قبل عامين من هذه اللحظة وصف الجراح الأميركي جيروم آدامز الأيام التي كان يعيشها الناس في أميركا في ظل تفشي فيروس كورونا، بأنه أشبه بأحداث 11 أيلول وبيرل هاربر، وقال آدامز في تصريحات لقناة “فوكس نيوز” وقتها “سيكون أشبه بلحظة بيرل هاربر، وبلحظة 11 أيلول، إلا أنّه لن يكون في مكان واحد”.
ذهب الفيروس، بعد أن أودى بحياة الملايين، وجاءت حرب بوتين على أوكرانيا، لترسم خريطة عالمية جديدة، بما تعنيه الكلمة، انشطار هائل في عالم المصالح والاقتصاد والأمن، وتحالفات تزدهر وأخرى تذوي أو تواجه اختبارات حادة قد تؤدي إلى انهيارها، ودعمت الولايات المتحدة ومعها الناتو جهود الرئيس فلودومير زيلينسكي للدفاع عن بلاده، دعماً يبقيه مستمراً وحسب، ولا يضمن له الانتصار أو حتى النجاة.
وفي حين يزداد تورط بوتين في أوكرانيا ترتسم ملامح جديد لقطبية أرادتها واشنطن تعتقد أنها ستمكنها من التفرّغ للصراع الأكبر مع التنين الصيني.
ولم يعد خافياً أن جزءاً من اللعبة كان استدراج بوتين للأرض السورية، كي تكون له ”مصيدة ذباب“ أيضاً كما سمتها المخابرات المركزية الأميركية، حين اعتبرتها كذلك للمتشددين دينياً ومن تسميهم بالإرهابيين، مصيدة لن يخرج منها إلا إلى ورطة أكبر منها في سوريا جديدة يظن أنه سيكون مظفراً فيها، لكن أوكرانيا ليست سوريا.
تقول تقارير قادمة من واشنطن إن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تزويد الأوكرانيين بمزيد من الذخائر والعتاد، فكل شيء ينفد. والوضع الذي نجم عن إنهاء الحرب الباردة وسباق التسلّح خفّض من الإنتاج العسكري إلى نسب مهولة لم تكن تتوقع أن هناك حاجة إليها في المستقبل.
في الوقت ذاته يعلن الألمان عجزهم عن الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالسلاح، وقريباً سيفعل الفرنسيون، تاركين لزيلينسكي مخرجاً وحيداً هو الاستسلام لبوتين. ولكن هل يمكن أن يفكّر الأوكرانيون بهذا الخيار الآن بعد أن أصبحت روسيا أكثر من عدوهم الأول؟ وبعد أن أصبحوا هم قادة التغيير في أوروبا؟ يبدو هذا مستبعداً جداً.
وكلما ضغط بوتين بسلاح الغاز والطاقة، رفعت الولايات المتحدة الأسعار التي تبيع بها لأوروبا الغاز إلى ثلاثة وأربعة أضعاف، في الوقت الذي تطلب فيه من دول الخليج العربي تعويض النقص وخفض الأسعار وزيادة الإنتاج (بلا مقابل).
المقابل الذي طالبت به دول (أوبك +) جاء على لسان الأمين العام للمنظمة الكويتي هيثم الغيص الذي قال صراحة في مؤتمر صحفي في فيينا الأسبوع الماضي إن ”أمن الطاقة له ثمن“. فما هو الثمن الذي تطالب به تلك الدول إن لم يكن حمايتها من التغول الإيراني وتوسع نفوذ الحرس الثوري الذي يحتل اليوم أربع عواصم عربية ويهدد باجتياح ما تبقى من دول المشرق؟
ما يزال حادث بيرل هاربر الذي أدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية لغزاً، فالبعض اعتبر أن الحادث كان من تدبير رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل بطريقة ما، وآخرون رأوا أن اليابان تورّطت في فعل غير محسوب، وغيرهم نسب الحادث إلى المجمع العسكري الأميركي الموازي للدولة والذي احتاج إلى دفع البيت الأبيض إلى التخلي عن الحياد وعرض إرسال الخيول والمساعدات الطبية وحسب إلى بريطانيا في وجه آلة هتلر الوحشية.
واليوم هناك كثيرون يمكن أن يدبروا مثل هذا الحادث غير المحسوب، لزج الولايات المتحدة في حرب عالمية ثالثة، بدلاً من ترك أوكرانيا وحدها في وجه المدفع الروسي، وبدلاً من ترك أوروبا تعاني من إعادة هندسة أمنها مقابل الدفء في الشتاء القادم ومقابل عدم توقف المصانع.
”بيرل هاربر“ جديد من شأنه أن يغيّر خريطة العالم ومعها مصير الأوكرانيين والسوريين والإيرانيين الذين لم يعودوا يحتملون سلطة رهيبة تتاجر بالدين والمذهبية وشعارات آل البيت من أجل مزيد من بسط النفوذ الفارسي القومي الذي يتقدّم محاولاً الانتقام من تاريخ العرب والمسلمين كله.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا