كيف ترى الولايات المتحدة زيارة بن زايد إلى روسيا؟

قبل أيام، سافر رئيس الإمارات “محمد بن زايد” إلى روسيا للقاء الرئيس “فلاديمير بوتين”، وبالرغم أن أبوظبي بررت هذه الزيارة باعتبارها محاولة لتسهيل عملية التفاوض بين موسكو وكييف، فإن الزيارة نفسها تهدد بمزيد من التوترات في العلاقات مع الولايات المتحدة.

ويأتي ذلك بعد أسبوع واحد فقط من قرار الإمارات والأعضاء الآخرين في “أوبك+” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا في الوقت الذي تعاني فيه أسواق الطاقة العالمية من تداعيات غزو أوكرانيا.

وفشلت الضغوط التي مارستها إدارة “بايدن” في منع هذا القرار الذي يهدد بعواقب وخيمة على كل من أسواق الطاقة الأمريكية والأوروبية. وفي مثل هذه البيئة الدولية المعقدة، تشير الزيارة التي قام بها “بن زايد” إلى اهتمام بلاده المتزايد بتنويع شراكاتها، بغض النظر عن كيفية رؤية واشنطن لذلك.

وبالإضافة إلى موقف أبوظبي والرياض المتردد بشأن حرب أوكرانيا، فإن اجتماع “بن زايد” مع “بوتين” هو أحدث دليل على تحول العلاقات بين الولايات المتحدة وممالك الخليج.

وفي هذا التقرير، يحلل خبراء المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية زيارة “بن زايد” إلى موسكو.

مخاطر على سمعة “بن زايد”

يرى “أندرياس كريج”، الباحث والمحاضر بكلية الدراسات الأمنية في “كينجز كوليدج لندن”، أن رئيس الإمارات يخاطر بسمعته عبر هذه الزيارة في وقت تتزايد فيه التوترات بين الغرب وروسيا.

وبالنظر إلى أن الإمارات أهم حليف لروسيا في الشرق الأوسط، وأنه كان لها دور فعال في تسهيل تهرب الكرملين من العقوبات، فإن تصرفات أبوظبي تخضع حاليًا للتدقيق في أوروبا والولايات المتحدة. لذلك فإن القيام بهذه الرحلة في الأسبوع التالي لقرار “أوبك+” يعني أن “بن زايد” يجب أن يعرض إنجازًا ملموسًا بعد الاجتماع مع “بوتين” يتجاوز مجرد العلاقات المعتادة.

ويرغب الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، في رؤية الإمارات تلعب دورًا بناءً في تسهيل حل سياسي في أوكرانيا، وينتظر الغرب أن تستخدم أبوظبي نفوذها وتأثيرها في موسكو في سبيل ذلك، وفق ما يراه الباحث.

الإمارات وإعادة التموضع الجيوسياسي

وقال “عماد حرب”، مدير الأبحاث في المركز العربي في واشنطن، إن زيارة “بن زايد” إلى روسيا تساعد في فهم إعادة معايرة السياسة الخارجية الإماراتية تجاه القوى العالمية.

وفي هذا المنعطف الحرج في السياسة الدولية، تُظهر الزيارة أن “بن زايد” يتصالح علنًا مع سياسات “بوتين” العدوانية تجاه جيران روسيا المباشرين، ومن المؤكد أن الزيارة تشير إلى أن الإمارات أصبحت مكونًا آخر ضمن محور استبدادي عالمي بزعامة روسيا والصين.

كما تعزز الزيارة مكانة الإمارات في “أوبك+”، حيث لا تقدم أبوظبي نفسها كممثل اقتصادي فقط، وإنما كممثل جيوسياسي في السياسة الدولية أيضا. لكن هناك احتمالان خطيران ومرتبطان بشكل وثيق ويثيران القلق بالنسبة لاعتبارات أبوظبي الاستراتيجية المستقبلية، وفق ما يراه الباحث.

الأول هو الاحتمال الواضح بأن تخسر روسيا حربها في أوكرانيا، مما سيتسبب في الأفول السياسي لـ”بوتين” وتراجع موسكو كقوة عالمية، والثاني هو أن تفقد الولايات المتحدة الاهتمام  بإقامة علاقة استراتيجية مع أبوظبي؛ مما يؤدي إلى إضعاف وضع الإمارات مقابل إيران وغيرها من الجهات الفاعلة في الخليج.

روسيا لا تزال شريكًا رئيسيًا

ترى الباحثة في منتدى الخليج الدولي “ديانا جاليفا” أن العلاقات بين موسكو وأبوظبي كانت صلبة قبل غزو أوكرانيا. ففي عام 2020 وحده، زادت الإمارات تجارتها مع روسيا بنسبة 78% على أساس سنوي، ويمكن القول إن العقوبات الغربية وانعدام الأمن الناجم عن الحرب الأوكرانية عزز بشكل غير مباشر مثل هذه العلاقات الثنائية. وعلى سبيل المثال، ارتفع شراء الروس للعقارات في دبي بنسبة 67% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022.

أما على المستوى متعدد الأطراف، فقد حاولت الإمارات موازنة موقفها إزاء الأزمة، مستخدمة موقعها كعضو منتخب في مجلس الأمن للامتناع عن إدانة غزو روسيا. ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، صوتت لصالح قرار مدعوم من الولايات المتحدة يدين الاستفتاءات “غير القانونية” التي أجرتها موسكو في عدة أقاليم أوكرانية.

وحاولت الإمارات أيضًا تطبيق القوة الناعمة من خلال العمل كوسيط في الصراع، وهو السياق الذي حاولت وضع زيارة “بن زايد” إلى روسيا فيه. ولا تزال موسكو شريك “أوبك+” رئيسي لأبوظبي، لكن رئيس الإمارات كان حريصًا أيضًا على إبقاء الحوار مفتوحًا مع رئيس أوكرانيا.

واشنطن تراقب موقف الإمارات

ترى الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن “كريستين سميث ديوان” أن اجتماع “بن زايد” مع “بوتين” جاء كضربة ثانية (من وجهة النظر الأمريكية) بعد خفض إنتاج “أوبك+” الذي يزود موسكو بالمكاسب المالية، مما يزيد من نفوذها على الخصوم الغربيين مع استمرار التضخم في الارتفاع ومواجهة أوروبا لخطر الشتاء البارد.

وفي هذه الأثناء، تجلت العلاقات الدافئة بين “بن زايد” و”بوتين”، لدرجة أن الأخير قدم معطفه إلى الرئيس الإماراتي لدرء برد سانت بطرسبرج.

ولن تنجح سردية الإمارات العلنية في تبرير الزيارة (باعتبارها مهمة سلام) في صرف الانطباع السلبي الذي تركته في واشنطن. وفي الوقت الذي يرى فيه المحللون أن “بن زايد” سيكون محاورًا أكثر تأييدًا لروسيا من تركيا، لن تتغافل الولايات المتحدة عن العلاقات المتنامية بين الدولتين.

ومع ذلك، فإن تركز غضب الكونجرس على السعودية قد يجعل الإمارات تفلت من مواجهة الأسوأ. ومن المحتمل أن يدير “بايدن” العلاقة مع أبوظبي بشكل يكسر قيادة الرياض لورقة النفط ويكسر وحدة “أوبك+”.

 

المصدر | المعهد الإيطالي للدراسات الدولية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى