رغم الألغام الجيوسياسية.. || حرب أوكرانيا تبعث الأمل في رؤية أنقرة لـ”العالم التركي”

“حياة جديدة بعثها غزو روسيا لأوكرانيا في رؤية عالم تركي يمتد من الأناضول إلى شينجيانج في شمال غرب الصين”.. هكذا سلط المحلل الأمريكي “جيمس دورسي” الضوء على تداعيات التطورات الجيوسياسية على علاقات تركيا الخارجية، وامتداداتها الثقافية الإقليمية، واصفاً إياها بأنها “حقل ألغام” يواجه أنقرة.

وذكر “دورسي”، في تحليل نشره بموقع “أوراسيا ريفيو”، أن الحرب في أوكرانيا وتمدد نفوذ روسيا جعل دول آسيا الوسطى راغبة في موازنة علاقاتها بين موسكو وبكين من جانب، وفي توطيد علاقاتها بتركيا سياسياً ودفاعياً من جانب آخر.

وأضاف: “قد تكون هذه الفرصة مغرية لتركيا، لكن حقول الألغام الجيوسياسية فيها كثيرة وشديدة الخطورة” مشيراً إلى آسيا الوسطى تشبه حاليا فترة التسعينات، عندما احتدت المنافسة بين القوى العالمية والإقليمية على التأثير في المنطقة الغنية بالموارد.

واعتبر المحلل الأمريكي أن تطوير تركيا الناجح لطائرة مسيّرة أثبتت قدراتها في المعارك، وساهم في جعل أنقرة طرفاً في صراعات آسيا الوسطى، ومشاركاً فعلياً في حروب القوقاز؛ حيث تهتم بتأسيس علاقات جيدة مع أذربيجان، وحتى مع عدوتها اللدودة أرمينيا.

وضرب “دورسي” مثالاً باستخدام قرغيزستان للطائرات التركية المسيرة من طراز “بيرقدار تي بي 2” في الاشتباكات الحدودية بين الدولة الواقعة في آسيا الوسطى وطاجيكستان، وكذلك استخدام أوكرانيا لها في الحرب ضد روسيا، مؤكدا أن قيرغيزستان سعت، حتى قبل الاشتباكات الأخيرة، إلى تأخير بيع الطائرات التركية المسيّرة إلى طاجيكستان أو منعه، دون جدوى.

فقد أبلغ وزير خارجية قيرغيزستان “جينبيك كولوبييف” البرلمان، في أبريل/نيسان الماضي، أن تركيا استجابت لطلب قرغيزستان بالإشارة إلى أن بيعها الطائرات المسيرة “عمل تجاري” لا يعني الاصطفاف مع طرف دون طرف آخر.

لكن تبقى أوكرانيا حقل ألغام أكبر لتركيا بسبب يتجاوز بيع الطائرات المسيّرة، وهو خططها لبناء منشأة تركية لتصنيع الطائرات المسيرة في الدولة التي مزقتها الحرب ولديها صلات مع أتراك شبه جزيرة القرم.

فالرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” دعا روسيا، في أغسطس/آب الماضي، إلى إعادة شبه الجزيرة إلى “أصحابها الشرعيين” بعد أن ضمتها روسيا عنوة عام 2014.

وتعقّد الوضع في المنطقة على خلفية مساعدة تحالف من العشرات المنظمات المدنية القوقازية في تركيا للروس الذين يفرون إلى تركيا هربا من أداء الخدمة العسكرية بعد أن أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” التعبئة العامة.

وجاء دعم الروس الرافضين للقتال في أوكرانيا في الوقت الذي ناشد فيه الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” الشعوب الروسية لمقاومة استدعاء الكرملين العسكري.

وإزاء ذلك، اتهم عضو البرلمان الروسي “بيني سلطان خامزاييف” المحتجين على التعبئة العامة بأنهم “يخوضون جهادا بتوجيه من تركيا ضد روسيا”.

ويرى “دورسي” أن إلقاء اللوم على تركيا بسبب المشاعر المناهضة للتعبئة العسكرية والمناهضة لـ “بوتين” في القوقاز أكثر من مجرد تقديم كبش فداء، إذ تعود الاضطرابات في المنطقة إلى تصوّر “بوتين” للقوقاز على أنه نقطة ضعف لروسيا.

كما كان منع تمدد التوجّهات الإسلامية، التي ازدهرت في الحرب الأهلية السورية، إلى المناطق ذات الغالبية المسلمة في روسيا أحد أسباب تدخل “بوتين” عسكريا في سوريا لضمان بقاء نظام “بشار الأسد”.

وبالإضافة إلى محنة تتار القرم والدعم العرقي القوقازي للمشاعر المعادية لروسيا في حرب أوكرانيا، فإن المنفيين الإيجور هم مجموعة تركية أخرى تعقد رؤية العالم التركي، وتمثل حقل ألغام آخر أمام أنقرة.

فقد تصاعدت احتجاجات هؤلاء المنفيين مؤخرا على القمع الصيني الوحشي للأقلية التركية في شينجيانج، ويعتبر نشاطهم قضية حساسة لتركيا والصين؛ بسبب دعم أنقرة طويل الأمد لأبناء عمومتهم العرقيين وحقيقة أن تركيا هي موطن لأكبر مجتمع من الإيجور المنفيين في العالم، بينما لا تقبل الصين أيّ انتقادات خارجية.

وفي السياق، يشير “دورسي” إلى أن أنقرة سجلت نقاطا دبلوماسية في المنطقة هذا الأسبوع عبر ترتيب اجتماع ثلاثي غير رسمي بين “أردوغان” والرئيس الأذري “إلهام علييف” ورئيس الوزراء الأرمني “نيكول باشينيان” على هامش القمة الأوروبية في براغ.

وكان هذا أول اجتماع على الإطلاق بين “أردوغان” و”باشينيان”؛ إذ ليس لتركيا، التي دعمت أذربيجان في حرب القوقاز عام 2020، علاقات دبلوماسية أو تجارية مع أرمينيا منذ التسعينات.

ويسعى البلدان، على الرغم من الخلافات حول مقتل 1.5 مليون شخص تقول أرمينيا إنه كان على يد الإمبراطورية العثمانية، إلى إعادة العلاقات منذ أوائل السنة الحالية. ومع ذلك، يتعين على تركيا أن تخطو بحذر في تقاربها مع أرمينيا لضمان عدم الإضرار بعلاقتها مع أذربيجان، حليفتها الأولى في القوقاز.

وهنا يلفت المحلل الأمريكي إلى أن تصوير تركيا لنفسها على أنها حامية المصالح التركية والمسلمة ليس كافيا لمواكبة التقدم الصيني على الأرض في آسيا الوسطى، حتى لو كانت ستستفيد من التطورات الجيوسياسية لتفعيل ممر نقل بديل عبر أوراسيا من الصين إلى أوروبا يلتف على روسيا من خلال اجتياز الجمهوريات السوفياتية السابقة المستقلة.

ويستشهد “دورسي” بقول الباحث السياسي “رافايلو بانتوتشي” في ندوة عبر الإنترنت مؤخرا: “لم يكن لدى تركيا من القوة الاقتصادية ما يؤهلها للدخول إلى المنطقة بنفس الطريقة التي تدخل بها الصين على الرغم من التجارة النشطة مع دول آسيا الوسطى”، مشيرا إلى أن تركيا تأمل أن يؤدي تركيزها على الروابط الثقافية إلى تعويض ضعفها الاقتصادي.

المصدر : أوراسيا ريفيو – ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى