يصعّد “تحالف الشعب” الحاكم في تركيا من خطابه الاقصائي ضد حزب “الشعوب الديموقراطي” الموالي للأكراد في البلاد، مستخدماً لغة تخوينية ومركزاً على ربطه مع الإرهاب نظرياً، واستخدام القوّة المفرطة ضد نشاطاته الميدانية، من الناحية العملية، في محاولة لرد صاع الخسارة التي تسببت بها سياسات الحزب للسلطة في الانتخابات المحلية الأخيرة، وقطع الطريق أمام أي شراكة بينه وبين المعارضة السداسية.
ووصف تقرير للجنة المراقبة التابعة للمجلس الأوروبي صدر قبل أسبوع بعنوان: “انتخابات 2023” في تركيا، دعاوى حل حزب “الشعوب الديموقراطي” بـ”الإشارة المقلقة”، محذّراً من تبعات ذلك على سجل الحريات وحقوق الإنسان المتردّي في تركيا ونتائجها على علاقة أنقرة بالمجلس، فيما دانت الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي في اجتماعها قبل أيام التعدّيات بحق برلمانيي الحزب والممارسات غير الحقوقية المتّبعة ضدهم.
دعوتان قضائيتان ضد الحزب
يواجه حزب “الشعوب الديموقراطي” المعروف بقربه من الأكراد والممثّل الأقوى للتيارات اليسارية والأقليات في تركيا، دعوتين قضائيّتين، سيؤدي أي قرار بالإدانة صادر عن إحداهما إلى تحوّل كبير في سياسة الحزب الحاصل على أكثر من 10 في المئة من أصوات الناخبين في البلاد في كل الاستحقاقات الدستورية خلال السنوات الأخيرة، ما سينعكس على السياسة الداخلية التركية في شكل واسع.
ويقول عضو المجلس، بركات كار، في حديث الى “النهار العربي” إن “الضغوط والعنف والتوقيفات بحق “الشعوب الديموقراطي” تتزايد مع اقتراب موعد الانتخابات وستزداد وفق التقديرات، وهو ما نراه بشكل جلي في الدعاوى المرفوعة ضد الحزب والتوقيفات التي تطاول مسؤوليه والعنف المستخدم ضد برلمانييه الذين من المفترض أنّهم يتمتعون بحصانة دستورية”.
وتتمثل المسارات القضائية ضد الحزب بالدعوى التي رفعتها المحكمة الدستورية مطالبة بإغلاقه، ودعوى أخرى باتت تعرف باسم “قضية كوباني” حيث يتم محاكمة 450 من مسؤولي حزب “الشعوب الديموقراطي”، من بينهم 22 موقوفاً، رُفعت بحقهم أحكام مختلفة أقلّها منع مزاولة النشاط السياسي لمدة 5 سنوات.
ويعتقد كار أن “قضية كوباني، التي من المتوقّع أن تخلص نهاية العام الحالي، في حال إقرارها أحكاماً بمنع مزاولة النشاط السياسي، فإنها ستهيئ الأرضية لصدور حكم بإغلاق الحزب وحله من قبل المحكمة الدستورية”.
وفي تقرير “لجنة الوفاء بالالتزامات والتعهّدات (لجنة المراقبة) للدول الأعضاء في مجلس أوروبا”، خلصت إلى أن “تغيير النظام في عام 2017 أضعف المؤسسات الديموقراطية (في البلاد) بشكل كبير”، مكررة دعوتها لتنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإطلاق سراح رجل الأعمال عثمان كافالا والرئيس المشارك السابق لحزب “الشعوب الديموقراطي” صلاح الدين دميرتاش.
ورأت اللجنة أن “الضغوط على المعارضة، ومحاولة إغلاق حزب “الشعوب الديموقراطي”، والقيود المفروضة على حرية التعبير والإعلام، والتفسير الفضفاض لقانون مكافحة الإرهاب لا تزال مقلقة”، داعية “السلطات التركية إلى توفير جميع الشروط اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.
واعتبرت اللجنة “رفع دعوى قضائية ضد ثاني أكبر حزب معارض، إضافة إلى المضايقات والاعتقالات المستمرة لأعضائها وممثليها وقادتها المنتخبين، هي في حد ذاتها إشارة مقلقة، وتؤثر في عمل المؤسسات الديموقراطية والتعددية السياسية على المستويين الوطني والمحلي. وتؤكد أنها أضعفتها بشكل خطير”.
الأمم المتحدة قلقة أيضاً
ركّز تقرير لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي (IPU)، التي تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، في دورتها الـ145 المنعقدة في رواندا في الفترة بين 11 و 16 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، على الممارسات غير القانونية بحق برلمانيي حزب “الشعوب الديموقراطي”، حيث تم توجيه أكثر من 600 “تهمة إرهابية” ضدهم منذ 20 أيار (مايو) 2016. كما تعرّض 30 برلمانياً من الحزب للاعتقال منذ عام 2018، ولا يزال 11 نائباً رهن الاعتقال، فيما تم تجريد 13 نائباً عن حزب “الشعوب الديموقراطي” من مقاعدهم البرلمانية.
وتتزايد المخاوف لدى برلمانيي الحزب وناخبيهم من تصاعد العنف المتّبع ضد النوّاب من قبل الأجهزة الأمنية التركية، وكان آخرها تعرّض النائب عن ولاية “أغدير” حبيب اكسيك للضرب المبرح على أيدي عناصر الشرطة، ما أدّى إلى مكوثه في المستشفى نتيجة تعرّضه لكسور في رجليه.
وفي تصريح الى “النهار العربي” أكّد النائب المعتدى عليه حبيب أكسيك، أن “حادثة الضرب كان مخططاً لها… سقطت على الأرض بعد أن كسرت الشرطة قدميّ، وعلى الرغم من مناشداتي وصراخي بكوني نائباً منتخباً لتمثيل الشعب، استمروا في ضرب قدميّ المكسورتين وركلهما بأحذيتهم، فيما كان باقي العناصر يحاولون كسر قدميّ زميلي سعيد ديدي”.
وردّاً على سؤال عما إذا كانت التظاهرة التي فرّقتها الشرطة بالقوة مرخّصة أم لا، أوضح أكسيك أن “التظاهرة كانت للمطالبة بحل القضية الكردية على أساس ديموقراطي. يمكننا دستورياً تنظيم التظاهرات والتجمّعات التي لا تدعو إلى العنف، من دون الحصول على إذن مسبق… إنه حق مصان في الدستور، ومع ذلك فإن زملاءنا في الحزب والبرلمان في يوكسيكوفا أعلموا مكتب الوالي وقيادة شرطة المدينة بالتظاهرة”.
وقعت الحادثة في مدينة يوكسيكوفا التابعة لولاية هكاري ذات الغالبية الكردية، أثناء تجمّع دعا إليه الحزب في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في كل أنحاء تركيا، تنديداً بحرمان الزعيم الكردي المعتقل عبدالله أوجلان من الحقوق المنصوص عليها في أصول المحاكمات الجزائية، إضافة إلى إطلاق نداء لحلّ القضية الكردية بالطرق السلمية وبعيداً من العنف.
لكن الشرطة التركية فرّقت التظاهرة باستعمال القوّة المفرطة والمياه والقنابل المسيلة للدموع، معتدية بالضرب على النواب الذين حاولوا تلاوة بيان يخص المشاركين في التظاهرة التي دعوا إليها ومناسبتها.
وردّاً على ذلك صعد نواب المجموعة البرلمانية لحزب “الشعوب الديموقراطي”، الذين تعرّضوا للضرب على أيدي الشرطة، إلى منصّة البرلمان حاملين لافتات وصوراً لتعرض النائب حبيب أكسيك للضرب على يد الشرطة، مطلقين نداءً بعنوان: “دعونا نقول جميعاً … لا للدولة البوليسية”.
ويشرح أكسيك أن “السلطة بعد الانقلاب الفاشل في 15 تموز (يوليو) 2015، قامت بانقلاب مدني نتج منه إلغاء كل الحقوق الدستورية، وبشكل خاص في ولايات كردستان”، متّهماً حكومة حزب “العدالة والتنمية”، “بالقضاء على كل أشكال الحل السلمي للقضية الكردية بشكل متعمّد”.
ويختم اكسيك حديثه إلى “النهار العربي” بالقول إن “استخدام العنف ضد نواب “الشعوب الديموقراطي” والتيارات السياسية التي يمثلها فعل مألوف من قبل الحكومات التركية المتعاقبة، لكن الوضع في السنوات الخمس الأخيرة بات جنونياً. هناك اعتداءات منظّمة ومخطط لها بحق زملائنا، وهو ما يزيد من قلقنا بخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات”.
واعتبرت الرئيسة المشتركة لحزب “الشعوب الديموقراطي” بروين بولدان، “الهجوم على شخص حبيب أكسيك موجهاً ضد الحزب”، قائلة في تجمّع للحزب في ولاية أغدير بالأمس إن “هذا الهجوم هو على الأكراد بشخص حبيب”، منددة بقيام “وزارة الداخلية والولاة والمحافظين وحكّام المناطق وبيروقراطيي أنقرة بالدفاع عن فعل الاعتداء وتأييده”.
كما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسماً أطلقه نشطاء يمينيين تحت مسمّى “نقف مع شرطتنا” تعبيراً عن تأييدهم للاعتداء على النائب حبيب أكسيك، في مشهد قد يكون الأوضح حيال مستوى الاستقطاب السائد في تركيا التي دخلت رسمياً أجواء الانتخابات المصيرية المقرر اجراؤها في تموز (يوليو) 2023.
المصدر: النهار العربي