذلك فعلناه دون أن نعتبر الآخرين برابرة وهمجاً، مع أن الراهن يثبت أنك حتى لو أسكنت العنصري في “بستان” فسيبقى همجياً إن لم يرغب بالتحضّر.

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى