في ذكرى”جمال الغيطاني “

صلاح زكي أحمد

( … في مثل هذا اليوم من عام ٢٠١٥ ، ودعّ الدنيا واحداً ممن مثلوا نبضة صادقة وحية من ضمير الوطن ، كان منهم ” نجيب محفوظ ” و” أحمد بهاء الدين ” و ” يوسف ادريس ” و ” محمد حسنين هيكل ” وغيرهم كثير …

غير أن ” جمال الغيطاني ” الذي عرف طريقه الى عالم الإبداع ، من باب عشقه وإتقانه لمهنته الأولى ” صناعة النسيج ” يتميز عن بعض من شاركه هذا الفضل ، بأنه جمعّ على نحو نادر واستثنائي بين :

التراث والمعاصرة في حياتنا على نحو فريد وعريق …

*******

كان ” جمال الغيطاني ” حارساً أميناً لتراث وطنه ، تراه يُناجي الحجر والأثر في شوارع وميادين القاهرة العتيقة ، في الجمالية والحسين والسيدة زينب وغيرها وغيرها …

أما في الأدب ، فقد جاء عطاؤه جميلاً وراقياً ، فمن الزيني بركات الى متون الأهرام الى ” رّن ” الى التجليات ومنها الى حكايات المؤسسة …

سلسلة طويلة من الإبداع تُلخص مشواره مع الحياة والوطن …

*******

أما معركته المُعاصرة ، فقد بّلغت ذروة الوعي والوطنية المصرية الخالصة ، كانت معركته هي الدفاع عن حرب الإستنزاف العظيمة ١٩٦٧ / ١٩٧٠ ، حرب الثلاث سنوات …

********

فّغداة حرب أكتوبر المجيدة انطلقت سموم الكراهية التي أطلقها الرئيس” السادات”  رحمه الله ، ضد كل ما ينتسب الى تاريخ الوطن في عصر سلفه الكبير ، اذ سمح لواحد من كّتبّة هذا العصر أن ينهش في اللحم الحي لوطن عظيم ، بل أن يأكل لحم شهداء هذه الحرب العظيمة بكل وقاحة وكذب وافتراء !!!

******

كانوا مجموعة ممن كان يطلق عليهم أطفال الشوارع ، أو الكلاب الضالة  في الصحافة المصرية ، تعددت أسماءهم وصفاتهم ، منهم من كان مُهربا للسجائر الأجنبية في مطار القاهرة ، وآخر زعم زيارة العالم في ٢٠٠ يوم ، وثالثهم هو صحفي موهوب  ، وموهوب جداً ، بدأ حياته الصحفية بكتاب مهم عنوانه ” ملك و٤ وزارات ” غير أنه وصُفّ يوماً من الأستاذ ” هيكل ” بأنه ” صنف غريب من الناس على استعداد أن يصنعوا  من بُطُون أمهاتهم طبولاً يُدق عليها لأي حاكم “!!

أما أخطرهم ، ورأس الحربة الطائشة في معركتهم الخاسرة ، هو أستاذ جامعي بدأ حياته يسارياً ، تلميذاً على يد الدكتور ” محمد أنيس ” شيخ مؤرخي  مصر والعصر ، وكان أول المُنقلبين عَلى أستاذه !!

لقد ختم حياته الأكاديمية والوطنية والإنسانية أسوأ خاتمة ، لقد ارتضى الدكتور ” عبد العظيم رمضان ” أن يكون مُمثلاً لمدرسة الإنحطاط  الإنساني والأخلاقي ، وأن يكون ، للأسف ، صوتاً للشيطان في محاكم مصر !!! …

*****

 يومها تّصدىّ لهذه الشرذمة الضالة  ” جمال الغيطاني ” المُراسل الحربي القديم ، فقد أخّذّ على عاتقه القيام بمهمة جليلة ، وهي  فّضحهم في كل كتاباته ، ولاحق جريمتهم في حق الوطن في محاكم مصر المحروسة !!

وعندما إنتصر القضاء الوطني المصري ، لدماء شهداء الوطن ، إنفجّر ” الغيطاني ” في البكاء !!!

وعندما وجه له الحضور سؤالاً منطقياً ، وهم في قمة الدهشة  :

” لماذا تبكي ، لقد أجّهزت  على من اعتدوا عَلى التاريخ المُشرِف لهذا البلد ” ؟؟؟

أجاب بكل صدق :

” أبكي الآن من الفرح ، لقد انتصرت مصر لأرواح الشهداء “

******

أخي الحبيب ” جمال ”  ، أني أغبطك ، فشهداء الوطن في استقبالك ، بإذن الله ، على شاطئ نهر الكوثر في الفردوس الأعلى من الجنة ، ألّم تُقاسمهم لُقمة الخبز على شاطئ القناة في زمن حرب الإستنزاف المجيدة  !!

هنيئاً لك ، أنت تستحق هذا الفخر والمجد وأكثر …)

******

 

المصدر: صفحة د مخلص الصيادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى